تحصد حوادث الطرق أرواح ما يقرب من 40 ألف شخص سنوياً في الولايات المتحدة. وينتج عنها معاناة مالية وعاطفية كبيرة للمجتمع. ويقع على عاتق المركبات آلية القيادة _ تلك السيارات التي تقود نفسها بعض أو كل الوقت _ تقديم العون. فمن خلال نقل مسؤولية القيادة من البشر إلى الآلات، تقلل هذه التقنية من فرص الأخطاء السلوكية التي يُلقى باللائمة عليها في معظم حوادث الطرق.
ومع ذلك، فإن الأنظمة الكامنة وراء المركبات آلية القيادة، وهي أجهزة الاستشعار والرادار وأجهزة الاتصالات، كلها أنظمة مكلفة مقارنة بالمركبات الأقدم (الأقل أماناً). وهنا تثور التساؤلات حول القدرة على تحمل تكاليف التقنية التي تنقذ حياة أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها. وبينما تتأثر جميع شرائح المجتمع بحوادث الطرق، فإن المخاطر أكبر بالنسبة للفقراء. على الأرجح سيموت هؤلاء الأفراد على الطريق بشكل أكبر نسبياً لأن السيارات التي يمتلكونها أقدم وتفتقر إلى وسائل السلامة المتقدمة ولديها تقييمات أقل في اختبارات التصادم.
طرح البعض إمكانية التحايل صراحة على عدم القدرة على شراء سيارات آلية القيادة من خلال عرض تلك المركبات للتأجير. بهذه الطريقة، المماثلة لسيارات الأجرة الحديثة، ستتوزع تكاليف التشغيل على عدد كبير من المستهلكين مما يجعل أسعار خدمات التنقل معقولة أكثر. ويقترح المدافعون عن تقنية ذاتية القيادة أن ما يسمى بالتاكسي الآلي، الذي تديره شركات ربحية، يمكن أن يحقق وفورات كبيرة للمستهلكين.
في بحثنا، أردنا التحقق من صحة هذا الأمر. هل من الواقعي توقع أن يصبح التاكسي الآلي منافساً من حيث التكلفة لامتلاك السيارات الأقدم في الوقت القريب؟ الجواب، وفقاً لتحليلاتنا، هو لا.
لقد ركزنا على مدينة سان فرانسيسكو. أولاً، حسبنا تكلفة امتلاك سيارة أقدم في منطقة خليج المدينة. ثانياً، استخدمنا البيانات المالية العامة المرتبطة بصناعة سيارات الأجرة المحلية لتقدير نفقات تشغيل التاكسي الآلي - أشياء مثل تكلفة السيارة والترخيص والتأمين والصيانة والتنظيف والوقود ومراقبة السلامة. ثالثاً، عدّلنا هذه النفقات لتشمل هوامش الربح المتصورة التي يتوقعها المستثمرون في هذه التقنية. وأخيراً، طبقنا اختبار الاقتصاد القياسي لتحديد إمكانية خفض أسعار التاكسي الآلي وتحت أي ظروف. يمكن اعتبار أرقامنا تقديرية، لكنها تعكس أفضل ما عرفناه حالياً حول التاكسي الآلي.
إذا افترضنا أن ظروف السوق الحالية لا تزال قائمة، فإننا نقدّر أن استخدام التاكسي الآلي سيكلف المستهلكين ما يقرب من ثلاثة أضعاف تكلفة امتلاك سيارة أقدم - على أساس الأميال. الدافع الأساسي لهذه النتيجة ليس التكلفة الرأسمالية للتاكسي الآلي، والتي افترضنا أنها مجرد 15 ألف دولار، وهي أقل بكثير من متوسط تكلفة شراء سيارة جديدة. كما أنه ليس بسبب ارتفاع تكاليف التأمين أو الغاز أو الصيانة. كل هذه التكاليف يمكن أن تنخفض إلى الصفر، ويظل وصم التاكسي الآلي بأنه لا يزال أغلى من امتلاك سيارة أقدم. وبدلاً من ذلك، فإن التعرفات العالية للتاكسي الآلي تعود إلى حد كبير إلى معدل استخدام السيارة - كم من الوقت الذي يقضيه هذا النوع من المركبات في نقل الركاب. (معدلات استخدام التاكسي الحالي تحوم حول 50%). الأمر الأكثر مدعاة للقلق، حتى لو كان معدل استخدام التاكسي الآلي مرتفعاً بشكل غير واقعي، وحتى إذا خفّض المستثمرون توقعات أرباحهم، فإن تكلفة توفير الإشراف على السلامة ستحتاج إلى تخفيض كبير (إلى أقل من الحد الأدنى للأجور حالياً) من أجل أن تكون أسعار التاكسيات الآلية منافسة لتكلفة امتلاك سيارة أقدم.
تشير نتائجنا إلى أننا بحاجة إلى تغيير طريقة تفكيرنا بشأن مستقبل التنقل. حتى الآن، يركز التدقيق العام على تقنية القيادة الذاتية على الإجابة عن أسئلة مثل مدى سلامة "قدر السلامة الكافية"؟ هل يمكن ترك توفير السلامة لسوق القطاع الخاص؟ وهل الأنظمة الحالية فعالة وجديرة بالاهتمام؟ إن معالجة هذه الأسئلة أمر مهم نظراً لإمكانيات التقنية ذاتية القيادة في معالجة ما وصفته "الأمم المتحدة" بمشكلة رئيسية في مجال الصحة العامة. ومع هذا، فإن القيام بذلك يتطلب جعل التكلفة التقنية قادرة على المنافسة مع المركبات الأقدم الموجودة. والعمل الذي قمنا به لا يرجح ذلك.
إن دعم المستهلكين سيكون حاسماً، من وجهة نظرنا، في تحقيق فوائد إنقاذ الحياة التي تتيحها هذه التقنية. على الرغم من التحديات السياسية، فإن الإيرادات العامة تدفع بالفعل جزءاً من النفقات المتعلقة بحوادث الطرق. ويصل هذا المبلغ في الولايات المتحدة وحدها إلى 18 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 156 دولاراً من الضرائب المضافة لكل أسرة. إذا كان دعم المستهلك يمكن أن يحقق فائدة مكافئة أو أكبر، فإن استخدام المحفظة العامة كوسيلة لتحفيز استخدام المركبات آلية القيادة على نطاق واسع سيصبح مستساغاً من الناحية السياسية.
ونختم كلامنا بإشارة تحذيرية. بينما تنضج تقنية القيادة الذاتية بسرعة، فإن تحقيق فوائدها - خاصة بالنسبة لمن هم في أمس الحاجة إليها - يتطلب جعل هذه التقنية في المتناول. وهذا الاحتمال، في رأينا، بعيد كل البعد عن أن يتحقق. ومن شأن ترك مخاطر هذه القضية دون معالجة أن يعزز عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية على الطرق في البلاد.