شئنا أم أبينا، هناك اختلاف في توازن القوة في العلاقات بين الزملاء يمليه غالباً دور كل طرف من طرفي العلاقة في المؤسسة ومن يتمتع بسيطرة أكبر على احتياجات الطرف الآخر في وقت معين. على سبيل المثال، قد يمارس قائد القسم الهندسي الذي يمتلك فريقه القرار النهائي في تحديد الوقت اللازم لطرح المنتج في السوق صلاحيات أكبر من صلاحيات قائد قسم المبيعات الذي يسعى جاهداً لتقديم المنتج بسرعة للعملاء الذين ينتظرونه بفارغ الصبر. وبالمثل، قد يجد قائد وحدة أعمال قديمة تبدو أقل أهمية أن إدارة تكنولوجيا المعلومات تهمّش احتياجات وحدته مراراً، بينما تسارع إلى دعم متطلبات قسم آخر سريع النمو في الوقت نفسه.

يمكن أن يكون هذا الاختلال في ميزان الصلاحيات محبطاً جداً لمن يجد نفسه في منصب ذي صلاحيات أقل، لكن بناء علاقة احترام متبادل مع الزملاء (وربما المطالبة بصلاحيات أكبر نسبياً) يتطلب اتخاذ خطوات لإعادة توازن القوة إلى المعادلة. إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي إثبات نفسك بطريقة خلاقة تمكّنك من اكتساب المزيد من الاستقلالية لا سيما في المواقف التي تشعر فيها بالتهميش أو التبعية للآخرين.

تظهر الأبحاث أن هناك مستوى مثالياً للحزم في العلاقات الشخصية بحيث لا يكون مفرطاً أو سلبياً جداً ويسمح بمعارضة صحية تؤدي إلى بناء ثقة أعمق واحترام متبادل مع الطرف الآخر عند إدارته إدارةً صحيحة. استناداً إلى عملي بصفتي مدرباً تنفيذياً لكبار القادة في الشركات العالمية، أعرض هنا 4 استراتيجيات يمكن استعمالها لإنشاء توازن أكثر إنصافاً للصلاحيات في علاقاتك.

ارفض طلبات معينة

قد يبدو رفض طلب من زميل يتمتع بنفوذ أكبر صعباً جداً، ولكن تأثير التأطير حاضر في أي تفاعل، إذ يحدد كل طرف مَن يتمتع بصلاحيات ونفوذ أكبر. بما أن الصلاحيات تعتمد على العديد من العوامل، وهي ظرفية تختلف من موقف لآخر، وحتى لو وجدت نفسك عادةً في وضع تتمتع فيه بصلاحيات أقل مقارنة بزميل ما، فهناك مواقف يحتاج فيها إليك ذلك الزميل بقدر ما تحتاج إليه. وحتى لو كنت تلبي طلباته في الماضي، من المهم اغتنام الفرصة في هذه الأوقات لرفض مطالب زميلك الذي يتمتع بصلاحيات أكبر بأدب.

في إحدى دراسات العلاقات، عُرِّفت الصلاحيات بأنها امتلاك قدرة أكبر على التأثير في الآخرين إلى جانب امتلاك قدرة أكبر على مقاومة تأثيرهم. لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها أن زميلك يفرط في ممارسة صلاحياته عليك (على سبيل المثال، مطالبتك بشيء ما في اللحظة الأخيرة على الرغم من عدم استجابته لطلباتك سابقاً)، فلعله من الحكمة عدم التخلي عن مسؤولياتك الحالية على الفور والاندفاع لمساعدته.

دربتُ مرة قائدة كانت نظيرتها تلقي عليها أعباء عمل إضافية أغلب الأوقات، ولكن نظيرتها هذه كانت قادرة على التملص من مساعدة الآخرين عندما يحتاجون إليها. كانت هذه الزميلة تستشهد في كثير من الأحيان بتفاعلاتها مع مديرهما المشترك لتبرير صلاحياتها، بل وتذكر اسمه دائماً عندما تتقدم للآخرين بطلبات تخدم مصلحتها الخاصة فقط.

إذا وجدت نفسك في موقف مماثل لموقف عميلتي، يمكنك الرد على زميلك بقول شيء مثل “استلمت طلبك، ومن دواعي سروري تقديم المساعدة، لكن لدي التزامات أخرى يتعين علي التعامل معها في الوقت الحالي. مع ذلك، لا تتردد في إرسال المزيد من المعلومات إليّ لربما أستطيع مساعدتك بطريقة أخرى”.

تحتاج عملياً في مثل هذه المواقف إلى نقل رسالة مفادها أنك تتوقع من الطرف الآخر أن يستثمر وقته المحدود في العلاقة أيضاً، وإذا أوفيت بالحد الأدنى من الوعود التي قطعتها له، يمكنك تأكيد نفسك بثقة بصفتك شريكاً نداً له، سيشجعه ذلك على احترامك، وسيجبره أيضاً على التنازل عند الضرورة لإنجاح العلاقة تماماً مثلما تفعل أنت.

قدِّمهم إلى أفراد آخرين مؤثرين يقدرون قيمتك

هناك طريقة أخرى لإعادة توازن القوة في علاقتك وهي تسليط الضوء بمهارة على قيمتك الاجتماعية من خلال تقديم نظيرك إلى أفراد آخرين يحترمهم ولديك علاقة معهم. يخدم هذا النهج 3 أغراض مهمة؛ أولاً، يُظهر لنظيرك (من خلال مبدأ البرهان الاجتماعي) أنك تمتلك صفات قيّمة إذا رأى أن الأفراد الذين يقدّرهم يرون قيمة فيك؛ ثانياً، قد يجعل علاقتك بنظيرك أكثر توازناً لأن لديك إمكانية الوصول التي يريدها؛ وثالثاً، ترسل إشارة واضحة بأن لديك بالفعل إمكانية الوصول إلى شخصيات مرموقة ورفيعة المستوى، وبالتالي لست بحاجة ماسة إلى موافقته.

عملت مع قائد واجه تحديات للاعتراف به بصفته مسؤولاً تنفيذياً “استراتيجياً”، إذ كان قسم الموارد البشرية دائماً ما يغفل ترشيح اسمه للمناصب الأعلى في مناقشات التخطيط لتعاقب الموظفين. ولكن هذا القائد كان في الواقع مبتكراً جداً وحريصاً على الإسهام في المزيد من جوانب الأعمال المستقبلية، مع ذلك لم يرغب قسم الموارد البشرية ومديره في ترقيته وتعطيل الأداء السلس الحالي للعمليات نظراً إلى مهارته الاستثنائية في التنفيذ التشغيلي.

ولتعطيل ديناميكية الصلاحيات التي كانت تعوق تقدمه المهني، بدأ عميلي ببناء علاقات مع كبار القادة الآخرين في المؤسسة وتبادل الأفكار التي يمكن أن تساعد في تلبية احتياجات أعمالهم، ثم بدأ تقديم معارفه الجدد إلى بعض الزملاء في قسمه وقسم الموارد البشرية ممن قد يؤثرون على مساره المهني. وهكذا، ومن خلال إظهار قدرته على الوصول إلى القادة المؤثرين الآخرين وتعريف زملائه بعلاقاته هذه، عزز علامته التجارية وأصبح في نظر زملائه قائداً على مستوى المؤسسة.

ساعدهم على تحديد النقاط المبهمة لديهم لدعمهم

لا يستطيع حتى أكثر الأفراد نفوذاً رؤية أنفسهم مثلما يراهم الآخرون تماماً، بعبارة أخرى، ثمة أمور بعيدة عن رؤيتهم مثل أي شخص آخر. إذا استطعت مساعدتهم في التعرف على جوانب تفكيرهم أو سلوكهم التي تعوقهم عن تحقيق أهدافهم بطريقة لطيفة ولائقة، فسيبدؤون بمعاملتك بصفتك شريكاً موثوقاً جداً لا شخصاً أدنى من مستواهم.

شغلت إحدى عميلاتي منصب النائبة الأولى لرئيس شركة تكنولوجيا، وكانت على علم بما يقوله الموظفون في جميع أنحاء المؤسسة حول تردد الرئيس التنفيذي وعدم قدرته على اتخاذ القرارات وكيف تسبب ذلك في ارتباك الموظفين والفِرق.

على الرغم من أنها كانت تتفق مع الميول العامة تجاه الرئيس التنفيذي، لكنها كانت راضية عن طريقة معاملته لها، وفي حين أنه كان يتمتع بصلاحيات أكبر من صلاحياتها، لكنها كانت متقبلة عموماً لفكرة العمل تحت قيادته وتلبية توقعاته قدر استطاعتها. فكّرت عميلتي في السبب الذي قد يدعوها للمخاطرة بعلاقتها مع الرئيس التنفيذي ونقل تعليقات الموظفين القاسية إليه وما قد يترتب عليه ذلك من نتائج عكسية تؤذيها،

لكنها كانت تدرك أن بمقدورها أن تصبح شريكة موثوقة إذا وقفت إلى جانبه في السراء والضراء ودعمته، وذلك يستدعي منها مصارحته من أجل مصلحته، فقررت إخباره بما تعلمه في لقائها التالي معه.

قالت النائبة الأولى لرئيس الشركة: “أعرف كم تهتم باتخاذ القرارات الصحيحة للشركة ولموظفينا، وقد نفرط أحياناً في الاعتماد على مواطن قوتنا إلى درجة تحولها إلى نقطة ضعف. أعتقد أن اهتمامك الشديد بالاستماع إلى جميع جوانب أي مشكلة بدأ يعوق اتخاذ القرارات، أردت طرح هذا الاحتمال لأنك شديد التمسك بهذا النهج لدرجة تمنعك من رؤية تأثيره في الآخرين”.

استطاعت النائبة الأولى لرئيس الشركة اكتساب احترام الرئيس التنفيذي وامتنانه بعد إعطائه ملاحظات صادقة حول سلوكه، وبات يعاملها بصفتها مستشارة مؤتمنة بدلاً من مجرد مرؤوسة مباشرة.

إذا عملت مع أفراد يتمتعون بصلاحيات أكبر في المؤسسة وقدمت لهم معلومات مكررة سمعوها من قبل بالفعل أو مماثلة لما يقوله الآخرون في مثل منصبك، فسيتجاهلونك بسهولة ويعتبرونك جزءاً من الوضع الراهن. بالمقابل، ومن خلال الخروج من منطقة راحتك ولفت انتباه الشخص القوي -بلطف مع شيء من الحزم- إلى شيء غفل عنه أو لم يلاحظه، يمكنك ترك انطباع إيجابي دائم واكتساب المزيد من التأثير والاحترام.

اجعلهم يحرصون على جذب اهتمامك

اكتساب احترام الزملاء الذين يتمتعون بصلاحيات أكبر منك هو في الواقع مفارقة مثيرة للاهتمام؛ يمكنك في الواقع كسب المزيد من احترامهم من خلال وضعهم في موقف يسعون فيه للحصول على رؤاك ونيل استحسانك، إذاً فالاستراتيجية الرابعة تتمثل في تهيئة ظروف يتعين عليهم فيها إقناعك بقيمتهم. أي بدلاً من بذل جهد كبير لكسب احترامهم، عليك تحميلهم العبء لتبرير جدارتهم باهتمامك أو احترامك.

دربتُ القادة على مر السنين في الشركات التي خضعت لعملية اندماج أو إعادة تنظيم تطلبت من العديد من الموظفين والقادة التقدم مجدداً للحصول على وظيفة داخل أقسامهم أو في أقسام جديدة في الشركة. يمكن أن تكون هذه التجربة مزعجة للموظفين، ليس فقط لأنهم عادوا مجدداً مرشحين يتعين عليهم التنافس مع الآخرين على وظيفة، ولكن لأنه على عكس التقدم إلى شركة جديدة خارجية، فإن سمعتهم معروفة بالفعل وتوفر تقييمات أكثر موضوعية من شأنها التأثير على المحاورين عند تقييمهم لهم.

الخطأ الشائع الذي يميل العديد إلى ارتكابه في هذه المواقف هو الإفراط في الاستعداد للأسئلة التي يعتقدون أنها ستُطرح في مقابلات العمل وبذل قصارى جهدهم لتقديم إجابات ترضي زميلهم الذي يتولى عملية التوظيف. قد يبدو هذا النهج أسهل طريقة للتعامل مع هذا الموقف، لكنهم يخاطرون في الواقع بالحطِّ من قيمتهم وعدم تمييز أنفسهم في نظر مسؤول التوظيف.

بدلاً من ذلك، ابحث عن طرق للإجابة بصورة مستفيضة غير متحفظة ولكن لا تخشَ أيضاً طرح أسئلة تتحدى محاورك وتضعه في موقف دفاعي. فعندما يسألك زميلك الذي يقوم بتعيينك سؤال المقابلة المتكرر المعروف “لماذا يجب أن نعيّنك في هذه الوظيفة؟” قد تميل في البداية إلى إثبات قيمتك بهدف إرضائه على الرغم من أنكما تعلمان تماماً أن عدداً كبيراً من المرشحين يتقدمون للوظيفة مجدداً بسبب إعادة التنظيم التي تخضع إليها الشركة، وليس لأنهم يريدون تجربة عمل جديد.

بدلاً من ذلك، فكر قليلاً قبل الإجابة ثم قل شيئاً مثل “في الواقع، لست متأكداً حتى الآن من أنه يجب عليك توظيفي. أود أن أستكشف مدى التوافق المتبادل بين خبرتي ورؤيتك حول الاتجاه الذي يسير فيه هذا الفريق. ستكون أي معلومات تقدمها لي حول أسلوب إدارتك مفيدة لي في استكشاف خطوتي التالية واتخاذ قرار بشأنها”.

يمكن أن يحقق دفع الأفراد في موقع القرار للعمل لكسب اهتمامك واحترامك بدلاً من اعتباره أمراً مفروغاً منه نتائج إيجابية، أولها أنه يميزك عن المنافسين الآخرين، كما ستضمن علاقة طيبة مع زملائك الذين يحترمونك بدلاً من إبقائك تحت سلطتهم وأهوائهم.

عندما تجد نفسك في موقف تكون الصلاحيات فيه غير متكافئة، من المهم أن تدرك أنه مؤقت وأن لديك القدرة على تعديل توازن القوة هذا. من خلال تبني هذه الاستراتيجيات، يمكنك التركيز بطريقة إبداعية على الموقف وإعادة تأطير تفاعلك بصورة مختلفة تعزز الاحترام الذي تستحقه.