بدأت في ربيع هذا العام بعقد ندوة دراسية لطلاب كليات الأعمال في الجامعات بعنوان "التمرد وريادة الأعمال". تضمنت بعض المواضيع الرئيسة التي طرحتها هذه الندوة ما يلي: كيف تطيح بقائد، أو تغير بنية سلطة معينة، أو (من وجهة نظر معارضة) تخمد تمرداً خطيراً وقد استشهدت بصفات كريستوفر كولومبوس القيادية.
إن التحدي المنسق للسلطة هو أمر شبه طبيعي في قطاع ريادة الأعمال هذه الأيام، لكن الطريقة التي ندرس بها ديناميكية هذا التحدي هي طريقة فريدة من نوعها. فنحن نتعرف على حالات التمرد من خلال دراسة كم هائل من القصص المستقاة من مصادر أساسية تروي سير مغامرين انطلقوا في عرض البحر قبل مئات السنين خلال عصر الاستكشاف الممتد بين القرنين الميلاديين الخامس عشر والسابع عشر. وكان كريستوفر كولومبوس موضوع الحالة الدراسية الأولى خلال الندوة.
معظم الناس لا يعلمون أن كولومبوس تعامل على الأقل مع 3 حالات تمرد خلال مشروعه الأكثر شهرة. وعوضاً عن التركيز على حالات التمرد هذه، دعونا نمعن النظر في قائد لم ينج فحسب، بل سخر قوة التمرد لخدمة مشروعه.
صفات كريستوفر كولومبوس القيادية
أي شخص قابل كولومبوس كان سيلمح فيه فوراً خصاله الأجنبية، وخبرته، وشغفه. ولكن ماذا عن الأشخاص الذين عملوا معه عن كثب – كيف كانوا ينظرون إلى أسلوب قيادته؟ تظهر دراساتنا للقصص الرئيسية التي رواها هؤلاء الأفراد عن وجود براهين على تمتّعه ببعض السلوكيات القيادية نفسها التي يتّصف بها أشجع القادة الرياديين اليوم:
متفائل أمام العيوب والأخطاء
في عرض البحر، كان كولومبوس ينظر بعقلانية إلى أي شيء في بيئته (عشب البحر، والرياح المتغيّرة، والطيور، والحيتان، والتيارات البحرية) معتبراً بأنه علامة على النجاح المؤكد. ولكنه كان أيضاً يحتفظ بسجلات مضللة الغاية منها تهدئة مخاوف أعضاء فريقه المتعلقة بطول المسافة التي قطعوها فعلياً. فعندما غرقت سفينة "سانتا ماريا" بالقرب من شواطئ العالم الجديد، أعلن كولومبوس بأن تحطم السفينة المأساوي جاء بتدبير من العناية الإلهية بما أن ذلك بسّط القرارات المتعلقة بمن ينبغي تركه في المنطقة لينشئ مجتمعاً محلياً. ونحن نجد بأن الإيجابيات والسلبيات نفسها المصاحبة لهذا التفاؤل القوي تنطبق على رواد الأعمال اليوم. فمثلهم تماماً، بدا كولومبوس ساذجاً في نظر العديدين قبل أن تتحقق أهدافه، وكان ليبدو أحمقاً جداً لو أن مشروعه فشل. ولكن بما أن مشروعه نجح، فقد احتفي به بوصفه بطلاً.
يتمتع بالبراعة السياسية
لعل الخبرات التي اكتسبها كولومبوس في ثقافات وأماكن أخرى (ومن ضمن ذلك مدينة لشبونة التي كانت بمثابة وادي السيليكون خلال حقبة عصر الاستكشاف)، مكّنته من التعامل مع جميع أنماط الناس، ومن إحراز التقدّم عبر اللجوء إلى المناورات الذكية. ومن الأمثلة على ذلك، تمكنه من النجاة من الاعتقال شبه المحتم على أيدي البرتغاليين الذين كانوا يعيشون في أرخبيل جزر الآزور في أثناء عودته إلى إسبانيا. وفي مرحلة سابقة، وعندما واجه صعوبة في تجنيد أفراد للانضمام إليه في مشروعه الذي بدا طائشاً ومتهوراً، تمكن من الاستحصال على مرسوم ملكي ينص على أن أي شخص محكوم ينضم إليه سيتمكن من استخراج سجل عدلي نظيف. ورغم أن تصرفه هذا كان كافياً لينفر منه بعضاً من البحارة المهرة، فقد منحه المحكومون والمدانون الأعداد التي كان يحتاج إليها – وكان بوسع كولومبوس التنقل بين هذين الفريقين بكل أريحية. وتتجلى مهاراته السياسية بالتحديد في قدرته على التواصل الفعّال مع البلاط الملكي الإسباني، مما أكسبه أيضاً بعض الأعداء الغيورين.
يدفع الناس إلى الاستقطاب
كما هو الحال مع رواد الأعمال هذه الأيام، عرف كولومبوس كيف يثير غيرة الآخرين وعداءهم. فقد كان لديه أعداء. ومن الأمثلة على ذلك، رودريغز دا فونسيكا، وهو قس نافذ سعى إلى هزيمة كولمبوس رغم أن الأوامر صدرت إليه بدعمه. وهناك مارتن بينزون، قبطان السفينة "بينتا"، الذي لم يحترم كولومبوس قط، وتخلّى عنه خلال المشروع، ويبدو أنه حاول العودة أولاً من أجل ادعاء الاكتشاف. أما الدرس التاريخي لقادة اليوم، فهو أن كولومبوس لم ينخرط أبداً بقضايا الغيرة السخيفة مباشرة. فقد كان دائماً يسعى وبكل حماس إلى تشجيع أعضاء فريق مشروعه بغض النظر عن مدى تواضع أدائه، لكن حس الدبلوماسية القائم على الدهاء لديه كان يجعله يتجاهل مخاطر غيرة الأشخاص الآخرين ملقياً بها وراء ظهره.
وفي نهاية الحديث عن صفات كريستوفر كولومبوس القيادية، لقد حظي إرث القيادة الذي تركه كولومبوس وراءه بالاحتفاء والإدانة في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن نجاح مشروع تاريخي مثل مغامرته عام 1492 تطلّب قيادة ريادية مذهلة بحسب معايير كل العصور. وهكذا قيادة تستحق الدراسة، وإلى حد ما، الاقتداء بها.
اقرأ أيضاً: