3 مبادئ لصياغة غاية استراتيجية من كتاب “قصتي” للشيخ محمد بن راشد

4 دقائق
كتاب "قصتي"
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو، تصميم: مهدي أفشكو)

في عام 1970، كان هناك عدد قليل من الشركات اليابانية التي امتلكت موارد مالية أو قدرات صناعية أو أصولاً تكنولوجية مثل التي امتلكتها نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا، فعلى سبيل المثال، شركة كوماتسو (Komatsu) كان حجم مبيعاتها أقل بـ 35% مقارنة بمنافستها الأميركية كاتربيلر (Caterpillar)، ولم يكن لها تقريباً أي حصة سوقية خارج اليابان، كما أنّ معظم إيراداتها كان يعتمد على خط إنتاج واحد فقط تمثل في الجرافات الصغيرة، وكانت شركة هوندا أصغر بكثير من شركة أميركان موتورز التي تحوّلت لاحقاً إلى كرايسلر (Chrysler)، وكان تأثير شركة كانون (Canon) في مجال الطباعة والتصوير لا يُذكر تقريباً مقارنةً بالقدرات الهائلة لشركة زيروكس (Xerox) التي قُدِّرت قيمتها آنذاك بمبلغ 4 مليارات دولار. لكن ما إن حلَّ عام 1985 حتى وصلت القيمة التقديرية لشركة كوماتسو إلى 2.8 مليار دولار واتسع نطاق منتجاتها ليشمل مجموعة واسعة من المعدات الثقيلة والروبوتات الصناعية وأشباه الموصلات، ونجحت شركة هوندا عام 1987 في بيع سياراتها في جميع أنحاء العالم مع فرض منافسة حقيقية على كرايسلر، وكانت الحصة السوقية لكانون تضاهي حصة زيروكس في السوق العالمية، فما السر وراء هذا التحوّل المذهل في فترة وجيزة جداً؟

هذا السر فهِمه جيداً الشيخ محمد بن راشد وعبّر عنه ضمنياً في الصفحة الأولى من كتابه "قصتي" عبر قوله: "إن ما يقود الشعوب نحو التطوّر ليس الوفرة المادية بل الطموح، الطموح العظيم. نحن بشر، يُحرّكنا الإلهامُ والطموحُ أكثر من أي شيء آخر". هذا الطموح العظيم، وليس الطموح "العادي" هو نفسه الذي قاد نهضة الشركات اليابانية وعبّر عنه  كل من غاري هامل وبراهالاد في مقال لهما نُشر عام 1989 بمصطلح الغرض الاستراتيجي (Strategic Intent)، ويُقصد به الوضعية التي تطمح الشركة (أو الدولة) إلى الوصول إليها على المدى البعيد، لكن على عكس الاستراتيجية الكلاسيكية التي تُرسم فيها الأهداف وفقاً للموارد المتاحة، وتُوضح فيها طرق العمل وكيفية تخصيص الموارد، فإن الغاية الاستراتيجية لا تراعي هذه الموضوعية إذ تنبع من تخصيص الموارد المتاحة لتحقيق غرض يبدو مستحيل التحقيق؛ أي أنه يخلق نوعاً من عدم التناسق بين الموارد والطموح المنشود، وهو بالضبط ما ذُكر في مقولة الشيخ "ليس الموارد بل الطموح".

بصفة عامة ترتكز الغايات الاستراتيجية الناجحة على 3 مبادئ رئيسية ذكرها الشيخ محمد بن راشد ضمنياً في بعض من وصاياه المذكورة في كتابه "قصتي":

  1. مبدأ المنافسة: إحدى وصايا الشيخ في كتابه، وتحديداً الوصية السابعة، تعكس الأساس الذي ترتكز عليه الغاية الاستراتيجية، وهو المنافسة التي وصفها بقوله: "لا تكن من غیر منافس! فالتنافسیة مبدأ مھم في سلوكنا نحن البشر. نافس نفسك أو غیرك. الشركات تنجح عندما تتنافس في بيئة مفتوحة. نافِس غیرك من الدوائر والمؤسسات في الدول المختلفة، نافِس للحصول على مراكز أولى محلیاً أو عالمیاً، اجعل بیئة العمل بيئة تنافسية أيضاً، نافِس ماضیك لتكون أفضل منه، نافِس أھدافك لتحقق أعلى منھا، نافِس دولاً لتكون أعظم منھا. التنافسیة أسلوب حیاة في الحكومات، من غیرھا تتراجع الھمم، وتنطفئ الحماسة وتفتر العزائم". هذا المبدأ نفسه عبّر عنه كل من غاري هامل وبراهلاد بـ "هاجس الفوز" (Winning Obsession) لوصف حالة الموظفين في كل مستويات بعض الشركات، لا سيما منها اليابانية، التي بدأت بطموح يفوق مواردها وطاقتها، وعملت على تحقيق الريادة خلال العشرين سنة التالية، وأبقت هذه الحماسة مشتعلة وترجمتها إلى شعارات مكتوبة مثل شعار شركة كوماتسو "محاصرة كاتربيلر" (Encircle Caterpillar)، وشعار كانون "تغلب على زيروكس" (Beat Xerox)، والهدف منهما واضح وهو الحدّ من هيمنة المنافسين ثم التفوق عليهم.
  1. وضوح الرؤية والاتجاه البعيد المدى: في وصيته الثالثة، تطرّق الشيخ محمد بن راشد لهذا المبدأ عبر قوله: "ضع خطتك! عندما لا تخطط، فأنت تخطط لفشلك. الكثیر من المسؤولین يعیشون وظیفتھم يوماً بیوم، لا ينظرون لأبعد من أسبوع أو شھر، وھذا أحد أكبر تحدياتنا الإدارية. دور القائد الأساسي ھو معرفة الاتجاه، وإرشاد فريقه نحوه، وتحفیزھم باستمرار للوصول إلیه. إذا أخفقتَ في وضع خطة، فأنت تسیر بغیر ھدى، ولا يھم أين تصل، لأنك لن تصل إلى شيء ذي قیمة". المؤسسات والحكومات التي تركز على المدى البعيد، قد يمتد إلى أكثر من 20 سنة كما في حالة الشركات اليابانية المذكورة، يكون لها سبق تنافسي واضح، مع إتاحة هامش من المرونة للتعامل مع الأحداث الطارئة والأزمات، شرط ألا تحيد عن الغاية الأساسية. على سبيل المثال، لجأت شركة فوجيتسو للتحالفات الاستراتيجية في أوروبا إلى شن الهجوم على شركة آي بي إم والتغلب عليها في أسواق محددة.
  2. وضع مؤشرات حقيقية لقياس التقدم المُحقق: عبّر الشيخ محمد بن راشد عن هذا المبدأ في قوله: "راقب نفسك! راقب الأداء في مؤسستك، واجعل لك رقیباً داخلیاً في المؤسسة، وخارجیاً محايداً. لا بد من مؤشرات تضمن من خلالھا بأنك تمضي في الاتجاه الصحيح لتحقيق الخطة. لا تغشّ نفسك ووطنك بوضع مؤشرات ضعیفة ورقابة ضعیفة. لا يمكن إنجاز أي مشروع دون مؤشرات حقیقیة وصريحة تلزم بھا نفسك وفريق عملك". إنّ وضع مراحل رئيسية وآليات مراجعة واضحة لتتبُّع التقدم المُحرّز، والتأكد أن عملية التقدير والمكافآت الداخلية تعزز السلوكيات المرغوبة، يهدفان إلى جعل التحدي حتمياً لجميع الموظفين في الشركة، كما أنّ خلق الإحساس بالاستعجال أو ما يشبه الأزمة من خلال تضخيم الإشارات الضعيفة التي تشير إلى الحاجة إلى التحسين، هو خطوة استباقية ضرورية أفضل من ترك الأمور تستفحل حتى تحدث أزمة حقيقية. على سبيل المثال، وضعت شركة كوماتسو ميزانيتها على أساس أسوأ أسعار الصرف التي بالغت في تقييم سعر الين الياباني.

تبقى أهم غاية مجسدة في الوصية الأولى للشيخ: "اخدم الناس! الغاية من الإدارة الحكومية ھي خدمة الناس، الغاية من الوظيفة الحكومية ھي خدمة المجتمع، الغاية من الإجراءات والأنظمة والقوانين ھي خدمة البشر؛ لا تنسَ ذلك. لا تمجد الإجراءات، ولا تقدس القوانین، ولا تعتقد أن الأنظمة أھم من البشر"؛ وهي بالضبط الغاية نفسها التي توصل إليها كلايتون كريستنسن بعد عقود طويلة من التفوق والبحث في مجال الابتكار وجسّدها في مقاله الشهير "كيف تقيس جودة حياتك؟".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي