الخطة المكتوبة، هي خطوة ذات أهمية وفائدة عالية. تظهر دراستنا التي تم شرحها سابقاً في مجلة هارفارد بزنس ريفيو أنّ رواد الأعمال الذين يكتبون خطة أعمال هم أكثر ميلاً للنجاح. على الرغم من أنّ هذا يحفّز بعض رواد الأعمال لجعل كتابة الخطة أول مهمة لهم على الإطلاق، إلا أنه تبيّن دراستنا اللاحقة أنّ كتابتها أوّلاً وقبل كل شيء هي فكرة سيئة جداً. فمن الأفضل لك أن تنتظر، وألا تكرّس وقتاً طويلاً لكتابة الخطة، والأهم، أن تقوم بمزامنة الخطة مع نشاطات أخرى ابتدائية أساسية.
قد تبدو خطة الأعمال الابتدائية فكرة جيدة في بادئ الأمر، لأنها تجيب عن أسئلة أساسية مثل "أين نحن الآن"، و"إلى أين نريد أن نصل؟"، و"كيف سنصل إلى هناك؟". تساعد كتابة الخطة في جدولة الأعمال وتقوية الترابط والتناسق بين الأفعال والأداء في المشاريع والأعمال الجديدة، من خلال تفصيل كيفية تنظيم العناصر المرتبطة ببعضها، مثل العملاء والمنافسين والعمليات والخدمات اللوجستية والتسويق والمبيعات. وكما ذكرنا، هناك أهمية كبيرة للتخطيط. قمنا في عمل سابق لنا بأخذ عينة تتضمن أكثر من 1,000 رائد أعمال مبتدئ، وقسّمناهم ما بين مخطّطين وغير مخطّطين، فوجدنا أنّ رواد الأعمال الذين يضعون خطة مرجّحين أكثر لتأسيس مشاريع قابلة للنجاح والاستمرار.
ولكن، إنّ المفتاح الحقيقي للنجاح في الأعمال هو أن تكون مرن وقابل للتكيف وسريع الاستجابة أمام الفرص. إذ غالباً ما يتوجّب على رواد الأعمال تغيير أعمالهم، وذلك عندما يتضّح بأنّ عملاءهم الأساسيين ليسوا العملاء المناسبين لهم، أو عندما يتبيّن أنّ منتجاتهم أو خدماتهم تتناسب أكثر في سوق بديل. توضّح هذه الحقائق أنّ خطط الأعمال المكتوبة في البداية هي مجرّد خيالات. كما تستغرق كتابة الخطة وقتاً طويلاً (الوقت الذي يمكنك استغلاله لتقييم الفرص المناسبة). يوجد مشكلة أخرى. قد تؤدي الخطة إلى تقييد رواد الأعمال بشعور زائف بالأمان يمنعهم من رؤية الفرص الحقيقية، بدلاً من الفرص الوهمية.
من أجل تقديم مساعدة حقيقية وعملية للمشاريع الناشئة، قمنا بالاستعانة ببيانات دراسة ديناميكيات ريادة الأعمال (الجزء الثاني) والتي تتضمن 1,000 شخص، من رواد الأعمال المحتملين في الولايات المتحدة. استخدمنا هذه البيانات التمثيلية ثم قمنا بإعداد رسم بياني عن محاولات تأسيس مشاريع جديدة وقابلة للاستمرار من قبل رواد الأعمال على مدى 6 سنوات (2005-2011). أثناء النظر إلى نتيجة الرسم البياني، كنا حريصين في تحليلنا على أخذ بعين الاعتبار خلفية رائد الأعمال وظروفه الابتدائية، (مثل مستواه التعليمي وخبراته السابقة) والتي علمنا أنّها تؤثر على فرص النجاح من دراستنا السابقة.
حتى نتمكن من أخذ هذه التأثيرات بعين الاعتبار، قمنا باستخدام تقنية إحصائية معروفة من أجل تقسيم رواد الأعمال المحتملين إلى مجموعتين: مجموعة المخططين وغير المخططين. سمح لنا هذا أن نخلق إحصائيتين متجانستين (أي مجموعتين متشابهتين في العديد من النواح تتألف من رواد الأعمال الناشئين، ما عدا أنّ إحداها مجموعة من المخططين والأخرى من غير المخططين). نتيجة لذلك، كنا قادرين على تحديد ما هو تأثير توقيت وضع خطة العمل على قابلية نجاح المشاريع الجديدة واستمراريتها.
وجدنا أنّ رواد الأعمال الأكثر نجاحاً كانوا عموماً أولئك الذين كتبوا خطة أعمالهم بعد أن قرروا البدء بالعمل بفترة تتراوح بين 6 و12 شهراً. إنّ كتابة الخطة في هذا الإطار الزمني زاد من احتمال نجاح المشروع الجديد واستمراريته بنسبة 8%. وتم إثبات أنّ كتابة الخطة قبل هذه المدة أو بعدها ليس له أي تأثير متميز على النجاح في المستقبل.
ثم قمنا بمعاينة الوقت الذي يجب أن يكرسه مؤسسو المشاريع الجديدة من أجل كتابة خطة. ووجدنا أنّ الوقت الأمثل لذلك هو ثلاثة أشهر. زاد هذا التوقيت من فرص تأسيس مشروع جديد قابل للنجاح والاستمرار بنسبة 12%. إنّ إمضاء وقت أطول من هذا هو أمر بلا فائدة، غالباً لأن المعلومات المستخدمة في الخطة قد تفقد قيمتها أو تتغير. وكان إمضاء مدة شهر أو شهرين فقط على كتابة الخطة بنفس السوء. إذا وقع الاختيار بين كتابة الخطة بسرعة أو عدم كتابها، من الأفضل اختيار عدم الكتابة على الإطلاق.
كما وجدنا أنّ القيام بسلسلة الخطة هو أمر مهم جداً. فكتابة الخطة بالتزامن مع النشاطات المبكرة، مثل تحديد السوق أو جمع المعلومات حول المنافسين، لم يؤدي إلى زيادة فرص تأسيس مشروع قابل للنجاح والاستمرار. كما أنّ كتابة الخطة بعد قيام رائد الأعمال بتعيين الموظفين والحصول على تمويل خارجي كان أمر غير مجدي. في الواقع، إنّ فرصة نجاح واستمرارية مشاريع رواد الأعمال، الذين كتبوا الخطة أثناء القيام بهذه النشاطات، هي أقل من أولئك الذين لم يكتبوها نهائياً.
وتبين لنا أنّ الوقت الأمثل لكتابة الخطة كان أثناء قيام رواد الأعمال بالتواصل مع العملاء وجعل المنتجات جاهزة كي تعرض في السوق، وأثناء اهتمامهم بنشاطاتهم الترويجية والتسويقية. سيزيد تدوين الخطة على الورقة مع تنفيذ هذه النشاطات فرصة نجاح واستمرارية مشاريع الشركات الناشئة بنسبة 27%.
ولكن، قد ينتقص هذا من أهمية بذل الوقت في كتابة خطة جيدة. ولكي تنتج خطة فعالة، يجب أن تفصل الفرصة المحتملة، ومن هم العملاء، ولماذا يجب أن يشعر المتنافسين بالخوف، وكيف تعمل الشركة وتقوم بجني المال.
إنّ الجديد في بحثنا أننا نظهر الأهمية الفعلية للتوقيت. أما النصيحة التي نود أن نقدمها لرواد الأعمال فهي ألا يقوموا بكتابة الخطة في وقت مبكر جداً، وألا يمضوا الكثير من الوقت في كتابتها، وأن يتأكدوا من أنها تكتب بالتزامن مع الأنشطة الأخرى التي تدفع المشروع إلى الأمام.
لا تقتصر هذه النصيحة على رواد الأعمال فقط، بل تشمل أيضاً المدراء العاملين في مؤسسات تنمو بشكل أكبر ويحتاجون إلى التخطيط أثناء عملهم (مثل المشاريع الناشئة)، حيث تكون المعلومات ناقصة أو البيئة المحيطة مبهمة إلى حد كبير.