كيف تحدث الرئيس التنفيذي لشركة ليفاي شتراوس عن كيفية قيادة علامة تجارية عريقة تحديداً؟ أنا من المتخصصين في العلامات التجارية المشهورة. وقد أمضيت 28 عاماً أعمل في شركة بروكتر آند غامبل (P&G) في مجال يدعم كيفية قيادة علامة تجارية عريقة وقد أدرت عملية إدماج شركة جيليت بعد استحواذ بروكتر آند غامبل عليها في صفقة بلغت قيمتها 57 مليار دولار، ثم أدرت هذا الفرع – الذي كان واحداً من أكثر فروع الشركة تحقيقاً للأرباح على مدار ست سنوات. ولقد كان نجاحي في تلك المهمة بادياً للعيان لدرجة أنني بدأت أتلقى اتصالات لشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركات أخرى. لم تجذبني غالبية تلك العروض كثيراً، ولكن عندما كنت في أحد فنادق بكين أواخر العام 2010 للمشاركة في اجتماع ربع سنوي للفريق القيادي بالشركة، اتصلت بي سيدة كنت أعرفها من قبل كانت متخصصة في اصطياد المواهب من شركات أخرى قائلة: "لدي ما يمكن أن يثير اهتمامك". تلقيت ذلك بقدر كبير من عدم الاكتراث، فلطالما سمعت هذه العبارة من قبل. لكنني سألتها: "حسنًا، ما هو إذاً؟"، فأجابت: "ليفاي شتراوس". اقتصر ردي على ذلك بكلمة واحدة هي: "رائع".
كيفية قيادة علامة تجارية عريقة
قليلة هي الماركات التي تضاهي شركة ليفاي شتراوس في شهرتها، فهي من أقدم الشركات في أميركا. فلقد كانت علامة تجارية كبرت معها وارتبطت بها عاطفياً. وتعد قصة نشأتها معروفة: فلقد بدأت الشركة كمتجر تجزئة لبيع الألبسة أثناء حمى البحث عن الذهب في كاليفورنيا، ثم حققت هذه الشركة نجاحاً كبيراً في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما سجلت براءة اختراع باستخدام مسامير معدنية (براشيم) لتدعيم الجيوب في سراويل العمال المصنوعة من قماش الدنيم القطني، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى اختراع الجينز الأزرق. ولكن عندما بدأت البحث للتحضير للقائي الأول مع رئيس مجلس إدارة الشركة فوجئت بما وجدته من معلومات عنها. فلقد كنت أخمن حجم إيرادات الشركة بحوالي 10 مليارات دولار سنوياً، بيد أن تلك الإيرادات بلغت أعلى قيمة لها وهي 7 مليار دولار عام 1997 ثم انخفضت إلى 4.1 مليار دولار في غضون خمس سنوات. وفي الفترة بين 2001 و2010 لم تتجاوز تلك القيمة 4.5 مليار دولار. وكلما تعمقت أكثر في دراسة التاريخ القريب للشركة، وجدت أنها كانت تشبه في أدائها "العصابة التي لا تجيد التصويب". ولم أتذكر أنني شاهدت يوماً إعلاناً واحداً لشركة ليفايس، كما اتسم الأداء المالي للشركة بعدم الاستقرارخلال عقد من الزمن.
بالرغم من أنني كنت أعمل في مجال السلع الاستهلاكية المغلفة، فإن قطاع الألبسة كان يثير اهتمامي بعد أن كنت عضواً في مجلس إدارة شركة في إف كوربوريشن VF (التي تملك ماركتي "لي" Lee و"رانغلر" Wrangler لألبسة الجينز). وبعد عشاء طويل مع رئيس شركة ليفاي شتراوس، رأيت في الانضمام إلى الشركة فرصة كبيرة. لقد كنت أبلغ 54 عاماً ومستعداً للتغيير. وعندما قررت قبول وظيفة الرئيس التنفيذي للشركة، رأيت في ذلك رسالة نبيلة. فلقد كنت أرغب في ترك بصمة بارزة وإعادة المجد لهذه الشركة من جديد.
الحياة في ليفايس
عندما قدمت إلى الشركة في سبتمبر 2011، قمت بجولة لسماع آراء المسؤولين التنفيذيين في الشركة، حيث قضيت ساعة كاملة مع كل من كبار المسؤولين التنفيذيين الستين الموجودين في الشركة. وكنت قد أرسلت لهم بالبريد الإلكتروني الأسئلة التالية: ما هي الأشياء الثلاثة التي ينبغي علينا ألا نغيرها؟ وما هي الأشياء الثلاثة التي من الضروري تغييرها؟ وما هو الأمر الذي تأمل في أن أقوم به؟ وما هو الأمر الذي تخشى أن أقوم به؟ وبعد إجراء 15 إلى 20 لقاءً بت أمتلك شعوراً واضحاً إلى حد بعيد بالمشاكل التي نعاني منها. فعندما كنت أسأل أولئك المسؤولين عما كانوا يعملون عليه وما صلة ذلك باستراتيجية الشركة، كنت أرى على وجوه الكثيرين منهم نظرات ليس لها معنى؛ فلقد كان واضحاً أنهم كانوا يسيرون في اتجاهات مختلفة.
ولم يكن غياب الاستراتيجية الواضحة مفاجئاً؛ بل كان هنالك أمران آخران مفاجئان حقاً. ففي أحد اللقاءات العامة مع الموظفين طرحت السؤال التالي: "كم واحد منكم يعتقد أن أداء الشركة جيداً؟" وقد كانت المفاجأة أن ثلاثة أرباع الحاضرين رفعوا أيديهم بالموافقة. لقد صدمت صدمة كبيرة، إذ إن الثقافة السائدة في الشركة كان يسودها غياب الشعور بفداحة المشكلة وقصور النظام المالي وعدم وعي الموظفين بالحقائق والبيانات المهمة حول الشركة. فشرحت لمستمعي بالتفصيل لماذا كنت أرى أن أداء الشركة دون المستوى المتوقعً، ولماذا كانت هنالك أمامنا فرصة – والتزام – لكي نكون أفضل مما نحن عليه. فالنجاح سيتطلب منا تغييراً أساسياً في ثقافتنا.
أما المفاجأة الثانية فكانت مرتبطة بالأولى. فعادة ما يقوم الرئيس التنفيذي الجديد بإجراء بعض التغييرات في صفوف فريق الإدارة العليا في الشركة، وبخاصة عندما يأتي من خارجها. بيد أنني فوجئت بالعدد الكبير من المدراء في فريقي الذين احتجت ً إلى تغييرهم. عندما انضممت إلى الشركة كنت رئيساً مباشراً لأحد عشر مديراً، وفي غضون 18 شهراً غيرت 9 مدراء منهم، واليوم لم يبق من الاثنين الباقيين سوى مدير واحد لا يزال يعمل ضمن فريقي، والذي يعد الآن من أفضل الفرق ويضاهي أي فريق تنفيذي آخر في العالم كله.
ومع أنني كنت أركز اهتمامي على ما يجري داخل شركة ليفاي شتراوس، إلا أنني درست أيضاً أوضاع سوقنا وزبائننا. وخلال شهري الثاني في وظيفتي الجديدة قمت بزيارة إلى بنغالور وطلبت من موظفينا هناك تنظيم زيارة إلى بيت أحد زبائننا. وعادة ما يبدأ ذلك النوع من الزيارات بطرح أسئلة عامة حول نمط حياة الزبون واهتماماته ومن ثم يتم توجيه أسئلة محددة حول كيفية استخدام الزبون لمنتج الشركة وإلى نظرته إلى فئة ذلك المنتج. لقد كانت شركة بروكتر آند غامبل تعتمد بقوة على تلك الزيارات، ولذلك كنت معتاداً عليها لسنوات عديدة وكنت أجدها مفيدة للغاية رغم أن المعلومات المستفادة من تلك الزيارات كانت معلومات كيفية لا تشمل أرقاماً دقيقة.
لقد كانت الزبونة التي التقيتها سيدة عاملة عمرها 29 عاماً وتنتمي إلى أسرة من الطبقة المتوسطة العليا، وكانت تعيش مع والديها في منزل به مكيفات هواء وأرضيته من الرخام. ولقد كان ذلك المنزل مختلفاً اختلافاً كبيراً عن كثير من المنازل التي زرتها سابقاً في الهند عندما كنت أعمل في شركة بروكتر آند غامبل. وقد كانت السيدة تتقن اللغة الإنكليزية إلى حد كبير وكانت قد التحقت بجامعة كامبريدج. وكان لديها حوالي 10 سراويل من الجينز – من ماركات "هدسن" و"غيس" و"كالفين كلاين" وغيرها. دخلنا غرفتها فأخرجت تلك السراويل من خزانة ألبستها.
عندما كنت أسأل الأفراد عن طبيعة عملهم وما صلة ذلك باستراتيجية ليفايس، كنت أرى على وجوه الكثيرين منهم نظرات بلا معنى.
وتحدثنا عن كل سروال على حدة – ما الذي يعجبها فيه وما الذي لا يعجبها ومتى ترتديه وهكذا. كان لديها سروالان من علامة ليفايس التجارية وتكلمنا عنهما بعد الانتهاء من الحديث عن السراويل الأخرى. أشارت إلى أحدهما وقالت: "هذا السروال أرتديه بشكل يومي عندما ألتقي رفيقاتي" ثم أشارت إلى السروال الثاني وقالت: "هذا هو سروالي الذي كنت أرتديه عند ذهابي إلى الجامعة" ثم أردفت قائلة: "ومع أنه لم يعد على مقاسي إلا أنه لا يمكنني الاستغناء عنه بسبب ذكرياتي الجميلة معه". ومن ثم قالت شيئاً آسراً حقاً: "إنك ترتدي ألبسة الجينز الأخرى لكنك تعيش مع ليفايس". لا زلت أشعر بالقشعريرة كلما تذكرت تلك اللحظة، فلقد عبرت كلماتها عن المعنى الجوهري لماركتنا التجارية. وهكذا غدت عبارة "عش حياتك مع ليفايس" شعار حملتنا الإعلانية. ولعل هذه القصة تجسد بشكل جلي كيف أن الإصغاء لمستهلكي الشركة من شأنه أن يجلب لها قدراً كبيراً من القيمة المضافة.
الاستراتيجية رباعية الأجزاء من كيفية قيادة علامة تجارية عريقة
بيد أن الشعار الجديد لا يعني استراتيجية جديدة، وهي ما تحتاجه الشركة في حقيقة الأمر. ولذلك فقد كان على رأس أولوياتي خلال الأشهر الأولى لي في الوظيفة أن أبتكر استراتيجية جديدة. وهكذا فقد أرهقت قسم الشؤون المالية بطلب تفصيل البيانات المالية وإعادة تجميعها لمساعدتي على فهم الطرق التي تمكننا من وضع خطة لنمو الإيرادات والأرباح. وبعد ستة أشهر من التحاقي بالشركة تمكنا من طرح خطتنا المؤلفة من أربعة أجزاء أساسية يمكن تذكر كل منها واستيعابها بسهولة:
بناء وتعزيز القسم الرئيسي المربح من أعمالنا قبل التأكد من كيفية قيادة علامة تجارية عريقة بالفعل. هذا الجزء قائم على حقيقة أن 80% من سيولتنا النقدية ومن أرباحنا إنما تأتي من الألبسة الرجالية السفلية – سراويل الجينز ومنتجات دوكرز– ومن البيع في أهم خمس دول وإلى أهم 10 زبائن البيع بالجملة (وهي في الأساس متاجر كبيرة تشمل كولز، وجيه سي بيني، وسيرز، وماكيز). ويتسم هذا القسم من أعمالنا الأساسية بأنه يحتل حصة كبيرة من السوق لكنه ينمو ببطء نسبياً. ومن الأمور بالغة الأهمية بالنسبة لمواردنا المالية أن يكون أداء هذا القسم قوياً حتى يتسنى لأعمالنا تحقيق النجاح.
التوسع. لقد كنا في ذلك الوقت لا نشغل سوى حصة صغيرة من سوق الألبسة النسائية ولم نكن نبيع ما يكفي من قطع الألبسة العلوية. وفي حين أن القاعدة العامة في مجال الألبسة تقول بأن غالبية الناس تشتري ثلاث إلى أربع قطع ألبسة علوية لكل قطعة ألبسة سفلية، كانت بياناتنا تشير إلى العكس من ذلك. كما كانت مبيعاتنا منخفضة جداً في الأسواق النامية كالبرازيل وروسيا والهند والصين. وقد شكل ذلك فرصة للتوسع والنمو.
الريادة في البيع بالتجزئة من خلال جميع قنوات البيع. على الرغم من أن معظم منتجاتنا تباع في المتاجر الكبرى، تمتلك شركة ليفايس 2,700 متجراً خاصاً بها موزعة في جميع أنحاء العالم إلى جانب موقع للتجارة الإلكترونية على شبكة الإنترنت. وعندما كنت أمر على المتاجر الكبرى كنت أشاهد أن منتجاتنا لم تكن تعرض بطريقة موحدة. ولكن في متاجرنا الخاصة كنا نتحكم بالطبع بطريقة عرض منتجاتنا ونحقق هوامش أرباح أعلى على المبيعات. وهكذا يتعين علينا زيادة المبيعات سواء في متاجرنا التقليدية أو عبر موقعنا الإلكتروني – نظراً لأن مبيعات الألبسة ستزداد مع مرور الزمن أكثر فأكثر عبر الشبكة.
تحقيق الامتياز التشغيلي. كان من الضروري تخفيض التكاليف، وتعزيز التدفق النقدي، والاعتماد على البيانات بصورة أكبر والانضباط المالي لتحرير الأموال التي يمكن استثمارها في التكنولوجيا والابتكارات. وكان علينا أيضاً تخفيض الدين البالغ 2 مليار دولار تقريباً المتبقي على الشركة من قيمة الاستحواذ على بعض الشركات في أواخر تسعينيات القرن الماضي. عندما انضممت إلى الشركة كنا ننفق مبلغاً من المال على سداد الفوائد يتجاوز قيمة الإنفاق على الإعلانات، وهذا يجعل تحقيق نمو لأي علامة تجارية أمراً صعباً ويضمن لك أن معرفة كيفية قيادة علامة تجارية عريقة ليس بالأمر السهل.
مختبر الابتكار
لقد كان أحد الأماكن الأولى التي استثمرنا فيها ما وفرناه من خلال تطبيق استراتيجيتنا الجديدة هو مختبر يوريكا للابتكار الذي أقيم في مدينة كورلو في تركيا بالقرب من أحد مصانعنا هناك. لقد بدا لي ذلك ضرباً من الجنون، فجميع مصممينا تقريباً كانوا يعملون في سان فرانسيسكو حيث يقع المقر الرئيسي للشركة. وللوصول إلى كورلو انطلاقاً من سان فرانسيسكو كان ذلك يتطلب أكثر من 12 ساعة، ولذلك كان المصممون يذهبون إلى هناك مرة أو مرتين في العام لمدة أسبوع أو أسبوعين. وقد أنفقنا ثروة ونحن نشحن العينات من وإلى مختبر الابتكار لأن ابتكار الألبسة يحتاج إلى تعديل متكرر وتجريب ملموس في كل مرة يعدل فيها التصميم الجديد. فكيف يمكن لشركة ألبسة أن تعطي مثل هذه الدرجة المنخفضة من الأولوية لابتكار الألبسة الجديدة؟
عندما التحقت بالشركة كان مختبر الابتكار التابع لنا في تركيا يبعد مسافة تزيد على 12 ساعة سفر عن مقرنا الرئيسي. وقد بدا لي ذلك ضرباً من الجنون.
ولذلك قررنا افتتاح مبنى جديد لا يبعد عن مقرنا الرئيسي سوى أربعة أبنية. وفي الواقع كان ذلك بمثابة مخطط تجريبي لمصنع يشمل منشأة للغسيل وماكينات قص وحياكة الألبسة، ومئات من لفائف أقمشة الدنيم القطني وعشرات المصممين الموهوبين والمبدعين. أنفقنا بضعة ملايين من الدولارات على هذا المشروع وقد كان مديرنا المالي يخشى ألا نحصل على أية عائدات منه. وبالرغم من ذلك وافقت على هذا المشروع لأنني كنت على قناعة بأننا إذا ما جهزنا البيئة المناسبة له فإنه سينتج لنا ابتكارات عظيمة بكل تأكيد.
ومنذ افتتاح هذا المختبر في العام 2013 كان من نجاحاته الكبرى إعادة إحياء خط ألبسة الدنيم القطنية النسائية المحسنة الذي أطلقناه في العام 2015. فلقد كانت أعمالنا الخاصة بالألبسة النسائية في تراجع مستمر، ويعزى ذلك جزئياً إلى ظهور ما يسمى بالألبسة "الرياضية الترفيهية"؛ ولقد أغاظني كثيراً أن أرى السيدات يلبسن سراويل رياضة اليوغا ليذهبن بها إلى المطاعم الراقية – فسراويل الدنيم القطنية قد تبدو أكثر أناقة. بيد أن السيدات يخترن الألبسة الرياضية الترفيهية لأنها مريحة أكثر من سواها. وأخبرت مصممينا بأن علينا أن نحل هذه المشكلة. وهكذا بدأوا بابتكار أقمشة الدنيم القطنية بتكنولوجيات جديدة، كتقنية القماش المطاط في الاتجاهات الأربعة والذي يعود بسرعة إلى حالته الأولى ولا يتهدل عند الركب (وهي مشكلة واسعة الانتشار بالنسبة لسراويل الجينز المطاط). وهكذا أحب المستهلكون القماش الجديد الناعم المطاط والمريح وأعجبهم تصميم السراويل الجديد. ومنذ إطلاق خط الألبسة النسائية الجديد شهدت أعماله نمواً مضطرداً على مدار 11 موسماً متتالياً وازداد حجم المبيعات من أقل من 800 مليون دولار إلى أكثر من مليار دولار في العام الواحد.
وقد تمثل الاستثمار الكبير الآخر عام 2013 في شراء حقوق التسمية لاستاد ليفايس من رابطة دوري كرة القدم الأميركية بعد أن كان المقر الجديد لفريق سان فرانسيسكو "فورتي ناينرز"، وذلك لمدة 20 سنة قابلة للتمديد حتى 25 سنة مقابل مبلغ قدره 220 مليون دولار. لا شك في أن ذلك المبلغ كبير جداً، غير أن لي خبرتي الخاصة في هذا المجال. فخلال وظيفتي السابقة كنت مشرفاً على علاقة شركة جيليت بفريق نيو إنغلاند باتريوتس الذي كان يلعب في استاد جيليت منذ عام 2002. إن الجماهير التي تتوافد لحضور الحفلات والمباريات التي تنظمها الرابطة هم من الزبائن الأساسيين لشركة ليفايس، الأمر الذي أعاد علامتنا التجارية إلى بؤرة الحوار الثقافي بين الناس. واليوم بات جالب حظ فريق الفورتي ناينرز يرتدي سروال جينز من ليفايس، وهذا يعني أن علامتنا التجارية قد أصبحت في كل بقعة من الاستاد. وعلاوة على ذلك يمكننا أيضاً تكريم شركائنا من خلال تخصيص مقاعد متميزة لهم في المباريات التي تجري في الاستاد. فعندما جرت مباراة النهائية لدوري كرة القدم الأميركية في استاد ليفايس عام 2016، قدر بعض الخبراء أن ظهور علامتنا التجارية في ذلك الأسبوع وحده كان يعادل قيمته جزءاً كبيراً مما أنفقناه ثمناً للحصول على حقوق تسمية الاستاد.
"لا تغسلوا الجينز"
لقد حاولنا أثناء الترويج لمنتجاتنا أن نجد التوازن الصحيح بين التركيز على تراثنا العريق من جهة ومواكبتنا للحداثة والمعاصرة من جهة أخرى. فإذا بالغت علامة تجارية عتيدة في التركيز على تاريخها فإنها قد تبدو قديمة وعفى عليها الزمن. وكذلك إن أغفلت تاريخك، فإنك تحرم نفسك من إحدى نقاط قوتك الأساسية. ولقد أمضيت وقتاً طويلاً أدرس بعض العلامات التجارية الناجحة الأخرى مثل شركة "كونفيرس" وشركة "راي بان" التي تستفيد من تراثها وأصالتها. ومن الأمثلة الواضحة على كيفية مزجنا لما هو قديم وما هو معاصر منتجنا المتميز والمتمثل في سترة سائق الشاحنة. ولقد احتفلنا هذا العام بالعيد الخمسين لهذه السترة، لكننا دخلنا أيضاً في شراكة مع شركة جوجل لابتكار نسخة جديدة منها مزودة بتكنولوجيات حديثة تسمح لمرتديها بالتحكم بهاتفه "آي فون" الجوال من أحد كمي السترة. وهكذا قفزت مبيعات جميع أنواع سترات سائق الشاحنة بنسبة 40% تقريباً في العام المنصرم، وهو ما يظهر أن مستهلكي اليوم يبحثون عن الأصالة ويرغبون بشراء منتجات العلامات التجارية التي تمثل لهم شيئًا ما، كما هو الحال مع ماركتنا التجارية.
لم تسر جميع الأمور التي قمت بها في وظيفتي على النحو المخطط له وهذا أيضاً ساعدني في كيفية قيادة علامة تجارية عريقة مبكراً. ففي العام 2014 حدث أن سيرتي أصبحت على كل لسان بسبب تعليق مرتجل صدر عني في مؤتمر حول المحافظة على البيئة. ولقد عملنا بجد لكي نجعل منتجاتنا صديقة للبيئة بدرجة أكبر، بما في ذلك تخفيض كمية الماء المستخدم في تصنيع سراويل الجينز التي ننتجها. ولقد أشرت في المؤتمر إلى أن تحليل دورة حياة سراويل الجينز تظهر أن استهلاك الجزء الأكبر من الماء في سراويل الجينز لا يرتبط بمرحلة إنتاجها بل بمرحلة استخدامها من قبل المستهلكين أي أثناء غسلها من قبل أصحابها. ومن ثم شرحت أن الناس يغسلون سراويلهم بشكل أكثر من اللازم – ففي الحقيقة كنت أرتدي سروالاً من ليفايس وقد اشتريته منذ سنتين ولم أضعه في الغسالة ولا مرة (لقد كنت أغسله كل بضعة أشهر يدوياً وأنشره على منشر الغسيل ثم أتركه ليجف، وهو ما ننصح به زبائننا دائماً). ولقد كان الهدف من هذا التعليق إطلاق صرخة لتنبيه الناس إلى أنه ليس من الضروري غسل سروال الجينز بعد كل مرة ترتديه فيها! – بيد أن عامة الناس فهموا تعليقي هذا بأنني لا أغسل سروالي الجينز على الإطلاق. وإذا ما بحثت في جوجل عن عبارة "الرئيس التنفيذي لشركة ليفايس"، فإن أول ما ستجده هو عبارة "لا تغسلوا الجينز". وأظن أن موقفي المزعوم حول عدم غسل الجينز سيذكر أيضاً في خطاب تأبيني بعد أن أفارق الحياة.
هنالك مجال كبير للنمو
لقد تعلمت الكثير خلال السبع سنوات التي قضيتها هنا عن كيفية قيادة علامة تجارية عريقة بالفعل، وكان منحني تعلمي يزداد بشكل أكبر مما توقعت. فلقد كنت أظن أن خبرتي السابقة في مجال العلامات التجارية يمكن تطبيقها ببساطة وبشكل مباشر في وظيفتي الجديدة – وقد طبقتها فعلاً إلى حد ما – بيد أن دورة العمل وسرعة الابتكارات في مجال الألبسة مختلفان جداً عما هما عليه في مجال عملي السابق. فلقد أطلقنا في شركة جيليت ماكينة الحلاقة فيوجن عام 2006 ولم نطلق أي تحديث لها قبل عام 2010. أما في شركة ليفاي شتراوس فيتم تجديد خطوط الإنتاج كل ستة أشهر، ولذلك فمن الأمور المهمة جداً استيعاب التوجهات الحديثة والعمل وفقها. والأمر الآخر المهم الذي تعلمته هو إدارة عمليات البيع بالتجزئة، وهو المجال الذي لم أكن قد عملت فيه في شركة بروكتر آند غامبل. لقد بات اليوم ثلث أعمالنا يتم من خلال البيع المباشر عبر موقعنا على الإنترنت وعبر متاجرنا الخاصة، وقد نمت هذه الأعمال بنسبة 51% على مدار السنوات الخمس الماضية، ونحن على الطريق الصحيح لتحقيق هدفنا المتمثل في أن نصبح متجر بيع تجزئة متعدد القنوات وله مكانة عالمية.
كما تعلمت أيضاً أنه من الصعب جداً إحداث تغيير في الثقافة. فعندما تعاني إحدى الشركات من التراجع المستمر لمدة 10 سنوات، تطرأ على ثقافة تلك الشركة أموراً غريبة. ولقد أمضيت وقتاً طويلاً مع فريقي التنفيذي وكبار قادة الشركة في كل أنحاء العالم لكي نضع تصوراً مشتركاً حول السلوكيات والتوقعات التي تميز ثقافة الأداء الرفيع. وتتمثل نقطة البدء الصحيحة في أن يضم فريق العمل الأشخاص المناسبين وفي تحريرهم وتحفزهم لمعالجة التحديات الكبرى التي تواجههم. لقد بتنا اليوم أكثر تركيزاً على الزبائن والمستهلكين عموماً، وعلى تحقيق الفوز والعمل بروح الفريق وعلى فكرة أن الأداء أمر مهم حقاً. ومع أننا نحقق نمواً من جديد هذه الآونة إلا أن معدل تغيير ثقافتنا سيكون بطيئاً.
تحرز شركتنا اليوم قدراً كبيراً من التقدم، فلقد حققنا نمواً مضطرداً على الخط الأعلى والخط الأدنى على مدار السنوات الخمس الماضية تقريباً، وزدنا قيمة شركتنا لأكثر من الضعف. كما عززنا ميزانيتنا إلى حد كبير وسددنا حوالي مليار دولار من ديوننا. وقد باتت حصيلة ميزانيتنا اليوم أصولاً (وليست خصوماً)، مع تحقيق سيولة تبلغ 1.2 مليار دولار. كما عززنا إنفاقنا على الإعلانات بزيادة هائلة، وهو ما يؤتي ثماره بشكل جيد. لقد كانت السنة المالية 2017 أقوى سنة للشركة خلال أكثر من عقد من الزمن، حيث حققت الشركة نمواً في الإيرادات بلغت نسبته 8%، في حين بلغت نسبة نمو علامة ليفايس التجارية 9%. وعلى الرغم من أننا حققنا نمواً في الإيرادات والأرباح، إلا أنه لا يزال هنالك مجال كبير للمزيد من النمو فحصتنا العامة في سوق الألبسة النسائية لا تتعدى رقمًا أحادياً مرتفعاً. وحتى عندما تحافظ الألبسة الرياضية الترفيهية على قوتها في السوق، وتبقى سوق ألبسة الدنيم القطنية النسائية كما هي، فإن بإمكاننا تحقيق النمو من خلال القضم من حصص منافسينا. لقد نمت أعمالنا في مجال الألبسة العلوية بنسبة 35% لكن حصتنا السوقية من تلك الألبسة لا تزال أقل من 1%. إنني أرى التحسن أينما وجهت ناظري، فمثلاً لقد بات لدينا 3,000 متجر، وبخلاف الكثير من تجار التجزئة الآخرين نستمر في افتتاح متاجر جديدة.
أعتقد أن باستطاعتنا تحقيق المزيد من النمو وتجاوز الرقم القياسي لقيمة شركتنا، ألا وهو 7 مليارات دولار، والوصول بهذا الرقم إلى 10 مليارات دولار، وهو ما افترضته قبل أن ألتحق بالشركة. لقد خسرت شركة ليفايس جيلاً كاملاً من المستهلكين في بدايات القرن الحالي، بيد أن زبائننا اليوم باتوا أصغر سناً عن أي وقت مضى – واكتسبنا زخماً كبيراً لإعادتهم إلينا من جديد.