واجهت لمى، التي تشغل منصب نائبة رئيس العمليات في شركة تكنولوجيا سريعة النمو، مأزقاً نتيجة تردد الإدارة التنفيذية العليا في اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالاستثمارات في المنتجات وإعادة هيكلة المؤسسة وتخصيص الموارد. مع توقف القيادة عن اتخاذ القرارات، انتقلت المسؤولية إلى المستويات الأدنى، فاضطرت لمى إلى التعامل مع حالة الارتباك والفوضى وتعثر التقدم والإنجاز وتهدئة فريق العمل الذي بدأ يشعر بالقلق وعدم الاستقرار.
هذا السيناريو شائع جداً؛ فخلال فترات التحول أو عدم الاستقرار الاقتصادي، يؤدي تردد المسؤولين التنفيذيين في اتخاذ القرارات إلى تراجع الزخم وإضعاف المصداقية، ما يتسبب في انخفاض تفاعل الموظفين المتميزين وفقدان حماسهم. في الوقت الذي تحقق فيه الشركات المنافسة تقدماً مستمراً، تفقد المؤسسات التي تتأخر في اتخاذ القرارات الوقت وتتراجع الثقة بها وتهتز مكانتها في السوق. تظهر الدراسات التي أجرتها شركة ماكنزي أن البطء في اتخاذ القرارات يمثل سبباً رئيسياً لضعف الأداء المؤسسي وارتفاع معدلات الاحتراق الوظيفي، كما تشير تقارير مؤسسة غالوب إلى أن عدم وضوح التوقعات هو أحد الأسباب الأساسية لانفصال الموظفين وتراجع تفاعلهم ومشاركتهم.
على الرغم من تكليف لمى وزملائها بتحقيق أهداف طموحة وكبيرة، كانت الإدارة العليا تقدم توجيهات غامضة أو متأخرة؛ فبدأ فريقها يفقد الحماس ولم يكن متأكداً مما إذا كان يجب عليه الاستمرار في العمل أو التوقف للحصول على التوجيهات. قال أحد أعضاء الفريق: "نشعر وكأننا ندور في حلقات مفرغة ولا نعرف ما هو الهدف الفعلي".
من المفترض أن تحمل الإدارة التنفيذية العليا على عاتقها مسؤولية وضع الاستراتيجية في الأسواق المتقلبة والقطاعات التي تتسم بالتغيرات السريعة. ولكن عندما لا يحدث ذلك، يصبح من الضروري أن يتدخل كبار القادة لتوضيح الرؤى والحفاظ على زخم العمل واستمراره وضمان تركيز الفرق على الأهداف؛ فعندما تتعثر عملية اتخاذ القرارات، يصبح أسلوبك القيادي هو العامل الحاسم الذي يضمن استمرار المؤسسة في التقدم.
من خلال عمل المؤلفتين في تقديم المشورة لعشرات الشركات التي تمر بمواقف مشابهة؛ فجيني هي مستشارة تنفيذية وخبيرة في التعلم والتطوير، في حين أن كاثرين مدربة تنفيذية ومتحدثة رئيسية، توصلتا إلى 4 استراتيجيات رئيسية للقيادة بفعالية في حال عجز الإدارة التنفيذية العليا عن اتخاذ القرارات.
1. إعادة صياغة الطلبات.
يتردد المسؤولون التنفيذيون غالباً ويعارضون تنفيذ الأفكار والمقترحات التي تبدو كبيرة أو نهائية أو لا يمكن التراجع عنها. لا يتعلق التردد عادة بالفكرة بحد ذاتها، بل بالخوف من المخاطر المتوقعة المرتبطة بالموافقة عليها؛ لذا فإن إعادة صياغة الطلب أو المقترح ليبدو منخفض المخاطر ومحدود المدة تعد وسيلة فعالة لتخفيف حدة الرفض والتردد في اتخاذ القرار. يمنح هذا الإجراء صناع القرار الفرصة لاتخاذ خطوات بسيطة والموافقة على قرارات صغيرة، ثم جمع الملاحظات وإعادة التقييم دون الالتزام بتنفيذ الخطة الكاملة منذ البداية.
بدلاً من القول: "علينا الموافقة على الخطة بكاملها الآن"، حاول أن تقول: "نطلق برنامجاً تجريبياً مدته 30 يوماً لجمع البيانات والرؤى قبل تنفيذ الخطة على نطاق أوسع".
دربنا لمى على استخدام هذا النهج عندما رفض المسؤولون التنفيذيون اقتراحها المتعلق بتحسين معدلات الاحتفاظ بالعملاء؛ فقد شعرت القيادة بأن عرضها الأولي ينطوي على مخاطر كبيرة؛ لذا أعادت صياغته في إطار مشروع تجريبي قصير يركز على استخلاص الأفكار والرؤى. ساعد هذا التغيير البسيط على تخفيف الحواجز النفسية والقلق لدى المسؤولين وأسهم في تسريع عملية التوافق.
لتوجيه هذا التحول، اعتمدنا على إطار صنع القرار (النوع الأول مقابل النوع الثاني)، الذي تتبعه شركة أمازون، وهو أداة مصممة لتسريع التقدم مع التحكم بالمخاطر:
- القرارات من النوع الأول هي قرارات أحادية الاتجاه ولا يمكن التراجع عنها وتتطلب تفكيراً عميقاً ودراسة متأنية بسبب أثرها الدائم.
- أما القرارات من النوع الثاني فهي قرارات ثنائية الاتجاه وذات مخاطر منخفضة ويمكن التراجع عنها أو تعديلها، كما يمكن اتخاذها بسرعة بواسطة الأفراد أو الفرق الصغيرة بسبب سهولة تعديلها أو مراجعتها.
يتمثل الخطأ الذي يرتكبه العديد من المؤسسات في التعامل مع القرارات التي يمكن التراجع عنها على أنها قرارات نهائية، ما يؤدي إلى الإفراط في التحليل وتعقيد الإجراءات وإبطاء سير العمل دون داع. يؤدي ذلك إلى تعطيل الابتكار وإضعاف مرونة المؤسسة؛ لذا فإن إعادة صياغة القرار على أنه فرصة للتعلم بدلاً من النظر إليه على أنه التزام نهائي يسهم في تقليل المخاطر المتوقعة واستعادة الزخم والحماس ويسمح بالمضي قدماً دون الخوف من العواقب الطويلة المدى.
2. تحديد التكلفة المترتبة على التقاعس عن اتخاذ القرار.
ينطوي التردد في اتخاذ القرارات على تكاليف باهظة، غالباً ما تفوق بكثير المخاطر المحتملة التي قد تترتب على المضي قدماً واتخاذ القرار. تشير تقارير شركة ماكنزي إلى أن البطء في اتخاذ القرارات يتسبب في ضياع أكثر من 500 ألف يوم عمل للمدراء سنوياً، ما يؤدي إلى تكبد الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 500 خسائر تقدر بنحو 250 مليون دولار من الأجور المهدورة سنوياً.
وبالتالي، فإن إحدى أكثر الطرق فعالية للتغلب على التردد هي تسليط الضوء على التكاليف المرتبطة به. اعتمد على بيانات واقعية لتوضيح أثر تأخير اتخاذ القرارات في أداء الشركة أو معنويات الموظفين أو الميزة التنافسية للشركة. عند ربط تأخير اتخاذ القرارات بمخاطر قابلة للقياس مثل انخفاض الإيرادات أو زيادة معدل استنزاف الموظفين أو عدم الالتزام بالمواعيد النهائية، فإنك تحول التركيز من الخوف من الفشل إلى الخوف من فقدان المكانة التنافسية والتخلف عن الآخرين.
بدلاً من قول: "يتسبب هذا التأخير في إحباط الفريق"، يمكنك أن تقول: "يكلفنا كل شهر تأخير خسارة تبلغ نحو 200 ألف دولار في الإنتاجية ويؤخر موعد إطلاق المشروع 6 أسابيع".
ساعدنا لمى على تطبيق هذه الاستراتيجية عملياً؛ نتيجة لتغير الأولويات، استمر التأخير في الموافقة على خطة الاحتفاظ بالعملاء ذات الأثر المرتفع التي وضعها فريقها. بدلاً من زيادة التوتر وتصعيد الإحباط، قدمت للمسؤولين التنفيذيين بيانات واضحة ودقيقة؛ إذ بلغت الخسائر المرتبطة بفقدان العملاء نحو 180 ألف دولار شهرياً، كما انخفض مستوى تفاعل العملاء بنسبة 12% نتيجة التأخير في التنفيذ. تمكنت لمى من تغيير وجهة نظر المسؤولين التنفيذيين والحصول على الموافقة في غضون أسبوع واحد من خلال إعادة صياغة التكاليف المرتبطة بالتأخير في اتخاذ القرار على أنها تشكل الخطر الأكبر.
3. الحفاظ على حماس الفريق وتحفيزه للعمل.
عندما تتوقف عملية اتخاذ القرارات في المستويات العليا، تتمثل مهمتك في تحفيز فريقك والحفاظ على حماسه ونشاطه وتركيزه على الأهداف التي يمكن تحقيقها. لا تدع التردد على مستوى الإدارة التنفيذية يسبب توقف العمل في الخطوط الأمامية. وجه انتباه أعضاء فريقك نحو التقدم والإنجازات التي يمكنهم تحقيقها بأنفسهم. ركز على المكاسب التشغيلية واحتف بالإنجازات والنجاحات الصغيرة وتحدث بوضوح وصراحة عن القرارات المتأخرة وأسباب تأخرها. في هذه المرحلة، يتمثل دورك في تفسير القرارات والتوجيهات وتحفيز الفريق والحفاظ على حماسه وتخفيف الضغوط لحماية الفريق من الآثار السلبية.
ساعد فريقك على تحويل الشعور بالإحباط إلى تقدم وإنجاز ملموسين من خلال وضع أهداف واضحة وقصيرة المدى وقابلة للتحقيق ومرتبطة بالأهداف الكبرى للمؤسسة. كلف الموظفين المتميزين بمهام صعبة ومتوسعة المجال لإبراز ثقتك بقدرتهم على النمو والتطور، وعندما تواجه التحديات والعقبات، تعامل معها على أنها فرص للتعلم، من خلال تشجيع التجربة والتفكير وصقل المهارات وتحسينها. يحافظ هذا النهج على حماس الفرق وتفاعلها والتزامها ويعزز الزخم ويحول حالة الغموض إلى تطور هادف وملموس.
عندما تكون الموارد محدودة أو المشاريع متعثرة أو معلقة، وجه تركيز الفريق نحو الأنشطة التي تتطلب موارد قليلة لكنها تحقق نتائج ملموسة وتترك أثراً كبيراً. على سبيل المثال، يستطيع فريق التسويق تعزيز التفاعل والاحتفاظ بالعملاء من خلال زيادة عدد الرسائل الإلكترونية الموجهة للعملاء من مرتين شهرياً إلى مرة أسبوعياً، أو يمكن لفريق العمليات مراجعة سير العمل الحالي لتحسين الأداء والكفاءة وضمان الجاهزية عندما تتحسن الموارد.
لا يتعلق الحفاظ على الزخم بالمضي قدماً فقط، بل بإيجاد طرق هادفة وفعالة لتحقيق التقدم حتى في الظروف الغامضة والمضطربة. احرص على تذكير أعضاء فريقك دائماً بأهمية عملهم والهدف الأسمى من جهودهم وقدم لهم نموذجاً للمرونة من خلال مساعدتهم على تحويل الإحباط إلى إبداع.
4. تعزيز أثرك في القادة والزملاء في مختلف الأقسام والمستويات.
لتسريع عملية اتخاذ القرارات، ابدأ بإدارة العلاقات مع الزملاء في الأقسام المختلفة ومع الإدارة العليا. وضح كيف يمكنك التأثير في سلوك الآخرين حتى إذا لم تكن تمتلك السلطة الكاملة لاتخاذ القرارات النهائية. احرص على إنشاء تحالفات مع زملائك الموثوقين وأصحاب المصلحة من الأقسام المختلفة الذين يشاركونك المخاوف أو الاهتمامات نفسها وقد يستطيعون التأثير في مديرك المباشر أو القائد المستهدف. احرص على تنسيق الرسائل التي توجهها وركز على تعزيز الأولويات المشتركة من خلال التواصل المستمر والبناء وتجنب طرح المشكلات المفتوحة التي لا تحتوي على حل واضح أو إطار عمل محدد. وبدلاً من ذلك، قدم خيارات محددة وواضحة ومدروسة تتضمن التنازلات والجداول الزمنية والموارد المطلوبة لتنفيذ خيار معين وأثره فيها.
جمعت لمى زملاءها من قسمي المالية والمنتجات للوصول إلى توافق حول المقترح قبل تقديمه إلى الرئيس التنفيذي للتسويق. ومن خلال إظهار الدعم الموحد وتقديم توصية واحدة مدعومة بالبيانات والتفسير المنطقي وتحديد الموارد المطلوبة والآثار المترتبة على الموارد لكل خيار أو قرار مقترح، تمكنوا من تسريع عملية الموافقة وتجنبوا المزيد من التأخير والنقاش حول هذا الأمر.
يتمثل هدفك في تجهيز الآخرين قبل الاجتماعات الأساسية حتى يتمكنوا من التحدث نيابة عنك وتعزيز وجهة نظرك. يتسع نطاق تأثيرك عندما تكون هناك أصوات متعددة تدعم موقفك. لا يتعلق التأثير في الإدارة العليا بمحاولة فرض السيطرة على صناع القرار، بل بقدرتك على التأثير فيهم من خلال الوضوح والمصداقية والاتساق. قد لا تمتلك صلاحية اتخاذ القرار النهائي، ولكن يمكنك توجيه سير المحادثة بما يخدم مصلحتك.
يمثل التردد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية في الإدارة العليا اختباراً لقدرة القادة على تحمل الضغط، ولكنه في الوقت نفسه فرصة لإثبات الكفاءة والمهارة. في مثل هذه الظروف، تتحول قدرتك على التركيز وإعادة صياغة المخاطر وتقييمها والحفاظ على تقدم المؤسسة إلى ميزة قيادية وسلاح فعال لتحقيق النجاح. لتتمكن من قيادة المؤسسة في ظل تردد الإدارة العليا دون فقدان الزخم، يجب أن تتخذ خطوات عملية فعالة بدلاً من الانتظار، يجب عليك أيضاً العمل على الربط بين الالتزامات والإجراءات الفعلية والنتائج المترتبة عليها لضمان تحقيق التقدم. ساعد الآخرين على رؤية الفرص المتاحة والإنجازات التي يمكن تحقيقها بدلاً من التركيز على العقبات التي تعطل التقدم؛ لأن القيادة لا تتعلق فقط بصناعة القرار، بل بكيفية إدارة الفرق وتسيير العمل في الفترات التي لا تصدر فيها قرارات نهائية من الإدارة العليا.