إليكم هذه القصة التي تتحدث عن قيادة الشركة العائلية أوقات الأزمة المتكررة، منذ عدة أعوام، قرر أحمد التنحي عن قيادة شركة العقارات الناجحة التي أنشأها بنفسه في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وقرر أن يمنح ابنه سامر الفرصة لقيادتها. لم يكن ذلك سهلاً عليه، ولم تكن العملية سلسة على الإطلاق، لكن في نهاية المطاف تمكن أحمد من إتمام تسليم لقب الرئيس التنفيذي لسامر وغادر الشركة رسمياً. (تم تغيير الأسماء وبيانات الهوية في هذه المقالة من أجل حماية السرية).
كان أداء سامر في عامه الأول ممتازاً على كل المقاييس، إذ تمكن من قيادة فريق الإدارة بكفاءة، وجمع بعض الصفقات المهمة واكتسب ثقة الدائنين والمستثمرين على حد سواء، وبدأ بوضع بصمته الخاصة في الشركة مع الالتزام بقيمها وثقافتها. في البداية كان بعض الموظفين، وخصوصاً في المناصب الإدارية العليا، يشككون في قدرة سامر على قيادة الشركة إلى المستقبل، لكن سرعان ما منحوه ثقتهم.
على الرغم من أن أحمد بقي بعيداً عن العمليات، إلا أنه كان حاضراً دوماً للإجابة عن أسئلة سامر. لم يتفقا تماماً على جميع الأمور، لكن أحمد بقي ملتزماً بوعده بأن يرضخ لقرارات سامر النهائية جميعها. وبناء على مراقبة عمليات انتقال الشركات العائلية على مدى عقدين من الزمن، كانت عملية تسليم القيادة هذه واحدة من أنجح العمليات التي شهدتها شركتنا.
استمر الحال على هذا النحو إلى أن صدمت أزمة "كوفيد-19" الشركة. كان أثرها على الشركة شديداً، إذ توقف المستأجرون عن دفع أجرة منازلهم، وشدد الدائنون شروطهم الائتمانية، ولم يعد الشركاء يوفون بالتزاماتهم. وطُلب من كثير من الموظفين القدامى في الشركة تخفيض أجورهم، أو تم إيقافهم عن العمل مؤقتاً. وكان كل يوم يأتي بأزمة جديدة بدت وكأنها تدفع العائلة نحو خسارة كثير مما بنته على مدى 40 عاماً.
ومع تفاقم الأزمة، بدأ أحمد بالتدخل للمساعدة في قيادة الشركة واجتياز مرحلة ستكون الأصعب في تاريخها بكل تأكيد، في حين كان سامر واثقاً من قدرته على التعامل مع التحديات وقاوم فكرة إعادة السلطة لوالده من جديد. فنما بينهما نزاع سلبي عدواني، وبدأ سامر يتفادى والده الذي أخذ بدوره يجمع المعلومات من وراء الابن ويدرس أهم القرارات. وبسبب عدم قدرتهما على العمل معاً، نشأ ارتباك في المؤسسة أدى إلى إبطاء عملية صنع القرار فيها، ما زاد الوضع سوءاً.
في الأزمات، يتمتع وضوح القيادة بأهمية أكبر من أي وقت آخر. كيف يمكننا الموازنة بين أعوام من الخبرة وحاجة القائد الجديد إلى إثبات نفسه والتعلم على نحو عملي ومباشر، مع عدم المجازفة بصحة الشركة ودعم الموظفين وعلاقات العمل المهمة في نفس الوقت؟
أدى قرار مؤسسة إحدى الشركات العائلية البرازيلية بالعودة لقيادتها إلى كارثة. فبعد عدة أعوام من استلام آدم قيادة الشركة من والدته التي شاركت في تأسيسها، تمكن أخيراً من كسب محبة وتأييد كل من الموظفين والعملاء والمصرفيين والبائعين والشركاء، والأهم، المالكين الآخرين من العائلة. لكن عندما واجهت الشركة محنة عصيبة، قررت الوالدة العودة لقيادة الشركة. وسرعان ما انقسمت العائلة إلى قسمين: قسم يؤيد آدم، والآخر يؤيد والدته، وتبع ذلك صراع وتوقفت عملية صنع القرار. ولم تتعاف الشركة ولا العائلة من هذا الصراع بعد ذلك.
كيفية قيادة الشركة العائلية أوقات الأزمة
كيف يعرف المؤسس أو القائد السابق أن عليه العودة إلى الشركة للمساعدة في قيادتها؟ كيف يحدد مستوى المشاركة المناسب؟ وكيف يتم التعامل مع عملية الانتقال وأي أزمة تتبعها، كي يتحقق توازن خبرة المؤسس وحكمته مع حاجة خليفته إلى الاستقلالية؟
هناك عدة خطوات مهمة يمكن اتخاذها قبل الأزمة وأثناءها من أجل المساعدة على تحقيق التوازن بين هذه الأهداف المتضاربة.
التعامل مع عملية الانتقال:
من أجل مساعدة القائد المتقاعد على الاطمئنان بأنه يسلم الشركة لفرد من العائلة مستعد لمواجهة التحدي، يمكن اتباع الإجراءات التالية:
الاستعانة بتقييم خارجي لقدرة الخليفة على إدارة الشركة.
قد يكون من الصعب على القائد تقييم درجة استعداد خليفته بموضوعية، وخصوصاً إذا كان أحد الوالدين يسلم قيادة الشركة لجيل الأبناء. ومن الضروري أن يستمر المالكون بمراقبة مدى جودة أداء القائد الجديد. والاستعانة بطرف ثالث لتقييم أداء الجيل الصاعد هو أمر أساسي لنجاح أي عملية انتقال. وما أن يستلم القائد الجديد المنصب يصبح بإمكانه الاستفادة من هذا التقييم من أجل دعم تطوير نفسه.
لو أجرى أحمد وسامر هذا التقييم، عن طريق مجلس الإدارة مثلاً، كان أحمد سيعرف أن ابنه قادر على قيادة الشركة بحزم وأنه مناسب لمواجهة الأزمة، وكذلك بالنسبة لسامر، الذي كان سيتعرف على نقاطه العمياء ويستعد بصورة أفضل للأزمة. يمكن أن يساعد عمل الطرف الثالث على مراقبة أداء الرئيس التنفيذي الجديد في نزع الطابع الشخصي من العملية وتقديم الإرشاد والدعم اللازمين مع كل خطوة.
تعزيز خطوط التواصل بين القائدين، السابق والجديد.
التواصل عنصر حاسم في أي عملية انتقال للقيادة، وخصوصاً التي تتم بين أفراد العائلة الواحدة. كان بإمكان أحمد وسامر زيادة وتيرة التواصل بينهما وعمقه أثناء عملية الانتقال وبعدها بدلاً من إنقاصهما، ليتمكن أحمد من مراقبة التطورات الجديدة ونقل أفكاره إلى سامر مباشرة. بهذه الطريقة، كان الأب سيبقى بعيداً عن الخطوط الأمامية وينهي الارتباك في المؤسسة وبين المستثمرين أثناء الأزمة.
وبالنسبة لسامر، كان المزيد من التواصل سيمكنه من الاستفادة من خبرة والده في إدارة الشركة أثناء فترة ما قبل الأزمة، وكان من الممكن أن يجد فيه شريكاً يمكنه مناقشة أفكاره والتعبير عن مخاوفه أمامه. كانا سيتفقان معاً، وهذا بدوره كان سيطمئن الأب ويمنح الابن الثقة في قراره.
التعامل مع الأزمة:
فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنها مساعدة القادة السابقين والحاليين ومؤسساتهم على الصمود في وجه العاصفة.
احترم تسلسل السلطة.
أثناء الأزمة، يمكن أن تتشوش عملية صنع القرار في حين يجب أن تكون بأفضل أحوالها. بعد الانتقال، اتفق أحمد وابنه سامر على طريقة لاتخاذ القرارات، وكانت ناجحة إلى أن بدأ أحمد بالتدخل مجدداً، حيث استخدم تاريخه في الشركة ومركزه كمالك لها للمشاركة في القرارات الكبرى، ما تسبب بتشويش لعملية صنع القرار وإبطائها. في الأزمات، من الضروري أن يتوافق القائدان السابق والحالي على حقوقهما ودوريهما في عملية صنع القرار.
ففي بعض الأحيان، تبرز الأزمة الحاجة إلى تعديل طريقة اتخاذ القرار. ربما كان يجب على المالكين المشاركة أكثر في بعض القرارات، أو منح موظفي الخطوط الأمامية مزيداً من القوة. يجب مناقشة هذه التغييرات والاتفاق عليها وإعادة النظر فيها في كل مناسبة من أجل الحفاظ على الوضوح والكفاءة التنظيميين. كان سامر سيطلب نصيحة والده أحمد لو عرف أنه لن يتحرك من ورائه إذا نشأ خلاف بينهما. وكان أحمد سيلتزم بتسلسل السلطة لو عرف المكان والوقت المناسبين لتدخله وأتيح له منبر لممارسة حقوقه في اتخاذ القرار.
اعترف بالاختلاف في طريقة نظر كل منكما إلى العالم.
في عملية انتقال القيادة، من الطبيعي أن يحضر القائد الجديد وجهات نظره وأساليبه في القيام بالأعمال. قد يكون مختلفاً فيم يتعلق بقدرته على تحمل المخاطر ومصالحه في الأعمال وأساليبه في التعامل مع الموظفين، ويجب على المؤسسة التأقلم مع كل ذلك. وقد يجد القائد المغادر صعوبة في رؤية هذه التغييرات المفاجئة في طريقة إنجاز الأعمال. وقد يتقبلها عندما تجري أمور الشركة على خير ما يرام، لكنه سيستغلها لتبرير تدخله في الشركة من جديد عندما تواجه أزمة.
أثناء عملية الانتقال، كان أحمد وسامر متوافقين جداً على الأهداف والاستراتيجية. لكن الأزمة قلبت البيئة التي كانا يعملان فيها وغيرت أهدافهما الشخصية. وعلى اعتبار أحمد مؤسس الشركة، كان أكثر ما يثير قلقه هو الحفاظ على ما بناه، أما سامر فقد كان يأمل اغتنام الأزمة كفرصة لاكتساب حصة سوقية. إذن، كان الاختلاف في طريقة كل منهما في النظر إلى المخاطر والفرص هو جوهر النزاع بينهما.
في الأزمات، من الضروري أن يبطئ القادة تحركهم، ويعيدوا صياغة أهدافهم واستراتيجياتهم وخططهم، ويتواصلوا فيما بينهم حول طريقة استثمار الأهداف كدليل لعملية صنع القرار. تقدم الخطة الجديدة المعدلة معايير موضوعية ذات صلة بالظروف السائدة تستخدم لتقييم أداء القائد الجديد. يجب ألا يتدخل القائد المغادر إلا إذا عجز القائد الجديد وفريقه عن تنفيذ الخطة المعدلة. وعدا عن ذلك، سيساعد القائد المغادر على نجاح الانتقال بعيد الأمد عن طريق إبداء احترامه لتسلسل السلطة الذي تم تأسيسه في عملية الانتقال.
بعد الموجة الأولى من الأزمة، توصل سامر ووالده أحمد إلى تسوية. واتفقا على إجراء سلسلة من التغييرات في طريقة عملهما معاً مكنتهما من اجتياز الصعوبات التي واجهتهما حتى الآن. أولاً، جددا التأكيد على أن سامر سيبقى الرئيس التنفيذي وأن أحمد لن يأخذ أي منصب رسمي، ما رسخ التزامهما طويل الأجل بعملية انتقال القيادة من جيل إلى آخر. ثانياً، اتفقا على الاجتماع مرة كل أسبوع، وعقد اجتماعات إضافية بناء على طلب أي منهما، من أجل تحقيق التوافق بينهما حول ما كان يجري في السوق والشركة والطريقة المناسبة للاستجابة له. وأخيراً، اتفقا على إضافة ثلاثة مدراء مستقلين إلى مجلس الإدارة الذي لم يكن يضم سوى أفراداً من العائلة والمسؤولين التنفيذيين، بهدف الحصول على تقييم موضوعي لإدارة سامر للشركة والإرشاد الذي يحتاج إليه أثناء الأزمة.
وفي نهاية الحديث عن قيادة الشركة العائلية أوقات الأزمة المتكررة، منحت البنية التنظيمية وخطة التواصل الجديدتين سامر سلطة واضحة لاتخاذ القرارات مع استمرار مشاركة أحمد كما كان يرغب. وربما كان الأهم هو أنهما اتفقا على أنه في حال اختلافهما في الرأي، فسيتخذ سامر القرار النهائي ويبقي والده مطلعاً على كل شيء. يقول أحمد: "على المدى الطويل، أود أن ينجح ابني في إدارة الشركة. لذا، كان علينا التوصل إلى التوازن المناسب، حتى في هذه الأزمة. أريد أن أضمن أن أتمكن من مساعدته، لكن علي أن أقبل أنه هو القائد الآن".
اقرأ أيضاً: