تقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في منعطفٍ حرج في تصدّيها لتغيُّر المناخ، فهي تواجه مخاطر اقتصادية وبيئية بسبب الاعتماد الشديد على الوقود الأحفوري وقابليتها للتعرض للكوارث المتصلة بالمناخ. اثنتا عشر دولةً من بين 17 دولةً تعاني من الإجهاد المائي هي دولٌ شرق أوسطية. كما تشير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر أن التصحُّر يؤثر على نحو 250 مليون شخص. وبحلول العام 2045، يُقدّر أن ما يصل إلى 135 مليون شخص قد ينزحون عن مواطنهم بسبب ذلك. وهذا ما يُؤكّد الحاجة الشديدة إلى التحوّل نحو استخدام الطاقة المستدامة، نتيجةً للعوامل الاقتصادية والبيئية.
وتظهر قابلية تعرض دول الخليج العربية للتغيُّر المُناخي جليّةً في التصحُّر الشديد، وندرة المياه، وموجات الحرّ الشديدة، وارتفاق منسوب مياه البحر. وتشير التقديرات المُنذِرة من البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع إلى التبعات المتصلة بالمياه على الزراعة، والصحة، والدخل التي قد تُكلف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما بين 6% - 14% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول العام 2050، بسبب شح المياه المتصل بالعوامل المناخيّة وباضطلاع المنطقة لدورٍ قياديٍ استباقي، فإنها تقود التحوّل المناخي لصالحها ولصالح المجتمع الدولي.
وهناك هيئات مركزيّة لصنع القرار معروفة باسم مؤتمرات القمة لمؤتمر الأطراف (COP) تتبع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وقد قادت دول شرق أوسطية مؤخرًا مؤتمري الأطراف - مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون COP28 المنعقد في الإمارات، ومؤتمر الأطراف السابع والعشرون COP27 المنعقد مصر. وقد نجح المؤتمر COP28 في التوصّل إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي، الذي تعهدت فيه غالبية الدول تقريبًا إلى التحوّل بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وهذه هي المرة الأولى التي يتمُّ فيها التوصّل إلى اتفاقٍ في تاريخ المفاوضات الدولية بشأن المناخ. وقد شمل "اتفاق الإمارات" أيضًا مراجعةً شاملةً لـ"التقييم العالمي" للإجراءات الرامية لتحقيق أهداف اتفاق باريس. وركّزت هذه المراجعة على الحاجة الملحة للتحوّل السريع والمُنصف المدعوم بالتخفيضات الحادة للانبعاثات وزيادة التمويل المناخي. ويتطلب دور التمويل المناخي للتحوّل في قطاع الطاقة نقلةً نوعيةً لتحقيق المستهدفات العالمية الصفرية للانبعاثات.
ومن شأن مؤسسات التمويل الإنمائي التحفيز على اتخاذ إجراء بشأن تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة دول الخليج العربية. وقد أشار تقرير شركة بوسطن كونسلتينغ جروب والبنك الألماني للتنمية بعنوان، ’خارطة طريق التمويل المناخي’ أن مؤسسات التمويل الإنمائي مركزيّة في حشد رأس المال الخاص وتخصيص مواردها للمبادرات المناخية. كما تؤدي دورًا هامًّا في ردم الفجوة التمويلية للمشاريع التي تتصدّى للتغيُّر المناخي، بما يشمل مبادرات الطاقة المستدامة، والتكيف مع ظروف المناخ والقدرة على الصمود. إن النُهج المحددة في التقرير في غاية الأهمية للمواءمة مع الأهداف العامة لدول الخليج العربية في جهودها للتحوّل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوجيه إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة في المنطقة.
الدور الحاسم لمؤسسات التمويل الإنمائي في التمويل المناخي
تؤدي مؤسسات التمويل الإنمائي دورًا قياديًّا بوصفها جهات مُنسقة في منظومة التمويل، في حين تشارك أطراف متعددة في تمويل التحوّل نحو التصدي للتغيُّر المناخي. كما أن دور مؤسسات التمويل الإنمائي بالغ الأهمية في تنسيق هذه الجهود وتوجيهها، مع ضمان التمويل الكافي للمشاريع المتصلة بالمناخ في المنطقة. في إطار الالتزام القوي من قِبل دول الخليج العربية نحو الدبلوماسية والتمويل المناخي، وقد أصبحت مؤسسات التمويل الإنمائي حجر الأساس في استكشاف الجهات الفاعلة في المنظومة وربطها معًا نحو اتخاذ اجراءات تهدف إلى تحقيق مستقبلٍ أكثر استدامة وصمودًا.
ولطالما كانت مؤسسات التمويل الإنمائي بدول الخليج العربية هي قوام البنية التحتية المالية، والمؤسسات الانمائية الصناعیة والاجتماعية، كما ساهمت في جهود التنمية العالمية والإقليمية. وقد حدثت مؤخرًا نقلةٌ نوعية نحو المشاريع التي تشجع الصمود، والتكيف في وجه الظروف المناخية والحد من المخاطر الاقتصادية والبيئة المترتبة في ظل إلحاح قضية المناخ عالميًّا وإقليميًّا. وقد شمل ذلك الاستثمارات في الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتنمية المستدامة والحضرية، التقنيات الخضراء، مما مهد إلى حقبةٍ جديدة في التمويل الإنمائي تُركّز على الاستدامة البيئية.
قيادة مؤسسات التمويل الإنمائي في مبادرة التمويل المناخي
تساهم مؤسسات التمويل الإنمائي بدول الخليج العربية في جهود تحوّل مشهد التمويل الإنمائي بالتصدّي إلى التغيُّر المُناخي وتشجيع التنمية المُستدامة بشكلٍ فعّال. أمثلة مختارة:
- أطلق الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي برنامج الصندوق العربي للمشاريع الخضراء عام 2022، بهدف الحدّ من آثار التغيُّر المُناخي في الدول العربية. وقد تضمن هذا البرنامج الشامل تقديم القروض للمشاريع الخضراء بأسعار فائدة منخفضة، وتقديم المنح لدراسات الجدوى الاقتصادية والتصاميم، وإطلاق المنافسات لتمويل المشاريع الخضراء الصغيرة المبتكرة، وتنظيم المؤتمر العربي للتعاون في مجال تغير المناخ لتعزيز التعاون الإقليمي.
- وقد خطا صندوق أبو ظبي للتنمية خطوات كبيرة بتمويل 73 مشروعًا للطاقة المتجددة، وتجاوز إجمالي استثماراته 4.7 مليار درهم إماراتي. وتوزعت هذه المشاريع على مستوى 52 دولة، وعمدت إلى الاستفادة من الطاقة الكهرومائية، والشمسي، وطاقة الرياح لتلبية الطلب المتنامي على الطاقة الآمنة والمستدامة. وفضلًا عن تعزيز الاقتصاد وجودة الحياة في الدول النامية، فإن هذه المبادرات تساهم أيضًا في تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وتحقيق الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة، الذي يهدف إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدّي للتغير المناخي.
- ويركّز الصندوق السعودي للتنمية إلى التركيز على النهوض بالقطاع الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي في الدول النامية. كما يتصدّى إلى التحديات الحرجة المرتبطة بالمناخ مثل الجفاف، والفيضانات، وانتشار الآفات الزراعية، وسوء استخدام التقنيات الحديثة. ومنذ تأسيسه عام 1974، خصص الصندوق السعودي للتنمية أكثر من 70 مليار ريال سعودي لمبادرات التنمية على مستوى العالم، وتركّز ذلك على تقديم القروض الميسرة ومشاريع التمويل في الدول الأقل نموًا والدول ذات الدخل المنخفض. كما وقعت حتى حتى تاريخه أكثر من 737 اتفاقية مع 84 دولة.
تمكين التمويل المناخي: الدور المتزايد والأهمية الملحة لمؤسسات التمويل الإنمائي
تؤدي مؤسسات التمويل الإنمائي دورًا حاسمًا في جهود التكيُّف مع آثار تغير المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية. حيث تستفيد مؤسسات التمويل الإنمائي من التمويل المختلط، الذي يجمع الأموال العامة والخاصة، باستقطاب رؤوس الأموال الخاصة للاستثمار في المشاريع الصديقة للمناخ. كما تعمل هذه المؤسسات على تبديد مخاوف المستثمرين بتقديم التأمين والضمانات، ولا سيما في الأسواق الناشئة. وتُسلط دول الخليج العربية الضوء على الاستخدام الفعَّال لأدوات التمويل الابتكاري، مثل السندات الخضراء، وصناديق المناخ؛ لتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع التي من شأنها تحقيق أثرٍ بيئيٍ إيجابي. وتُؤكد هذه الجهود المبذولة على الالتزام بدعم المشاريع الصديقة للمناخ بالاستعانة بالتمويل المختلط، الذي يلعب دورًا هامًا في جذب رؤوس الأموال الخاصة للمبادرات الكبرى مثل محطات الطاقة الشمسية. وعلى غرار ذلك، توجد جهود عالمية لجمع الأموال الخاصة والعامة لتسريع التكيُّف مع آثار تغير المناخ، مشاريع الحد من المخاطر على نطاقٍ أوسع.
وبخلاف التمويل، عقدت مؤسسات التمويل الإنمائي بدول الخليج العربية شراكات استراتيجية مع مختلف الجهات المعنية، بما يشمل المنظمات الدولية، والحكومات، فضلًا عن القطاع الخاص للدعوة إلى إرساء أطر السياسات العامة لتشجيع الاستثمار في التقنيات الخضراء. كما كان لها دورٌ حاسمٌ في بناء القدرات ومشاركة المعرفة، وتعزيز ثقة المستثمرين في مشاريع المناخ. وتعمل على تسهيل الدخول إلى الأسواق، بضمان ربط المستثمرين من القطاع الخاص بمشروعات مجدية مرتبطة بالمناخ. وفي الوقت عينه، فإن من شأن التزامها بالشفافية وقياس الآثار أن يعطي الضمانة اللازمة بشأن فعالية المشاريع والآثار البيئية المترتبة.
وتعمل مؤسسات التمويل الإنمائي أيضًا على تحويل الالتزامات المناخية إلى خططٍ قابلة للتنفيذ بحشد أموال القطاع الخاص وجمع الجهات المعنية معًا للتصدّي إلى الفجوات المالية والفجوات المتصلة بالسياسات والحوافز في جهود التكيُّف مع آثار تغير المناخ والحدّ من المخاطر المتوقعة. وتقوم بدور جهاتٍ منسقة، لتوجيه الاستثمارات الخاصة نحو القضية العالمية للإجراءات المتعلقة بالمناخ. وفي حين أن دور مؤسسات التمويل الإنمائي بدول الخليج العربية تسير في الاتجاه الصحيح، إلا أن الحاجة مُلحّة لزيادة هذه الخطوات الأولية لتصبح إجراءات منسقَّة. فلدى مؤسسات التمويل الإنمائي الإقليمية فرصة ذهبية لتحفيز العمل بشأن التغيُّر المناخي بدول الخليج العربية بالقيام بالأدوار المتنوعة أعلاه وتحقيق تقدمٍ كبير في جدول الأعمال العالمي بشأن تغيُّر المناخ. وستكون الرحلة في المستقبل حاسمة، ويتعين على مؤسسات التمويل الإنمائي بذل المزيد من الجهود واتخاذ خطوات حازمة للتصدّي إلى الحاجة الملحة للاستجابة لتغير المناخ.