قيادة الأزمة وليس إدارتها

4 دقائق
قيادة الأزمات

تخيَّل أنك الشخص الذي كان في المقر الرئيسي لشركة "بريتيش بتروليوم" (BP) عام 2010، وتلقيت المكالمة الأولى التي كان مفادها: لقد انفجرت منصة الحفر في خليج المكسيك وغرقت، ولقي 11 عاملاً مصرعهم، وتسرب النفط إلى المحيط بمعدل 43 برميلاً في الدقيقة. فماذا كنت ستفعل؟ ومَن الزملاء الذين كنت ستجتمع معهم؟ وما المشكلة التي كنت ستتناولها أولاً من بين كل تلك المشكلات العديدة؟ هل كنت ستصدر بياناً صحفياً أو تغريدة، أم كنت سترسل متحدثاً رسمياً إلى موقع الحادث؟ هل كنت ستركز على إدارة الموقف مباشرة أم على قيادة الشركة من خلال ما يتطلبه هذا الموقف؟ كيف يمكن قيادة الأزمات المباغتة؟

قيادة الأزمات في عصر "تويتر"

باتت المؤسسات في عصر "تويتر" أكثر اهتماماً من أي وقت مضى بسرعة وبراعة الاستجابة لأية أزمة، سواء كانت كارثة كاملة أم مجرد تغريدة لأحد الزبائن بدأت في الانتشار، حيث يصنف المسؤولون التنفيذيون الآن في الاستقصاءات "مخاطر المساس بالسمعة" ضمن مخاوفهم الكبرى، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى انتشار الأخبار السيئة بوتيرة أسرع من المعتاد، فقد كان العنوان الرئيسي لمجلة "فوربس" بعد انتشار فيديو يُقتاد فيه أحد الركاب من إحدى الطائرات في الربيع الماضي: "كيف أصبحت ’يونايتد‘ شركة الطيران الأكثر كرهاً في العالم في يوم واحد".

اقرأ أيضاً: كيف تحضر شركتك لمواجهة الأزمات؟

غالباً ما تكون المكالمة الأولى في العديد من هذه الشركات التي تقع في مثل هذه المآزق من نصيب مستشار إدارة الأزمات، أو من يسمّى بالتعبير الدّارج "حلّال المشكلات". ولكن وفقاً لجيمس هاغيرتي المتخصص في هذا العمل، إذا اضطررت إلى الاستعانة بمساعدة خارجية فور وقوع الأزمة فهذا دليل على فشلك في حقيقة الأمر. وبصفته مسؤولاً عن إدارة الأزمات، يقترح على الشركات اتخاذ ثلاث خطوات استباقية: تكليف أحد الأشخاص الداخليين بإدارة أي أزمة قد تقع (ليس الرئيس التنفيذي بل هو شخص يمكن الوثوق فيه بما يكفي لاتخاذ القرارات الحاسمة، مثل رئيس شؤون العاملين الذي يعمل تحت الرئاسة المباشرة للرئيس التنفيذي، أو أحد موظفي العلاقات العامة المتمرسين، أو مساعد المستشار العام)، وتعيين فريق للاستجابة السريعة مهمته مساعدة هذا الشخص، ومنح هذا الفريق بعض التدريب على السيناريوهات المحتملة.

يصنف هاغيرتي الأزمات وفقاً لسرعة وتيرتها (أزمة "متفجرة" في مقابل أزمة "متفاقمة" ذات وتيرة أبطأ، مثل دعوى قضائية كبرى)، ويدرس المشكلات من كل جوانبها مثل منع التغطية الإعلامية، ويركز على الأساليب التكتيكية: حيث يرى أنه ينبغي للشركات أن تعد دليلاً إرشادياً مغلفاً من صفحة واحدة لإدارة الأزمات، يشبه ذلك الذي يحمله مدربو كرة القدم الأميركية خارج خطوط الملاعب. يقول هاغيرتي إن استجابة شركة "بريتيش بتروليوم" لانفجار منصة "ديب ووتر هورايزن" تعد من أسوأ استجابات قسم العلاقات العامة التي شهدها العالم على الإطلاق"، وإن كان لا يلقي اللوم على الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك توني هايوارد وحده، بل على فريق القيادة بأكمله الذي كان يفتقر إلى الاستعداد اللازم للتواصل في حالة حدوث تسرب نفطي، وهو ما يشكل خطراً واضحاً يهدد الشركة، فيقول: "إن الخطأ من وجهة نظري لا يكمن فقط في الرسائل الضعيفة المربكة التي قدمتها "بريتيش بتروليوم" في المراحل الأولى، بل في عدم وجود خطة مناسبة قابلة للتنفيذ، وهو ما أدى بصورة مباشرة إلى هذه الاستجابات المتخبطة".

البحث الأكاديمي حول قيادة الأزمات

يدعو تيم جونسون، مستشار إدارة الأزمات المقيم في لندن، مؤلف كتاب "قيادة الأزمات" (Crisis Leadership)، إلى اتباع نهج مختلف بعض الشيء، حيث يعتمد على البحث الأكاديمي في التقليل من التركيز على الحاجة إلى المخططات الانسيابية وقوائم المراجعة، وفي زيادة التركيز على تطوير "ثقافة الاستعداد للأزمات" وإعداد الكوادر التي تتمتع بالثبات الانفعالي الكافي لاتخاذ قرارات مدروسة وحكيمة، حتى في ظل تسارع الأحداث، وهو أمر مؤكد الحدوث خلال الأزمات.

ويصف جونسون نوعين من التحيز ينشأان عن استجابة الكر والفر، ويؤديان إلى تبني خيارات سيئة، وهما: "تحيز التدخل" أو الرغبة في المبالغة وتنفيذ مهمات تفتقر المؤسسة إلى الاستعدادات الكافية للاضطلاع بها، و"تحيز التنازل" الذي يدفع المرء إلى التنصل من المسؤولية أو إلقاء اللوم على الآخرين. (والمحامون مولعون بهذا النوع الأخير بصفة خاصة). ويرى جونسون أن القيادة الفعلية في ظل الأزمة تتطلب تجنب مثل هذه الرغبات، والتوجه- بدلاً من ذلك- إلى العمل على معرفة ما يحدث حقاً، والتفكير الجاد بشأن احتياجات أصحاب المصلحة، وتكوين فريق مهمته الأولى توجيه الاستجابة، وهو ما أشار إليه بقوله: "قاوم الرغبة في فعل أي شيء على الفور". تجاهل التوتر والانفعال وأي استجابة متهورة، واعمل مع فريق يمتلك سجلاً حافلاً بالأداء المتميز، وحاول التوصّل إلى الحقائق، واطرح الأسئلة، واستمع إلى الأجوبة، ثم ضع الخطة.

اقرأ أيضاً: كيف تتواصل بطريقة صحيحة خلال الأزمات؟

وعلى عكس ما قد يتوقعه المرء، يشير جونسون إلى رد فعل الرئيس جورج دبليو بوش على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عندما واصل لقاءه مع أطفال المدارس في فلوريدا، حتى بعد إخطاره بتعرض نيويورك للهجمات الإرهابية بوصفه مثالاً ممتازاً على نهجه، فذكر قائلاً: "إن عدم التسرع باستجابة مندفعة منح [بوش] مساحة للتفكير ووقتاً لاتخاذ رد الفعل المناسب".

الأزمات المستمرة

تدرس نانسي كوهين المؤرخة بـ "كلية هارفارد للأعمال" نوعاً مختلفاً من الأزمات، وهو الأزمة المستمرة التي تضع القائد في دوامة من القرارات التي لا نهاية لها، ففي كتابها "صُنع في أزمة" (Forged in Crisis) تستعرض سمات خمسة من القادة الذين عانوا مثل هذا التوتر، وهم: إرنست شاكلتون، وأبراهام لينكولن، وفريدريك دوغلاس، وديتريش بونهوفر (رجل دين ألماني مناهض للنازية)، والمدافعة عن قضايا البيئة في الستينيات راشيل كارسون. وترى كوهين في هذه الشخصيات التاريخية بعض السمات التي ذكرها جونسون، وهي التأني المتناهي والتحلي بالصبر حتى في ظل الضغوط، فتقول: "اكتشف لينكولن، على سبيل المثال، قوة السيطرة على عواطفه في مواقف معينة بالقدر الكافي لعدم الإقدام على اتخاذ إجراء فوري أو عدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق في بعض الحالات"، وتقول في موضع آخر: "في لحظة وقوع الأزمة التي يتركز فيها جل وقتنا واهتمامنا على اتخاذ رد فعل فوري، يبدو لنا أنه ليس من المعقول تقريباً أن يكون عدم الإقدام على اتخاذ أي إجراء هو أفضل إجراء يمكننا اتخاذه"، ولكن التاريخ يشهد بذلك في بعض الأزمات.

اقرأ أيضاً: كيف تتصرف إذا كنت مستثمراً في بلد وحدثت فيه أزمة سياسية؟

وكما هو واضح عند الحديث عن قيادة الأزمات بشكل صحيح، فإن هناك ثلاثة كتب مختلفة للغاية، فمن الصعب تخيل رئيس تنفيذي يسأل نفسه: "ما الذي كان سيفعله لينكولن؟" عندما تهبط أسهم شركته بسبب انتشار مقطع فيديو، ومع ذلك فإن التوصيات المطروحة لا تتناقض إحداها مع الأخرى، فقد يكون من الذكاء بالنسبة للرئيس التنفيذي أن يفوض إدارة الأزمات التكتيكية إلى أحد نوابه، وأن يعيد تشكيل فريقه، وأن يعد بعض النسخ من الدليل الإرشادي لإدارة الأزمات (سواء كانت مغلفة أم غير مغلفة) ليكون على أهبة الاستعداد، ولكن ينبغي لهذا القائد نفسه أيضاً أن يحاول الحفاظ على هدوئه ورباطة جأشه، وأن يراقب الأوضاع لأطول فترة ممكنة، وأن يفهم أن التفكير القائل: "لننتظر ونراقب" هو الاستجابة الأكثر حكمة في الكثير من المواقف.

اقرأ أيضاً: كيف أثبتت أزمة فيروس كورونا أننا بحاجة إلى سلاسل توريد أكثر مرونة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي