يصف كتاب إدوارد سلينغرلاند (Edward Slingerland)، الذي يحمل عنوان "محاولة ألا تحاول: فن صيني قديم وعلم عفوية حديث" (Trying Not to Try: The Ancient Chinese Art and Modern Science of Spontaneity)، أهمية السماح لعقولنا بالاسترخاء واستكشاف حالة من الوجود تكون خاضعة لسيطرة أقل صرامة: حالة ليس بمقدورك الفوز من خلالها إلا عندما لا تحاول الفوز؛ حالة تتجاوب فيها أنت مع الأوضاع دون بذل أي جهد على الإطلاق.
هذا المفهوم يسمى "وو وي" بحسب العقيدة الصينية الطاوية. فعندما يختبر شخص حالة "وو وي" هذه، فإن أداء الأمور الصعبة يبدو في منتهى السهولة بالنسبة له. ويمكن ترجمة عبارة "وو وي" على أنها تعني حرفياً "الفعل عبر اللافعل" أو "التصرف العفوي على السجية"، وهو تصرف يشعر الإنسان الذي يمارسه بالاسترخاء والمتعة وأنه نال مراده تماماً.
يقول سلينغرلاند: "إن إحدى الإشارات على أن شخصاً ما في حالة "وو وي" هي امتلاكه لما يُسمى "دي"، والتي تترجم على أنها "الفضيلة" أو "السلطة" أو "القوة الكاريزمية". فهو لا يحتاج إلى توجيه الاتهامات إلى الآخرين أو تقديم المكافآت لهم، فهم الذين يريدون أن يحذو حذوه. فإذا كان لديك "دي" هذه، ذلك يعني أن الناس يحبونك، ويثقون بك، ويشعرون بالاسترخاء وهم في حضرتك. هذه هي المكاسب التي تقدمها حالة "وو وي". فعندما يكون كرمك حقيقياً، ستجذب الناس إليك، وتتمتع عملياً بالكاريزما".
إذا تمكنت من الوصول إلى حالة "وو وي"، فستحصل على "دي". يقول الفيلسوف الصيني لاو تزو (Lao Tsu): "إن عدم طلب الحكيم لأي شيء مقابل لطفه، يجعله يحصل على كل شيء في النهاية، فالحكيم لا يراكم الأشياء، ومع ذلك فإنه كلما أعطى للآخرين أكثر، كسب نفسه أكثر، إذ تجعله قوة العطاء أكثر غنى".
كان والد زوجتي مزارعاً في قرية صغيرة في ولاية أيداهو الأميركية، وكان مجرد رجل هادئ محدود الموارد. لم يكن من معتنقي الطاوية، لكن أولاده السبعة وأحفاده البالغ عددهم 35 حفيداً يثقون به ثقة عمياء، وكانوا يشعرون بكل الاسترخاء في حضرته. فالكثير الذي قدمه للآخرين، جعله شخصاً غنياً ومليئاً بالكاريزما.
بالنسبة للكثيرين منا، تُعتبر الكاريزما هي أقرب للمعاناة – أو شيء يتزايد ويتناقص مع مرور الوقت. لكن هناك شخصاً آخر قريب جداً مني وهو إنسان رائع وخريج في كلية الحقوق، تزوج من عارضة أزياء. في سن الثلاثين، كان يتمتع بقدر كبير من "وو وي" و"دي"، ولكن مع تقدمه في السن، لم يعد الأمر كذلك. فمع تقدم العمر، يبدو أنه قد نسي قوة العطاء.
بما أن محاولة المرء بألا يحاول تنطوي على مفارقة حقيقية، فليس هناك حل مضمون تماماً يجعل الإنسان يختبر حالة "وو وي". ولكن بالتأكيد هناك استراتيجيات لاختبار ذلك. يقول سلينغرلاند ناصحاً: "هل ستذهب إلى اجتماع مهم؟ إذا لم تكن قد حضّرت نفسك بالكامل، بحيث يكون عرضك واضحاً في ذهنك، فإن القليل من التلميع والتشذيب وفقاً للطريقة الكونفوشيوسية هو أمر جيد: حاول ثم حاول وفي نهاية المطاف يصبح الأمر سهلاً بحيث لا يحتاج منك إلى بذل أي جهد. ولكن إذا كنت مستعداً وجاهزاً، وكانت مشكلتك هي في أعصابك وتوقعاتك، فإنك بحاجة أكثر إلى الاستراتيجية "الداوية" القائمة على "عدم المحاولة": دع جسدك يسترخي قبل الموعد المقصود من خلال ممارسة بعض التمارين الرياضية، وتفريغ ذهنك، والتركيز على تنفسك قبل الدخول إلى قاعة الاجتماع". يسمح لك هذا بالامتناع عن القلق تجاه نفسك وتجاه ما سيفكر به الناس عنك، ودع الشخص المقابل لك يستحوذ عليك بالكامل.
القادة الحقيقيون تسيطر عليهم أمور أهم وأكبر بكثير من ذواتهم. كان والد زوجتي قائداً. وأنا لم أستوعب ذلك إلا بعد رحيله. وبما أن عطاءه لم يكن ينتظر من الآخرين لا حمداً ولا شكوراً، فمع تقدمه في العمر، ازداد انجذاب الناس إليه، حتى أنهم كانوا يشعرون بحالة "وو وي" الخاصة بهم في حضرته.
فكلما ازدادت قوة العطاء لدينا، حصلنا على المزيد، وكلما تخلينا عن السيطرة أكثر، كان حجم ما يقع تحت سيطرتنا أكبر، وعندما نكفّ عن المحاولة، فإن الكاريزما التي سنتملكها ستكون أكبر بكثير مما كنا نتخيل، وإذا كنا قادة حقيقيين، فإننا سنتخلى عن تلك السيطرة فوراً.
اقرأ أيضاً: ما هو مبدأ الوفاء بالعطاء؟