تؤثر فترات الانكماش الاقتصادي الكبير على معظم الشركات. كما أن المصنعين الذين يبيعون لعملائهم من خلال شركاء قنوات البيع، مثل تجار التجزئة أو شركات البيع بنظام القيمة المضافة، يواجهون تحديات إضافية. قد يتمكن الشركاء الذين يعانون من نقص في رؤوس الأموال من توصيل المنتجات إلى العملاء، أو قد يحدث ما هو أسوأ من ذلك وهو التعرض للإفلاس. وفي ظل الجائحة الحالية، يبدو أن الوضع مزري، مع توقع حدوث حالات إفلاس أكثر من تلك التي حدثت أثناء الأزمة المالية العالمية ما بين عامي 2008 و2009.
بالنسبة إلى المصنعين، عقب الخروج من فترة انكماش كبير يتطلب النجاح إعادة النظر في استراتيجية قنوات البيع. فالمصنعون الذين يخططون ببساطة "للعودة إلى العمل بالطريقة المعتادة" قد لا يبلون بلاء حسناً.
سارع شركاء قنوات البيع الأشد تضرراً في مختلف القطاعات إلى الاستجابة للجائحة. فقد خفضوا التكاليف من خلال تسريح العمال مؤقتاً أو نهائياً وخفض مستويات المخزون وتأخير استثمارات رأس المال. وقدمت البرامج الحكومية (مثل "قانون كيرز "قانون المساعدات والإغاثة والأمن الاقتصادي المتعلق بفيروس كورونا" أو CARES Act) في الولايات المتحدة) إغاثات مؤقتة للكثيرين. كما تدخّل المصنعون الذين يملكون ما يكفي من رؤوس الأموال لمساعدة شركاء قنوات البيع الذين يواجهون صعوبات مالية. فقد مدد أكثر من نصف مصنعي التكنولوجيا آجال السداد. وقدمت شركة "سيسكو" (Cisco) 2.5 مليار دولار للشركاء في شكل تمويل إضافي. وحذت حذوها شركة "ديل" (Dell) وشركات أخرى. ولكن حتى مع إسراع المصنعين إلى تقديم المساعدة، لن ينجح الكثير من شركاء قنوات البيع.
ينبغي أن يطرح المصنعون 3 أسئلة أثناء إعادة النظر في استراتيجيات قنوات البيع وبرامجها لدفع عجلة النجاح على كل من المدى القصير والمدى الطويل خلال رحلة التعافي.
#1: هل حان وقت تغيير مزيج قنوات البيع ومسؤولياتها؟
بعد فترات الانكماش، من المغري بالنسبة إلى المصنعين محاولة العودة إلى استراتيجيات قنوات البيع السابقة. ولكن احتياجات العملاء المتغيرة تجعل هذا الوقت مناسباً لإعادة النظر في مزيج قنوات البيع ومسؤولياتها، حيث تتطلب بعض المواقف زيادة البيع المباشر للعملاء، بينما تتطلب مواقف أخرى زيادة دور شركاء قنوات البيع.
زيادة البيع المباشر. لمواجهة التغيرات في سلوك المستهلك أثناء الجائحة، أطلقت شركة "بيبسيكو" (PepsiCo) قناة للتعامل المباشر مع المستهلك تتيح للمستهلكين شراء منتجات علاماتهم التجارية المفضلة عبر الإنترنت. تتغير تفضيلات قنوات البيع في قطاعات التعامل التجاري بين الشركات أيضاً؛ حيث يسعى العملاء إلى الحد من الاضطرابات في سلاسل التوريد التي سببتها الجائحة من خلال الاستغناء عن الوسيط. ويمكن للمصنعين الاستجابة لذلك من خلال توسيع نطاق البيع المباشر لعملائهم الكبار غير المباشرين. كما يمكنهم أيضاً إنشاء نماذج هجينة يستعيدون فيها بعض مسؤوليات قنوات البيع كترويج المنتجات أو الخدمات اللوجستية.
زيادة البيع المباشر من خلال شركاء قنوات البيع. بينما يوسع بعض المصنعين نطاق البيع المباشر، يرى آخرون أنه قد حان وقت فعل ما هو عكس ذلك. أعلنت شركة "إل إل بين" (L.L. Bean) مؤخراً أنها ستبدأ في البيع المباشر لأول مرة؛ حيث ستتيح لها الشراكات التي عقدتها مع "نوردستروم" (Nordstrom) و"شيلز" (Scheels) و"ستيبلز" (Staples) توسيع نطاق تغطية السوق والوصول إلى شرائح العملاء التي تعاني من نقص في الخدمات. والمصنعون الذين يخدمون الشركات لديهم فرصة أيضاً للاستفادة من قنوات البيع غير المباشرة الجديدة. نظراً إلى أن عملاء الشركات كالمستهلكين يدعمون الشراء عبر الإنترنت، فقد أصبحت الأسواق الرقمية مثل "زورو" (Zoro.com) و"أمازون" أكثر جاذبية.
ولذلك فإن اختيار استراتيجية قنوات البيع المثلى يتطلب فهم ما يقدره العملاء وتقييم قدرات المصنعين والشركاء وتحليل اقتصاديات قنوات البيع.
#2: هل تستثمر في شركاء قنوات البيع المناسبين؟
مع الخروج من فترة الانكماش، سيميل المصنعون إلى إعطاء الأولوية للشركاء الذين نجحوا في الماضي. فوجهة نظرهم تعكس المقولة التي تكررها المغنية شانيا توين كثيراً "ستجلس مع الشخص الذي دعاك إلى الحفل". ومع ذلك، قد يكون الفائزون بالأمس متخلفين عن الركب غداً. لذلك، ولكي يحافظ بعض الشركاء الناجين سابقاً على بقائهم ونشاطهم، فقد أخروا الاستثمارات في التعيين والتدريب وتقنية المعلومات، ولم تكن لديهم إمكانية الحصول على رأس المال لتوسيع نطاق العمليات بسرعة. ولكن ثمة خطر يتمثل في أن يصبح هؤلاء الشركاء الذين يعانون من نقص الموارد معتمدين بصورة مفرطة على دعم المصنعين، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف قنوات المصنعين.
ولهذا، يتعين على المصنعين الاستثمار في الشركاء الذين يقدمون ما يقدره العملاء؛ للنجاح على المدى الطويل. وأيضاً يبحث الشركاء بلا شك عن المصنعين ذوي العروض الفائزة والحوافز وبرامج الدعم. فبعض المواقف تتطلب من المصنعين مضاعفة تركيزهم على أكبر الشركاء، بينما تستلزم مواقف أخرى تحويل الاستثمارات إلى شركاء صغار واعدين.
الاستثمار في أكبر وأقوى الشركاء. قد يؤدي الاعتماد على شبكة مجزأة من الشركاء الصغار الذين يعانون من نقص في رؤوس الأموال إلى إبطاء عملية التعافي. وقد يكون هذا هو الوقت المناسب للتركيز على الشركاء الأقدر على تحقيق النجاح في المستقبل. منذ ما يقرب من 20 عاماً، أطلقت شركة "جون ديري" (John Deere) المتخصصة في تصنيع المعدات الزراعية برنامج "بائع المستقبل" (Dealer of Tomorrow) لمكافأة البائعين الذين استثمروا في القدرات التي تطلبها المزارع الكبيرة مع صرف التركيز عن البائعين الذين لا يمتلكون هذه الصفات المنشودة. وقد أدى هذا البرنامج إلى تحسين خدمة العملاء بشكل ملحوظ وخفض عدد البائعين بشكل كبير.
مساعدة الشركاء الصغار الواعدين. سيجد بعض المصنعين أنه عند الخروج من الأزمة يكتسب الشركاء الذين يملكون ما يكفي من رؤوس الأموال قوة كبيرة للغاية. قد يتسبب الشركاء الكبار في تعرض الشركاء الصغار للإفلاس، ما يخلق فجوة في التغطية وعلاقات غير مستقرة مع العملاء. ويكتسب الشركاء الكبار أيضاً قوة في المفاوضات بشأن الأسعار مع المصنعين، ما يؤدي إلى ضغط هامش الربح. في عام 2001، خففت شركة "سيمكس" (Cemex) المصنعة لمواد البناء من هذه المخاطر من خلال إطلاق شبكتها التجارية "كونستروراما" (Construrama) لدعم التجار الصغار والمستقلين المتخصصين في بيع المعدات بالتجزئة في المكسيك وأميركا الوسطى، حيث ساعدت "سيمكس" هؤلاء التجار على التنافس ضد متاجر التجزئة الكبيرة متزايدة القوة من خلال تقديم التدريب ودعم المبيعات والتسويق ونُظم تقنية المعلومات. وفي المقابل، وافق تجار التجزئة في "كونستروراما" على الوفاء بمعايير الخدمة والترويج لمنتجات "سيمكس". واليوم، تمتلك "سيمكس" شبكة ضخمة لتوزيع مواد البناء بوجود أكثر من 2,300 متجر في "كونستروراما".
#3: هل ينبغي لك تغيير التعويضات والحوافز التي تُمنح لشركاء قنوات البيع؟
مع عودة الطلب إلى مستوياته، سيميل المصنعون إلى زيادة المبيعات من خلال عرض أسعار منخفضة على الشركاء إذا التزموا بزيادة أحجام الطلبات. إلا أن هذه الاستراتيجية قد تكون محفوفة بالمخاطر. فالتخفيضات القائمة على الحجم يمكن أن تحفز الشركاء على الإفراط في الشراء دون قصد، ما يخلق تحديات تتعلق برأس المال التشغيلي. وبعد ذلك سيطلب هؤلاء الشركاء تمديد آجال السداد، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف قنوات البيع. والحوافز القائمة على الحجم تمنح الشركاء الأكبر ميزة غير عادلة أيضاً، ما يؤدي إلى تدهور الأسعار وتسريع وتيرة دمج قنوات البيع غير المرغوب فيه.
فالآن هو الوقت المناسب للنظر في إدخال التغيرات التي طال انتظارها على برامج تعويض شركاء قنوات البيع من خلال إعادة النظر في مستويات أجور الشركاء والسلوكيات والنتائج المرتبطة بالتعويضات.
تغيير مستويات الأجور لتعكس الأدوار المتغيرة. لم يغير بعض المصنعين الأسعار والحوافز التي تُمنح لشركاء قنوات البيع بشكل كبير لسنوات على الرغم من تغيير مسؤوليات الشركاء، حيث يجب أن تنعكس الزيادة أو النقصان في مسؤوليات قنوات البيع في هيكل التعويضات. وفي قطاع المنتجات الاستهلاكية، مع الارتفاع الشديد في المبيعات من خلال متاجر البيع بالتجزئة الرقمية، أصبح عدد أكبر من المصنعين يحتفظون بالمخزون ويشحنون المنتجات للعميل مباشرة وبالتالي يقللون التعويضات التي تُمنح لشركاء قنوات البيع. ومن ناحية أخرى، في قطاع برمجيات الشركات، يمنح المصنعون لشركاء قنوات البيع حوافز إضافية لتسجيل الصفقات نظير اكتساب عملاء جدد بشكل مستقل دون دعم المصنعين.
الاستثمار لتحفيز السلوكيات الصحيحة. الحوافز التي يمنحها المصنعون، كالتخفيضات الوظيفية والتمويل المشترك، يمكن أن تحفز سلوكيات محددة لدى الشركاء. على سبيل المثال، في بعض القطاعات رفض الشركاء طلبات المصنعين الرامية إلى الحصول على بيانات نقاط البيع. ولكن من خلال مكافأة الشركاء على مشاركة البيانات، يتعرف المصنعون على احتياجات العملاء بشكل أفضل وأوضح. ويستخدم مصنعون آخرون الحوافز لتحفيز الاستثمارات في القدرات الجديدة. على سبيل المثال، أعاد قادة التكنولوجيا، مثل "مايكروسوفت" و"سيسكو" و"هيوليت-باكارد" (آتش بي) (HP)، تصميم برامج الشركاء لمكافأة الباعة على خبراتهم وتغطيتهم للقطاعات التي تنطوي على إمكانات عالية (مثل قطاع الرعاية الصحية) والتقنيات المطلوبة (مثل التحليلات المحوسبة المتقدمة والأمن السيبراني).
قال الخبير الاقتصادي بجامعة ستانفورد بول رومر ذات مرة: "من المخيف إضاعة الفرص التي تجلبها الأزمات"، حيث إن فترات الانكماش الاقتصادي تمنح المصنعين الفرصة لإعادة النظر في استراتيجيات قنوات البيع لمجاراة هذا العالم المتغير.