إليك هذه القصة حول كيف تستثمر وقتك على نحو صحيح تحديداً. يبلغ عمر ستيف وانر 37 عاماً، وهو مدير إداري محترم للغاية في شركة "إرنست آند يونغ". ستيف متزوج ولديه أربعة أطفال صغار. عندما التقيناه قبل عام، كان يعمل 12 إلى 14 ساعة في اليوم، ويشعر بالإرهاق الدائم، كما كان يجد صعوبة في التواصل بشكل جيد مع عائلته في المساء، ما كان يجعله يحس بالذنب وعدم الرضا. كان نومه سيئاً، ولم يكن لديه الوقت لممارسة الرياضة، ونادراً ما كان يتناول طعاماً صحياً، حيث كان يتناول كل ما كان يتاح له بسرعة في مكتبه.
هناك كثيرون يعيشون مثل وانر، فمعظمنا يستجيب لطلبات العمل المتزايدة عبر العمل لساعات أطول والتي بدورها ستؤثر لا محالة علينا جسدياً وعقلياً وعاطفياً. يؤدي هذا إلى انخفاض مستويات المشاركة، وزيادة مستويات الإلهاء، وارتفاع معدلات ترك العمل، وارتفاع التكاليف الطبية بين الموظفين. لقد عملنا في "مشروع الطاقة" (Energy Project) مع آلاف القادة والمدراء، إذ قدمنا لهم الاستشارات والتدريب على مدار السنوات الخمس الماضية. كانت قصصهم إلى حد كبير متشابهة ومفادها أنهم يعملون ويدفعون أنفسهم إلى أقصى حد بغرض مواكبة كل ذلك ويشعرون على نحو متزايد أنهم يقتربون من حافة الانهيار.
كيف تستثمر وقتك على نحو صحيح
تتمثل المشكلة الأساسية في العمل لساعات أطول في أنّ الوقت هو مورد محدود، أما الطاقة فهي موضوع مختلف تماماً. إذا نظرنا إلى علم الفيزياء، سنجده يعرّف الطاقة: بأنها القدرة على إنجاز شيء ما. تأتي من أربعة منابع رئيسية لدى البشر هي: الجسم والعواطف والعقل والروح. ويمكن زيادة تدفق الطاقة من كل منبع من هذه المنابع وتجديدها بانتظام عبر إنشاء طقوس محددة السلوكيات يتم ممارستها عمداً وفق مواعيد ممارسة دقيقة حتى تتحول إلى طقوس تلقائية وعفوية في أسرع وقت ممكن.
ومن أجل إعادة تنشيط الموظفين بشكل فعال، تحتاج المؤسسات إلى تحويل تركيزها من محاولة الحصول على أقصى ما يمكنهم من موظفيها إلى محاولة الاستثمار فيهم بشكل أكبر لزيادة حماسهم في العمل وجعلهم راغبين في القدوم إلى المؤسسة كل صباح. في الوقت نفسه، يحتاج الأفراد، بغرض إعادة شحن طاقتهم، إلى التعرف على تبعات السلوكيات التي تستنزف تلك الطاقة ومحاولة تغييرها بغض النظر عن الظروف التي يواجهونها.
أدت الطقوس والسلوكيات التي أنشأها وانر لإدارة طاقته بشكل أفضل إلى إحداث نقلة نوعية في حياته. قام على سبيل المثال بتحديد وقت نوم مبكر وتوقف عن الشرب الذي كان يتسبب له بالأرق. نتيجة لذلك، بدأ يستيقظ شاعراً براحة أكبر ورغبة أكبر بالتمرن، حيث بات يتدرب كل صباح تقريباً. وفي أقل من شهرين فقد 7 كيلوغرامات. وبعد أن ينهي تمرينه، كان يجلس مع عائلته لتناول الفطور. لا يزال وانر يعمل ساعات طويلة في العمل، لكنه يجدد طاقته بانتظام عبر أمور مثل مغادرة مكتبه وتناول طعام الغداء في الخارج ضمن مكان بحاجة إلى الذهاب إليه سيراً على الأقدام. وعندما يصل إلى البيت في المساء، يكون أكثر استرخاء وقدرة على التواصل مع زوجته وأطفاله.
يمكن أن يؤدي إنشاء طقوس بسيطة كهذه إلى نتائج مذهلة في المؤسسات. قمنا في بنك واشوفيا (Wachovia) على سبيل بتعريض مجموعة من الموظفين لبرنامج تجريبي من أجل إدارة الطاقة ثم قسنا أداءهم عبر مقارنتهم بمجموعة لم تقم بالبرنامج. تفوق المشاركون في البرنامج على مجموعة المقارنة في سلسلة من المقاييس المالية، مثل قيمة القروض التي يولدونها، كما أشاروا إلى وجود تحسن كبير في علاقاتهم مع العملاء، ومشاركتهم في العمل، ورضاهم الشخصي. سنقوم في هذه المقالة بالحديث عن دراسة "واشوفيا" بمزيد من التفصيل، ثم سنشرح ما يمكن للرؤساء التنفيذيين والمدراء القيام به لزيادة وتجديد قدرتهم على العمل فضلاً عن تطرقنا إلى النهج الذي استخدمناه في مشروع الطاقة، والذي بدوره جاء انطلاقاً من عدة مفاهيم أساسية وضعها جيم لوهر (Jim Loehr) خلاله عمله مع الرياضيين.
ربط القدرة بالأداء في "واشوفيا"
لمعرفة كيف تستثمر وقتك بشكل صحيح بالفعل، تستثمر معظم المؤسسات الكبيرة في تنمية مهارات الموظفين ومعارفهم وكفاءاتهم، لكن يعمل عدد قليل منها على المساعدة في بناء واستدامة قدرات موظفيهم (أو طاقاتهم) حيث ينظرون إلى تنمية المهارات على أنها أمر مفروغ منه. في الواقع، تؤدي زيادة القدرة إلى جعل الموظفين قادرين على تحقيق جهد أكبر في وقت أقل ومستوى أعلى من المشاركة مع استدامة أكبر. ستبرهن تجربتنا التي قمنا بها في "واشوفيا" عمّا سبق.
في مطلع عام 2006، أخضعنا 106 موظفين في 12 مصرفاً إقليمياً ضمن جنوب نيو جيرسي إلى منهاج مؤلف من 4 وحدات، ركزت كل وحدة منها على استراتيجيات محددة لتعزيز أحد الأبعاد الرئيسية الأربعة للطاقة. وقمنا بتقديم وحدة كل شهر إلى مجموعات تتألف كل واحدة منها من 20 إلى 25 شخص تتراوح مناصبهم من القيادة العليا إلى المدراء الأدنى مرتبة. كما خصصنا لكل موظف زميل ليكون بمثابة مصدر دعم بين الجلسات. كما قمنا باستخدام مقاييس الأداء الرئيسية في "واشوفيا" لتقييم أداء مجموعة المشاركين مقارنة مع مجموعة مماثلة من الموظفين في نفس البنك لم تخضع للتدريب. ومن أجل إيجاد أساس موثوق للمقارنة، نظرنا إلى التغيرات في الأداء على أساس سنوي على مدى عدة مقاييس.
أظهر المشاركون زيادة سنوية مقدارها 13 نقطة مئوية على مقياس "بيج 3" (Big 3)، وهو مزيج من 3 أنواع من القروض، مقارنة بالمجموعة الأُخرى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من دراستنا. أما فيما يتعلق بالإيرادات من الودائع، تجاوز المشاركون في التدريب مكاسب مجموعة المقارنة بنسبة 20 نقطة سنوياً. وكانت المكاسب الدقيقة متفاوتة بين شهر وآخر، لكن بقي المشاركون في البرنامج أفضل من مجموعة المقارنة لعام كامل بعد الانتهاء من البرنامج (مع بعض الاستثناءات). وعلى الرغم من تأثير متغيرات أُخرى على هذه النتائج، كان الأداء المتفوق للمشاركين في التدريب أعلى بشكل عام.
كما سألنا المشاركين حول مدى تأثير البرنامج عليهم شخصياً، حيث أشار 68% منهم إلى إحداثه لتأثير إيجابي على علاقاتهم مع العملاء والزبائن، في حين قال 71% منهم أنه أثر بشكل ملحوظ أو كبير على إنتاجيتهم وأدائهم. وأثبتت هذه النتائج والقصص التي جمعناها فعالية هذا النهج بين قادة الشركات الكبرى الأُخرى مثل "إرنست آند يونغ" و"سوني" و"دويتشه بنك" و"نوكيا" و"آي إن جي دايركت" و"فورد" و"ماستركارد".
الجسد: الطاقة الجسدية
يبدأ برنامجنا من خلال التركيز على الطاقة الجسدية. من البديهي القول بأنّ التغذية غير الكافية وقلة الرياضة والنوم والراحة يقلل من مستويات الطاقة الأساسية للناس، فضلاً عن استنزافها عواطفهم وتركيزهم. مع ذلك، لا يجد العديد من المدراء التنفيذيين طرقاً لممارسة السلوكيات الصحية باستمرار نظراً لجميع المطالب الأُخرى في حياتهم.
قبل أن يبدأ المشاركون في برنامجنا باستكشاف طرق لزيادة طاقتهم البدنية، يتم تعريضهم إلى عملية مدققة حول طاقتهم تتضمن 4 أسئلة في كل بعد من أبعاد الطاقة وهي الجسم والعقل والعواطف والروح. في المتوسط، يحصل المشاركون على إجابة "خطأ" لثمانية إلى عشرة أسئلة من أصل 16 سؤالاً يُطرح عليهم. يعني هذا قيامهم بفعل أشياء على غرار تخطي وجبة الإفطار، وعدم التعبير عن تقديرهم للآخرين، والمعاناة في التركيز على شيء واحد في وقت واحد، وقضاء وقت قليل جداً على أنشطة تعطيهم شعوراً بالهدف. يعلم الجميع أن تلك السلوكيات هي مضادة للإنتاج، لكن قراءتهم لها في مكان واحد يؤدي في كثير من الأحيان إلى شعورهم بالصدمة وعدم الارتياح والهلع. وتسلط المراجعة الدقيقة هذه الضوء على أكبر عجز في الطاقة لدى الموظفين، كما يقوم المشاركون أبضاً بملء مخططات مصممة لرفع وعيهم حول مدى تأثير ممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام غذائي جيد، والنوم بشكل صحيح على مستويات طاقتهم.
تتمثل الخطوة التالية في تحديد الطقوس اللازمة لبناء وتجديد الطاقة المادية. عندما بدأ غاري فارو (Gary Faro)، نائب الرئيس في "واشوفيا"، البرنامج، كان يعاني من زيادة كبيرة في الوزن، وعادات أكل سيئة، وعدم القدرة على ممارسة الرياضة بانتظام. كان عادة ما ينام 5 أو 6 ساعات يومياً فقط، وهو أمر نراه شائعاً بكثرة بين القادة والمدراء. بدأ فارو، خلال البرنامج بالقيام بتدريبات للقلب والأوعية الدموية والتحمل، كما بدأ الذهاب إلى الفراش في وقت محدد والنوم لفترة أطول. كما عمل على تغيير عاداته الغذائية من تناول وجبتين في اليوم إلى تناول بضع وجبات يومياً لكن بكميات أقل وذلك مرة كل 3 ساعات، حيث كان الهدف من ذلك مساعدته على استقرار مستويات الجلوكوز في دمه على مدار اليوم، وتجنب ارتفاع وانخفاض مستويات الطاقة بشكل مفاجئ. يقول فارو: "اعتدت جدولة المشاريع الصعبة في الصباح، لأنني كنت أعرف أنني سأكون أكثر تركيزاً. لم يعد علي القيم بذلك بعد الآن لأنني أجد نفسي في الخامسة مساء ممتلكاً لذات التركيز الذي كان لدي الساعة الثامنة صباحاً".
تبنى فارو أيضاً طقوساً رئيسية أُخرى تضمنت أخذه فواصل زمنية قصيرة ولكن منتظمة على فترات محددة طوال يوم العمل كان فيها يترك مكتبه دائماً. وتكمن قيمة هذه الفواصل في أنها نابعة من علم وظائف الأعضاء، إذ يوجد في هذا العلم مصطلح يدعى "إيقاعات أولتراديان" (Ultradian rhythms) يشير إلى مرور أجسادنا بدورات محددة بفترات 90 إلى 120 دقيقة تنتقل فيها أجسادنا من مرحلة تكون فيها مرتفعة الطاقة إلى مرحلة القاع. ومع اقتراب الجسم من نهاية كل دورة، يبدأ التوق إلى فترة انتعاش، تشمل إشارات الانزعاج البدني، والتثاؤب، والجوع، وصعوبة التركيز، لكن كثيرون منا يتجاهلونها ويواصلون العمل. والنتيجة بدء احتراق خزان طاقتنا، أي احتياطينا من الطاقة، حتى ينتهي مع نهاية اليوم.
وجدنا أنّ حدوث فترات انقطاع متقطعة بغرض التعافي سيؤدي إلى أداء أعلى وأكثر استدامة، كما أنّ جودة فترة التعافي أكثر أهمية من طولها، إذ يمكن الحصول على قدر كبير من الانتعاش في وقت قصير (أقل من بضع دقائق) إذا انطوى على طقوس تسمح لك بفك ارتباطك بالعمل وتغيير مزاجك حقاً. ويتراوح ذلك من النهوض والمشي إلى التحدث مع زميل عن شيء آخر غير العمل مروراً بالاستماع إلى الموسيقى على جهاز "إيبود"، وصعود وهبوط الدرج في مكاتب المبنى. صحيح أنّ الفواصل الزمنية هذه معاكسة للعديد من ثقافات المؤسسات ويراها كثير من المتفوقين أمراً غير مرغوب فيه، إلا أنها ذات قيمة هائلة.
يعمل ماثيو لانغ (Matthew Lang) مديراً إدارياً لشركة "سوني" في جنوب أفريقيا، حيث كان يعتمد ذات الطقوس التي فعلها فارو، بما في ذلك المشي 20 دقيقة في فترة ما بعد الظهر. لم يكن المشي مفيداً للانغ من أجل إعطاء فسحة عقلية وعاطفية فضلاً عن بعض التمارين الرياضية، لكنه أصبح هذا الوقت هو الوقت الذي يحصل فيه أيضاً على أفضل الأفكار الإبداعية نظراً إلى أنه عندما يمشي لا يفكر بنشاط، الأمر الذي يسمح للفص الأيسر من دماغه بإفساح المجال للفص الأيمن لتولي المسؤولية مع قدرته الأكبر على رؤية الصورة الكاملة وتحقيق قفزات مبتكرة.
العواطف: جودة الطاقة
عندما يكون الموظفون قادرين على ممارسة المزيد من السيطرة على عواطفهم، سيغدون قادرين على تحسين نوعية طاقتهم بغض النظر عن الضغوط الخارجية التي يتعرضون لها. للقيام بذلك، عليهم أولاً أن يكونوا أكثر وعياً بكيفية شعورهم في أوقات مختلفة خلال يوم العمل وتأثير هذه المشاعر على فعاليتهم. يدرك معظم الناس أنهم يميلون لتقديم أداء أفضل عندما يشعرون بطاقة إيجابية، أما الأمر الذي أثار دهشتهم فهو أنهم ليسوا قادرين على تقديم أداء جيد أو العمل بشكل فعّال عندما لا يكون لديهم تلك الطاقة الإيجابية.
للأسف، من دون الانتعاش المتقطع، لن نكون قادرين من الناحية الفسيولوجية الحفاظ على المشاعر الإيجابية لفترات طويلة. إذ يميل الموظفون في مواجهة المطالب التي لا هوادة فيها والتحديات غير المتوقعة إلى الانزلاق بالمشاعر السلبية والانغلاق على أنفسهم في كثير من الأحيان عدة مرات في اليوم، ويصبحون عصبيين ونزقين أو قلقين وغير مطمئنين. تستنزف هذه الحالات الذهنية طاقة الموظفين وتتسبب في مشاكل ضمن علاقاتهم. ويجعل هذا الانغلاق من المستحيل التفكير منطقياً وبشكل تأملي. لكن عندما يتعلم الرؤساء التنفيذيون التعرف على أنواع الأحداث التي تثير مشاعرهم السلبية، يكتسبون القدرة للسيطرة على ردود أفعالهم.
من إحدى الطقوس البسيطة، إنما القوية، لمعرفة كيف تستثمر وقتك بشكل صحيح ونزع فتيل المشاعر السلبية هو ما نسميه "شراء الوقت" (buying time). يعتبر التنفس العميق أحد الطرق للقيام بذلك، حيث يدفع الزفير ببطء مدة 5 أو 6 ثوان للاسترخاء والانتعاش، وإيقاف الاستجابة المنغلقة. فعندما بدأنا العمل مع فوجيو نيشيدا (Fujio Nishida)، رئيس شركة "سوني" في أوروبا، كان لديه عادة إشعال سجائر في كل مرة يعاني فيها من التوتر الشديد، وكان يفعل ذلك مرتين أو ثلاثة على الأقل يومياً. لم يكن يدخن في حال لم يكن متوتراً. قمنا بتعليمه ممارسة التنفس كبديل عن التدخين، وبدأ بتطبيق ذلك على الفور ليكتشف أنه لم يعد لديه رغبة في التدخين. لم يكن التدخين الأمر الذي يريحه من الإجهاد، بل الاسترخاء الناجم عن الاستنشاق العميق والزفير.
من الطقوس القوية التي تغذي المشاعر الإيجابية التعبير عن التقدير للآخرين، وهي ممارسة يبدو أنها مفيدة لكل من المتبرع والمتلقي على حد سواء، إذ يمكن لهذا الأمر أن يأخذ عدة أشكال كأن يكون بشكل مذكرة مكتوبة بخط اليد أو رسالة إلكترونية أو مكالمة أو محادثة (والتي كلما كانت أكثر تفصيلاً وتحديداً، كلما كان أثرها أكبر وأفضل). وكما هو الحال مع جميع الطقوس، يزيد تخصيص وقت معين للقيام بذلك من فرص نجاحها بشكل كبير. بنى بن جنكينز (Ben Jenkins )، نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس "جنرال بانك" (General Bank) في "واشوفيا" في شارلوت بولاية نورث كارولينا، طقوسه الخاصة بتقدير الآخرين ضمن وقت محدد خلال النهار، حيث كان يقوم بجدولة مواعيد غداء أو عشاء منتظمة مع أشخاص يعملون معه. في السابق، كانت المرات الوحيدة التي يجلس فيها مع أحد مرؤوسيه هي لسماع تقارير شهرية منهم أو لمنحهم مراجعات الأداء السنوية. أما الآن، فبات يجلس معهم أيضاً خلال وجبات الطعام، حيث يقوم الآن بالعمل على تقدير إنجازاتهم والتحدث معهم أيضاً عن حياتهم وتطلعاتهم بدلاً من مسؤولياتهم وعملهم مباشرة.
أخيراً من أجل الإجابة على تساؤل كيف تستثمر وقتك بشكل صحيح تحديداً، يمكن للموظفين زراعة المشاعر الإيجابية في أنفسهم عبر تغيير ما يقولونه لأنفسهم عمّا سيحدث في حياتهم. فيقوم كثيرون أغلب الوقت بوضع أنفسهم في موضع الضحية وإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف الخارجية لمشاكلهم، إذ يمكن لإدراك الفرق بين الوقائع في حالة معينة والطريقة التي نفسر بها هذه الحقائق أن يكون أمراً مهماً في حد ذاته. ألهمنا كثيرين، ممن تواصلنا معهم، للعمل على محاولة استكشاف الخيارات الأُخرى لحدث معين صادفهم ومحاولة التعرف على مدى قوة القصة التي يقولونها وتأثيرها على مشاعرهم. كنا نعلمهم القيام بإخبار قصة أكثر تفاؤلاً تعطيهم الدافع والطاقة في نفس الوقت الذي عليهم فيه ألا يقوموا بالإنكار أو التقليل من الحقائق.
تتمثل الطريقة الأكثر فعالية لتغيير الناس لقصتهم في مشاهدتها من خلال ثلاث منظورات جديدة، والتي تمثل بدورها بدائل عن رؤية الموضوع من منظور الضحية. هناك مثلاً "منظور الآخر" والذي فيه يسأل الشخص نفسه سؤالاً على غرار، "ما الذي قد يقوله الشخص الآخر في هذا الصراع وهل يمكن أن يكون ما يقوله صحيحاً؟"، وهناك "المنظور طويل الأجل" والمتمثل في قيام الشخص بسؤال نفسه سؤال مستقبلي مثل "كيف سأرى هذه الوضع بعد 6 أشهر؟"، وهناك "المنظور المتفائل" والذي يسأل فيه الشخص نفسه قائلاً، "بغض النظر عن نتيجة هذه القضية، كيف يمكنني أن أنمو وأتعلم منها؟"، ويمكن لكل منظور من هذه المنظورات المساعدة على زراعة مشاعر أكثر إيجابية لدى الشخص.
كان نيكولاس بابين (Nicolas Babin)، مدير عمليات التواصل مع الشركات في شركة "سوني" أوروبا، وكان الشخص الذي تواصل معه صحفيون كثيرون عندما قامت "سوني" بعمليات استعادة لبطارياتها عام 2006. كان بابين يرى عمله مرهقاً ومثبطاً وكان هذا الشعور يتزايد بشكل كبير لديه. بعد ممارسة تمرين المنظورات، بدأ في إيجاد طرق مختلفة ليقول لنفسه قصة أكثر إيجابية ومتصلة بعمله. يقول: "لقد أدركت أنها فرصة لبناء علاقات أقوى مع الصحفيين من خلال التواصل معهم وزيادة مصداقية "سوني" عبر النظر للشركة على أنها واضحة وصادقة".
العقل: تركيز الطاقة
ينظر العديد من الرؤساء التنفيذيين إلى تعدد المهام على أنها ضرورة في مواجهة جميع المطالب التي عليهم تلبيتها، إلا أنها في الوقت نفسه أمر يقوّض الإنتاجية. وتُعتبر الإلهاءات مكلفة: فيزيد الانتقال المؤقت في الاهتمام من مهمة إلى أُخرى أو التوقف للرد على رسالة إلكترونية أو إجراء مكالمة هاتفية من الوقت اللازم لإنهاء المهمة الأساسية بنسبة تصل إلى 25%. تُعرف هذه الظاهرة باسم "وقت التبديل" (switching time)، حيث أنه من الأفضل التركيز الكامل لمدة 90 إلى 120 دقيقة، ثم نيل استراحة حقيقية، ثم التركيز بشكل كامل على النشاط التالي وهكذا. نشير إلى فترات العمل هذه بأنها "سباقات السرعة" (ultradian sprints).
وبمجرد أن يرى الموظفون كم يكافحون للتركيز، يمكنهم خلق طقوس للحد من تلك الانقطاعات الشديدة التي تسببت بها التكنولوجيا في حياتهم. ونبدأ عادة بتدريب يجعلهم مضطرين إلى مواجهة الإلهاءات اليومية، حيث يقومون فيها بمحاولة إكمال مهمة معقدة مع مقاطعتهم بشكل منتظم، إذ تمثل هذه التجربة الدليل أمامهم بما تكون عليه الحياة اليومية.
صمم "دان كلونا" (Dan Cluna)، نائب الرئيس في "واشوفيا"، طقسين لتركيز اهتمامه بشكل أفضل، تمثل الأول في ترك مكتبه والذهاب إلى قاعة المؤتمرات، بعيداً عن الهواتف والبريد الإلكتروني، كلما كانت لديه مهمة تتطلب التركيز، ما أدى إلى إنهائه التقارير في ثلث الوقت اللازم مقارنة بالماضي. أما الطقس الثاني فكان مرتبطاً بالاجتماعات في الفروع مع المتخصصين الماليين ممن يقدمون تقاريرهم إليه. كان سابقاً يجيب على هاتفه كلما رن خلال هذه الاجتماعات. نتيجة لذلك، كانت الاجتماعات تمتد إلى ساعتين بدل فترة الساعة المقررة. كما كان من النادر أن يُعطي أي شخص اهتمامه بالكامل. أما الآن، فبات يترك الاتصال يذهب إلى بريده الصوتي ليترك رسالة صوتية ليتمكن من التركيز تماماً على من أمامه. كما بات يجيب على رسائل البريد الصوتي المتراكمة عندما يكون لديه وقت فراغ بين الاجتماعات.
اعتاد وانر العامل المجد في "إيرنست ويونغ" الإجابة على البريد الإلكتروني باستمرار طوال اليوم وذلك حالما يسمع صوت الإشعار بقدوم رسالة. لكن بدأ لاحقاً بإنشاء طقوس جديدة يقوم فيها بالإجابة على بريده الإلكتروني مرتين يومياً فحسب، في الساعة 10:15 صباحاً والساعة 2:30 عصراً. إذ كان سابقاً غير قادر على مواكبة جميع رسائله، لكنه اكتشف أنه بات قادراً بالطريقة الجديدة على إنهاء كل الأمور المتصلة بالبريد الإلكتروني في 45 دقيقة فحسب. كما قام وانر بإعادة تحديد توقعات جميع من كان يتواصل معهم بانتظام عبر البريد الإلكتروني، حيث يضيف: "لقد أخبرتهم أنه إذا كانت حالة طوارئ وهم بحاجة إلى إجابة فورية مني، يمكنهم الاتصال هاتفياً بي وسأرد على الاتصال". مرت 9 أشهر ولم يتلق أي اتصالات عاجلة أبداً.
جلس "مايكل هينك" (Michael Henke)، وهو أحد المدراء الكبار في "إرنست آند يونغ"، مع فريقه في بداية الموسم المزدحم في الشتاء الماضي وأخبرهم أنه سيقوم بإيقاف "سايمتايم" بضع مرات خلال النهار (وهو نظام رسائل فورية للشركة). أضاف أنّ نتيجة ذلك ستكون عدم توفره بشكل دائم لهم للإجابة عن أسئلتهم. وتماماً كما فعل وانر، قال إنّ فريقه قادر على الاتصال به هاتفياً في حال كان هناك أي حالات طارئة، لكن فريقه نادراً ما فعل ذلك. كما شجع الفريق أيضاً على أخذ استراحات منتظمة طوال اليوم، وتناول الطعام بشكل أكثر انتظاماً. أدى ذلك إلى إنهاء الفريق موسمه المزدحم بمصاريف أقل من الميزانية المرصودة وبأرباح أعلى مقارنة بالفرق الأُخرى التي لم تتبع برنامج تجديد الطاقة. يقول هينك: "أنجزنا نفس كمية العمل إنما في وقت أقل، وأدى ذلك إلى خروج الجميع منتصرين".
هناك طريقة أُخرى لشحن الطاقة العقلية تتمثل في التركيز بشكل منهجي على الأنشطة التي تتمتع بأكبر قدر من الفائدة على المدى الطويل. ما لم يقم الناس عمداً بجدولة الوقت لأعمال أكثر تحدياً، فإنهم يميلون إلى عدم الوصول إليها على الإطلاق أو التسرع لمحاولة الوصول إليها في آخر لحظة. ولعل أكثر الطقوس في زيادة التركيز والتي تبناها الرؤساء التنفيذيين الذين عملنا معهم هي تحديد التحدي الأكثر أهمية لهم لليوم التالي مع نهاية كل ليلة وجعل ذلك أول شيء يقومون به عندما يصلون عملهم صباحاً. كان جان لوك دوكيسن (Jean Luc Duquesne) نائب رئيس شركة "سوني" أوروبا في باريس، يرد على رسائله الإلكترونية بمجرد وصوله إلى المكتب، كما كثيرون. أما الآن بات يعمل على تخصيص الساعة الأولى من كل يوم عمل على الموضوع الأكثر أهمية في جدوله. ووجد أنه غالباً ما كان يصل الساعة 10 صباحاً مع إحساس بأنّ يومه كان مثمراً للغاية.
الروح البشرية: طاقة المعنى والغاية
يستفيد الموظفون من طاقة الروح البشرية عندما يتفق عملهم وأنشطتهم اليومية مع ما يشعر معظمهم بالتقدير له ويعطيهم شعوراً بالمعنى والغاية وهو ما يجعلهم يعرفون الإجابة على سؤال كيف تستثمر وقتك بشكل صحيح بالفعل. إذا كان العمل الذي يقومون به مهماً حقاً لهم، فإنهم عادة ما يشعرون بطاقة أكثر إيجابية، ويركزون بشكل أفضل، ويظهرون قدراً أكبر من المثابرة. لكن للأسف، لا تترك المطالب العالية والوتيرة السريعة لحياة الشركات الكثير من الوقت للنظر في هذه القضايا، وكثير من الموظفين لا يرون حتى المعنى والغاية كمصادر محتملة للطاقة. في الواقع، إذا حاولنا بدء برنامجنا بالتركيز على الروح الإنسانية، فمن المرجح أن يكون لها أثراً ضئيلاً. يمكننا الحديث عنها فقط عندما يكون المتدربون أدركوا قيمة الطقوس التي ينشئونها في الأبعاد الأُخرى ورؤية كيف أنّ الاهتمام بحاجاتهم العميقة يؤثر بشكل كبير على كفاءتهم ورضاهم في العمل.
أما بالنسبة لجوناثان أنسباكر (Jonathan Anspacher)، الشريك في "إيرنست ويونغ"، فقد حاول إيجاد فرصة لطرح سلسلة من الأسئلة على نفسه حول ما يهم حقاً بهدف تسليط الضوء عليها من ناحية وتفعيلها من ناحية أُخرى، حيث يقول: "أعتقد أنه من المهم أن نفكر بأنفسنا ونسأل أنفسنا السؤال التالي (كيف نريد أن يتذكرنا الآخرون عندما نموت؟)، أنت لا تريد أن يتذكرك الناس على أنك الشريك المجنون الذي عمل ساعات طويلة وكان من حوله تعيساً. عندما يتصل بي أطفالي ويسألون: (هل يمكنك أن تأتي إلى حفلة فرقتي؟)، أريد أن أقول (نعم، سأكون هناك، وسأكون في الصف الأمامي). لا أريد أن أكون الأب الذي يأتي متأخراً ويجلس في الجزء الخلفي حاملاً جهازاً محمولاً ويُتوقع خروجه أي لحظة ليقوم بمكالمة ما". وللوصول إلى طاقة الروح البشرية، يحتاج الناس إلى توضيح الأولويات وإنشاء طقوس ضمن ثلاث فئات: القيام بما يفعلونه على أفضل وجه، والتمتع بأقصى قدر ممكن خلال العمل. وتخصيص الوقت والطاقة بشكل واعي لمجالات حياتهم المختلفة مثل العمل والأسرة والصحة وخدمة للآخرين وذلك بحسب ما يرونه على أنه الأكثر أهمية. وعيش قيمهم الأساسية في سلوكياتهم اليومية.
عندما تحاول اكتشاف ما تفعله بشكل أفضل وما تستمتع به أكثر من البقية، من المهم إدراك أنّ هذين الأمرين ليسا بالضرورة مترابطين. ربما تتلقى الكثير من الملاحظات الإيجابية عن شيء أنت جيد فيه جداً لكنك غير مستمتع به حقاً. وربما تكون تحب القيام بأمر لست موهوباً فيه، ما يجعلك تقضي الكثير من الطاقة والجهد عليه من دون أي أثر إيجابي عليك.
ولمساعدة المشاركين في البرنامج على اكتشاف مجالات قوتهم، طلبنا منهم ذكر تجربتي عمل على الأقل قاموا بها في الأشهر العديدة ووجدوا فيها أنفسهم سعداء ويشعرون بالفعالية والتعلم دون عناء ويشعرون فيها أيضاً بالإلهام والإخلاص. ثم طلبنا منهم بعد ذلك تفكيك تلك التجارب لنفهم بالضبط ما الذي أدى إلى حصولهم على النشاط الإيجابي اللازم للقيام بها وما المواهب المحددة التي استخدموها للقيام بذلك. إذا كانت سعادتهم تتمثل في قيادة استراتيجية على سبيل المثال، علينا إذن أن نسأل إذا كان تولي المسؤولية هو الأمر الأكثر تسبباً في السعادة أم أنها المشاركة في هدف خلاّق؟، أم تكون استخدام مهارة يملكها الشخص ويستفيد منها بسهولة ويشعر بالراحة خلال استخدامها. أخيراً، طلبنا من الناس إنشاء طقوس من شأنها تشجعيهم على بذل المزيد من هذا النشاط في العمل بالضبط.
أدرك أحد القادة الكبار الذين عملنا معهم أنّ أحد الأنشطة التي لم يكن يحبها كان قراءة وتلخيص تقارير المبيعات التفصيلية، أما النشاط المفضل فكان الخروج بأفكار جديدة، إذ وجد القائد أحد مرؤوسيه ممن يحبون الغوص في الأرقام وفوّضه مهمة قراءة تلك التقارير وتقديم ملخصات بها إليه يومياً حول واقع المبيعات. كما بدأ القائد أيضاً بجدولة جلسة استثنائية مجانية لمدة 90 دقيقة أسبوعياً مع أكثر الأشخاص إبداعاً في مجموعته.
في الفئة الثانية، عليك تكريس الوقت والطاقة لما هو مهم بالنسبة لك، حيث غالباً ما يكون هناك فرق بين ما يقول الناس إنه مهم لهم، وبين ما يفعلونه على أرض الواقع. يمكن أن تساعد الطقوس على سد هذه الفجوة. فعندما كان جان لوك دوكيسن (Jean Luc Duquesne)، نائب رئيس "سوني" أوروبا يفكر جدياً في أولوياته الشخصية، أدرك أنّ قضاء الوقت مع عائلته كان أكثر ما يهمه، لكنها غالباً ما تكون الفترة الأقل في يومه. بالتالي قام بتأسيس طقوس يقوم فيها بالتوقف عن القيام بأي شيء متصل بالعمل مدة 3 ساعات على الأقل كل مساء عندما يصل إلى البيت حتى يتمكن من التركيز على عائلته، ويضيف: "ما زلت سيئاً في اللعب بجهاز (البلاي ستاشين)، ولكن وفقاً لابني الصغير، فأنا أتعلم بسرعة وبشكل جيد". أما ستيف وانر، الذي كان معتاداً على التحدث عبر الهاتف الخليوي حتى وصوله إلى منزله قادماً من عمله، فقد اختار بقعة محددة تقع على مسافة 20 دقيقة من منزله يتوقف فيها عن استخدام الهاتف ويغلقه تماماً، ثم يقضي تلك المدة مسترخياً بحيث أنه عندما يصل إلى المنزل يكون أقل انشغالاً بالعمل وأكثر قابلية للتواصل مع زوجته وأطفاله.
أما الفئة الثالثة، فهي ممارسة القيم الأساسية الخاصة بك في سلوكك اليومي، وهو أمر صعب لكثيرين. إذ يعيش معظم الناس في إيقاع سريع غاضب بحيث نادراً ما يتوقفون لسؤال أنفسهم عما يساندونه ومن يريدون أن يكونوا عليه. نتيجة لذلك، يسمحون للمطالب الخارجية بأن تملي عليهم تصرفاتهم.
نحن لا نقترح على الناس أن يحددوا صراحةً قيمهم، لأنّ النتائج عادة ما تكون قابلة للتنبؤ بها، لكن بدلاً من ذلك، نسعى إلى كشفها بشكل جزئي من خلال طرح الأسئلة التي تكشفها عن غير قصد، على غرار "ما الصفات التي تجدها لدى الآخرين وتتمنى ألا تكون لديك؟"، من خلال وصف ما لا يمكنهم تحمله، يعلن الناس عن غير قصد ما يدعمونه. إذا كنت تكره الشخص الشحيح مثلاً، سيكون الكرم إحدى القيم الرئيسية لديك. إذا كنت لا تحب الامتثال أمام أشخاص وقحين، فمن المرجح أنّ الاحترام أمر مهم لديك. وكما هو الحال في الفئات الأُخرى، يمكن أن يساعد إنشاء الطقوس على سد الفجوة بين القيم التي تتطلع إليها وكيفية تصرفك حالياً. إذا اكتشفت أنّ الاحترام قيمة أساسية، لكنك تتأخر بشكل دائم عن الاجتماعات، ربما تكون الطقوس هي إنهاؤك الاجتماعات التي تديرها قبل 5 دقائق من المعتاد ومحاولة القدوم إلى الاجتماع قبل 5 دقائق من بدئه.
تساعد معالجة هذه الفئات الثلاث الموظفين على قطع شوط طويل نحو تحقيق شعور أكبر بالرضا والرفاه في حياة الشخص داخل وخارج العمل، وهذه المشاعر هي مصدر طاقة إيجابية في حد ذاتها وتعزز رغبة الموظفين في الاستمرار بالطقوس في أبعاد الطاقة الأُخرى أيضاً.
لا تنجح الطرق المذكورة أعلاه إلا في حال عملت المؤسسات على دعم موظفيها لتبني تلك السلوكيات الجديدة، حيث أننا تعلمنا، وأحياناً بطريقة مؤلمة، أنه ليس كل الرؤساء التنفيذيين والمؤسسات على استعداد لاحتضان فكرة "أنّ التجديد الشخصي للموظفين سيؤدي إلى أداء أفضل وأكثر استدامة". ولتحقيق النجاح، تحتاج جهود التجديد إلى دعم قوي والتزام من الإدارة العليا، وخصوصاً صناع القرار الرئيسيين.
في "واشوفيا"، كانت سوزان سفيزيني (Susanne Svizeny)، رئيسة المنطقة التي أجرينا دراستنا فيها، المشجعة الأساسية للبرنامج، حيث اعتنقت المبادئ خلال حياتها، وأجرت سلسلة من التغييرات الشخصية، بما في ذلك التزام واضح ببناء طقوس تجديد أكثر انتظاماً في حياتها العملية. بعد ذلك، أخذت على نفسها تعزيز حماس والتزام فريقها الذي تقوده. وأخيراً، كانت تتواصل بانتظام عبر البريد الإلكتروني مع جميع المشاركين في المشروع لتشجيعهم بطقوسهم وطلب ملاحظاتهم. كان من الواضح للجميع أنها أخذت العمل بجدية. كان حماسها معدياً، وتحدثت النتائج عن نفسها.
في "سوني" أوروبا، تبنى مئات من القادة مبادئ إدارة الطاقة، وخلال القادم، سيخضع أكثر من 2000 شخص يعملون تحت إدارتهم إلى برنامج تجديد الطاقة. وأصبح من المقبول ثقافياً في "سوني" على نحو متزايد، من الرئيس فوجيو نيشيدا فما دون، أخذ فواصل متقطعة والقيام بالتمارين الرياضية منتصف النهار، والرد على البريد الإلكتروني فقط في أوقات محددة، وحتى سؤال الزملاء الذين يبدون منزعجين أو فاقدي الصبر ما الخطب في حياتهم.
يستلزم الدعم التنظيمي أيضاً تحولات في السياسات والممارسات والرسائل الثقافية، إذ قامت عدة مؤسسات عملنا معها ببناء "غرف تجديد" يمكن فيها للموظفين الذهاب بانتظام للاسترخاء وشحن طاقاتهم. كما تقدم مؤسسات أُخرى عضويات في صالة ألعاب رياضية لموظفيها. في بعض الحالات، يجمع القادة بأنفسهم مجموعات من الموظفين لتمارين منتصف النهار. كما أقامت إحدى المؤسسات فترة عدم اجتماع بين الساعة 8 و9 صباحاً لضمان أن يكون لدى الناس ساعة واحدة على الأقل خالية تماماً من الاجتماعات. وفي العديد من الشركات، بما في ذلك "سوني"، وافق كبار القادة بشكل جماعي على التوقف عن الاطلاع على البريد الإلكتروني خلال الاجتماعات كوسيلة لجعل الاجتماعات أكثر تركيزاً وكفاءة.
إلى جانب ذلك، يُعتبر أحد العوامل التي تقف على طريق النجاح في عقلية الأزمة. أنّ المرشحين الأمثل لبرامج تجديد الطاقة هي المؤسسات التي تشعر بالألم الكافي لتكون حريصة على حلول جديدة ولكن ليس لدرجة كبيرة تطغى عليها بالكامل. في إحدى المؤسسات التي تلقينا فيها دعماً نشطاً من الرئيس التنفيذي، تعرضت لضغوط شديدة للنمو بسرعة، ولم يتمكن الفريق الأقدم من العمل بعيداً عن تركيزهم على إبقاء المؤسسة في موضع قوي حالياً، على الرغم من أنّ نيلهم الوقت اللازم للتجديد ربما يسمح بأنّ تكون الشركة أكثر إنتاجية على مستوى أكثر استدامة.
وعلى النقيض من ذلك، فإنّ المجموعة ضمن "إرنست آند يونغ" نجحت في تنفيذ هذه العملية في ذروة موسم الضرائب، حيث تمكن الموظفون، بإذن من قادتهم، ممارسة نزع فتيل المشاعر السلبية عبر التنفس أو إخبار أنفسهم قصصاً مختلفة، وتناوب فترات عمل مركزة للغاية مع فواصل التجديد. وذكر معظم الناس في المجموعة أنّ هذا الموسم المزدحم كان أقل إجهاداً من أي وقت مضى.
أخيراً، يُعتبر العقد الضمني بين المؤسسات وموظفيها اليوم محاولة من كل طرف لنيل أقصى قدر ممكن من الطرف الآخر في أسرع وقت، ومن ثم المضي قدماً دون النظر إلى الوراء. بدورنا نعتقد أنّ هذا سيؤدي إلى هزيمة كلا الطرفين، حيث سيتم استنزاف طاقتهما بدلاً من إثرائهما، وسيشعر الموظفون بشكل متزايد بالاحتراق والإجهاد وستضطر المؤسسات إلى إبقاء موظفين يعملون بشكل أقل مما يجب ومحاولة تدريب وتوظيف موظفين جدد باستمرار ليحلّوا محل أولئك الذين يختارون المغادرة. نحن بدورنا نتصور عقداً جديداً وصريحاً يُفيد جميع الأطراف: إذ تستثمر المؤسسات في جميع أبعاد حياة موظفيها لمساعدتهم على بناء قيمهم والحفاظ عليها، ويستجيب الأفراد عبر جلب كل طاقتهم متعددة الأبعاد بكل إخلاص للعمل كل يوم. كلاهما ينمو في القيمة نتيجة لذلك.
اقرأ أيضاً: