عندما تذهب إلى عملك وترعى أطفالك وتتعامل مع جميع تفاصيل حياتك اليومية، يبدو النوم وكأنه رفاهية يمكنك الحصول عليها لاحقاً، أي عندما يكبر أطفالك. فبدلاً من النوم، يستغلّ الآباء والأمهات تلك اللحظات القليلة الثمينة في نهاية اليوم لمتابعة أعمالهم أو قضاء بعض الوقت بمفردهم. إلا أن المشكلات الناجمة عن عدم حصول الوالدين على قسط كاف من النوم لن تنتظر بلوغهما مرحلة التقاعد، فالحرمان من النوم يزيد من تحديات الحياة الصعبة بالفعل. وتُعتبر العلاقات أحد المجالات التي يكون للحرمان من النوم فيها بالغ التأثير، سواء في المنزل أو في مكان العمل.
وقد بيّنت البحوث من جميع أنحاء العالم العلاقة بين توجّهات النوم العامة وجودة العلاقة، وهو ما يدلّ على أن الأشخاص الذين لا يحصلون على قدر كاف من النوم يعانون من علاقات أقل إشباعاً، خاصة إذا كان أحد الزوجين عاطفياً. ومن المرجح أن يتشاجر أي زوجين مع بعضهما البعض بعد قضائهما ليلة لم يحصلا فيها على قدر كاف من النوم، وقد يصبح حلّ النزاعات أمراً بالغ الصعوبة في حال لم يحصل أيّ من الزوجين على ليلة نوم هانئة. وقد تنتقل آثار قلة النوم إلى الشريك الآخر أيضاً، حيث يواجه الأفراد عادة صعوبة في النوم بعد الشجار مع شركائهم العاطفيين، وهو ما يُسفر عن خلق حلقة مفرغة تحثّ فيها قلة النوم على إشعال فتيل النزاع الذي ينشأ بدوره عن قلة النوم. بالإضافة إلى ذلك، تشير البحوث إلى أن الأطفال الذين يشهدون نزاعات والديهم يميلون إلى مواجهة مشكلات في النوم وهو ما قد يولّد آثاراً سلبية أخرى على نوم الوالدين. على النقيض من ذلك، يميل الأطفال الذين تربط آباءهم وأمهاتهم علاقات جيدة إلى النوم بشكل أفضل.
ويلعب النوم دوراً مهماً أيضاً في كيفية ارتباطنا بأطفالنا. وقد وجدت إحدى الدراسات أن الأمهات اللاتي حصلن على نوم متقطع أبدين مشاعر اهتمام أقل بأطفالهن الرضّع من أولئك اللاتي حصلن على نوم متواصل. وقد يكون النوم الجيد عاملاً وقائياً أيضاً، إذ إن الوالدين والأطفال الذين ينامون بشكل أفضل هم أكثر قدرة على الصمود في وجه الضغوطات. بشكل عام، يساعدنا الحصول على القدر الكافي من النوم في إقامة علاقات أفضل مع أطفالنا.
وعلى الرغم من أن المشكلات المرتبطة بقلة النوم تحدث في المنزل، غالباً ما تنتقل عواقب قلة النوم هذه إلى مكان العمل أيضاً، حيث يميل القادة الذين لا ينالون قسطاً كافياً من الراحة إلى الانخراط في سلوكيات أكثر تعسفاً تجاه موظفيهم تُسفر عن إفساد علاقاتهم معهم، مثل الصراخ عليهم أمام زملائهم. كما يكون القادة الذين لا ينالون قسطاً كافياً من النوم أقل جاذبية وأقل فاعلية في مناصبهم القيادية. وبشكل عام، تشير البحوث إلى أن حصول الموظفين على قدر كاف من النوم يعود بالنفع على الشركات.
ومع ذلك، عادة ما يختار الوالدين التعامل مع الطلبات التي تُثقل كاهلهم بجعل النوم آخر أولوياتهم، إلا أن عواقب هذا النهج واضحة وتتمثّل في ضعف العلاقات، سواء في المنزل أو في مكان العمل.
إذن، ما الذي يجب على الأزواج العاملين الذين يعانون من قلة الوقت فعله؟
بما أن العلماء لم يبتكروا آلة لإيقاف الوقت بعد، يجب على الآباء والأمهات العاملين اللجوء إلى وسائل أكثر جدوى للحصول على ليلة نوم هانئة. وإليكم بعض النصائح المستندة إلى الأدلة لمساعدة الوالدين العاملين في الاهتمام بأنفسهم ووضع ممارسات نوم جيدة عندما يكون وقتهم محدوداً. وتذكّر أن الحصول على نوم جيد لن يمنحك مزيداً من الوقت، وإنما سيساعدك في الاستفادة من وقتك بشكل أفضل.
اجعل النوم أولوية.
من المهم إدراكك أن أيامك ستصبح أكثر إنتاجية إذا حصلت على قسط كاف من النوم، وهو ما قد يمنحك شعوراً بامتلاك مزيد من الوقت. جميعنا نرغب في أداء "مهمة أخيرة" قبل النوم أو تأجيل موعد النوم، إلا أن الحصول على ليلة نوم هائنة ستوفر لك الموارد التي تحتاج إليها للتعامل مع متطلبات الحياة اليومية. احسب مقدار النوم الذي تحتاج إليه لتشعر بالراحة. على سبيل المثال، تنطوي التوصيات في الولايات المتحدة على النوم مدة سبع إلى تسع ساعات للبالغين. حدد الوقت الذي يجب عليك الاستيقاظ فيه صباحاً وابدأ العد بشكل عكسي، ثم اضبط المنبه على وقت النوم، وامنح نفسك 30 دقيقة إلى ساعة إضافية للاسترخاء والاستعداد للنوم كل ليلة. وقد تكون ممارسة روتين استرخاء قبل النوم مع أفراد أسرتك إحدى الطرق المفيدة لجعل الجميع يشعرون بالاسترخاء معاً، كإنارة الأضواء الخافتة وتشغيل الموسيقى الهادئة وقراءة القصص في السرير.
مارس روتين نوم ثابت لك ولأطفالك.
تتمثّل إحدى أفضل طرق الحصول على نوم هادئ في أن تضع روتيناً ثابتاً للنوم، ذلك أن الروتين المنتظم يُهيّئ جسمك لموعد الاستيقاظ وموعد النوم ويتيح له إطلاق هرمون الميلاتونين في الوقت المناسب، وهو ما يسهّل عليك النوم بعمق. كما أن وضع روتين ثابت سيمنحك وقتاً كافياً للنوم، ونوماً هانئاً على حد سواء. ومن المهم أن تحافظ على هذا الروتين في أيام العمل وأيام العطل على حد سواء. وعلى الرغم من أنه من المغري استغلال عطلات نهاية الأسبوع للنوم فترة أطول، سيسفر الوقت الإضافي للنوم عن نتائج عكسية. فالنوم في وقت متأخر سيُشعرك بالرضا في ذلك اليوم، إلا أنه يعطّل ساعة جسمك البيولوجية ويفشل في معالجة المشكلة الأكبر المتمثلة في عدم وجود جدول زمني ثابت يوفر لك وقتاً كافياً للنوم على أساس يومي. ويمكن للأطفال والمراهقين الحصول على قسط أكبر من النوم عندما يساعدهم آباؤهم وأمهاتهم في تنظيم مواعيد نومهم.
قلّل التعرض للضوء الأزرق في الليل.
يُشير الضوء الأزرق إلى جسمك أن الوقت لا يزال نهاراً، وهو ما قد يفسد عليك الحصول على نوم هانئ. ومن المعروف أن الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية تُصدر هذا الضوء الأزرق وتُفسد عليك نومك. ولتجنب ذلك، يمكنك استخدام فلاتر الضوء الأزرق المضمنة في معظم الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، أو ارتداء نظارات تحجب الضوء الأزرق عند استخدام الشاشة في الساعات التي تسبق روتين نومك. من ناحية أخرى، يُعدّ التعرض للضوء الأزرق الساطع في الصباح طريقة رائعة لبدء يومك. فالتعرض للضوء الساطع عند الاستيقاظ يساعد في ضبط ساعة جسمك البيولوجية ويتيح لجسمك إدراك موعد الاستيقاظ.
ابقِ هاتفك بعيداً عن غرفة نومك.
في عالم دائم التواصل، قد يرغب الآباء والأمهات العاملون في التحقق من رسائل بريدهم الإلكتروني مرة أخيرة قبل النوم أو تصفّح موقع "تويتر" بضع دقائق بعد استلقائهم في السرير. لكن الحصول على نوم صحيّ ينطوي على منح جسمك فرصة للاسترخاء قبل النوم. وعادة ما نفتقر إلى مهارة التنظيم الذاتي عندما يزداد تعبنا، على سبيل المثال، قد تنوي تصفّح الإنترنت بضع دقائق، إلا أن تلك الدقائق القليلة قد تتحول إلى ساعة أو أكثر بسرعة كبيرة. وينطوي الحل على ترك هاتفك خارج الغرفة أو وضعه في وضع الطيران قبل أن تنام.
توقف عن العمل عندما يقترب موعد نومك.
نرغب جميعنا في أن نبقى مستيقظين فترة أطول قليلاً لإنهاء المهمة التي نعمل عليها. لكن إذا كنت تحاول العمل عندما يحين وقت التوجه إلى الفراش، ستقلّ فاعليتك وترتكب مزيداً من الأخطاء. بدلاً من ذلك، التزم بموعد نومك واستأنف العمل على مهمتك في اليوم التالي، ذلك أن النوم سيجعل جسمك بكامل نشاطه ويُتيح لك التفكير بوضوح، وهو ما يُساعدك في إنجاز المهمة في نصف الوقت فقط.
لا تُطل التفكير في الليالي التي ستحظى فيها على قدر غير كافٍ من النوم.
على الرغم من أن روتين النوم المنتظم رائع، نعاني جميعنا من قلة النوم في مرحلة ما. وقد يصبح القلق بشأن عدم قدرتنا على النوم مشكلة خاصة في حد ذاتها. بدلاً من ذلك، أدرك أن جسمك قادر على التحمل ويمكنه التعامل مع مشكلات النوم قصيرة المدى، وابحث عن طرق للتخلص من التوتر قبل النوم لمساعدتك في الاسترخاء والحصول على ليلة نوم هادئة.
وبالإضافة إلى وضع طرق لجعل نومك أكثر اتساقاً وانتظاماً، تُساعدك هذه الاستراتيجيات القائمة على العلاقة في الحد من النزاعات الحتمية التي قد تبرز نتيجة قلة النوم:
لا تتحدث عن الأمور الجدّية قبل النوم مباشرة.
قد لا يكون من الجيد التوجه إلى النوم عندما تكون غاضباً، في المقابل، قد يساعدك الحصول على ليلة نوم هانئة في التعامل مع النزاع بطريقة بناءة أكثر. أجّل الحديث عن الأمور الجدية لفترة تكون فيها مستيقظاً وتمتلك طاقة للتحدث إن أمكنك. وقد يبدو هذا الحل مستحيلاً، إلا أن إيجاد الوقت المناسب للتحدث عندما لا تكون متعباً يساعدك في إدارة علاقاتك على نحو سلس. ويمكنك تطبيق هذه الاستراتيجية في مكان العمل أيضاً، على سبيل المثال، حاول ألا تؤجل التعامل مع المحادثات الصعبة أو أداء جلسات العصف الذهني المهمة إلى نهاية اليوم، أي عندما تكون مرهقاً.
أحسن الظن بأسرتك وزملائك.
قد يكون الأشخاص في حياتك مرهَقين مثلك تماماً، لذلك إذا نسي شريكك الاتصال بك في طريقه إلى المنزل من العمل، فمن المحتمل أن يعود سبب ذلك إلى الضغط الذي يشعر به بعد يوم عمل شاق في العمل، وليس إلى أنه لا يوليك أي أهمية. وإذا كان طفلك يجيب عن أسئلتك بكلمة واحدة فقط في العشاء، فذكّر نفسك أنه قد يكون مرهقاً بعد عودته من المدرسة، وليس لأنه غير مهتم بما تقوله. وعندما ينسى زميلك تأكيد الاجتماع، تحقق من وضعه الشخصي قبل أن تقول أنه شخص لا يُعتمد عليه.
العمل معاً بأكبر قدر ممكن من الكفاءة للحد من اتخاذ خيارات سيئة.
من المهم إجراء محادثات صريحة في المنزل حول واجبات الأسرة ورعاية الأطفال ليعمّ الوئام في المنزل. قم بإنشاء قائمة مشتريات بقالة مشتركة عبر الإنترنت حتى يتمكن أي شخص من إضافة عناصر إليها. وقم بإعداد جدول مواعيد وشاركه مع أفراد أسرتك حتى لا تضطر إلى التناقش مع شريكك في كل مرة يحاول أحدكما تحديد موعد مهمة ما. وقد يكون تقليل العمل غير الضروري مفيداً في توفير الوقت للأمور التي تحتاج إليها، مثل النوم.
إذا كان لديك ولدى شريكك أوقات نوم مختلفة، فمن الضروري استغلال هذه الأوقات إلى أقصى حد.
قد يبدو اختلاف مواعيد النوم أمراً صعباً، سواء كانت هذه الاختلافات بسبب التفضيلات الشخصية أو جداول مواعيد العمل. ومع ذلك، قد تكون قادراً على الاستفادة من هذا الاختلاف عن طريق جعل الشخص الذي يستيقظ مبكراً مسؤولاً عن روتين الصباح والشخص الذي يحب السهر مسؤولاً عن روتين النوم.
امنح نفسك مزيداً من الوقت عند الإمكان.
امنح نفسك وقتاً للنوم من خلال حثّ أشخاص آخرين على القيام ببعض الأعمال نيابة عنك، مثل تنظيف المنزل أو شراء البقالة. وتشير البحوث إلى أن الأشخاص الذين يوفّرون لأنفسهم مزيداً من الوقت يكونون أكثر سعادة.
ادرس إمكانية اتباع نظام ساعات عمل مرنة.
قد تمنحك القدرة على العمل من المنزل أو التخطيط لجدول مواعيد عملك بما يتناسب مع جداول مواعيد أسرتك إحساساً أقل بالتوتر ويتيح لك النوم بشكل أفضل. على سبيل المثال، إذا كنت من الأشخاص الذين يستيقظون في وقت مبكر، يمكنك الاستفادة من العمل في المنزل في الصباح قبل أن تستيقظ أسرتك وضبط برنامجك اليومي وفقاً لذلك. وضع في اعتبارك اتباع نهج المرونة عند تنظيم وقت أسرتك أيضاً. على سبيل المثال، قد تجد بعض الأسر التي لديها جداول مواعيد كاملة أن الإفطار الجماعي أفضل من العشاء الجماعي التقليدي، وهو ما يمكّنهم من تخصيص ساعات المساء لحضور الأنشطة الإضافية لأطفالهم، أو تنظيم مواعيد نوم أطفالهم، أو الاسترخاء بعد يوم طويل، وهو ما يساعدهم في الحد من التوتر الناجم عن التفكير في ضرورة إعداد وجبة العشاء.
عندما تشعر أنك لا تمتلك وقتاً كافياً للنوم، فهذا هو الوقت الذي تحتاج فيه إلى كثير من النوم، فإعطاء الأولوية للنوم المنتظم والعميق يُساعدك في التعامل مع متطلبات الحياة اليومية بشكل أفضل ويُتيح لك تحسين علاقتك مع أسرتك وتوفير نوم هانئ لأطفالك وتنمية علاقات أفضل في العمل.