كيف تضع الموظفين في قلب الاستراتيجية الرقمية في مرحلة ما بعد الجائحة؟

5 دقائق
قلب الاستراتيجية الرقمية

عندما ضربت الجائحة في شهر مارس/آذار، تخلى الكثير من الشركات عن جميع الاستراتيجيات (ومنها الاستراتيجية الرقمية) والخطط طويلة الأمد مع انتقال جميع من فيها إلى العمل في وضع الطوارئ، بدءاً من موظفي الخطوط الأمامية وصولاً إلى المسؤولين في المناصب التنفيذية العليا. وأصبح الكثيرون يعملون على مدار الساعة مستفيدين من تقنيات العمل عن بعد، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الإرهاق، فكل يوم تظهر تحديات وعقبات جديدة يجب التغلب عليها. وبالنتيجة، بدت الأشهر الستة الأخيرة وكأنها 6 أعوام بالنسبة لكثير منا.

إيقاع العمل هذا لا يحتمل. وفي حين كانت مؤسستك بحاجة إلى العمل بالسرعة القصوى عندما كانت تسعى للتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته الجائحة، فقد أصبح أفراد فريقك الآن عرضة للإصابة بالإنهاك الشديد والاحتراق الوظيفي. إذ تبين البحوث أن الموظفين يعانون من مستويات توتر وإرهاق مقلقة، وأن احتمال إصابة الموظفين الأميركيين بالاكتئاب ارتفع بنسبة 102% نتيجة لجائحة "كوفيد-19".

تتزايد خطورة هذا التهديد بالنسبة للمؤسسات، ومنها التي أجبرت على استبعاد بعض الموظفين أو تخفيض حجم قوتها العاملة. تكمن المفارقة في أنه على الرغم من اكتساب العديد من الشركات كفاءات جديدة نتيجة للتحول الرقمي والاستعانة بالتقنيات الجديدة، كمنصة "زووم" مثلاً، من أجل استمرار موظفيها بالعمل عن بعد، فهذه الشركات معرضة اليوم لخسارة أفضل موظفيها، الذين يشعر كثير منهم بالانفصال عن مكان العمل الرقمي الجديد وعدم الاندماج فيه. وقد توصلت دراسة استقصائية جديدة أجرتها الشركة الاستشارية "كيه بي إم جي" (KPMG) إلى أن خسارة المواهب هي أكبر المخاطر التي تواجهها المؤسسات حالياً.

لذا، فقد حان الوقت لإعادة النظر في الاستراتيجية الرقمية التي تخص الموظفين. وهذا لا يعني إضافة تقنيات جديدة، مثل الحوسبة الكمية أو إنترنت الأشياء أو الذكاء الاصطناعي، وإنما أن تتمكن هذه التقنيات من مساعدة موظفيك على الارتباط بعملهم بفاعلية أكبر. كما أن الوقت مناسب الآن للانتقال من التفكير باللحظة الراهنة إلى التفكير على المدى الأطول وهو التفكير الاستراتيجي، من خلال إعادة النظر في الاستراتيجيات طويلة الأجل. ومن أجل تحقيق أقصى استفادة من الاستثمار في التقنيات، يتعين عليك التوقف والتمعن في طريقة إنشاء رابط بين موظفيك والأهداف التي ترجو تحقيقها عن طريق تلك التقنيات.

على مدى حياتي المهنية، أجريت دراسات على ما يزيد عن 1,000 مؤسسة، ودربت أكثر من 100 مؤسسة خضعت لتحولات كبيرة. وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، كنت أصب اهتمامي على تأثير التحول الرقمي واستفادة المؤسسات من التقنيات في تحقيق النمو. وما تعلمته هو أن غالبية الجهود المبذولة في التحول الرقمي تبوء بالفشل، ويكون فشلها ذريعاً، ما يؤدي إلى هدر استثمارات بمئات المليارات من الدولارات وتدهور اندماج الموظفين في العمل.

كانت مهمتي تتمثل في توجيه المؤسسات نحو تحقيق مزيد من النتائج الإيجابية من خلال جهود التحول الرقمي التي تبذلها. ومؤخراً، أجريت بحثاً حول إمكانية تطبيق النموذج الذي عملت على تطويره العام الماضي على جائحة "كوفيد-19" وآثارها على الجهود المؤسسية الرامية لتبنّي التحول الرقمي. وكنت قد عملت على تطوير هذا النموذج بالتشارك مع "معهد إدارة المشاريع" (Project Management Institute) وأطلقنا عليه اسم إطار عمل الطريق الساطع للتحول.

يعمل هذا النهج على تحقيق التوافق ما بين "الداخل والخارج"، أي مواءمة أهم الطموحات الشخصية لدى جميع الموظفين مع فهمهم لرؤية الشركة الاستراتيجية وتبنيهم لها، كي يسعى الجميع لتحقيق أهداف واحدة.

إطار عمل الطريق الساطع للتحول

نهج التحول من الخارج إلى الداخل. يجب أن يدرك الموظفون أولاً البوصلة التي تتبعها الشركة ويتبنوها، وهي تشمل رؤى الزبائن والتوجهات العالمية الكبرى، كي يتمكن الجميع من العمل سعياً لتحقيق الهدف ذاته.

  • البوصلة: يجب أن تصف الشركة رؤيتها وأهدافها الاستراتيجية من التحول بصورة واضحة وملهِمة.
  • رؤى الزبائن والتوجهات العالمية الكبرى: من الضروري ترسيخ فهم عميق للزبائن في كل تغيير يتم، وترسيخ هذا الفهم لدى جميع الموظفين أيضاً. وهذا يشمل الزبائن الحاليين والزبائن الذين ترغب الشركة في اكتسابهم غداً، إلى جانب "التوجهات العالمية الكبرى" التي تؤثر بهم.

نهج التحول من الداخل إلى الخارج. تشمل مواءمة هدف كل موظف أو "بوصلته" الشخصية مع هدف الشركة وبوصلتها ما يلي:

  • النظام التشغيلي لعملية التحول: يجب أن تستخدم الشركة بنية تنظيمية مسطحة وقابلة للتكيف ومتعددة الاختصاصات كي تجعل التغيير المستدام ممكناً.
  • المناصرون المتطوعون: يجب أن تطبق آلية لتجنيد المتطوعين في فرق التحول متعددة الاختصاصات بهدف جمع روّاد الفكر من جميع أنحاء المؤسسة ليعملوا على دفع عجلة عملية التحول.
  • عملية تحويل الموظفين من الداخل إلى الخارج: يمكن استخدام أدوات مثل "إطار التعلم الاجتماعي والعاطفي والأخلاقي" المعروف باسم (SEE framework)، وهو بيان رؤية شخصية يساعد على تحديد مكامن القوة لدى كل شخص، ويبرز الغاية والهدف من العمل ويكشف عما يسعد الموظفين، كي يتعامل كل منهم مع عملية التحول على أنها تخصه شخصياً. والهدف النهائي هو وصل طموح كل موظف ببوصلة الشركة وزبائنها.

دعوة للتحرك

أدت الجائحة إلى زيادة أهمية تطبيق هذا النهج أكثر من أي وقت مضى، إذ إنه يؤكد على أن الأهداف الشخصية للموظف واندماجه في العمل هما أبرز عاملين من العوامل الأساسية التي تقوم عليها كل عملية تحول ناجحة، وهما يتمتعان بأهمية أكبر كثيراً من أهمية العوامل الأخرى كالتقنيات وإجراءات العمل.

وكي تزدهر المؤسسات في عالم ما بعد "كوفيد-19" وتتغلب على صعوبات إنهاك الموظفين واحتراقهم الوظيفي والتهديدات التي تواجه استبقاءهم، ثمة حاجة ملحة لإعادة النظر في مجالين أساسيين، وهما:

1. إجراء تغييرات داخلية تبعاً للتغيرات الخارجية

لقد غيرت الجائحة مشهد بيئة العمل في كثير من القطاعات، ما أدى إلى مواجهة كثير من المؤسسات أزمة وجودية. خذ مثلاً شركة "إير بي إن بي"، التي شهدت أعمالها خسارة بقيمة مليار دولار بسبب إلغاء حجوزات المسافرين، إلى جانب دفع ما يصل إلى 250 مليون دولار لتعويض المؤسسات المضيفة عن خسارتها. تدرك الشركة الآن ألّا شيء سيعود كما كان. وكي يتمكن فريق القيادة من التكيف مع الواقع الجديد في السوق، شرع بإجراء تمرين على عملية تحول "من الخارج إلى الداخل" ساعده على تحديد بوصلته الجديدة، وهي الهدف التحويلي الذي يسعى لتحقيقه والذي يمكن أن يساعد على دفع الشركة قدماً على المدى الطويل.

وصف الرئيس التنفيذي لشركة "إير بي إن بي" برايان تشيسكي، هدف الشركة الجديد بأنه: "العودة إلى جذورنا، وإلى الأساسيات وما يميز شركة إير بي إن بي، وهو الأشخاص العاديين الذين يستضيفون الزبائن في منازلهم ويقدمون التجارب لهم". أحد التوجهات التي حددها تشيسكي وفريقه هو أنه نتيجة للجائحة، يتزايد قبول إمكانية العمل من أي مكان، الأمر الذي قد يتيح فرصاً جديدة لخدمة الزبائن المهتمين بالسفر وتجربة مجتمعات وثقافات فريدة على مدى فترة مطولة من الزمن. وفي الوقت نفسه، بدأت الشركة في إنهاء أنشطتها التي لم تكن أساسية بالنسبة لأعمالها، فقلصت حجم استثماراتها في النقل والفنادق والعقارات الفاخرة.

2. المواءمة بين التحول من الداخل إلى الخارج والتحول من الخارج إلى الداخل

ما أن أسست شركة "إير بي إن بي" وجهتها، شرعت برحلة التحول "من الداخل إلى الخارج" مع موظفيها، من خلال مساعدتهم على فهم بوصلة الشركة الجديدة عن طريق إنشاء بيان الرؤية الشخصية وبيان رؤية الفريق المتوافقين مع الهدف الأسمى المتمثل في المساعدة على بناء الروابط البشرية التي يفتقدها الكثيرون هذه الأيام. تمثلت الفكرة في الاستفادة من المساعدة التي يقدمها الموظفون في إعادة بناء الأعمال، والاستفادة من آرائهم وملاحظاتهم حول الطريقة التي تمكّنهم من التأثير بصورة مباشرة في الجهود التي تبذلها الشركة لتوسيع أعمالها والازدهار من جديد.

ثمة مثال آخر عن جهود التحول من الخارج إلى الداخل ومن الداخل إلى الخارج في مصرف "كاسيكورن بنك" (Kasikornbank) أو "كيه بنك" (KBank)، أحد أكبر المصارف في تايلاند. (إفصاح: هذا المصرف هو أحد عملائي). فبوصلة المؤسسة لم تقتصر على الحفاظ على الوظائف، إذ احتفظت المؤسسة بجميع موظفيها في أثناء الجائحة؛ وتمثلت أيضاً في الحفاظ على عملائها من الشركات الصغيرة والمتوسطة. عمل المصرف مع الآلاف من عملائه يداً بيد من أجل مساعدتهم على التصدي للأزمة، من خلال إتاحة تأجيل سداد قروضهم بشرط أن يتفادوا تسريح موظفيهم، وهو برنامج اعتدنا أن تطلقه الحكومات فقط. أدت جهود مصرف "كيه بنك" إلى الحفاظ على ما يقدر بنحو 41,000 وظيفة، ما منح موظفيه إحساساً بالهدف والثقة والولاء نتيجة للأثر الإيجابي الكبير الذي أوقعته مؤسستهم في بلدهم.

بناء الروابط

جعلتنا جائحة "كوفيد-19" ندرك مدى الترابط والتكامل فيما بيننا، وفيما بين المجتمعات التي نعمل ضمنها. آن الأوان لإعادة النظر بالاستراتيجية الرقمية الخاصة بشركتك، كما آن الآوان لمنح موظفيك فرصة لفهم طريقة توافق بوصلة مؤسستك مع رغبتهم بالمساهمة في قضية ذات معنى. فهذا سيمكّنهم من استعادة اندماجهم في العمل مع تجديد مخزون الطاقة العاطفية في نفس الوقت. وكلما تأخرت في بناء هذه الروابط، ازدادت احتمالات خسارة مؤسستك لرأس المال البشري الضروري لازدهارها في المستقبل، مهما بلغ ما تنفقه على التقنيات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي