تحدثت في مقال سابق عن أهمية إعادة تقييم مجموعة مهاراتك واستغلال الفريدة منها؛ أي “مهاراتك المزعزعة” (Disruptive Skills). قد تكون هذه قدرات فطرية لدرجة أنك قد لا تعيها، أو مهارات شحذتها على مدار سنوات من الممارسة، وهي التي تساعدك في تطوير تخصص مبتكر وفريد لنفسك وبالتالي يرفع قيمتك في السوق. لكن كيف يمكنك تحديد هذه المهارات؟ أو كما تساءل أحد القرّاء “كيف تحدد المهارات التي تُغيّر جذرياً تصورات الآخرين المسبّقة عن قيمتك بالنسبة لهم؟” أجريت بحثاً عن هذا موضوع وفكرت فيه ملياً، وإليكم بعض النصائح القيّمة. سأبدأ بهذه الأسئلة الثلاثة.

ما الذي تجيده بصورة لا إرادية؟

يمكنك الوصول إلى إجابة عن طريق طرح أسئلة من قبيل: “ما الذي أفكر فيه حينما لا أضطر إلى التفكير في أي شيء؟” أو “ما الشيء أو الشيئان اللذان بوسعي أن أقضي وقتي فيهما باستمرار ولو من دون مقابل؟” أو ربما عليك، كما أوصت ألانا كيتس في تعليق على المقال السابق، أن تسأل نفسك: “متى تشعر بالسخط؟ يشعر العبقري بخيبة أمل لاعتقاده أنه إذا كان الأمر سهلاً عليه، يجب أن يكون سهلا على أي شخص آخر”.

يتحدث مؤلف كتاب “الآن: اكتشف نقاط قوتك” (Now — Discover Your Strengths)، ماركوس باكنغهام عن ذلك موضحاً: “نقاط قوتنا بكل بساطة هي محاولة صاخبة لجذب الاهتمام؛ فاستخدامها يشعرك بالقوة. فكر في الأوقات التي تشعر فيها بالنشاط وحب الاستطلاع والنجاح، تلك اللحظات دليلك إلى نقاط قوتك”.

ما الذي يعتبره الآخرون أفضل مهاراتك؟

كتب نيل راي، الذي شارك بتعليق على المقال السابق، أنه عندما طلب توصيات لنشرها في صفحته الشخصية على لينكد إن: “وجدت أن العديد من المزايا التي اعتبرها الآخرون نقاط قوتي لم تكن بين المهارات الأساسية التي كنت أذكرها ضمن ملفي التعريفي، ولكنها كانت ذات قيمة لمن يعرفني”. أحياناً، لا تكون مهاراتنا الأساسية التي يخبرنا الآخرون عنها مطابقة لما نود سماعه، مثل شاب في ربيعه الرابع عشر يقال له إنه يتمتع بالفطرة بميزات عدّاء مسافات طويلة، لا بميزات لاعب كرة قدم كما يطمح أن يكون. ومع ذلك، نُفاجأ أحياناً بتقييمات زملائنا وأصدقائنا وتسعدنا بالفعل. أخبرني كاتب مرموق، وهو صديق للعائلة، أنه يتحرق شوقاً لرؤية ما سأحققه خلال العقد المقبل. ربما كانت مجرد ملاحظة مرتجلة بالنسبة له، ولكنها مثلت لي تعزيزاً حقيقياً للثقة خاصة أنه رأى أني أتمتع بالإمكانات اللازمة وقادر على الإنجاز.

نبني تصورنا لنقاط قوتنا بأسلوب منهجي من خلال تحليل تقييم الأداء بطريقة 360 درجة في مكان العمل. أجريت هذا التحليل في وظيفة سابقة وأشار إلى أن مهارتي في بناء العلاقات خارج العمل استثنائية ولكنها ضعيفة داخل الشركة، وساعدني ذلك في تحديد نمط في حياتي لاحظت لاحقاً أنه مذكور في مقال الأستاذ بوريس غرويسبيرغ، “كيف تمتلك النجمات مهارات صالحة في كل مكان”. وجد غرويسبرغ أن النساء عموماً ناجحات أكثر من الرجال في الانتقال من وظيفة إلى أخرى، إذ دفعتهن الضرورة إلى بناء شبكات علاقات خارجية.

إن رغبت في تجربة التحليل الذاتي المبسط، فأوصيك بقراءة مقال نشرته هارفارد بزنس ريفيو بعنوان “كيف تلعب على نقاط قوتك؟” الذي يقدم تعليمات مفصلة لتحديد نقاط القوة؛ ومنها أن تسأل عنها زملاءك وأصدقاءك الذين تثق بهم. ومن هذه التعليمات أن تطلب من زملائك الموثوقين ملء الفراغ في الجملة: “من أهم الطرق التي تضيف بها القيمة ______”.

هل تتضافر مهاراتك؟

عندما تبدأ حصر قدراتك الفريدة والتنقيب عنها، تكتشف أن مهارتك المزعزعة قد لا تكمن في مهارة واحدة، ولكنها تضافر استثنائي لمهارات عادية. نجد في مقال إد وايزمان في واي كومبيناتور هاكر نيوز: “من الصعب ادعاء أنك أحد أفضل مبرمجي لغة بي آتش بي (php) في العالم، أو أحد خبراء نظام التشغيل يونكس (unix)، أو أحد خبراء تجارة الملابس عبر الإنترنت، ولكن قد يندر أن تجد من يتقن هذه المهارات كلها معاً. وبالنسبة للعميل المناسب، هذا المزيج يمثل مهارتك المزعزعة”.

نصيحة أخيرة من واقع تجربتي الشخصية: اهتم لتلك المجاملات التي تتجاهلها عادة، فمن المحتمل أن تغفل عن نقطة قوة يثمّنها غيرك فيك. على سبيل المثال، عندما يمدحني الناس لمهاراتي في التعامل مع الآخرين، أميل إلى تجاهل هذا الثناء؛ ربما لأن أرباب العمل السابقين لم يهتموا بمهاراتي الشخصية قدر اهتمامهم بمهاراتي العملية. أو انظر إلى شاب كان بطلاً رياضياً في المرحلة الجامعية يتجاهل ذكر إنجازه المتمثل في انضمامه إلى فريق شارك في البطولة الوطنية خشية أن يتصور الآخرون أن قوته البدنية تطغى على قوته الذهنية. هذا المسلك مفهوم في أغلب الأحيان، وربما كان مبرراً، ولكنه يسبب عدم حصولنا على التقدير الذي نستحقه على مدار مسيرتنا المهنية. كتب رالف والدو إيمرسون في القرن 19: “في كل عمل عبقري نتعرف على أفكارنا التي تجاهلناها، إذ تعود إلينا بجلال غريب”.

يؤدي تحديدك لأفضل مهاراتك واستخدامها إلى تغيير جذري في حياتك المهنية، ليس بالضرورة من أجل لفت انتباه الشركة إليك ودفعها لزيادة راتبك، ولكن لأن تقييمك الدقيق لنفسك جوهري في زعزعة تصور الآخرين لقيمتك. عندما تدرك أعظم أصولك، وهي مهاراتك المزعزعة التي ستحقق لك قفزة نوعية في حياتك المهنية، ستسير على طريق الاستثمار في نفسك.