إنشاء البنية الاستراتيجية للمشهد العام لقطاع الأعمال في حقبة ما بعد الجائحة

5 دقائق
قطاع الأعمال ما بعد جائحة كورونا
shutterstock.com/Khongtham

ملخص: تسببت جائحة "كوفيد-19" في زعزعة المنهجيات المجربة والمختبرة لإعداد الاستراتيجيات، كما أدت إلى تسريع المنهجيات الناشئة الجديدة. ونستعرض في هذه المقالة القصيرة التي تدور حول موضوع قطاع الأعمال ما بعد جائحة كورونا إطاري عمل يستندان إلى الأبحاث التي أُجريت حول المنهجيات الناشئة لصناعة القرارات الاستراتيجية. يسمى إطار العمل الأول "درايف" (DRIVE)، وهو إطار عمل على المستوى الفوقي أو الكلي يحدّد الاتجاهات السياقية الكبرى لتشكيل بيئة العمل الاجتماعية والاقتصادية، ويسمى إطار العمل الثاني "كلفر" (CLEVER)، وهو إطار عمل على المستوى المتوسط أو الجزئي يصف عوامل النجاح في تنفيذ الاستراتيجية. ويشكل الإطاران معاً أساس البنية الجديدة للاستراتيجية التي تمكّن الشركات من تحديد فرص النمو والنجاح في وضع الأسس التنظيمية اللازمة لاغتنامها في ظل الاقتصاد العالمي المضطرب خلال حقبة ما بعد الجائحة.

 

بنية جديدة لعالم ما بعد الجائحة؟

تسببت جائحة "كوفيد-19" في زعزعة المنهجيات المجربة والمختبرة لإعداد الاستراتيجيات. وأسهمت بشكل أكثر تحديداً في تسريع منهجيتين ناشئتين: التحول الرقمي والاستدامة،حيث تكثّف الشركات جهودها ويشهد قطاع الأعمال ظهور ضرورات ونماذج عمل جديدة كل يوم، كشكل من أشكال التحقق من صحة الممارسات والقواعد التنظيمية الجديدة، حتى مع استمرار تأثير الجائحة على حياتنا وسبل عيشنا. وهكذا، لم تؤدِّ الجائحة إلى تغيير نظرتنا للعالم فحسب، بل أسهمت أيضاً في تسريع تبنينا لأشكال جديدة من نماذج العمل والإنتاج التي تزداد وضوحاً يوماً بعد آخر.

ومن المرجح أن ينتهي الأمر بالشركات الأكثر جرأة في رقمنة أنشطتها إلى تحقيق أداء اقتصادي يفوق أداء باقي الشركات، ومن المُتوقّع أيضاً أن ينتهي الأمر بالشركات التي تدير مجموعة واسعة من مؤشرات الاستدامة بفاعلية إلى القدرة على خلق قيمة مضافة طويلة الأجل لكل أصحاب المصلحة.

قطاع الأعمال ما بعد جائحة كورونا: كيف يغتنم قادة الشركات هذه الفرص؟

تحالف استراتيجي بين أطر العمل الناشئة

في حين أن التحديات التي تفرضها الأوضاع المستجدة ترتبط دائماً بالقدرة على تحديد أطر العمل الحالية التي يمكن الاستفادة منها في التصدي لهذه التحديات وتحديد الأفكار المطروحة للنقاش حول بعض القضايا التي نواجهها، فإننا نقدم في هذا الفصل إطاري عمل يستندان إلى الأبحاث التي أُجريت حول المنهجيات الناشئة لصناعة القرارات الاستراتيجية ويساعدان صنّاع القرار على تحديد فرص النمو والنجاح في وضع الأسس التنظيمية اللازمة لاغتنامها في ظل الاقتصاد العالمي المضطرب خلال حقبة ما بعد الجائحة. وتم تصميم هذين الإطارين في الأصل نتيجة الجهود المبذولة للاستعداد للتحديات المستقبلية، وذلك من خلال دمج العمليات الفكرية القابلة للتكيف والمرنة. ورُوعي في تصميمهما ألا يكونا شاملين، بل ليساعدا المؤسسات على بدء تحليل المواضع التي قد تحتاج فيها إلى صياغة استراتيجياتها، في حقبة كثيراً ما تفشل فيها توقعات السوق بسبب افتقارها إلى الدقة.

ويعتمد مستوى التحليل الكلي على الحاجة السياقية لتقييم البيئة وطبيعة القوى التي تسهم في تشكيل ظروف العمل والسياسة العامة. ويعتبر هذا المستوى من التحليل ضرورياً لتحديد حجم الاتجاهات ومسارها، بدايةً من مسح العوامل الدخيلة إلى اكتشاف الحركات المستجدة، وصولاً إلى اكتشاف نماذج النمو التي لا تستطيع المؤشرات الاقتصادية التقليدية اكتشافها.

ويشير مستوى التحليل المتوسط إلى المستوى المؤسسي والأوسط للاقتصاد الذي تعمل فيه سلسلة من الجهات كعوامل ربط بين القوى على المستوى الكلي وكعوامل تنفيذية على المستوى الجزئي. ويوفر المستوى المتوسط فرصاً لصياغة الاستراتيجية وإيجاد أفكار لنماذج العمل التي تسبر أغوار الأسواق وتعيد تشكيل الأنظمة. وهذا جانب مهم من كيفية تحول الأنظمة إلى أنظمة هادفة.

ويشمل المستوى الجزئي العناصر الأكثر نشاطاً في الاقتصاد، مثل المستهلكين والأفراد الذين يتخذون قراراتهم استناداً إلى معلومات محدودة وميولهم وقدرتهم على اغتنام الفرص. وهذا هو الجانب الذي يتم فيه التحقق من صحة الأسواق، وتمزج فيه صناعة القرار بين الفرضيات النظرية وإمكانية العمل القابلة للتنبؤ، ويمكّن فيه النظامين الاجتماعي والاقتصادي نفسيهما.

ويجمع إطارا عملنا بين المستويات الثلاثة للنقد من خلال تصميم دقيق يتصف بالعملية، ولكنه يعتمد بقوة على الأبحاث المكثفة، ويهدف إلى تسهيل تحوّل الأنظمة من خلال التوصل إلى فهم عميق ينبع من طبيعة الاتجاهات ومن التفكير في كيفية تشكيل الاتجاهات للاستراتيجية. ونعتقد ضمن هذه الفرضية أنه يمكن إجراء تحوّل رقمي مزدوج متزامن ومستدام.

طريقة تحديد النمو

فهم كيفية إسهام إطار عمل "درايف" في إضفاء الحيوية على مستوى التحليل الكلي

لاحظنا خلال البحث الذي تم إجراؤه عدة نقاط تقاطع، واستندنا إليها وبحثناها، ووجدنا أن هذه النقاط تحدد الاتجاهات الحالية للحاضر، وترسم مسار الأحداث التي ستقع في المستقبل، ونعتقد أن هذه العناصر ذات أهمية بالغة. إذ نلاحظ في خِضَم هذا الكم الهائل من المعرفة والمعلومات والبيانات أن هناك 5 تيارات خفية يمكن أن تمدنا ببعض الأفكار حول كيفية تطور المستقبل. ولا تعتبر هذه المسارات الخمسة حصرية أو شاملة. فقد يكون معظمها مجرد تمثيل ضئيل لكافة التيارات الخفية التي تتفاعل مع القوى التي تسهم في تشكيل مجتمعاتنا، ولكن مع وضع هذه الحقيقة في الاعتبار، عملنا على تضييق نطاق البحث إلى 5 اتجاهات كبرى، التي نسميها إطار عمل "درايف"، ويتألف مما يلي:

  • التغيرات الديموغرافية والاجتماعية
  • ندرة الموارد
  • عدم المساواة
  • التقلبات والتوسع والتعقيد
  • دينامية المبادرة

ونعتقد أن كلاً من هذه الاتجاهات العملاقة حول قطاع الأعمال ما بعد جائحة كورونا ذو طبيعة مختلفة، ولكن يمكنها معاً رسم صورة شاملة لما يخبئه لنا المستقبل، وبمقدورها مساعدتنا على وضع تصور للمستقبل المرتقب.

اكتشاف طريقة إطار عمل "كلفر" لتمثيل المستوى المتوسط أو الجزئي للاقتصاد

يسهم إطار عمل "كلفر" في نقل مستوى التحليل إلى المستوى المتوسط، ويتألف هذا الإطار من عدة عوامل استراتيجية؛ أي قوى تقدم مزايا استراتيجية، وتسهم بالتالي في تحفيز التغيير الاستراتيجي. وتتألف هذه العوامل مما يلي:

  • الذكاء التعاوني
  • أنظمة التعلم
  • التقنيات المتسارعة النمو
  • تسهيل تحصيل القيمة
  • القيم الأخلاقية
  • صناعة القرارات التفاعلية

تمثّل العناصر الثلاثة الأولى من إطار العمل الميزات "الفنية"؛ أي المكونات التكنولوجية، وتمثّل العناصر الثلاثة التالية معايير صناعة القرار والأساليب الإدارية وتساعدنا على التعامل مع القرارات الصعبة التي يصعب فصلها في كثير من الأحيان، بالطريقة ذاتها التي يساعدنا بها نظام تحديد المواقع.

 استراتيجية الأعمال ما بعد الجائحة

المصدر: لانتيري 2021

أفكار ختامية

يجب على قادة الشركات إعادة النظر في استراتيجياتهم إذا ما أرادوا التصدي للاضطرابات الناجمة عن جائحة "كوفيد-19". ويجب عليهم الإجابة عن سؤالين رئيسيين فيما يخص الاستراتيجية: أين ستعمل شركتهم؟ وكيف ستحقق الفوز؟ تستعرض هذه المقالة إطاري عمل يستندان إلى الأبحاث للإجابة عن هذين السؤالين المهمين ودعم عدد من الأفكار التي نحثّ المدراء وصنّاع السياسات على أخذها في الاعتبار.

  • الاستعانة بإطار عمل "درايف" لمساعدة صنّاع القرار على تتبّع الاتجاهات الكبرى التي تشكل المشهد التنافسي وعلى تحديد الفرص الناشئة الرئيسية التي قد لا تكتشفها الأدوات التقليدية للتخطيط الاستراتيجي إلا بعد فوات الأوان.
  • دمج أحد أبعاد إطار عمل "كلفر" لتمكين تحديد عوامل المزايا الاستراتيجية التي يجب على صنّاع القرار الاستفادة منها للحفاظ على الميزة التنافسية.
  • تمكين القادة من التفكير في التحول وتجريب هذه البنية الجديدة للاستراتيجية التي تمكّن الشركات من تحديد فرص النمو والنجاح في وضع الأسس التنظيمية اللازمة لاغتنامها في ظل الاقتصاد العالمي المضطرب في حقبة ما بعد الجائحة.

على الرغم من نشرهما منذ أقل من 5 سنوات فقط، فإن إطاري عملنا يجري تدريسهما الآن في العديد من برامج الدراسات العليا في كليات إدارة الأعمال حول العالم، وأصبحا حجر الزاوية للكثير من برامج تعليم المهارات التنفيذية والمشاريع الاستشارية. وعلى الرغم من هذه الأدلة على نجاحهما الباهر، فإننا لا ندعي بحال من الأحوال أنهما إطارا عمل مثاليان. إذ لا يمكن التنبؤ بالمستقبل في الحِقَب المشوبة بالاضطرابات نظراً لطبيعتها الحافلة بالتعقيدات المتزايدة. لذلك، حتى لو تم تسليح صنّاع القرار بإطاري عمل "درايف" و"كلفر"، فإنهم سيواجهون حتماً البجعات السوداء التي ستظهر أمامهم بغتة والعوامل الفجائية التي تؤدي إلى نشوء ظروف غير متوقعة وسيناريوهات متضاربة سريعة التغير.

وفي نهاية الحديث عن قطاع الأعمال ما بعد جائحة كورونا تحديداً، نؤكد أن يجب الحكم على إطاري العمل من حيث فوائدهما. وقد شهدنا خلال السنوات التي أمضيناها في الأبحاث وتحسين إطاري عملنا كيفية تطبيقهما في عشرات الشركات بمختلف القطاعات والمناطق الجغرافية. ويمكن لقادة الشركات استخدام هذين الإطارين لفهم مواضع ظهور الفرص الاستراتيجية ولإيجاد مصدر إلهام للإجراءات الاستراتيجية، وبالتالي ضمان جاهزية مؤسساتهم للمستقبل في حقبة ما بعد الجائحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي