قد تقودنا المسارات المهنية المختلفة إلى مجالات عمل جديدة؛ وثمة بالفعل العديد من الطرق لاستكشاف هذه المسارات دون تحمّل مخاطر كبيرة. يمكنك مثلاً بناء مهارات مختلفة تكون متممة لمواطن القوة التي تمتلكها. وثمة بالفعل العديد من تمارين العصف الذهني التي تتيح لك استكشاف تلك الإمكانات الجديدة. ويمكنك أيضاً الاطلاع على مجالات العمل المختلفة، والتحدث إلى الأصدقاء، وحضور عروض الشركات التقديمية.
لكن ماذا تفعل إذا كنت لا تزال في حيرة من أمرك؟ التجربة خير برهان. كتبت الأستاذة في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد) هيرمينيا إيبارا: "عندما تفكر في تغيير مسارك المهني، تجد أنها مهمة تكاد تكون مستحيلة"؛ والحل يكمن في تجربة العمل في مجال جديد بصورة مباشرة.
لنتأمل مثال ندى (اسم مستعار). كانت ندى غير راضية عن البيئة السياسية في مكتبها بصفتها مسؤولة جديدة في الشركة. وكانت تخشى أيضاً أن يفوتها تحقيق هدفها الحقيقي في الحياة، وهو أن تصبح فنانة.
فكرت ندى في مجال الفن عندما أنهت دراستها في الكلية، لكنها كانت بحاجة إلى العمل فانتقلت للحياة المؤسسية. لكن الفن بقي مهماً بالنسبة إليها ويشغل حيّزاً من تفكيرها، حتى إنها واصلت العمل على مشاريع فنية في أوقات فراغها، وقالت: "شغل الفن تفكيري طوال كل تلك السنوات؛ فكنت أرسم خلال عطلات نهاية الأسبوع أحياناً، وزرت المتاحف الفنية خلال رحلات العمل. ولطالما تساءلت عن التجارب التي كنت سأخوضها لو أنني اتخذت مساراً مختلفاً مرتبطاً بالفن".
حصلت ندى على إجازة لحضور ندوة للرسم في نيويورك. وقالت وهي تتذكر مشاعرها في اليوم الأخير: "كنت متحمسة للغاية، شعرت بأنني في حالة عشق للفن، وبأن روحي ارتدت لي للمرة الأولى منذ سنوات. بلغت الخمسين من عمري مؤخراً، وأدركت أنني إذا لم أتخذ أي إجراء لتحقيق هدفي اليوم، فقد أعجز عن تحقيقه مستقبلاً".
فقررت وهي على متن الطائرة تغيير مسارها المهني بكل بساطة.
لم تضطر ندى إلى إجراء عملية تقييم معقدة لاتخاذ قرارها، لأنها كانت تعرف هدفها بالفعل. كان الفن بالنسبة لها على مدى الـ 25 عاماً هواية جذابة وتجربة مهنية (سابقة). لم تكن تعرف إن كانت ستنجح في بيع أي عمل فني آنذاك، لكنها حصلت اليوم على درجة الماجستير في الفنون الجميلة، وتبيع القطع الفنية وتشعر برضا كبير عند تصميمها.
ويمكنك أنت أيضاً تجربة مجال عمل جديد، مثل ندى؛ أي يمكنك تجربة مهنة جديدة وتعلّم أساسياتها قبل الخوض في تفاصيلها الكاملة.
أولاً، ابدأ التجهيز لتجربتك المهنية
فكّر في كيفية تطوير قدراتك والإمكانات الجديدة التي يمكن أن تكتسبها. ابحث عن الفرص التي تتيح لك كسب خبرة عميقة وعملية في المجالات التي تتطلع إلى العمل فيها.
إذا كنت تعمل بالفعل، فيمكنك إجراء تجاربك خلال الليل أو في عطلات نهاية الأسبوع. يمكنك التطوع أيضاً لأداء دور إضافي في مؤسستك، أو البحث عن دور تطوعي مع مؤسسة غير ربحية صغيرة تعمل في المجال الذي تستكشفه، أو حضور دورات تعليمية، أو ممارسة هواية ما بجدية.
إذا لم تكن لديك وظيفة بدوام كامل، فيمكنك بالتأكيد تطبيق معظم هذه النصائح، وإذا توافر لديك وقت إضافي، فيمكنك استكشاف خيارات إضافية أيضاً. فكّر في تقديم طلب لأداء دور تطوعي بدوام كامل، أو وظيفة مدفوعة الأجر بدوام جزئي ترتبط بتطلعاتك، أو حضور برنامج تعليمي يمنحك درجة علمية تتيح لك الاستعداد للمسار المهني المحدد وتعلّم المزيد عنه.
ثم ضع خطة تعليمية
حدد ما تأمل تعلمه، حالك كحال عالم البحوث؛ فكلما كنت واضحاً بشأن أهداف التعلم النهائية، نجحت في الوصول إلى مبتغاك.
ماذا ستكتب في خطتك؟ فكّر في طرح الأسئلة الآتية:
- الهدف: ما الذي تأمل أن تحققه في هذا المجال؟ ماذا يفعل الناس في وظائفهم اليومية؟ هل تتوافق أعمالهم مع اهتماماتك؟
- مستوى المهارة: كيف ترى نفسك بالمقارنة مع نظرائك؟ هل تثير فكرة إتقان هذا المجال من الأعمال حماسك؟ هل تفكّر في شغل منصب قيادي؟
- الثقافة: كيف يُقيّم الأداء؟ ما هو مستوى العمل الجماعي؟ كيف يتواصل الموظفون معاً؟ هل هناك أي قضايا أخلاقية تواجه العمل في هذا المجال؟
- نمط الحياة: ما هو مدى شدة الضغوط التي قد تتعرض لها في العمل؟ كم ساعة ستعمل في الأسبوع؟ هل يشمل السفر؟
راجع خطتك بصورة دورية. وأجرِ تقييماً على المعارف التي تكتسبها، وحدد المجالات الأخرى التي تعتزم استكشافها وتعلّمها.
إن أفضل طريقة للتعلم من التجربة هي التزام الجدية بشأنها. قد يكون نجاحك في التجربة مؤشراً على قدرتك على العمل في هذا المجال، وقد تحصل على عرض وظيفي مباشرة أيضاً. ويساعدك النجاح أيضاً على بناء شبكة واسعة من العلاقات، وكسب سجل حافل من الإنجازات، وتعلّم مهارات جديدة تُفيدك في حال اتخذت مساراً مهنياً مختلفاً.
لكن احذر من إجراء كثير من التجارب؛ قد تجذبك فكرة اختبار توجهات ومجالات جديدة، لكنها تعوقك في الوقت نفسه عن اتخاذ القرارات الصعبة. ولا تقنع بوضعك الراهن أيضاً، بل جرّب، وتعلّم ما ترغب في تعلمه، ثم قرر.
إذا كنت تسعى للتحوّل من بيئة العمل في الشركة وبدء مشروع جديد في المجال نفسه، فذلك تحوّل كبير. وإذا كنت تفكر في ترك عالم الشركات لفتح مطعم ما، فذلك تحول هائل، لأنك ستبدأ حينها من الصفر، تاركاً ماضيك وراءك. باختصار، لن تعرف نتائج قراراتك مسبّقاً، لكن إجراء التجارب على الخيارات المتاحة أولاً يتيح لك اتخاذ أفضل القرارات.
هل جربت أي مسار مهني مختلف؟ ماذا تعلمت؟