توجد نكتة شائعة مفادها أنّ ربّ عائلة اشترى رأس بقرة كاملاً في أثناء يوم رمضان، ووضعه في المطبخ دون أن يُخبر زوجته، وهي بدورها لم تنتبه له، وبعد الإفطار دخل المطبخ فرآه فسأل زوجته: من هذا الغبي الذي اشترى رأس بقرة كاملاً!
النكتة حقيقية، والدليل هو الحجم المهول لهدر الطعام الذي يحصل في رمضان، إذ تؤكد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أن الفرد في المنطقة العربية يهدر متوسط 250 كيلوغراماً سنوياً من الغذاء، وأنّ هذا الهدر يزيد في شهر رمضان ليصل إلى 350 كيلو غراماً.
من زاوية علم النفس، يوجد تفسير للقرار الشرائي الذي اتخذه "صاحبنا" الذي اشتهى طبق "لسان العجل"، ويسمّيه الخبراء "التحيز الانتباهي" (Attentional Bias)، وهو انحياز سلوكي يصف تأثُّر انتباه الأفراد بأفكارهم الآنية خلال معالجة موضوع معين، فالحالات العاطفية والجسدية غالباً ما تؤثر في لفت انتباهنا وتوجيهه نحو المزيد من العوامل المحفزة عاطفياً. يؤثر التحيز الانتباهي في طريقة عمل الدماغ عند اتخاذ القرارات، لكنه يؤثر أيضاً في الذاكرة التي من المحتمل أن تتذكر موقفاً معيناً بطريقة منحازة، وتحتفظ أساساً بالعاطفة التي تشعر بها تجاه أي شيء آخر، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خلق ذكريات منحرفة. من أمثلة التحيز الانتباهي، عندما يكون المرء جائعاً، قد يجد نفسه مشتتاً تحت تأثير أي شيء يحمل أسماء الطعام أو صُوَره، ويجد صعوبة في التفكير في أي شيء آخر غير الأكل.
قد تكون نية بطل النكتة حسنة والدليل أنه وعد نفسه قبل رمضان بأن يحافظ على نظام غذائي صحّي متوازن، شأنه في ذلك شأن ملايين المسلمين الذين يضعون خطة رمضان بالاستعانة بنتائج جوجل التي تعجّ بمثل هذه الخُطط، لكن ما هو مؤكد أنّ "صاحبنا" لا يعرف شيئين اثنين: شراء رأس بقرة ليس سلوكاً شرائياً مستداماً؛ وثانياً، واضح أنه وقع فيما يسمّيه الخبراء "تحيز ضبط النفس" (Restraint Bias)، وهو تحيز سلوكي آخر يُقصد به مبالغة الفرد في تقدير قدرته على مقاومة الإغراءات أو الحوافز عند اتخاذ القرار، ما يؤدي إلى نتائج عكسية؛ أي التفكير أكثر في العوامل المغرية، وينتج عن ذلك ارتفاع احتمال استسلامه لها لأنه ببساطة لم يأخذ بعين الاعتبار تأثير العوامل الجسدية والنفسية المؤقتة التي ستظهر في المستقبل. على سبيل المثال، من السهل الاعتقاد بأننا سنقلع عن العادات الغذائية غير الصحية مثل الوجبات الخفيفة عندما نكون في حالة شبع، لكننا قد نجد صعوبة بالغة في مقاومة إغراء "لسان العجل" عندما نكون صائمين.
ربما ظلمنا بطل النكتة الذي كان يمارس هوايته المفضلة في "العلاج بالتسوق" (Retail Therapy) ولم يكن يبحث عن أكثر من الترويح على النفس، أو ربما أسوأ من ذلك كان مصاباً بـ "اضطراب الشراء القهري" (Compulsive Buying Disorder. CBD)، لكن ما هو مؤكد أنّ خبراء التسويق يطلقون على قرارات الشراء المتسرعة دون تخطيط مسبّق "سلوك الشراء الاندفاعي" (Impulsive Buying)، لذلك تجد المسوّقين يضعون المنتجات الكمالية بعناية في أرفف المتاجر الكبرى بطريقة علمية مدروسة بدقة لتحفيز هذا السلوك، غير أنهم -ولحسن حظهم- غير مضطرين إلى فعل كل هذا في البلدان العربية في رمضان، فالجزار لم يعرض رأس البقرة بناءً على توصيات مختص في عرض المنتجات على الأرفف (Merchandiser)، بل على الأرجح وضعه أمام محله فقط ليعرف المشترون أن اللحم طازج من بقرة ذُبحت حديثاً.
الشركات الكبيرة تعي هذا جيداً، وتُصمم حملات تسويقية مُصممة لمداعبة الجانب العاطفي للمشتري الجائع تحديداً، ففي المملكة المتحدة، نظّمت شركة ماكين فودز (McCain Foods)، حملة أطلقت فيها رائحة البطاطس المخبوزة في محطات الحافلات، وفي كوريا الجنوبية، استخدمت دانكن دونتس (Dunkin Donuts) مِرشّاً لنشر رائحة القهوة، ما أدى إلى زيادة المبيعات بنسبة 29%.
أما بالنسبة للبلدان العربية، فيبدو أن الصورة تكفي لتحفيز قرار الشراء الاندفاعي في رمضان، لذلك نجد أنّ كبرى الشركات تكتفي بالترويج باستخدام صورة تربط المنتج بالشهر الفضيل، مثل برغر كينغ التي صممت إعلاناً شبّهت فيه البرغر بهلال رمضان، ولعل مردّ ذلك لعلمهم بأنّ الصورة تكفي لتحفيز المشتري العربي الصائم، أو ببساطة لأنهم يعرفون تلك النكتة، وإلا كيف تفسّرون قدرة صورة مخيفة لرأس مقطوع من حيوان ضخم على تحفيز قرار الشراء لشيء لن تأكله!