من أكثر الفترات التي تحفز الناس لاتخاذ قرار التغيير ووضع خطط التغيير هي فترة الأشهر التي تسبق السنة الجديدة، إذ يلجأ الكثيرون لتخصيص شهر نوفمبر/تشرين الثاني أو بداية شهر ديسمبر/كانون الأول لوضع أهداف السنة الجديدة للتغيير على المستوى الشخصي والمهني، لأن هذه الفترة تسمح بتوفير وقت كاف لترجمة الأهداف الكبيرة إلى أهداف صغيرة قابلة للقياس واستيعاب خطة التغيير، لكن حسب دراسة منشورة في موقع "يو إس نيوز" (US News) فإن 80% من الناس يتخلون عن أهداف السنة الجديدة خلال الأسبوع الثاني من شهر فبراير/شباط، كما أن بداية فشل خطط تنفيذ هذه الأهداف تظهر قبل ذلك بنحو ثلاثة أسابيع، وتحديداً خلال اليوم الذي سمّاه مختص علم النفس "كليف أرنال" الإثنين الأزرق. لذلك، فالسؤال البديهي هنا لماذا تفشل خطط التغيير الشخصية بهذه السرعة، على الرغم من التخطيط لها مبكراً؟
تكمن الإجابة في عدم حيازة الفرد للمعرفة اللازمة عن متطلبات قيادة التغيير، وأول معلومة يجب أن يعيها الطامح للتغيير هي المعلومة الواردة في مقال "إرشاد الراغبين بالتغيير"، إذ وبناء على نتائج بحث أُجري في كلية لندن الجامعية، توصل الباحثون إلى أن تكوين عادة جديدة يستغرق ما بين 18 و254 يوماً (وليس المعلومة الشائعة 3 أسابيع فقط)، وذلك مرتبط بمدى استعداد الإنسان للتغيُر وقدرته على الالتزام؛ المقال نفسه تناول نظرية "التغير المقصود" التي وضعها أستاذ السلوك التنظيمي "ريتشارد بوياتزيس"، وتقوم على تصور النفس المثالية (التي ترغب في الوصول إليها وما تريد أن تفعله في عملك وحياتك)، واستكشاف النفس الحقيقية (الفجوات التي يتعيّن عليك ملؤها ونقاط القوة التي ستساعدك في فعل ذلك)، ووضع خطة للتعلم (خارطة طريق لتحويل التطلعات إلى واقع)، ومن ثمّ التجريب والتدرّب (على سلوكيات وأدوار جديدة).
لا يمكن التكلم عن فشل التغيير دون التطرق للسبب العلمي له، إذ يؤكد الطبيب "جادسون بريوير" كاتب مقال "طبّق هذه الخطة للتوقف عن عاداتك السيئة" أن شبكات الدماغ المرتبطة بالتحكم في الذات والسلوك، مثل قشرة الفص الجبهي، هي أول ما يتوقف عن العمل عندما تواجه محفزات مثل الشعور بالضغط، لكن التحكم في الذات أكبر من مجرد إزاحة الضغط أو التخلص من مسبِب العادة، إذ ينطوي تغيير السلوك على الوصول إلى حالة "الوعي التام" من أجل جعل الفرد أكثر وعياً "بالمكافأة" التي تعزز سلوكه الإيجابي، ويمكن الوصول إلى حالة الوعي التام بممارسات مثل تحديث قيمة المكافأة التي ترافق العادة المراد التخلص منها بدقة، والعثور على مكافأة جديدة أكثر جدوى من السلوك الحالي، لأن الدماغ يبحث دائماً عن عرض أكبر وأفضل.
من جهة أخرى، لا بد أن كل واحد فينا وقع في الإحباط جراء الاعتماد على استراتيجية "كل شيء أو لا شيء"، وهي استراتيجية نلجأ إليها عند الوقوع في مشكلة تتطلب تغييراً ملحاً، فعلى سبيل المثال، إذا طلبت من شخص بناء عادة جديدة، قراءة الكتب مثلاً، في الغالب سيضع خطة تنطوي على قراءة يومية لمدة ساعة واحدة على الأقل، وهي مدة تعتبرها المدربة العالمية والكاتبة "سابينا نواز" طويلة جداً بالنسبة لشخص مبتدئ ومرهقة أكثر مما هي محفزة، لأنه ببساطة لن يستطيع الالتزام بها، وتؤكد أن الحل يكمن في العادات متناهية الصغر، وهي عادات تشرحها في مقالها "لكي تحقق إنجازات عظيمة عليك أن تبدأ بعادات صغيرة" وتعرّفها بقولها "ستعلمون أنكم وصلتم إلى مستوى العادة الصغيرة جداً عندما تصلون إلى أمر صغير جداً لدرجة أنكم تفكرون أنه غير جدير بالقيام بفعله"، وفي مثالنا، يكون هذا الأمر الصغير هو قراءة فقرة واحدة كل ليلة والالتزام بذلك لمدة أسبوعين متتاليين على الأقل قبل أن تشعر بالملل منها، ومن ثم يمكنك زيادتها بنسبة 10% فقط.
لا بد لأي شخص يسعى للتغيير الإيجابي في حياته أن ينتبه إلى بعض الانحيازات السلوكية التي تشوب طريقة تفكير الإنسان وتشجعه على البقاء في منطقة راحته، مثل "الانحياز للوضع السائد" و"انحياز الانتماء للمجموعة" و"انحياز التفاؤل"، كما يجب إنشاء استراتيجية شاملة لحياته وعدم الاقتصار على وضع أهداف مرحلية منفصلة عن رؤية بعيدة المدى؛ في هذا السياق، يبرز مقال ضمن أفضل 50 مقالاً كُتب في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "كيف تقيس جودة حياتك"، ألّفه الراحل "كلايتون كريستنسن" ليوضح لنا كيف بالإمكان اتخاذ قرار التغيير وتحقيق السعادة على المستوى المهني والشخصي ضمن إطار متكامل من التغيير المستمر نحو الأفضل.