أشرك موظفيك في قرارات خفض التكاليف خلال فترات الانكماش

5 دقائق
قرارات خفض التكاليف

لجأت جميع الشركات تقريباً إلى قرارات خفض التكاليف وإعادة تنظيم عملياتها استجابة للتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة "كوفيد-19". وغالباً ما اتخذت هذه الشركات نهجاً تنازلياً في تغيير حجم أعمالها استناداً إلى مجموعة محدودة من البيانات، مثل توقّعات الأرباح ومقاييس التنافس المعيارية. إلا أن اتباع هذا النهج يُسفر عادة عن اتخاذ قرارات خاطئة بخصوص الموظفين، الأمر الذي يؤدي إلى شعورهم بالإحباط.

بدلاً من ذلك، يجب على القادة إعادة تصميم عمليات شركاتهم استناداً إلى البيانات المستخلصة من أهم المصادر التي يستقون منها رؤاهم الثاقبة، ألا وهم موظفوهم. إن إضفاء الطابع الديمقراطي على عملية جمع البيانات والتوصيات يتيح لفرق القيادة الحصول على صورة أوضح للأنشطة والمبادرات الجارية داخل مؤسساتهم. كما أنه يمنحهم نظرة ثاقبة تمكّنهم من تقييم الأنشطة وتصنيفها إلى أنشطة ذات قيمة كبيرة تمكّن الشركة من تحقيق أهدافها النهائية الاستراتيجية، وأنشطة يمكن تحويلها إلى عمليات مؤتمتة أو إدارتها في بيئة خدمات مشتركة، وأنشطة يجب إيقافها.

وينطوي هذا النهج التصاعدي على أهمية كبيرة في مساعدة القادة على قرارات خفض التكاليف بشكل كبير وتحقيق أهدافهم بسرعة، ويعود سبب ذلك إلى امتلاك المدراء والموظفين الحافز لتقديم المساعدة، وهو ما يجعل التغييرات مستدامة بعد ذلك.

على سبيل المثال، تمكّنت إحدى سلاسل مطاعم الوجبات السريعة من تقليل مبيعاتها وخفض تكاليفها العامة والإدارية بأكثر من الثلث وإعادة التركيز على المجالات الاستراتيجية الرئيسة، مثل التسويق وابتكار المنتجات والحصول على امتيازات جديدة، وذلك من خلال إجراء تحليل من القمة إلى القاعدة لأحد فرق القيادة إضافة إلى حصولها على بيانات نوعية وكمية من نواب الرؤساء والمدراء والموظفين. وبالمثل، تمكّنت مجموعة مستشفيات من إيجاد طرق لتحسين أوجه التواصل بين الفرق السريرية والفرق الإدارية، وهو ما مكّنها من علاج مزيد من المرضى في مختلف التخصصات الطبية وخفض التكاليف التشغيلية بأكثر من 20%.

وفي كلتا الحالتين، تمكّنت فرق القيادة من إجراء تحويل على شركاتها بعد اعتمادها على معلومات أكثر دقة في عملية اتخاذ قرارات خفض التكاليف تحديداً. لكن كيف يضمن القادة جمع البيانات التي يحتاجون إليها؟

نوصي أدناه بالتركيز على أربعة أنواع مختلفة من المعلومات:

1. العمليات الروتينية والمشاريع الرئيسة. تنطوي الخطوة الأولى في إعادة تصميم الشركة على أن يطلب فريق القيادة من كل رئيس قسم أو مشرف على وظيفة ما إعداد قائمة تضمّ 20 إلى 30 مهمة روتينية ومشاريع ذات أهمية جوهرية للشركة. وتُعتبر المهام الروتينية عمليات متكررة بطبيعتها، وقد تتراوح من عمليات يومية إلى عمليات ربع سنوية. في حين يكون للمشاريع بداية ونهاية محددة، مثل نشر نظام دعم جديد أو إطلاق خط خدمة جديد.

يُسفر جمع هذه البيانات عن تمكين فرق القيادة في الشركة من النظر في الأنشطة والمشاريع الجارية بشكل تفصيلي، وهو ما يجعل من الممكن تحديد الثغرات وحالات التكرار بشكل أسرع. على سبيل المثال، اكتشفت إحدى الشركات التي عملنا معها قيام المئات من موظفي عمليات البيع والتسويق العالمية بحضور مؤتمرات في سبيل بيع منتجات الشركة على الرغم من انخفاض معدلات نجاح هذا النهج. ولاحظت شركة أخرى قيام مندوب مبيعات لديها بإجراء زيارات متكررة إلى العميل نفسه نظراً لانعدام التنسيق بين فرق المبيعات. وكشف فريق قيادي آخر عن تنفيذ الشركة عدداً أكبر بنحو ثلاثة أضعاف من مشاريع تكنولوجيا المعلومات خلاف ما كان مدرجاً في الميزانية، وهكذا دواليك.

2. الجهد المطلوب. إن مساعدة فريق القيادة في فهم الجهد المطلوب لكل عملية روتينية ومشروع محدد بشكل أفضل يتطّلب من رؤساء الأقسام عقد ورشات مع مدرائهم بهدف مناقشة حجم العمل المعني وطبيعته.

وتتيح البيانات التشغيلية المقدمة من الموظفين لفرق القيادة إجراء تقييم دقيق على العمليات الروتينية وتحديد مقدار الدعم الذي قد تتطلّبه هذه العمليات. فقد يكتشف أحد فرق القيادة قيام العديد من الموظفين بتنفيذ مهام الدعم الأساسية نفسها بعد سلسلة من عمليات الاستحواذ، مثل مهام تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية والخدمات القانونية والمالية والعلاقات الحكومية. من جهة أخرى، قد توجد حاجة إلى تعيين مزيد من الموظفين لتولي مسؤوليات مهمة. على سبيل المثال، قد تضطر شركات بيع الأغذية والأدوية بالتجزئة إلى زيادة عدد الموظفين لتجهيز الطلبيات المقدمة عبر الإنترنت وتسليمها، لاسيما بعد أن ارتفعت مبيعات العديد من الشركات من 5% إلى 40% تقريباً أثناء الجائحة.

3. التركيز على الأولويات الاستراتيجية. يجب على رؤساء الأقسام أن يطلبوا من المدراء العمل مع الموظفين لتحديد العمليات الروتينية والمشاريع المحددة استناداً إلى الأولويات الاستراتيجية للشركة والأقسام التي يعملون فيها، ومن ثم تصنيفها إلى ثلاث فئات، ألا وهي الأعمال الروتينية والمشاريع "الأساسية"، وتلك التي تعتمد على "الظروف"، والأخرى التي يجب "إيقافها".

وتُعتبر الأعمال الروتينية والمشاريع الأساسية أهم الأولويات؛ وهي تمثّل القدرات التي قد ترغب الشركات في الاستثمار فيها بهدف أن تتفوّق على منافسيها وتحفّز النمو المستقبلي، مثل إجراء البحوث والتطوير في قطاع الأدوية، والتصميم في قطاع الأزياء، وتجربة العميل في قطاع البيع بالتجزئة، وإدارة النفقات الرأسمالية في القطاعات الثقيلة، مثل النقل والتصنيع.

على النقيض من ذلك، تُمثّل العمليات الروتينية القائمة على الظروف خدمات وأنشطة قياسية يمكن نزع الأولوية منها وإجراء تحسينات عليها لتصبح أكثر كفاءة، وذلك من خلال الاعتماد على نهج مشاركة الخدمات أو تطبيق الأتمتة على هذه الأنشطة. على سبيل المثال، اقترح مدير في إحدى شركات البيع بالتجزئة تخصيص فريق واحد تنطوي مهمته على أن يجوب العالم بحثاً عن توجهات الموضة الجديدة فيما يتعلق بأحذية الرجال وأحذية النساء والإكسسوارات، بدلاً من إرسال فريق منفصل لكل منتج. كما اقترح مسؤول توظيف في أحد أقسام الموارد البشرية استخدام روبوت الدردشة (شات بوت) للتعامل مع الأسئلة والإجابات الأساسية التي يُدلي بها المتقدمون للوظائف عبر الإنترنت، وهو ما يتيح للموظفين التركيز على إجراء المقابلات الشخصية وعمليات التعيين وتسريع وتيرة التعيين.

في المقابل، من الضروري إيقاف العمليات الروتينية الأخرى في حال كانت تضيف قيمة قليلة أو أصبحت غير ذات صلة باستراتيجية الشركة. على سبيل المثال، طلبت إحدى شركات البيع بالتجزئة من موظفي قسم الشؤون المالية التوقف عن إعداد معظم التقارير الإدارية وتعميمها. وهو إجراء وافق عليه معظم المدراء باستثناء قلة منهم الذين ارتأوا أن هذه التقارير كانت مفيدة على الرغم من أنها استهلكت معظم وقت الفريق وجهده. كما حددت إحدى شركات الأدوية خطوط المنتجات غير المربحة التي يمكن إيقافها، وهو ما وفّر حوالي 40% من وقت فريق البحث لتطوير منتجات جديدة.

4. أفكار جديدة لنموذج التشغيل. يجب على فرق القيادة بعد ذلك تمكين رؤساء الأقسام من العمل مع المدراء والموظفين للبدء في إعادة تصميم عمليات الشركة من خلال تحديد القدرات التي يجب تعزيزها حتى تتمكن الشركة من التعافي والنمو. وينبغي على المدراء اتباع نهج التعهيد الجماعي على كل من البيانات التشغيلية التي يحتاجون إليها لخلق كفاءات جديدة، وعلى الأفكار المبتكرة الرامية إلى إعادة ابتكار عملياتهم وعروضهم المستقبلية على حد سواء.

إن تضمين هذه البيانات المستخلصة من الموظفين يمكّن فرق القيادة من تحقيق رؤىً أكثر طموحاً، ذلك أنهم سيمتلكون وفورات كبيرة ومواهب متخصصة لتنفيذ خططهم. وسيكون تجار التجزئة قادرين على تركيز اهتماماتهم وتقديم تجارب تسوّق أكثر تفاعلية عبر الإنترنت باستخدام "مرايا سحرية" تتيح للزبائن تجربة الأحذية أو الملابس بشكل افتراضي، إضافة إلى شاشات لمس تحدد لهم مكان المتجر الذي فيه تفضيلاتهم من المنتجات. كما يمكن لمحال البقالة وشركات بيع الأدوية بالتجزئة الاستثمار في الشبكات الرقمية التي تتيح لهم إعادة نشر قوة العمل الخاصة بهم عن طريق تلقّي تنبيهات عند وجود فرص عمل شاغرة في أحد المتاجر أو الفروع أو مستودعات التخزين. ويمكن لشركات النقل إعادة تخصيص مواردها النادرة بغية تطوير وسائل أكثر فاعلية لتوصيل الطرود من مستودعاتها إلى منازل الزبائن. وبالمثل، يمكن لشركات الأدوية ضمان مستقبل أكثر إشراقاً من خلال تطوير منتجات وخدمات جديدة بوتيرة أسرع، وجعل اللقاحات أو العلاجات الجديدة متاحة للجميع.

باختصار، تُعتبر البيانات المقدمة من قبل المدراء والموظفين والرامية إلى إعادة تصميم الشركات أداة مهمة في مساعدة فرق القيادة على اتخاذ قرارات أفضل خاصة فيما يتعلق باتخاذ قرارات خفض التكاليف تحديداً، وتمكينها من تحسين عملياتها، والحفاظ على اندماج قوة عملها وبثّ الحافز فيها لتحسين هذه العمليات باستمرار.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي