إليكم هذه القصة التي تتحدث عن دور البيانات في اتخاذ القرار.
كانت ماريا، وهي مديرة تنفيذية للخدمات المالية، تحدق في دعوة أخرى على أجندتها في برنامج "آوت لوك"، وهي تفكر بتلك الساعات الثلاث التي ستذهب هدراً من يومها بسبب هذه الدعوة. وكلما كانت تطرأ مشكلة معقّدة، فإن الجواب التلقائي المباشر من مديرها هو: "اجمعي المزيد من البيانات!". كانت ماريا تتفهم المنهج التحليلي الذي يتبعه مديرها، ولكن مع تراكم الاستبيانات والتقارير والإحصاءات اتضح أن فريق العمل قد بات عالقاً في حالة من الشلل التحليلي. على الرغم من اللقاءات العديدة وفرق المهام الخاصة وجلسات العصف الذهني وورش العمل المخصصة لحل أي قضية طارئة، فإن الفريق كان يصل في أغلب الأحيان إلى الحلول نفسها - وهي عادة ما تكون حلولاً مدوّرة استخدمت مع مشكلات سابقة. فكيف يمكن لماريا الاستفادة من دور قواعد البيانات في صناعة القرار خلال عملها؟
اقرأ أيضاً: كيف نجعل البيانات تحسن عملية الإدماج الرقمي؟
في أثناء إجراء البحوث الخاصة لكتابنا "توقف عن الإنفاق وابدأ الإدارة" (Stop Spending and Start Management)، سألنا 82 مديراً تنفيذياً عن مقدار الهدر الذي تكبدته شركاتهم بسبب عمليات التحليل التي تجري يومياً في أثناء محاولة الاستفادة من دور المعلومات في اتخاذ القرار، وكان معدل الأرقام التي ذكروها هي 7,731 دولاراً في اليوم، أي 2,822,117 دولاراً في السنة! وعلى الرغم من مقدار البيانات المتوفرة الكبير، فإن الناس عادة ما يجدون صعوبة بالغة في استغلالها في حلول فعالة للمشكلات التي يواجهونها، بل ويقعون ضحية لما أسماه جيم مارش وزملاؤه عملية صنع القرارات في "سلة المهملات": حيث يدور الأشخاص والمشاكل والحلول الممكنة كأنهم في "سلة مهملات" وينتهي بهم الأمر بالاتفاق على الحل الذي يظهر أولاً في أعلاها. بعبارة أخرى، لا تكمن المشكلة في نقص البيانات داخل سلة المهملات المجازية هذه، بل إن الكمية الهائلة من البيانات تجعل المدراء غير قادرين على تحديد المهم ومنحه الأولوية. وما يحصل في النهاية هو أنهم يضطرون لاستصلاح بيانات اعتباطياًـ لاستخدامها في مواجهة مشاكل جديدة ويتوصلون إلى حل ضعيف فقط.
كيفية الاستفادة من دور البيانات في اتخاذ القرار
وللخروج من هذه الدائرة المفرغة، يحتاج المدراء وموظفوهم إلى التفكير بعناية واستراتيجية أكبر في المعلومات التي تلزمهم لحل المشكلات التي يواجهونها بخصوص كيفية استخدامها في عملية صنع القرارات والإجراءات التي يتخذونها. وننصح باتباع منهجية "دايت" (DIET) للتعامل مع البيانات، وهي طريقة من 4 خطوات للتفكير الدقيق تساعد في تحويل البيانات إلى معرفة وحكمة.
الخطوة 1: افهم المشكلة من أجل تحديد دور البيانات في اتخاذ القرار
حين يبدأ فريق العمل والأفراد بالتفكير بمشكلة ما، فإنهم عادة ما يقفزون مباشرة لاقتراح حلول ممكنة. وهذا هو أساس جلسات العصف الذهني. ولكن على الرغم من التفاؤل الواضح لحل المشكلة، يميل الناس عادة إلى الالتزام بمنهجيات مألوفة بدل التمهل قليلاً لفهم المعالم الدقيقة للمشكلة.
عليك أن تمتلك بداية ذهنية "تحديد المشكلة" من أجل الاستفادة من دور المعلومات في اتخاذ القرار، بحيث تتجنب القطع بتعريف المشكلة من أجل السماح للآخرين بالنظر إليها من زوايا مختلفة، بحيث تنكشف الافتراضات غير الظاهرة وتبرز أسئلة جديدة قبل الشروع بعملية البحث عن البيانات. حاول مع فريقك التفكير في الأسئلة الحساسة بخصوص المشكلة من أجل اكتساب وعي كامل بمستوى التعقيد المحيط بها واطرح عليهم أسئلة من قبيل: كيف تنظرون إلى المشكلة؟ ما أسبابها؟ ما الافتراضات التي لديكم بخصوصها؟ كما يمكن أيضاً الكتابة عن المشكلة (دون اقتراح الحلول) من زوايا نظر مختلفة -للعميل والمزود والجهة المنافسة مثلاً- وذلك في محاولة للنظر إلى الوضع بطرق جديدة.
اقرأ أيضاً: كيف ساعدت البيانات الصغيرة إحدى الشركات في تحاشي وقوع الكارثة؟
وبمجرد أن تمتلك رؤية أفضل للمشكلة، يمكنك بدء عملية منهجية للبحث عن البيانات. تجنب حالات التأخر في اتخاذ القرارات وذلك بجعل طلبات البيانات خاضعة للمعادلة الشرطية "لو-إذاً". واطرح على نفسك هذا السؤال البسيط: لو جمعت البيانات، إذاً كيف سيتغيّر قراري؟ إذا اتضح أن هذه البيانات لا تساعد في تغيير القرار، فإنك لست بحاجة إذاً إلى البحث عن المزيد منها.
الخطوة 2: حقق التكامل
بعد أن تحدد المشكلة والبيانات اللازمة لحلها، يجب عليك استخدام المعلومات التي لديك بطريقة فعالة من أجل الاستفادة من دور قواعد البيانات في صناعة القرار. في المثال السابق، كانت ماريا منزعجة من استمرار الفريق في جمع المزيد من قطع الأحجية، لم يقضوا الوقت المماثل في معرفة كيفية جمعها. إن أفكارهم اللاواعية أو افتراضاتهم المسبقة حول المشاكل هي التي توجه سلوكهم، والتي تجعلهم يعودون إلى الروتين العقيم مراراً: اجمع البيانات، اعقد اجتماعات، ضع استراتيجية، تابع التقدم. ولكن هذه عملية صنع قرار في "سلة مهملات". لضمان عدم تجميع قطع الأحجية اعتباطاً عليك أن تكون قادراً على النظر إلى البيانات بطريقة مختلفة.
اقرأ أيضاً: كيف تقدم بياناتك بطريقة احترافية؟
تتيح لك النظرة التكاملية فهم كيفية تناسب البيانات مع مشكلتك، مما يساعدك في تجاوز الافتراضات المسبقة وغير الواعية التي لديك. أنشئ مع فريق عملك الرسم البياني المعروف باسم "كي جي" (نسبة إلى المؤلف الذي ابتكره كاواكيتا جيرو) من أجل تصنيف الحقائق وفق علاقات سببية. اكتب المعلومات على بطاقات ثم صنفها وفق علاقات يمكن ملاحظتها -كأن ترتبط بزيادة في أعداد العملاء بعد مبادرة ناجحة أو تراجع في المبيعات بسبب تأخر في مشروع أو أي نقاط أخرى قد تشير إلى أمور مترابطة أو علاقات سببية. ويمكن من خلال ذلك إنشاء نموذج بصري للأنماط التي تشكلت وتحديد العلاقات الموجودة في البيانات.
الخطوة 3: الاستكشاف
في هذه المرحلة من العملية، سيكون لديك بعض الأفكار أو الحلول المبدئية بناء على أشكال "كي جي" البيانيّة التي رسمتها، وقد حان الوقت الآن لتطويرها. ومن أجل تسهيل عملية الاستكشاف التعاوني، يمكن الاعتماد على أحد أنشطتنا المفضلة (والذي يستخدم عادة في المعاهد الفنية) وهو معروف باسم "لعبة التمرير". عيّن بعض الأفكار لكل عضو من أعضاء الفريق وامنح كل فرد 5 دقائق لتطويرها من خلال الرسم أو الكتابة بصمت. ثم اطلب منه تمرير ما أنجزه لزميله حتى يتمكن بدوره من مواصلة تطوير الفكرة وإتمام ما بدأه زميله الأول.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة مناقشة المنتج التعاوني. سيشعر أعضاء الفريق هنا بإحساس التنازل عن "ملكية" الفكرة وكيف يكون الأمر حين تعدّل على أعمال الآخرين ويعدّل الآخرون على عملك. كما سيكتشفون تلك الافتراضات الكامنة بخصوص التعاون. إن وجهة النظر الجديدة التي ظهرت لديهم ترغمهم على التعامل مع توجهات لم يختارونها بأنفسهم ولا كان بوسعهم التفكير بها بمفردهم. يمكنك بالطبع إضافة تمريرات متسلسلة متعددة (كما هو الحال في لعبة الهاتف) لتوضيح التطور غير المتوقع للفكرة حين يتعاون ثلاثة أو أربعة من الزملاء في تطويرها. وبعد أن تتيح للموظفين هذه المساحة من الاستكشاف تناقش معهم حول أكثر السبل جدوى من بين ما توصلوا إليه.
الخطوة 4: الاختبار
يتطلب هذا الجانب الأخير أن يستخدم أعضاء الفريق قدراتهم في التفكير النقدي من أجل النظر في جدوى الحل المقترح وتصحيح أي تجاوز. ضع الاختبارات لمعرفة ما إذا كانت الخطة التي وضعتها ستنجح. استفسر على سبيل المثال، عن الظروف التي قد تؤدي إلى فشل الحل الذي وضعته. اختر بعض الاختبارات النقدية وجربها. كثيراً ما يبالغ الناس بجمع البيانات التي تدعم اختياراتهم، ولكنهم يقصّرون في جمع البيانات التي تثبت العكس. وحين تُجري اختباراً واحداً على الأقل لمواجهة تحيّز الإثبات (confirmation bias)، ستتمكن من رؤية ما يلزمك رؤيته حتى لو كنت تود تجنبه.
لا يمكن تجنب اتخاذ القرارات غير الفعالة من خلال تجاهل البيانات تماماً وعدم الانتباه إلى دور البيانات في اتخاذ القرار. سيساعدك التفكير الاستراتيجي بخصوص ما تحتاج من بيانات على تحقيق الفائدة من أقل قدر من البيانات- فتحسين البيانات كماً ونوعاً ودمجها وتوسيعها وفحصها سيتيح لك تحويلها إلى معرفة وحكمة. إن تطبيق هذه العمليات الذهنية التي ناقشناها في الفقرات السابقة سيساعد على كبح رغبتك في المزيد من البيانات وزيادة قدرتك على الاستفادة أكثر من تلك التي بحوزتك.
اقرأ أيضاً: كيف تشجع فريق عملك لمحو الأمية تجاه البيانات؟