تختلف لغة الجسد بشكل كبير بين ثقافة وأخرى. فما قد يُرفض بوصفه تعبيراً عن الوقاحة أو الغباء في دولة أوروبية قد يلقى الترحيب بوصفه تعبيراً عن الدفء واللطف في دولة أفريقية. وما قد ينظر إليه رجل الأعمال الكندي بوصفه تكبراً، قد يراه التنفيذي الأميركي مؤشراً على الثقة الصحية بالنفس.
ولكن ما يبقى ثابتاً عبر جميع الثقافات المعروفة هي التعابير الدقيقة. فهذه الومضات القصيرة اللاإرادية من تعابير الوجه تظهر مشاعرنا الحقيقية حيال الشخص الآخر أو الحالة التي نجد أنفسنا فيها.
قد يحاول الناس إخفاء هذه التعابير أو تشويشها بأساليب وطرق عدة تبعاً للثقافة التي ينتمون إليها، لكن التعابير والأحاسيس الحقيقية تبقى على الدوام مرئية وواضحة بالنسبة لعين المتمرس الخبير. لننظر على سبيل المثال إلى التناقض الكبير في درجة التعبير عن المشاعر لدى كل من الشعب الفيليبيني والشعب الياباني. فإظهار المشاعر في الفيليبين – سواء أكانت إيجابية أم سلبية – يعد مؤشراً على الانفتاح والصراحة؛ في حين أن العكس هو الصحيح في اليابان، حيث ينظر إلى إظهار المشاعر السلبية بوصفه تعبيراً عن الوقاحة والعدائية، كما ينظر إلى إظهار الكثير من المشاعر الإيجابية بوصفه أمراً غير لائق. غير أننا عندما نقيّم أناساً من البلدين من حيث تعابيرهم الدقيقة، نجد أنهم يعبّرون عن مشاعرهم بنفس السوية والتواتر والشدة إلى حد ما. والفارق الوحيد يتمثل في أن اليابانيين يحاولون عن قصد إخفاء مشاعرهم، من خلال الابتسام في كثير من الأحيان، بينما يظهر الفيليبينيون مشاعرهم لكل العالم دون تحفظ.
ويمكن الاستفادة من القدرة على قراءة التعابير الدقيقة في أي مكان – وكنا قد رأينا أن موظفي البيع الذين يمتلكون هذه القدرة يحققون نتائج أفضل – بيد أنها مفيدة بشكل خاص في الثقافات المنغلقة على نفسها، حيث يبذل الناس جهوداً كبيرة للتحكم بالإشارات والتعابير الجسدية التي يرسلونها.
إليكم مثال آخر: قبل عدة سنوات قمنا، زوجي وأنا، برحلة إلى إحدى الدول العربية للإشراف على ورشة عمل خاصة بلغة الجسد شارك فيها 200 مدير موارد بشرية. ومنذ اللحظات الأولى اكتشفنا أن التقاليد الثقافية السائدة كانت تشكل عقبة في طريق معرفة رأي الجمهور فيما نقدمه لهم. فلقد كانت أجساد النساء مستورة بشكل كامل الأمر الذي منعنا من رؤية وقفتهن وإيماءاتهن. وعندما كنت واقفة على المنصة مع زوجي كان جميع الرجال ينظرون إليه حصرياً وجميع النساء ينظرن إليّ حصرياً. ولكننا استطعنا أن نقرأ التعابير الدقيقة المرسومة على وجوه الجمهور. لقد كنا نعرف من مقاطع الفيديو المتوفرة لدينا حول العرب أنّ ومضات المشاعر التي ترتسم على وجوههم إنما تعكس نفس العواطف التي قد نجدها لدى الجمهور في أي مكان آخر من العالم. وهكذا استطعنا تعديل ما نعرضه ومواءمته مع تلك التعابير التي كنا نقرأها على وجوه الجمهور، حتى إننا شعرنا بالارتياح وكأننا في بيتنا.
ومع أنّ التعرف على التعابير الدقيقة وتفسيرها قد يتطلب بعض الخبرة والتمرس، بيد أنّ هنالك عدة أمور يمكنك البدء بها مباشرة لتحسين مهاراتك في قراءة وجوه الناس.
أولاً، ادرس صور التعابير الدقيقة المعروفة أعلاه بحيث تتعرف على السمات المميزة لكل منها. فالاشمئزاز على سبيل المثال يتضمن انخفاض الشفتين نحو الأسفل، في حين قد يتبدى الاحتقار من خلال رفع إحدى جهتي الفم نحو الأعلى عن غير قصد. وقد تبدو المفاجأة والخوف متشابهين غير أنّ الشعور بالخوف يدفع الشخص إلى تقطيب حاجبيه.
ثانياً، إذا كنت تعلم أنك على وشك زيارة أو التعامل مع شخص من ثقافة أخرى، بادر إلى تثقيف نفسك حول لغة الجسد السائدة في تلك الثقافة – بما في ذلك تقنيات إخفاء المشاعر. ولك في محرك البحث يوتيوب أداة مساعدة عظيمة: اختر مقاطع فيديو لـ 10 مدراء تنفيذيين من تلك الثقافة وشاهد كيف يعبرون عن أنفسهم.
ثالثاً، انتبه جيداً أثناء اللقاء. فلا يمكنك تفسير التعابير الدقيقة إذا لم تلتقطها. لا تثير عدم ارتياح الشخص المقابل من خلال التفرس في وجهه وملاحقته بنظراتك المفضوحة؛ ولكن لا تترك وجهه يغيب عن انتباهك.
رابعاً، حاول الإصغاء إلى حدسك الداخلي. عندما تلحظ أصغر حركة في وجه الشخص المقابل، اسأل نفسك: "ما هو المعنى المحتمل لتلك الحركة؟". الناس ميالون بطبيعتهم لأن يكتشفوا في اللاوعي حتى أدق الومضات الشعورية لدى الآخرين. ولذلك فإنّ حدسك الغريزي قد يفيدك في كثير من الأحيان.
بمقدورك أيضاً أن تقلد تلك الحركة بنفسك. فعندما تكرر ما شاهدته – سواء أكان ذلك رفعاً سريعاً للحاجب أم زماً للشفاه – فإنّ ذلك لا يعطيك فقط المزيد من الوقت للتفكير، بل إنه يحث أيضاً العصبونات المرآتية في دماغك على العمل، الأمر الذي يسهّل عليك ربط هذه الحركة التي رأيتها للتو بالشعور المناسب الذي تعبّر عنه والمخزن في دماغك.
وإذا كنت لا تزال حائراً، ابدأ بإقصاء بعض المشاعر. فبالاعتماد على المشاعر المعروفة المذكورة أعلاه، يجب أن يكون من السهل عليك تحديد ما لا ينطبق على تعابير الوجه الذي تقابله. فإذا كان حاجبا ذلك الوجه ينخفضان إلى أسفل، يمكنك إقصاء مشاعر المفاجأة أو الخوف أو الحزن – فجميعها مرتبطة بارتفاع الحاجبين نحو الأعلى –وتابع انطلاقاً من تلك النقطة.
إذا كنت تقدم عرضاً أمام مجموعة كبيرة من الناس، كما كنا نفعل نحن في العالم العربي، قُم بإجراء مسح للجمهور بعينيك بحثاً عن أي تعابير دقيقة تبلغك بمدى رضا الجمهور. ولا تركز اهتمامك على نظرة سلبية واحدة؛ بل حاول استشعار وتمييز مشاعر الغالبية.
قد ترتبط لغة الجسد بالثقافة التي ينتمي إليها الفرد، غير أن المشاعر ذاتها تبقى مشتركة بين كل الناس. وتكشف التعابير الدقيقة المشاعر الحقيقية للإنسان في أجزاء من الثانية، ولذلك من المجدي ملاحظتها ومعايرة سلوكك بما يتفق معها أثناء تواصلك مع أناس من ثقافات مختلفة عن ثقافتك.