هل يجب عليك قبول وظيفة ذات مستوى أدنى بعد الانقطاع الوظيفي؟

6 دقائق

يمثّل التفكير في مستوى الوظيفة المناسب بعد فترة الانقطاع الوظيفي معضلة في عالم العودة إلى العمل.
فقد يخشى المهنيون العائدون إلى العمل أنهم يقللون من قيمة أنفسهم عندما يشغلون مناصب ذات مستوى أدنى من المناصب التي شغلوها قبل الانقطاع الوظيفي. وقد يشعر أصحاب العمل بالحيرة من العائدين إلى العمل الذي يتقدمون بطلبات لشغل مناصب ذات مستويات أدنى بالنظر إلى مؤهلاتهم العالية. في المقابل، يعتقد بعض المهنيين العائدين إلى العمل أن عليهم شغل مناصب ذات مستويات أعلى مما يعتبره أصحاب العمل شاغراً أو مناسباً.

كانت سو دوديك تشغل منصب مديرة المحافظ الاستثمارية، وواحدة من أهم النساء البارزات في مركز "سانفورد بيرنشتاين" (Sanford C. Bernstein) قبل انقطاعها الوظيفي لمدة 12 عاماً. ثم عادت إلى العمل وشغلت منصباً ذا مستوى أدنى بوصفها نائبة الرئيس بعد إكمال برنامج العودة إلى العمل الذي نظّمته مؤسسة "جيه بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) بنجاح. وترقّت على مدى السنوات الخمس المقبلة إلى منصب رئيسة الأسهم في مجموعة المواهب والمؤسسات التابعة إلى الشركة، وتركت العمل في الشركة مؤخراً للانضمام إلى زميل سابق يدير مؤسسة عائلية. وتقول: "لا بد لك من الاتسام بالتواضع عند العودة إلى العمل. لقد قضيت 12 عاماً مع عائلتي، بالإضافة إلى أنني شهدت حدث الانهيار المالي الذي حصل عام 2008، وبالتالي، كان من الصعب بالنسبة إلي التخطيط إلى مستقبل مجهول". عندما حصلت دوديك على وظيفة بعد برنامج العودة إلى العمل الذي دام ثلاثة أشهر، أدركت أن مساعدتها الإدارية السابقة في شركة "سانفورد بيرنشتاين"، تعمل اليوم مديرة إدارية في مؤسسة "جيه بي مورغان تشيس" بعد أن حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو ما يعني أن مساعدتها الإدارية تفوقت عليها. وتضيف دوديك: "قد يزعج هذا الموقف بعض الأفراد، إلا أنني لم أنزعج على الإطلاق، بل جل ما أردته هو أن أعمل مع أشخاص أستمتع في العمل معهم، وأن أمارس العمل الذي يُشعرني بالسعادة".

قد يبدو التركيز على "الحصول على عمل" منطقياً. حيث تقول ميشيل فريدمان، مؤسسة شركة "أدفوكيتينغ ومينز كاريرز" (Advancing Women’s Careers) وخبيرة في المسارات المهنية للنساء: "يُعتبر المنصب الأول غاية في الأهمية لأنه يزيل الفجوة. قد لا يفكر العائدون إلى العمل في الأمر على هذا النحو عند التفاوض على المستوى والمطالبة بالتعويض عن وظيفتهم الأولى، لكن يوجد قيمة مضافة كبيرة في الواقع تتمثّل في أنهم تمكنوا من الحصول على عمل اليوم وليسوا منقطعين عنه. وينطوي جزء مهم من التعويض في إتمامهم برنامج رسمي للعودة إلى العمل الذي يتيح لهم الحصول على التدريب والتطوير المهني والإرشاد. ومن الضروري أن يأخذ العائدون إلى العمل هذا الأمر بعين الاعتبار، خاصة عندما ينتابهم القلق أو الشك من أنهم يقللون من قيمة أنفسهم بطريقة أو بأخرى. ويمكنهم طلب إعادة النظر في مستواهم ومقدار التعويض في وقت محدد في المستقبل كجزء من مفاوضاتهم".

يوجد نوعان من برامج "العودة" إلى العمل، ألا وهما البرامج القائمة على المشاريع، كما هو موضح أعلاه والتي تتضح أيضاً من تجربة سو دوديك، والبرامج القائمة على أساس المنصب. يتشابه كلا البرنامجين في الأسلوب من حيث توفير التدريب الداخلي على المستوى الجامعي، وتقديم الدعم المدمج المتمثل في المرشدين والأصدقاء وجلسات التطوير المهني، وإتاحة فرص الالتقاء بكبار المدراء، وتقديم برامج التأهيل وإعداد الموظفين المنظمة. وفي البرامج القائمة على أساس المنصب، يقبل كل مشارك شغل منصب شاغر فعلياً، على سبيل المثال، مدير البرنامج أو مهندس العمليات، أو أخصائي حسابات سلسلة التوريد، وما إلى ذلك. ويكونون خلال الأسابيع 12 أو 16 الأولى من عملهم في هذا المنصب جزءاً من برنامج العودة إلى العمل، وهو ما يعني أنهم اكتسبوا دعماً ذاتياً متمثّلاً في المرشدين، وبرامج التأهيل المنظمة وبرامج إعداد الموظفين الجدد، وحصلوا على فرصة لقاء كبار المدراء، وقد تطول مدة التدريب بناء على طبيعة البرنامج. وقد تكون مستويات المشاركين مختلفة في البرامج القائمة على أساس المنصب. وفي حال نجاح المشارك عند انتهاء البرنامج الذي قد يدوم عدة أشهر، يتابع عمله في نفس المنصب والمستوى، وينتقل من وضع المتدرب إلى وضع الموظف. ويمكنه في هذه المرحلة طلب إجراء تعديل على مقدار التعويض، وهذا يتوقف على الأداء والإمكانات المثبتة خلال برنامج العودة، وخاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يستأنفون العمل بعد فترات طويلة من الانقطاع الوظيفي. ومن أبرز الأمثلة على برامج العودة إلى العمل القائمة على أساس المنصب برنامج "إعادة التمكين" التابع إلى شركة "يونايتد تكنولوجيز" (UTC) وبرنامج "إعادة التحفيز" التابع إلى شركة "جونسون آند جونسون" وبرنامج "العودة إلى العمل" التابع إلى شركة "آي بي إم" وبرنامج "استئناف المسار المهني" التابع إلى شركة "ماستركارد".

لا يوجد غموض بشأن نوع اللقب والمستوى الذي قد يشغله المشارك في برامج العودة القائمة على أساس المنصب.  إذ يتقدم المرشحون العائدون إلى العمل إلى المناصب المناسبة لهم، ويختار صاحب العمل المرشح الذي يعتقد أنه الأنسب لهذا المنصب. ويعود سبب شعبية البرامج القائمة على أساس المنصب إلى إمكانية التنبؤ بمناصب جميع المشاركين، إذ لن يواجه أصحاب العمل صعوبة في تحديد المجالات التي يبرع بها المرشحون خلال فترة التدريب التي تدوم ستة أشهر أو أكثر من وقت فتح باب التقدم، ويعرف المشاركون منذ البداية الدور الذي سيحصلون عليه.

ونظراً إلى أن المشاركين يعاودون العمل بعد انقطاع وظيفي يمتد من عام إلى أكثر من 20 عاماً، وإلى الحد الذي يرى فيه صاحب العمل قرار توظيفهم أنه محفوف بالمخاطر، تخفض فترة الاختبار تلك المخاطرة المتصورة، بالإضافة إلى أنها تتيح لصاحب العمل اتخاذ قرار التوظيف على أساس تجربة عمل حقيقية بدلاً من سلسلة من المقابلات.

وبالنسبة إلى العائدين للعمل الذين لم يخضعوا إلى أي برنامج رسمي للعودة إلى العمل، فقد يحصلون على أي منصب شاغر يقرره مدير الشركة. عاودت كاي كيلش ماتوكس، المنتجة السابقة لقناة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) العمل بعد قضاء 13 عاماً من الانقطاع الوظيفي، وشغلت بداية منصب منتجة مساعدة لصالح قناة "أرايز تي في" (ARISE TV)، وهي شركة إعلامية تُبث في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، ومن ثم محررة أخبار لوكالة الأخبار البريطانية "ساوث ويست نيوز سيرفس (إس دبليو إن إس)" (Southwest News Service). وفي النهاية، شغلت منصب منتجة تحريرية في قناة "سي إن إن" (CNN). وتقول: "لقد استغرق الأمر وقتاً طويلاً لأعود أدراجي، إلى درجة أنني اضطررت إلى كبت كبريائي والاستغناء عن فكرة العودة إلى المستوى الذي شغلته سابقاً. كان يجب علي وضع القارب وسط المحيط ومن ثم توجيهه وأنا في عمر الخمسين تقريباً. لطالما فكرت في سبيل العودة إلى هذا المجال الفتي بعد أن قضيت فترة انقطاع وظيفي دامت 13 عاماً. وعندما عدت إلى العمل في شبكة "سي إن إن"، كانت الوظيفة تتطلب ثلاث سنوات من الخبرة فقط، في حين كنت أمتلك ما يقرب من 30 عاماً من الخبرة".

كما استأنفت تريسي شابيرو العمل في منصب منسقة مالية مؤقتة في عام 2011 في المقر الرئيس لشركة "ليندت آند سبرونغلي" (Lindt & Sprugli) في مدينة إكستر في نيو هامبشاير في الولايات المتحدة بعد قضاء 13 عاماً من الانقطاع الوظيفي. لقد فاق أداؤها في المنصب المؤقت كل التوقعات وحصلت على الوظيفة تبعاً لذلك. وحصلت على ثماني ترقيات على مدار السنوات السبع منذ بدء عملها، وتشغل اليوم منصب مراقبة مالية. وتقول: "لقد شغلت كل المناصب التي يؤديها كل فرد من أفراد فريقي، وهو ما منحني الكثير من المصداقية في التعامل معهم، حيث أعرف بالضبط المهمات التي يجب تفويضها لكل فرد منهم، وهم يعرفون ذلك أيضاً".

كما حصلت إحدى المسؤولات عن توظيف العاملين في الشركات على عملها أيضاً بعد فترة من الانقطاع الوظيفي، وهي توظّف اليوم العائدين إلى العمل في برنامج العودة إلى العمل التابع إلى شركتها. وتقول أن بعض المشاركين كانوا مترددين في قبول مناصب أدنى من المستوى الذي شغلوه قبل سنوات. ولاحظت إبداء بعض المرشحين قدراً من الاستحقاق إزاء حصولهم على مناصب منخفضة المستوى. وتريد أن يفهم العائدون إلى العمل أنهم قد يضطرون إلى بدء العمل بمستوى أقل بعد فترة انقطاعهم الوظيفي. وقد خاضت هي التجربة ذاتها عندما عاودت الانضمام إلى القوة العاملة، لكنها حصلت على ترقية في وقت قصير نتيجة خبرتها السابقة. لقد عادت إلى العمل قبل ثلاث سنوات فقط، وهي تشغل الآن منصباً أعلى من المنصب الذي شغلته قبل فترة الانقطاع الوظيفي.

وتقول فريدمان مؤسسة شركة "أدفوكيتينغ ومينز كاريرز": "أن الوظيفة الأولى هي وظيفة مؤقتة، إنها مجرد بداية لفترة ما بعد الانقطاع الوظيفي لشخص ما، وعلى الرغم من ضرورة أن يشعر الموظف أن المستوى والراتب منطقيان ومنصفان، إلا أن التفكير في المنصب التالي ينطوي على القدر نفسه من الأهمية".

وتبقى قضية المستوى الذي سيشغله العائدون إلى العمل بعد فترة الانقطاع الوظيفي تمثّل مشكلة حساسة. فمن وجهة نظر العائد إلى العمل، لا يفقد أصحاب الأداء المتميز قدراتهم لمجرد انقطاعهم الوظيفي عن العمل فترة من الزمن. ومع تطور برامج العودة إلى العمل الرسمية وتقدمها، ووجود المزيد من العائدين الناجحين إلى العمل ضمن أصحاب العمل أنفسهم، سيوجد المزيد من نقاط البيانات التي تمكننا من الربط بين المستوى الوظيفي عند العودة إلى العمل وبين خبرة العمل السابقة والخبرات التعليمية في الماضي والحاضر والخبرات ذات الصلة خلال فترة الانقطاع الوظيفي، وطول فترة هذا الانقطاع.

وعلى المدى الطويل، نظراً إلى أن نهج العودة إلى العمل بعد إجازة مطولة أصبح مساراً مهنياً شائعاً، ينبغي أن تتقارب توقعات أصحاب العمل والعائدين إلى العمل بشأن المستوى "المناسب".

إفصاحات: تعتبر كل شركات من "جونسون أند جونسون" و"جيه بي مورغان تشيس" و"يونايتد تكنولوجيز" و"مورغان ستانلي" و"ماستر كارد" من عملاء شركة آي ريلونش" (iRelaunch). وتشغل ميشيل فريدمان منصب مستشارة خاصة لدى شركة "آي ريلونش". في حين أن كاي كيلش ماتوكس عضواً في المجلس الاستشاري شركة لآي ريلونش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي