تعرف على القانون الجديد لحوكمة الشركات العائلية في دبي

5 دقائق
القانون رقم (9) لعام 2020 بشأن قضايا حوكمة الشركات العائلية في دبي
shutterstock.com/Drawlab19

لأول مرة في العالم، توضع للشركات العائلية قواعد وتشريعات رسمية لضبط حوكمتها وضمان سلاسة الانتقال بين أجيالها والحفاظ على ثروتها. فقد أصدرت حكومة دبي في 13 أغسطس/آب من العام الحالي القانون رقم 9/2020 بشأن تنظيم الملكية العائلية ونشرته لاحقاً في الجريدة الرسمية رقم 483 بتاريخ 19 أغسطس/آب 2020، وتزداد أهمية هذا القانون في هذه المنطقة التي تشكل فيها الشركات العائلية أحد الأركان الرئيسية لاقتصادات المنطقة، ويأتي صدور مثل هذا التشريع إقراراً بأن الشركات العائلية لن تُترك رهن الظروف والتفاهمات الأسرية أو العائلية، فهي أكبر من أن تقف بلا رواسي تستند إليها ومعايير تحمي كياناتها. ويهدف هذا القانون الجديد إلى تنظيم الملكية العائلية على النحو التالي:

1- تعزيز الحفاظ على الثروة الجماعية للعائلة واستدامتها وإمكانية توسعها.

2- توثيق وحدة العائلة والتماسك بين أفرادها.

3- ضمان الانتقال السلس للشركة العائلية إلى الجيل التالي.

تُعتبر هذه الخطوة بالتأكيد تدخلاً غير مسبوق في عالم "قانون الشركات العائلية" واعترافاً صريحاً بالمساهمة الكبيرة التي تقدمها الشركات العائلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدولة الإمارات العربية المتحدة بصورة عامة.

نص قانون تنظيم الملكية العائلية

تُعرِّف المادة 2 من قانون دبي رقم 9/2020 عقد الملكية العائلية على أنه "اتفاق مبرم بين أفراد العائلة الذين تجمعهم وحدة العمل أو المصلحة، ويتم بموجبه تنظيم الملكية العائلية بوصفها ملكية مشتركة بينهم وتحديد كيفية إدارة تلك الملكية". إضافة إلى ذلك، تُعرّف "الملكية العائلية" في سياق القانون نفسه على أنها "ممتلكات منقولة وغير منقولة مملوكة للعائلة والتي هي موضوع عقد الملكية العائلية". ولتسهيل الإشارة إلى ذلك المفهوم، سنعتمد مصطلح الشركة العائلية في هذه المقالة.

على الرغم من أن الشركات العائلية تُعْرف على أنها نموذج أعمال بحد ذاته وتعتبر قانوناً على مستوى العالم، يعمل العلماء والخبراء القانونيون عادة وفق نموذج التعاقد الخاص بقانون الأعمال، والذي ينص على أن كل شركة هي شبكة من العقود بين مجموعة من الجهات المعنية المتسمة بالحصافة الاقتصادية. لذلك، عندما يتعلق الأمر بالشركات العائلية، غالباً ما تُغفل الطبيعة "الغامضة" لعنصر العائلة أو ترفض أو حتى تعتبر مجالاً لا يمكن تنظيمه من الناحية القانونية.

في بيئة الشركات العائلية نظام معقد يقوم على التفاعل ما بين أفراد العائلة، وتفاعل أفراد العائلة بصورة فردية وجماعية مع مع رأس المال التجاري والعائلي بجميع أشكاله، وتنبثق من هذا النظام تداعيات مهمة بالنسبة للأداء الاقتصادي العام للشركة واستدامتها. وبالتالي، ليست الشركة العائلية مجرد علاقة قائمة على عقود تجارية أو علاقة قائمة بين "أصحاب المصلحة'' (مثل نظرائها من الشركات غير العائلية)، وإنما هي حصيلة جميع الصفقات المبرمة بين أصحاب المصلحة الذين يمتلكون تأثيراً على هذه الشركة العائلية، لاسيما تفاعل أفراد العائلة بين بعضهم البعض وتفاعلهم مع "الآخرين".

أدبيات إدارة الشركات العائلية

تتوفر في وقتنا الحالي مجموعة واسعة من الأدبيات الأكاديمية التي تتحدث عن كيفية إدارة الشركات العائلية وتنظيمها وعن كيفية إدارة النزاعات داخل العائلة المالكة لهذه الشركات وكيفية التخطيط لعملية تعاقب وظيفي مُثلى، فضلاً عن المؤتمرات والدراسات العديدة التي تُجرى عن هذا الموضوع على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومع ذلك، لا يزال القانون المنظم لمؤسسات الأعمال حتى اليوم لا يغطي بما يكفي الاعتبارات المرتبطة بالعلاقات العائلية، على الرغم من أن معظم الشركات في جميع أنحاء العالم هي في الحقيقة مملوكة لعائلات.

وصحيح أن القانون والمحامين على حد سواء يفضلون القوانين القطعية الحاسمة، إلا أنه لا يوجد حتى اليوم أي قانون قطعي حاسم "للشركات العائلية" يمكن البت فيه. فقانون الشركات العائلية لا يمثل منظومة من القوانين المستندة إلى قطاعات متخصصة معينة، ولا هو تخصص موضوعي مثل قانون الأعمال والقانون الجنائي وقانون العائلة وقانون الصحة وقانون الأوراق المالية وما شابهها. وعلى الرغم من أن الشركات العائلية تساهم في كل القطاعات تقريباً وتشكل نسبة كبيرة منها وهو ما يضعها على تقاطع بين قانون العائلة وقانون الأعمال، تفتقر التوجيهات القانونية لهذه الشركات العائلية إلى إطار عمل عام يُتيح لها دمج العناصر العائلية والتجارية المتداخلة. وعلى أقل تقدير، قد يكون دستور العائلة حلاً للنزاعات التي تنشأ نتيجة تشابك متطلبات الأسرة والشركة، كما أنه قد يمثّل مرجعاً للقواعد الافتراضية والمبادئ التفسيرية التي تُوائم توقعات الأطراف المعنية من الناحيتين المهنية والعائلية.

وفي ضوء ما تقدم، يعتبر قانون دبي رقم 9/2020 بالتأكيد محاولة جريئة لسد الثغرة ما بين قانون الأعمال وقانون العائلة. ولأن الشركات العائلية هي امتداد للحياة الأسرية، تقوم هذه الشركات على أهداف اقتصادية أوسع وعلاقات أكثر ترابطاً، وهذا ما يجعل الاستفادة من إدراج الاعتبارات العائلية في الاتفاقيات التعاقدية للشركات العائلية استفادة مزدوجة من شقّين. وفي هذا الصدد، يُقدَّر لقانون دبي رقم 9/2020 إقرارَه بأن الاعتبارات والقضايا غير الاقتصادية المرتبطة بالحياة العائلية هي اعتبارات جوهرية وليست ثانوية بالنسبة لهيكل الشركة والتوقعات المتبادلة لأفراد العائلة.

من الشائع أن تدخل العلاقات العائلية في الشؤون المؤسسية، لذلك عندما يتمخض عن الالتزامات أو الظروف أو الأحداث التي تشهدها العائلة حالة من الغموض، يكون دستور العائلة المعترف به قانوناً والقابل للتنفيذ تعاقدياً أداة لموازنة نوايا الأطراف ولحل النزاعات بما يتناغم مع توقعات أفراد العائلة. وعلاوة على ذلك، قد يساعد وجود منظور تعاقدي في وضع مجموعة من التساؤلات المحتملة عند صياغة القواعد المبدئية الملائمة لاحتياجات العائلة المالكة للشركة. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن اتفاقيات أفراد العائلة فيما يتعلّق بالعائلة والشركة والقضايا المالية هي بطبيعة الحال مترابطة، لذلك لا بدّ من فهمها بمعزل عن غيرها من الاتفاقيات. دستور العائلة المُصاغ بصورة صحيحة هو الذي يُوفِّق بين الجوانب المنطقية والعملية للشركة العائلية من جهة، كحقوق الملكية والأهداف النهائية وسياسات توظيف أفراد العائلة، والاعتبارات المعنية بالعلاقات التي قد لا تكون واضحة تماماً والتي تضم أو تنشأ عن التجاوبات وردود الأفعال العاطفية.

هدف قانون تنظيم الملكية العائلية

يتمثل الهدف الأساسي لقانون دبي رقم 9/2020 في دعم أفراد العائلة عند مشاركتهم طوعاً في المشاريع الاستثمارية المشتركة بحماية توقعاتهم، ووجود اتفاقية عائلية ودستور عائلي مدروسين جيداً وبإحكام من شأنهما أن يراعيا كلاً من الاعتبارات التجارية والاعتبارات العائلية ذات الصلة في وقت واحد. ويؤكد القانون من جديد أن الهدف الرئيس من إعداد وثائق تعاقدية هو توفير وسيلة لتمكين الأفراد من التحكم بشؤونهم الخاصة، وهو أمر بالغ الأهمية في الشركات العائلية التي تكون علاقات أعضائها متعددة الجوانب وتؤثر على قرارات وخيارات خطط الأعمال.

ومع ذلك، ما زلنا لم نشهد بعد كيفية تطبيق هذا القانون الجديد ضمن إطار العمل والنظام القانوني الأوسع، كقانون الشركات والقوانين التي تنظم قضايا الملكية والطلاق والميراث التي قد تُسفر عن نتائج تتعارض مع رغبات الشركات العائلية ومع ما هو محدد في دستور العائلة.

وفي حين أن القانون قد سعى إلى دمج قواعد كل من قانون الشركات وقانون العائلة معاً، مشجعاً بذلك على أن يتضمن دستور العائلة كلاً من الالتزامات التجارية والعائلية لأصحاب الشركات العائلية، تبقى أمام هذا القانون مسألة قابلية التنفيذ. إلى أي مدى يمكن للقانون تنظيم "العلاقات العائلية" وفرض تعزيزها؟ ومن هذا المنظور، نجد أن خاصية "المشاركة" الطوعية التي ينطوي عليها القانون مناسبة، حتى أنها قد تكون إقراراً بالتعقيدات المصاحبة لعملية الجمع بين القضايا العائلية والقضايا المهنية وصعوبة وضع منظومة قضائية قانونية لإدارتها وتنظيمها.

ونظراً إلى أن القضايا العائلية قد تؤثر تأثيراً بالغاً على نتائج قانون الأعمال، يمكن لدستور العائلة أن يمهد تطبيق الجوانب الحتمية لقانون العائلة والتي ستؤثر في نهاية المطاف على قانون الأعمال، مثل هوية أعضاء الشركة والالتزامات التي يدينون بها تجاه بعضهم البعض، وكيفية التحكم في أصول الشركة وإدارتها وتوزيعها. يراعي القانون الجديد جميع هذه الأحكام الرئيسة، وهو ما يُتيح إمكانية إدارة النزاعات العائلية وحلها بنجاعة.

وعلى الرغم من أن فكرة الولاية المطلقة للقانون على عملية تعزيز "العلاقات العائلية'' لا تزال فكرة ناشئة ويصعب فهمها في هذه المرحلة، قد يمثّل قانون دبي رقم 9/2020 أداة لا تقدر بثمن ودليلاً إرشادياً للشركات العائلية يُبيّن لها كيفية تحقيق التواؤم في العلاقات العائلية وكيفية تعزيز تلك العلاقات من خلال خلق حالة من اليقين بين أفراد العائلة وتضمين الأدوات والآليات الرئيسة التي من شأنها تعزيز نجاح الشركة العائلية واستدامتها على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي