نمر في المملكة العربية السعودية بمرحلة استثنائية من التحول الاقتصادي والاجتماعي في سياق تحقيق رؤية السعودية 2030، للانتقال بالمملكة لتكون أنموذجاً ناجحاً ورائداً على مستوى العالم في كافة الأصعدة. خارطة الطريق الجديدة تلك فرضت تحديات جدية، أخذت خلالها الأجهزة الحكومية على عاتقها مسؤولية تنفيذ المبادرات والمشاريع لتجاوز تلك التحديات وخلق الأثر الحقيقي، ومع هذا التغيير شهدت الساحة انتقال العديد من قيادات القطاع الخاص للعمل في القطاع العام لتوجيه دفة التحول داخل تلك الجهات.
وبدرونا قمنا في مؤسسة الأمير محمد بن سلمان "مسك الخيرية" مؤخراً بالتعاون مع مركز القيادة الإبداعية، بإجراء بحث للتعمق في دراسة أبرز التحديات التي تواجه قادة القطاع الخاص عند انتقالهم إلى العمل في القطاع الحكومي، وأثر ذلك عليهم. خلال مراحل الدراسة أجرى فريق البحث العديد من المقابلات العميقة والمطولة مع قادة المؤسسات، ورصدنا خلال تلك المقابلات أن العامل الأساسي المحفز لانتقال القادة إلى القطاع الحكومي لم يكن بحثاً عن المال أو السلطة، بل كان بحثاً عن تعظيم الأثر وترك بصمة حقيقية على نطاق مجتمعي. الأمر الذي يعكس أهمية تطوير المهارات القيادية في المملكة بشكل لا يحقق فقط رؤية المملكة، بل أيضاً يحقق الأهداف الشخصية لكل قائد في خلق الأثر الإيجابي على مجتمعه.
وقد لخّصت الدراسة أبرز وأهم الممارسات الفعّالة التي يحتاجها قائد من القطاع الخاص للانتقال إلى القطاع العام بنجاح، أشارك معكم 4 أساسية منها:
1- تحديد التوجه
من المهم تحديد التوجه في سياق إدارة القائد لنظرائه من أصحاب المصلحة على وجه الخصوص، حيث يقتضي درجة عالية من المرونة والقدرة، مع التأكد من إدراك جميع أصحاب المصلحة للأسباب التي تستدعي التغيير.
2- قيادة وتطوير الموظفين
وذلك من خلال التمكين والتقدير واحترام الثقافة المؤسسية، وتحفيز الموظفين بالثناء على العمل الجيد باختلاف قدرات الموظفين وخبراتهم وإمكانياتهم.
3- الإدارة الناجحة للتغيير
من الضروري إشراك الموظفين في رسم صورة التغيير، وبذلك يتم تحييد المقاومة للتغيير من قبل بعض الموظفين، بل وحتى تحويل المقاومة إلى دعم، ومن ثم تحديد الأسس والإجراءات ووضع المنهجيات الضرورية التي تضمن استمرارية العمل في جميع الظروف.
4- العمل على المدى الطويل
الإنجاز يتطلب الموازنة بين البراغماتية وضمان الجودة، والتغاضي عن بعض أوجه القصور، والعمل وفق وتيرة مناسبة تُجنّب القائد والفريق استنفاذ الطاقات في مدة قصيرة.
برأيي، القيادة كما تشير إليها توصيات البحث ترتكز على الجدارة ومنهجيات التفكير أكثر من المهارات الفنية. وإن كان تركيز هذا البحث على انتقال القادة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، لا بد من الإشارة إلى أن المهارات والتوجهات والتحديات التي ذكرتها الدراسة هي ذاتها التي تواجه القادة في جميع القطاعات، خصوصاً في عالمنا اليوم، بتغيراته المتسارعة، وضبابية معطياته، تشكل الجدارة التي ذكرها البحث أهم ما يجب أن يتحلى به القائد.
ومن هذا المنطلق بادرنا في "مسك الخيرية" بتطوير برنامج قادة 2030 الذي تعاونّا في تطويره مع أبرز بيوت الخبرة الأكاديمية والاستشارية حول العالم، ليكون برنامجاً يعتمد أفضل الممارسات العالمية، ويضعها في السياق المحلي لمشاريع وبرامج ومبادرات رؤية 2030. في خطوة نهدف منها لتزويد القادة بالجدارة المطلوبة والقدرة على القيادة التي تساعدهم على تركيز طاقاتهم في الأولويات، وتعزز من قدرتهم على الموازنة بين الضروريات المتضادة، الإنتاجية والجودة مثلاً. ونطمح في قادة 2030 إلى تمكين القادة من إطلاق كامل إمكاناتهم، والانتقال إلى مستويات أعلى من التأثير والنجاح والتعاون لتحقيق طموحات المملكة العربية السعودية.