ليس من المستغرب أن تكافح النظم الصحية في سبيل التغلب على مقاومة الكوادر الطبية للتغيير في قائمة مراجعة الإجراءات الجراحية خلال فترة يمر فيها قطاع الرعاية الصحية بأكبر عملية تغيير شاملة على الإطلاق. ويتمثّل رد الفعل الطبيعي لمختلف القادة المكلفين بتنفيذ التغيير في الوقوف في وجه مقاومي التغيير. لكن البحوث وتجارب بعض المؤسسات أثبتت فاعلية احتضان أولئك الذين يقاومون التغيير، وذلك من خلال التعاطف معهم وتحديد مصادر مقاومتهم ومساعدتهم على رؤية الجانب الإيجابي في التغيير.
أجرى ماهر رزق وفريقه تجربة هدفت إلى التغلب على مقاومة الفرق الجراحية باستخدام قائمة مراجعة تهدف إلى التقليل من الأخطاء وتحسين النتائج، وقد أثبتت هذه التجربة فوائد هذا النهج الإيجابي المتّبع في نظام "ماكلويد" (McLeod) الإقليمي للرعاية الصحية في مدينة "فلورنس" في "ساوث كارولينا".
وقد أتت تجربة ماهر ثمارها، إذ تستخدم الفرق الجراحية في "ماكلويد" الآن قائمة المراجعة لنسبة 100% من الحالات الجراحية. وتمثّلت النتيجة في انخفاض معدل الوفيات الجراحية في "ماكلويد" بنحو الثلث في الشهر الواحد منذ تنفيذ قائمة المراجعة، وازدياد إنتاجية الفرق الجراحية بمعدل 7.5 ساعات لكل حالة، وهو ما ساهم بتوفير أكثر من 4 ملايين دولار سنوياً. كما أن ازدياد عدد الحالات الجراحية إلى جانب الإنتاجية العالية لغرفة العمليات قد أسفر عن تحقيق أكثر من 3 ملايين دولار من الإيرادات الإضافية سنوياً. وقد أفاد أعضاء الفريق الجراحي أيضاً بارتفاع مستوى الرضا الوظيفي وانتشار ثقافة أقوى للأمان جعلت الجميع يشعرون بالطمأنينة للتحدث بهدف استرعاء الانتباه واتخاذ الإجراءات المناسبة عند نشوء مشكلات تتعلق بالسلامة، بصرف النظر عن مناصبهم.
ومع ذلك، بدأت القصة بالمقاومة، كما بدأت مع معظم جهود التغيير السابقة. عمل أخصائي التخدير ماهر لمدة 18 شهراً بين عامي 2009 و2010 مع الفرق الجراحية على تطبيق استخدام قائمة المراجعة التي تعتبر أفضل ممارسة قائمة على الأدلة للجراحة الآمنة، وقد كان يشغل آنذاك نائب رئيس الخدمات الجراحية في "ماكلويد". وعلى غرار قائمة مراجعة سلامة الرحلات في صناعة الطيران، تضمن قائمة مراجعة السلامة الجراحية أن المريض هو الشخص الصحيح، وأن الجراحة التي يتعين إجراؤها هي الجراحة الصحيحة، وتساهم في إعداد الفرق الجراحية للمضاعفات الطارئة. إن فوائد قائمة المراجعة واضحة، ولا يستغرق الأمر سوى بضع لحظات لإجرائها، فهي تحسن نتائج المرضى وتنقذ الأرواح.
لكن معدلات تبنّي استخدام قائمة المراجعة تراوحت بين الفرق الطبية، حتى مع علم أفراد هذه الفرق بفوائدها وصدور أمر وطني من قبل وكالات اعتماد المستشفيات يدعو إلى استخدامها. حيث أحجمت بعض الفرق الجراحية عن اعتمادها، فيما حاولت فرق أخرى اختبارها ومن ثم تجاهلها. في الواقع، قاوم الجراحون والفرق الجراحية في المستشفيات في مختلف أنحاء العالم استخدامها.
وليس هذا بالأمر المستغرب، إذ تعتبر المقاومة استجابة نفسية طبيعية للتغيير. وعند النظر إلى المقاومة من الناحية العصبية، نرى أن العقل العاطفي يشعر أولاً بشيء سلبي حيال التغيير، ثم يبدأ العقل العقلاني في التفكير في أسباب للدفاع عن هذا الشعور. وقد تتخذ المقاومة أشكالاً متعددة متمثلة في اللامبالاة والشك واليأس والرفض. ويتمثّل الشكل الأكثر مكراً للمقاومة في امتثال الأفراد للقرارات بشكل علني في حين إبداء معارضتهم لهذه القرارات في السر، ويعتبر هذا التصرف مألوفاً جداً، خاصة في البيئات القائمة على الامتثال مثل الرعاية الصحية.
ويمكن أن تأتي المقاومة من أي شخص بدءاً من كبار القادة الذين يكافحون في سبيل توفير الموارد اللازمة لإحداث أي تغيير وحتى موظفي الخطوط الأمامية الذين لا يرغبون في تغيير سلوكهم. وغالباً ما تظهر المقاومة تحت ستار "الأولويات المتنافسة" أو "الوقت غير الكافي".
واجه ماهر العديد من أشكال المقاومة هذه في جهوده الرامية إلى جعل الفرق الجراحية تتبنى استخدام قائمة المراجعة الخاصة بالسلامة الجراحية. وعمل طوال فترة 18 شهراً مع الفرق الجراحية التي شاركهم خلالها مزايا اعتماد قائمة المراجعة، ودرّبهم على كيفية استخدامها، كما عمل على تسويق فوائدها، وإقناع زملائه أو إغرائهم بتبنيها وفرض استخدامها. وعلى الرغم من كل هذه الجهود، توقفت معدلات التبني عند نسبة 30%.
إدارة التغيير في قائمة مراجعة الإجراءات الجراحية
ثم اتبع نهجاً مختلفاً تمثّل في تبني ثلاثة تدابير أساسية لمعالجة ردود فعل الأفراد النفسية للتغيير.
عدم التصدي للمقاومين
حيث حارب إغراء اعتبار مقاومة أعضاء الفريق الجراحي على أنها مشكلة أو عقبة أو هجوماً شخصياً أو مصدراً للإحباط. بل ركّز بدلاً من ذلك على فهم الأسباب الجذرية لهذه المقاومة ومعالجتها، وخاصة الخوف. وتقبّل مقاومة الأفراد ودعاهم إلى وصف شعورهم إزاء قائمة المراجعة، والتفكير في تطبيقاتها العملية، إلى جانب التفكير فيما اعتبروه عوائق تقف في وجه تقدمهم.
وكما هو موضح في إطار سيكولوجية التغيير التابع لمعهد تحسين الرعاية الصحية، عمل أيضاً على "تفعيل دور الأشخاص" من خلال تمكين قدرتهم على اختيار التصرف وفق هدف محدد. كما أشرك أعضاء الفريق في جهوده الرامية إلى حثهم على استخدام قائمة المراجعة من خلال إتاحة الفرصة لهم في مشاركة وجهات نظرهم حول التطبيق الناجح والتطبيق الفاشل لقائمة المراجعة، بمعنى أنه جعلهم يشعرون بتمتعهم بالسلطة. وساعد أعضاء الفريق على التحلي بالشجاعة للتغلب على مخاوفهم بعد تحديدها.
التوقف عن إخبار الأشخاص بالتغييرات التي يجب إجراؤها في قائمة مراجعة الإجراءات الجراحية
بدلاً من أن يسأل ماهر: "كيف يمكنني جعل هذه المجموعة من الأفراد تنفذ ما أطلبه تحديداً؟" اتبع نهجاً محورياً قائماً على الاستماع ومن ثم السؤال.
وانطوت أسئلته على "كيفية جعل هذه المجموعة من الأفراد تفعل ما تود القيام به".
ودعا ماهر أعضاء الفريق الجراحي إلى التفكير في دور قائمة المراجعة في ربط قيمهم ودوافعهم الشخصية، وعرض أن يكون أول من يشارك تجربته. ونقل المسؤولية التي يشعر بها عن رفاهة الآلاف من المرضى. وعلى الرغم من رغبته في التحكم في العوامل والأشخاص المعنيين، توصل إلى أن هذه الرغبة ليست نقطة ضعف في شخصيته وإنما نقطة قوة تدفعه إلى الانضمام إلى الآخرين في سبيل إنجاز شيء قد يبدو بعيد المنال. ثم شارك أعضاء الفريق نقاط ضعفهم، بما في ذلك قصص أحبائهم الذين تعرضوا إلى الأذى في المستشفيات والموظفين الذين أحدثوا فرقاً. لقد شاركوا لحظات عالمية شعروا فيها بالحزن والضياع، وشاركوا قصص المحترفين الذين ساعدوهم في مواقف غامضة، وكيف أسهم هؤلاء الأشخاص وتلك اللحظات في إحداث فارق في شخصياتهم كبشر وكمحترفين في مجال الرعاية الصحية.
كما سعى إلى الكشف عن الفوائد التي قد يجنيها أعضاء الفريق عند تنفيذ التغيير المطلوب منهم، فضلاً عن بيان ما قد يكسبونه عند تطبيق قائمة المراجعة الجراحية وما قد يخسرونه أيضاً، وهو ما كشف عن ديناميات القوة المؤثرة. لكن من الصعب تلبية مصالح الجميع دائماً، إذ قد يواجه بعض الأشخاص خسارة حقيقية مع التغيير، أو قد تكون هذه الخسارة مجرد تصور شخصي. على سبيل المثال، آمن بعض الجراحين أن مسؤولية سلامة المريض تقع على عاتقهم وحدهم. وفرض بعضهم الآخر سلطتهم ورفضوا استخدام قائمة المراجعة لأنهم لاحظوا تخليهم عن مركز السيطرة عندما استخدم الفريق الجراحي القائمة معاً. ومع ذلك، عندما بدأت الفرق الجراحية استخدام قائمة المراجعة، بمن فيهم الجراحين الآخرين، تحولت هذه الديناميكية تماماً، وهو ما خلق ضغطاً جديداً على الجراحين الذين قاوموا استخدامها في البداية.
بالإضافة إلى ذلك، أسفر إشراك عدد كبير من طاقم العمليات الجراحية في اختبار قائمة المراجعة وتحسينها، عن تولد إحساس "بالملكية" لدى الأفراد وتجنب ماهر بذلك فخ "التأييد"، بمعنى أن الطاقم الطبي تحمل مسؤولية حقيقية عن التحسين المستمر بدلاً من الالتزام بتنفيذ إجراء روتيني. وقد أسفر ذلك عن فهم مشترك وعزز من إتقان الأفراد للمهارة والشعور بالهدف والاستقلال الذاتي. وانطوت النتيجة على الاستخدام الهادف بدلاً من الاستخدام دون المستوى الأمثل لقائمة المراجعة.
التركيز على الأشخاص الذين التزموا بالفعل بالتغيير
أشرك ماهر أفراد القيادة عبر مختلف التخصصات والمستويات من خلال البدء بأولئك الذين التزموا بتطبيق قائمة مراجعة السلامة الجراحية. وانضم بعد ذلك الممرضون والفنيون إلى الجراحين وأطباء التخدير وكبار القادة للمضي قدماً في اعتماد قائمة المراجعة. وعملوا معاً على بناء شبكة قائمة على الالتزام ضمن نظام تراتبي قائم على الامتثال، أو ما يطلق عليه جون كوتر "نظام تشغيل مزدوج". إذ كان كلا النظامين ضروريين لتوفير الرعاية بشكل آمن.
متابعة النتائج. لاحظ ماهر أن استخدام أعضاء الفريق الجراحي لقائمة المراجعة لم ينقذ حياة الآخرين فقط، وإنما عزز من رفاهة الموظفين وجدد معنوياتهم.
فإذا لم يعالج قادة المؤسسات نفسية الأفراد فيما يخص التغيير على نحو كافٍ، فإن أي جهد للتطوير سيبقى ثابتاً دون أي تطور. وقد لا يكون من اللطيف إجراء هذه التحولات الذهنية المتعلقة بموضوع قائمة مراجعة الإجراءات الجراحية إلا أنها ضرورية جداً.
اقرأ أيضاً: