لا يستطيع القادة التحكم في معدل نمو الأسواق أو قرارات الإقراض التي تتخذها البنوك، ولكن بمقدورهم التحكم في عقلياتهم و”أرواحهم الحيوانية“؛ المصطلح الذي استخدمه الاقتصادي جون مينارد كينز في ظل فترة الركود العظيم. إذا ركز القائد فقط على البيانات المالية السلبية والتوقعات المتشائمة، فمن السهل أن يُصاب بالشلل بسبب الخوف ويقاوم اتخاذ إجراء التغييرات الضرورية. ولكن إذا تمكن القائد من استجماع بعض من الشجاعة القيادية، فقد تكون الأوقات الصعبة فرصة له لتمييز نفسه عن المنافسين وتحقيق فوائد تدوم سنوات طويلة.

عند التخطيط للمستقبل، قد يكون عدم إجراء تغييرات كافية أكثر إثارة للقلق من إجراء تغييرات كثيرة، خاصة في اقتصاد يتميز بمنافسين كثر يتنافسون على عدد محدود من العملاء بمنتجات وخدمات متشابهة جداً. من المهم الآن إعادة تقييم الاستراتيجيات الراسخة لشركتك والتشكيك في عقود من الفكر السائد في قطاعك ودفع نفسك إلى اكتساب المعرفة والنمو والابتكار. ومثلما قال ألبرت أينشتاين في عبارته الشهيرة: “لا يمكن حل المشكلات ونحن على مستوى الوعي نفسه الذي أدى إلى نشوئها”. أو كما قال أحد العباقرة المجهولين في تكساس: “إذا لم تغير طريقة عملك، فلن تتغير نتائجه”.

حان الوقت بأن يعمل القادة بطريقة مختلفة لتوقع نتائج مختلفة. فيما يلي 10 أسئلة يجب على القادة طرحها على أنفسهم وعلى مؤسساتهم، أسئلة ذات صلة بالتحديات التي يواجهونها في أوقات يصبح فيه التغيير ضرورة مُلحة. سيكون بمقدور القادة الذين يقدمون الإجابات الأفضل النجاح.

1. هل تستطيع تحديد الفرص التي لا يراها منافسوك؟

كثيراً ما يستشهد شريك شركة آيديو، توم كيلي، بالعبارة الشهيرة للروائي الفرنسي مارسيل بروست: “لا يكمن الاستكشاف الحقيقي في اكتشاف جوانب جديدة، بل برؤيتها من منظور جديد”. لا تتفوق الشركات الأكثر نجاحاً على منافسيها فحسب، بل إنها أيضاً تعيد تعريف شروط المنافسة من خلال تبنّي أفكار خلاقة في عالم يكثُر فيه تقليد الأفكار.

2. هل توصلت إلى وجهات نظر جديدة حول مكان العثور على الإلهام للأفكار الجديدة؟

إحدى طرائق التعامل مع المشكلات من منظور جديد هي استكشاف مجموعة متنوعة من المجالات المختلفة بحثاً عن الأفكار التي أثبتت نجاحها بمرور الوقت. يمكن أن تصبح المفاهيم الشائعة أو القياسية في أحد القطاعات ثورية عند تطبيقها على قطاع مختلف، خاصة عندما تشكك في الافتراضات السائدة التي تميز العديد من القطاعات.

3. هل أنت متفوق أو متميز في أي جانب أو مجال معين؟

في الواقع، لم يعد التفوق في العديد من الجوانب كافياً في البيئة التنافسية اليوم. يجب عليك أن تكون الأفضل أو الأبرز في جانب معين، مثل القدرة على تحمل التكاليف أو سهولة الوصول أو أناقة المنتج أو الحيوية أو الشفافية. كانت الشركات في الماضي تكتفي بالوجود في المنطقة الوسطى لأنه المكان الذي تجد فيه معظم العملاء، ولكن الاكتفاء بالمنطقة الوسطى اليوم قد يؤدي إلى الفشل. إذاً، في أي مجال تتفوق حقاً؟

4. إذا توقفت شركتك عن العمل غداً، فمن سيشعر بغيابها ولأي أسباب؟

سمعت هذا السؤال أول مرة من أسطورة الإعلان روي سبنس، الذي قال إنه سمعه من مؤلف كتاب الأعمال الشهير “من جيّد إلى عظيم” (Good to Great)، جيم كولينز. بغض النظر عمن طرح هذا السؤال أول مرة، فإن السؤال عميق ومباشر، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد لأنه يمكن أن يرشدك نحو فهم ما يهم حقاً في عملك.

5. هل اكتشفت كيف يمكن لتاريخ مؤسستك أن يساعد على تشكيل مستقبلها؟

يقدّم عالم النفس جيروم برونر طريقة بليغة لوصف كيف يمكن للعناصر القيّمة من الماضي أن تُعلم البحث عن أفكار أو تحسينات جديدة وتلهمها، إذ يقول إن جوهر الإبداع يكمن في معرفة كيفية الاستفادة من المعرفة التي تمتلكها لتجاوز ما تفكر فيه حالياً وتوليد أفكار جديدة. لا يتجاهل القادة المبدعون الذين قابلتهم تجاربهم أو معرفتهم السابقة أو يرفضونها، بل يعيدون النظر فيها ويفسرونها بطريقة جديدة ويعتبرون ذلك وسيلة لتصور اتجاههم المستقبلي وتشكيله.

6. هل يمكن لعملائك الاستغناء عن منتجاتك أو خدماتك؟

إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أنهم قد يختارون فعل ذلك. لقد حدد الباحثون في غالوب تراتبية العلاقات بين الشركات وعملائها، بدءاً من الثقة بالشركة مروراً بنزاهتها ثم الفخر باستخدام منتجاتها وصولاً إلى الشغف بها. لاختبار الشغف، تطرح مؤسسة غالوب سؤالاً مباشراً: هل يمكنك تصور عالم دون هذا المنتج؟ أحد تحديات التغيير الحاسمة هو أن تتمكن الشركة من أ تستحوذ على ولاء عملائها من دون منازع.

7. هل تعامل العملاء المختلفين على نحو مختلف؟

إذا كانت الشركة تهدف إلى أن تصبح عنصراً لا غنى عنه لعملائها، فهذا يعني أنها قد لا تلبي احتياجات العملاء كلهم على أفضل وجه. في عالم متقلب وسريع التغير، فإن مقياس التزام الشركة تجاه أهم عملائها هو مدى شجاعتها في تجاهل العملاء الذين لا يتوافقون مع رسالتها الأساسية. من المهم أن تتذكر أنه ليس كل العملاء يتمتعون بالقيمة نفسها بالنسبة للشركة.

8. هل تستفيد من أفضل الإسهامات من أكبر عدد من المشاركين في مؤسستك؟

قد تكون القيادة دوراً فردياً، لكن تنفيذ التغيير بفعالية يتطلب جهداً جماعياً. في الوقت الحالي، يمكن أن تأتي الإسهامات القيّمة من مصادر غير متوقعة، مثل المواهب المخفية داخل شركتك والذكاء الجماعي للعملاء والموردين وغيرهم من الأفراد الأذكياء المحيطين بشركتك. للاستفادة من هذه الإسهامات القيمة، يحتاج القادة إلى تبنّي عقلية جديدة توازن بين الطموح لمعالجة القضايا الصعبة والتواضع للاعتراف بأنهم لا يملكون الحلول جميعها.

9. هل أنت ثابت في التزامك بالتغيير؟

كثيراً ما ينتقد الخبراء الشركات لافتقارها إلى الشجاعة لبدء التغيير. في الواقع، لا تكمن مشكلة العديد من الشركات في مقاومتها للتغيير، بل في أن كل ما تفعله هو التغيير، تتخبط متنقلة من شركة استشارية إلى أخرى متبينة أحدث الاتجاهات والنصائح الإدارية التي تقدمها. إذا أراد القائد إحداث تغيير جوهري وهادف، يجب أن تظل أولوياته وممارساته متسقة بغض النظر عما إذا كانت الظروف مواتية أو صعبة.

10. هل تتعلم بوتيرة تواكب التغييرات السريعة التي تحدث في العالم؟

لقد سمعت هذا السؤال أول مرة من خبير الاستراتيجية غاري هامل، وقد يكون السؤال الأكثر إلحاحاً الذي يواجه القادة في كل مجال. في عالم لا يتوقف عن التغيير، يجب على القادة العظماء مواصلة التعلم باستمرار. اسأل نفسك؛ كيف أحفز نفسي على مواصلة النمو والتطور، وبالتالي تعزيز نمو شركتي وتطورها أيضاً؟