شركة فيسبوك تغيّر الطريقة التي يدير بها المسوقون الإعلانات المستهدفة

3 دقائق
تحديد الجمهور المستهدف في فيس بوك

أعلنت شركة "فيسبوك" الشهر الماضي في بيان مقتضب، أنها ستغلق "فئات الشركاء"، وهي ميزة تسمح للمسوقين بإطلاق إعلانات مستهدفة عبر كافة المنصات التي تملكها الشركة، باستخدام بيانات طرف ثالث يوفرها سماسرة البيانات. وتأتي هذه الخطوة خلال فترة تدقيق مكثف على ممارسات الخصوصية والأمان التي تنتهجها الشبكة الاجتماعية العملاقة، وذلك بعد فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica)، وتعد التحول الأول من نوعه ضمن شركات الإنترنت. وسيكون لهذا التغيير تداعيات كبيرة على شركات الإنترنت خصوصاً وبيئة الإعلان الرقمية عموماً، وذلك إن اتبعت الشركات الرائدة في هذا القطاع نهج شركة "فيسبوك" بالابتعاد عن سماسرة البيانات ورفع مستوى الشفافية في تعاملها مع البيانات الشخصية، فماذا عن تحديد الجمهور المستهدف في فيس بوك بشكل صحيح؟

تحديد الجمهور المستهدف في فيس بوك

في السابق، كان المسوقون على شبكة فيسبوك (وفي معظم المنصات الكبيرة التي توفر ميزة الإعلانات المستهدفة) يتمتعون بثلاثة أنواع من تدفقات البيانات التي يمكنهم استغلالها لإطلاق إعلانات مستهدفة. أولاً، أنهم يستطيعون استخدام البيانات التي جمعوها بأنفسهم، مثل أسماء وعناوين البريد الإلكتروني للعملاء الذين زاروا محلاتهم الحقيقية أو الإلكترونية. ثانياً، أنهم يستطيعون استخدام البيانات التي جمعتها شبكة فيسبوك، حيث تحتفظ الشركة بملفات تعريف غنية بالمعلومات عن المستخدمين بناء على استخدامهم للمنصة، ومحفوظات متصفحاتهم والموقع الجغرافي لهواتفهم النقالة وغيرها من المصادر. وثالثاً، يستطيعون استخدام البيانات التي توفرها الأطراف الثالثة، (وهي الشركات التي نعرفها عادة باسم سماسرة البيانات). ومن بين هذه الشركات المعروفة في هذا القطاع نجد شركة "أكسيوم" (Acxiom) و"أوراكل" و"أبسيلون" (Epsilon) و"إكسبيريان" (Experian).

يتمثل أحد الجوانب المهمة لإعلان "فيسبوك" عن إيقاف ميزة "فئات الشركاء" - مع أنه إعلان لم يحظ بما يكفي من الاهتمام الإعلامي- في أن استخدام بيانات هذه الأطراف الثالثة ممارسة شائعة ومتاحة في معظم شركات الإنترنت التي توفر خدمات الإعلانات المستهدفة. ومع أن الأضواء مسلطة على شركة "فيسبوك"، إلا أن المشكلة الأعم تكمن في أن معظم قطاع الإعلانات المستهدفة لا يتمتع بالشفافية فيما يخص كيفية تعامله مع سماسرة البيانات، وذلك لعدم وجود أي قوانين تطلب بوضوح وبشكل مباشر تطبيق هذه الشفافية. وحتى تكشف الشركات الرقمية التي تتيح الإعلانات المستهدفة باستخدام بيانات الطرف الثالث عن علاقاتها مع سماسرة البيانات وتلتزم بالمزيد من وسائل حماية الخصوصية، لا يمكننا إلا أن نتوقع استمرار مشكلة الخصوصية الرقمية على الإنترنت.

وفي هذا السياق، تهدد شركات سمسرة البيانات التي توفرها شركة "فيسبوك" للمسوقين عبر ميزتها "فئات الشركاء" خصوصية المستخدم بالفعل، وذلك لأن مصادر شركات السمسرة غير واضحة ولا يتلقى المستخدمون أي معلومات عن كيفية جمع بياناتهم أو استخدامها. ومنذ فترة طويلة كان المعلنون على شبكة فيسبوك يستخدمون هذه البيانات لاستهداف العملاء الذين كانوا، على سبيل المثال، يبحثون عن شراء سيارة جديدة، أو رزقوا بمولود جديد. أما الأمر الذي يجعل هذه البيانات حساسة جداً، فهو أن شركات السمسرة مثل شركة "إكسبيريان" تجمع المعلومات التي يصعب على معظم شركات الإعلان الرقمي الحصول عليها بطريقة أخرى. وفي هذا الجانب، تتمتع شركات سمسرة البيانات بعلاقات وطيدة مع جميع أنواع الشركات التجارية الأخرى، ابتداء من المتاجر الكبرى إلى وكالات بطاقات الائتمان التي تبيع بيانات عملائها لشركات سمسرة البيانات أو تشاركها معها. وغالباً لا يعرف العملاء الكثير عن هذه العملية؛ لأنهم عادة ما يتخلون -دون قصد- عن حقوقهم في هذه البيانات عندما يقومون بعمليات الشراء وإجراء التعاملات المختلفة.

وهذا ما يكشفه إغلاق "فيسبوك" لميزة "فئات الشركاء" الذي يأتي في أعقاب فضيحة شركة "كامبريدج أناليتيكا". من الواضح أن شركة "فيسبوك" أدركت أنه يجب عليها تغيير ممارساتها الأساسية فيما يخص البيانات إن أرادت الحفاظ على ثقة المستخدمين والمستثمرين على حد سواء. وهذه الخطوة الأخيرة التي اتخذتها الشركة توضّح لنا الصورة الكبيرة؛ والتي تظهر لنا أن شركة "فيسبوك"، مثل العديد من شركات الإنترنت الرائدة غيرها، لا تملك سيطرة على الطريقة التي تقوم بها الأطراف الثالثة بجمع وحفظ واستخدام البيانات الشخصية للعملاء. لذلك، وفي حال استخدم المسوقون هذه البيانات لاستهداف الأشخاص في منصات "فيسبوك" المختلفة، وحدث بسبب ذلك خرق آخر للخصوصية مثل فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، فإن أصابع الاتهام جميعها ستتجه نحو شركة "فيسبوك". وفي هذه الناحية، يمكن القول إن شركة "فيسبوك" تتحمل كامل المسؤولية، غير أن المسؤولية في الواقع تقع على كل شركة رقمية تشارك بيانات شركات السمسرة مع معلنيها. من المنطقي إذاً من ناحية إدارة المخاطر أن تغلق شركة "فيسبوك" قنوات البيانات التي تضر بالخصوصية الشخصية، ومن الحكمة أن تأخذ شركات الإنترنت الأخرى العبرة من خطوة شركة "فيسبوك" الأخيرة.

وفي نهاية الحديث عن تحديد الجمهور المستهدف في فيس بوك بشكل صحيح، يعتبر هذا التطور خطوة إيجابية هائلة نحو الأمام فيما يتعلق بالخصوصية الرقمية وحماية المستهلك ومكافحة التضليل الإعلامي. كما يشير بيان "فيسبوك" أيضاً إلى تغيير مهم في مجال السياسة العامة للشركة: لأنها إن أرادت المضيّ قدماً، فلا بد أن تكون الشركة ذاتها وشركاء بياناتها أكثر مسؤولية. وأخيراً، من المؤكد أن المنصات الأخرى التي تتعاون مع شركات سمسرة البيانات تدرس الآن قرار شركة "فيسبوك" وتفكر في كيفية إبعاد نفسها عن شركات سمسرة البيانات ورفع مستوى الشفافية فيما يخص البيانات الشخصية، حتى وإن لم يكن ذلك من أجل المستخدمين، وإنما من أجل مصلحتها التجارية فحسب.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي