ملخص: يُعتبر المشي أحد أبسط التمارين التي يمكنك ممارستها بمفردك وأكثرها فاعلية. لا يتطلب المشي منك سوى بعض الاستعداد وبذل مجهود قليل دون استخدام أي معدات خاصة؛ من جهة أخرى، يمكنك تقليل الوقت المخصص للمشي أو زيادته بما يتناسب مع أعمالك. ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، فإن فوائد المشي عديدة، قد تُسفر جلسة واحدة من النشاط المعتدل إلى العنيف (بما في ذلك المشي) عن تحسين قدرتنا على النوم والتفكير والتعلم وتقليل أعراض التوتر التي تنتابنا. فعندما نمشي، يصبح أداؤنا في اختبارات الذاكرة والانتباه أفضل؛ وتبني خلايا دماغنا روابط جديدة، وهو ما يجنّبنا تلف أنسجة الدماغ الذي يصيبنا مع تقدم العمر؛ ويساعدنا المشي أيضاً في تغيير وتيرة أفكارنا بشكل فاعل من خلال اختيار المشي بنشاط وحيوية أو المشي ببطء؛ كما يُتيح لنا صب تركيز اهتمامنا على تعرجات الطريق ومراقبته، وهو ما يساعدنا في توليد أفكار جديدة والحصول على ضربات من الإلهام والرؤى الثاقبة.
شاهدت منذ عدة سنوات مقطعاً من برنامج "توداي شو" (Today Show) حول كيفية مساعدة أطفالك ومراهقيك في تطوير عادات صحية. كان موضوع الحلقة يدور حول خبيرة تغذية بارزة تواجه صعوبة في إقناع أطفالها بتناول الخضروات وممارسة الرياضة إلى حد التعرق. وسمعت حينها عبارة لا أنساها من إحدى بناتها التي لم تبلغ سن المراهقة بعد قائلة: "المشي يحزنني".
ولا بدّ لي أن أعترف أنه إذا خُيّرت بين مشاهدة مسلسل "التاج" (The Crown) أو المشي، أظن أن المشي سيجعلني حزينة أنا أيضاً. في الواقع، إذا اضطررت إلى الاختيار بين المشي وممارسة أي من هواياتي، كخبز كعكة البراوني بالشوكولا أو شراء قوالب الفطائر اليابانية (البانكيك) عبر الإنترنت (التي ستصل في غضون يومين)، فسأختار الخيار الثاني.
المشي أحد أكثر التمارين فعالية
لكن عندما أفكر في أكثر التمارين فاعلية وأبسطها وأكثرها أماناً في ظل انتشار جائحة "كوفيد"، سيقع اختياري على المشي. وعندما أتمعّن في الأنشطة التي يمكنني ممارستها كل يوم تقريباً، والتي لا تتطلب إلا بعض الاستعداد وبذل مجهود قليل دون استخدام أي معدات خاصة، والتي يمكنني تقليل الوقت المخصص لها أو زيادته بما يتناسب مع واجباتي، يحظى المشي بالمرتبة الأولى من بين جميع الأنشطة الأخرى. وعندما أفكر فيما يمكنني فعله عندما يزداد ألم ظهري حدة، يكون المشي هو الحل. وعندما أرغب في أداء نشاط مفيد لعقلي وجسدي وروحي، أختار المشي. وعندما أرغب في الخروج مع أحد ما (مع الحفاظ على التباعد الجسدي)، أو أرغب في أن أكون وحدي، يكون المشي مفيداً.
أمشي ثلاثة أميال في اليوم معظم أيام الأسبوع، ولست وحدي من يجني الفوائد النفسية والعقلية والعاطفية للمشي، فقد كتب الصحفي فيريس جبر في مقالته في مجلة "نيويوركر" (New Yorker) بعنوان "لماذا يساعدنا المشي في التفكير؟": "عندما نمشي، يصبح أداؤنا في اختبارات الذاكرة والانتباه أفضل؛ وتبني خلايا دماغنا روابط جديدة، وهو ما يجنّبنا تلف أنسجة الدماغ التي تصيبنا مع تقدم العمر؛ ويساعدنا المشي أيضاً في تغيير وتيرة أفكارنا بشكل فاعل من خلال اختيار المشي بنشاط وحيوية أو المشي ببطء؛ كما يُتيح لنا صب تركيز اهتمامنا على تعرجات الطريق ومراقبته، وهو ما يساعدنا في توليد أفكار جديدة والحصول على ضربات من الإلهام والرؤى الثاقبة. ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض ومنع انتشارها، قد تؤدي جلسة واحدة من النشاط المعتدل إلى العنيف (بما في ذلك المشي) إلى تحسين طبيعة نومنا وتفكيرنا وتعلمنا وتقليل أعراض التوتر التي تنتابنا.
ومن المهم إدراك أن المشي في الهواء الطلق سيضاعف تلك المكاسب. وبحسب الأستاذ الجامعي جو بارتون، كبير المحاضرين في كلية الرياضة وإعادة التأهيل وعلوم التمارين في "جامعة إسكس" (University of Essex): يُتيح لنا التواصل مع الطبيعة مدة 5 دقائق فقط في تحسين تقديرنا لذواتنا وتعديل مزاجنا. لماذا تكافئنا الطبيعة بتلك السرعة؟ أفاد فارتون، يساعدنا التواصل مع الطبيعة في التحول من الاهتمام الإرادي، الذي يعتمد على احتياطيات التركيز والطاقة، إلى الاهتمام اللاإرادي، الذي يتطلب تركيزاً وطاقة أقل، وهو ما يساعدنا في تجنّب الإنهاك الذهني.
كان كل من تشارلز داروين وفريدريك نيتشه وويليام ووردزوورث وأرسطو من هواة المشي، وكانوا يستخدمون إيقاع خطواتهم في أثناء المشي لمساعدتهم في توليد الأفكار. وعلى الرغم من أهمية التمارين الرياضية في تنشيط الدماغ، يُعتبر المشي أيضاً عاملاً مهماً في تعزيز الحس الإبداعي.
من المهم أيضاً تذكر أنه على الرغم من مدى بساطة المشي، لا يمتلك الجميع القدرة على ممارسته، فقد يواجه بعض الأشخاص صعوبات في التنقل تجعل المشي تجربة مؤلمة بالنسبة لهم، بل حتى مستحيلة. وقد يعيش آخرون في أحياء غير آمنة للمشي، في حين تعرض بعضهم الآخر لصدمات جعلتهم يشعرون بالتهديد عند المشي بمفردهم أو بالخارج. وقد يتحمل بعضنا مسؤوليات في المنزل تحد من استقلاليتنا، في حين قد يعاني البعض الآخر من ظروف جوية صعبة تجعل المشي تجربة غير مريحة أو محفوفة بالمخاطر. وإذا كنت تندرج ضمن واحدة أو أكثر من تلك الفئات، أو أي فئة أخرى فاتني ذكرها، فآمل أن تجد طريقة ما لتهدئة قلقك ولتحافظ على تركيز عقلك ورفاهك الجسدي.
كيف تجعل المشي يرتبط بهدف يحفزك؟
عادة ما ينطوي هدف أولئك الذين يستطيعون المشي على ممارسة التمارين الرياضية أو التنقل، إلا أنني سأورد 5 طرق إضافية لجعل المشي مرتبطاً بهدف:
1. امشِ لتغير نظرتك للأمور
نمر في أوقات عصيبة جداً، فقد حرمتنا الجائحة من ممارسة الكثير مما اعتدنا عليه، ومع ذلك، لا يزال معظمنا قادراً على تغيير نظرته للأمور في ظل هذه الظروف العصيبة. ففي الأيام التي أحتاج فيها إلى تغيير نظرتي في الحياة، أتجول وأنا أراقب الشمس أو الأشجار أو الماء، إذ تذكرني تلك المشاهد بالتأمل في مدى اتساع الكون، وإبداع الخالق في الطبيعة، وتدفعني إلى التفكير في مدى وسع العالم الذي أطمح إلى استكشافه (عندما يصبح التنقل آمناً).
2. امشِ من أجل التواصل
على الرغم من قدرتك على المشي وحدك، لست مضطراً إلى القيام بذلك في الواقع، لاسيما أن المشي يُعتبر أحد أكثر الأنشطة أماناً هذه الأيام. اعتدت قبل أن أنتقل من نيويورك إلى كارولاينا الشمالية أن أمشي أيام الأحد مع جارتي ليزلي. واليوم، على الرغم من مسافة الـ 600 ميل التي تفصلنا عن بعضنا البعض، ما زلنا نمشي صباح كل يوم أحد، لكن عبر الهاتف. ادعُ أحد أصدقائك أو أحد أفراد أسرتك لممارسة المشي معك بشكل شخصي، شرط أن يكون ذلك ممكناً وآمناً وواعياً، أو عبر الهاتف، عند تعذر اللقاء وجهاً لوجه.
3. امشِ من أجل التعلم
بقدر ما أرغب في تصفية ذهني، ما زلت شغوفة بملئه بمعلومات جديدة ومفيدة أيضاً، فأمشي أحياناً وأنا أستمع إلى مدونة صوتية (بودكاست) أو كتاب صوتي، أو حتى إلى تسجيل لحلقة دراسية عبر الإنترنت اشتركت فيها ولكن تعذر عليّ حضورها. أو ألتقط بعض الصور بهاتفي لشجرة أو لحيوان لم أستطع معرفة نوعه وأستقصي عنه عندما أصل إلى المنزل، لاسيما أنني أقطن في مانهاتن، موطن الأشجار والحيوانات الفريدة.
4. امشِ لتعبّر عن امتنانك
بصفتي شخصاً عانى من آلام الظهر المزمنة والحادة، غالباً ما أمشي معربة عن امتناني لقدرتي على المشي وتخفيف آلامي، أو لنعمة الشعور بالأمان (معظم الأوقات)، لاسيما بصفتي امرأة تمشي بمفردها، أو لقدرتي على أخذ حمام ساخن بعد أن أنتهي من المشي، أو ربما لنعمة أنني ما زلت على قيد الحياة، بعد أن فقد الكثيرون حياتهم.
5. امشِ بهدف زيادة إنتاجيتك
قد أرتّب في بعض الأحيان إجراء مكالمة مع أحد عملائي الذي أُشرف على تدريبه والذي يلتزم بممارسة المشي أيضاً عندما يحين موعد ممارستي المشي. أو أحدد موعداً لإجراء مكالمة تعارف مع عميل يمارس المشي أيضاً. أشعر بالإنتاجية أيضاً عندما أمشي وأسجّل في مسجل الصوت بهاتفي أفكاراً جديدة توصّلت إليها بعد ممارسة العصف الذهني، أو مقالة جديدة حتى. وأشطب تلك المهام ومهمة المشي من القائمة فور عودتي إلى المنزل.
قد أتخلى أحياناً عن أهدافي وأترك الهدف من المشي يتجلى من تلقاء نفسه، ويحدث ذلك غالباً عندما أسير مع طفلتي التي تركض للحاق بقطة صغيرة.
خلاصة القول: أسدِ لجسدك وعقلك وروحك معروفاً وامشِ عندما تستطيع ووقتما تستطيع ففوائد المشي عديدة ويمكنها تحسين قدراتك بشكل كامل.