دائماً ما تأتينا تلك الفرص الصغيرة التي نستطيع خلالها دعم زملائنا في العمل أو إحباطهم، بالطريقة التي نتحدث بها عنهم، سواء أدركنا هذا الأمر أم لم ندركه.
عندما نعرّف زميلَين ببعضهما، أو عندما نروي قصة عن اجتماع ما، أو عند مشاركة عمل زميل ما، ينبغي معرفة أن الطريقة التي "نتحدث بها عن الآخرين" تُحدث فرقاً كبيراً في كيفية شعورهم تجاه أنفسهم وأعمالهم. تبين البحوث التي أجريناها أن القصص التي نسمعها من الآخرين، والتي تسلط الضوء على مساهماتنا المتميزة، تساعدنا في إيجاد هدف علاقاتنا مع زملائنا ضمن بيئة العمل ومع عملنا أيضاً. على سبيل المثال، عندما يذكر أحدهم عملك في بريد إلكتروني ويصفك بشخص "موهوب جداً" أو يتحدث عن تميزك في التواصل مع العملاء، فإن ذلك سيعزز شعورك بقيمة عملك (ويمكنك على الأرجح أيضاً تذكر بضع مرات أحبطك فيها زميلك واستخدم قصة ما بهدف تقويضك أو قولبتك أو تقليل مكانتك). إذاً، كيف يمكننا الاستفادة من الفرص للحديث عن زملائنا بطرق تنمّي تقدير الذات الإيجابي؟
نقدم هنا 4 فرص لأخذها بعين الاعتبار، بالإضافة إلى أمثلة فعلية من أبحاثنا التي أجريناها.
اخلق انطباعات أولى إيجابية
لأهمية الانطباعات الأولى، نستخدم تقديم الأشخاص للحديث بإيجابية عن الزملاء. لذلك، كن واسع الخيال وشارك التفاصيل التي تسلط الضوء على الجوانب المثيرة للاهتمام في الشخص الذي تُقدمه، وصفه بطريقة سيرغب الآخرون في التعرف إليه بسببها. خاصة عندما تقدم موظفاً جديداً إلى فريقك.
خذ، على سبيل المثال، هنادي، وهي مديرة تسويق عُيّنت حديثاً في شركة متوسطة الحجم مملوكة لعائلة. مرّت هنادي بإجراءات مقابلة مكثّفة مع عدة مستويات إدارية خلال مرحلة التوظيف. وقبل أن تصل إلى يومها الأول، أرسل مديرها الجديد بريداً إلكترونياً للتعريف بها وسلط الضوء على المعارف ونقاط القوة التي ستضيفها إلى الشركة. عندما وصلت إلى المكتب، لاحظت أن صورتها معلّقة مسبقاً وهي جزء من معرض الصور في الصالة، بالإضافة إلى معلومات شخصية مثل مسقط رأسها وطعامها المفضل واقتباساً ملهماً. وبذلك، تمكنت من فهم سبب طرحهم أسئلة غير اعتيادية عمّا تحبه وتكرهه في أثناء المقابلة. وفي أول يوم لها (عندما لم يمض على وجودها في المبنى سوى بضع ساعات)، أصبح الناس يتحدثون عنها عبر البريد الإلكتروني والصور بطرق ترحيبية وداعمة نفسياً. لقد وُصفت بتقدير كبير ما سمح لها بالاندماج سريعاً في النسيج الاجتماعي للمؤسسة.
تحدّث عن القيمة التي يُضيفها كل عضو في الفريق
تعمل الفرَق بطريقة أفضل عندما تشارك المعلومات بفعالية، وجد أحد زملائنا في الأبحاث التي أجريناها وهي (جوليا)، أن مشاركة القصص الشخصية التي تؤكد نقاط القوة المتميزة عند شخص ما، ومساهماته قبل انضمامه إلى الفريق طوّرت قدرة الفريق على تبادل المعلومات. لذلك عندما تشكّل فريقاً جديداً، تحدث عن المساهمات المحتمَلة لكل شخص في المجموعة.
وكان هذا ما فعله رشيد فعلاً، عندما كان يشكّل فريق مشروع لتطوير مركز ابتكار جديد. في أول مرة اجتمع فيها أعضاء الفريق، قدّم رشاد كل شخص على حدة، وشرح نقاط القوة التي سيضيفها إلى المجموعة. كما أوضح أيضاً سبب تأهل كل عضو في الفريق للمساعدة على تحقيق أهداف الفريق، مضيفاً بعض الحقائق المضحكة حول اهتماماتهم وخلفياتهم. ما أثار فضول الأعضاء الآخرين وعزّز رغباتهم بالتواصل مع بعضهم. ثم أخذ الجميع يتناوبون في مشاركة أكثر ما أثار لديهم الحماس للانضمام إلى هذا الفريق. وبهذا أوصلت الطريقة التي تحدث بها رشيد عن كل عضو الاحترام والقيمة التي يستحقها كل منهم، ما ولد شعوراً جماعياً بالهدف، ليؤدي الفريق مهامه جيداً.
صف زملاءك بإيجابية إذا كانوا محبطين اجتماعياً
نلاحظ في بعض الأحيان وجود بعض الزملاء المحبطين اجتماعياً. ربما بسبب تعرّضهم للمقاطعة أو الإسكات، سواء عن قصد أو عن غير قصد في يوم من الأيام. لذلك عندما نجد شخصاً محبطاً من قبل الآخرين، أو يكافح حتى يُسمع صوته، تأتي الفرصة هنا لدعمه عن طريق التحدث عنه بإيجابية.
لنأخذ رولا ورزان، على سبيل المثال، عينت كلتاهما مؤخراً بمرتبة مديرة متقدّمة لفريق عمل جديد في شركة بناء معظمها ذكور. بصفتهما الامرأتين الوحيدتين في الشركة، نادراً ما يُعترف بأفكارهما ووجهات نظرهما في اجتماعات الاستراتيجية. لذلك قررتا دعم بعضهيما علناً وكذلك دعم أولئك الأشخاص الذين لا تُسمع آراؤهم. على سبيل المثال، عندما اقترحت رزان خطة جديدة لتقليص التكاليف، تابعت رولا بإعادة طرح فكرة زميلتها وتفصيلها مع إرجاع الفضل كاملاً إلى رزان. وعندما بدت رولا مترددة في التعبير عن مخاوفها، أشارت رزان إلى خبرة رولا الهندسية وأقرّت علناً عن مدى احتياج المجموعة إلى خبرتها. وبالتالي غيّرت هذه التصرفات الطريقة التي ينظر بها كل مدير إلى نفسه، مع الاعتراف والتقدير لمساهمات رولا ورزان.
استخدم النهايات وأوقات المغادرة لخلق صورة إيجابية عن الزملاء
لكل شيء نهاية، وكذلك في العمل، فالزملاء يتقاعدون أو يغادرون، وآخرون قد يُسرّحون من عملهم. ولكن سواء أكان خيارهم أم لم يكن كذلك، يجب عليك الاستفادة من مغادرة الزميل لعمله في خلق معنى وقيمة له.
عندما توقف التمويل عن مؤسسة الرعاية الصحية غير الربحية، التي عمل فيها منير مديراً لقسم المنح لمدة 5 أعوام ماضية، اكتشف حينها أن منصبه الحالي سينتهي في غضون شهر. شعر منير أنه مجروح ومنقطع عن زملائه. ولكن استيعاباً من زملائه للحالة الصعبة التي كان يمرّ بها، وضعوا صندوقاً مليئاً بالصور والملاحظات التي تعكس ذكرياتهم الإيجابية في العمل معه. وكذلك تحدثوا عن مدى تميزه وأهميته خلال فترة عمله. لم تُعبّر هذه الطقوس عن تقديرهم له فحسب، بل كانت نموذجاً فعّالاً للحديث الإيجابي في وقت كان منير بحاجة إليه فعلاً.
كما تواصل زملاؤه مع معارفهم خارج المؤسسة ممن كانوا يبحثون عن مدير منح جديد لتوظيفه وشرحوا لهم مساهمات منير في المؤسسة.
لقد غيرت هذه الحادثة الطريقة التي تنظر بها المؤسسة إلى مغادرة الموظفين وتسريحهم، إذ أصبح الموظفون ينظرون إلى النهايات على أنها فرصة إيجابية لفعل الخير من أجل الآخرين.
كل يوم تأتينا الفرص لنساعد الآخرين على خلق المعنى الإيجابي لهم من خلال طريقة حديثنا عن زملائنا. لذلك من المفيد أن نكون واعين تجاه هذه اللحظات ونستفيد منها، بهذه الطريقة لن ننهضَ بالآخرين فقط، بل سننهض بقدراتنا على خلق المعنى الإيجابي عبر المساهمة الإيجابية نحو الآخرين.