قبل التوقيع: هل تدرك جيداً شروط عملك؟

6 دقيقة
اتفاق

تخيل أنك تبدأ عملك الجديد بحماس، ثم تكتشف أنك مطالب فوراً بتثبيت برنامج لتتبع الموقع، أو توقيع اتفاق التحكيم الإلزامي، أو إغلاق حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي. قد تطلب الشركة منك أيضاً السماح لها بجمع اتصالاتك الروتينية في العمل وتحليلها، مثل الرسائل الإلكترونية التي ترسلها أو تتلقاها والمحادثات التي تجريها مع زملائك والمستندات التي تشاركها معهم، وذلك بهدف تدريب أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي. على الرغم من عدم فهمك الكامل لهذه الشروط، فإنك توافق عليها وذلك بسبب حماسك وحرصك على بدء هذا العمل ورغبتك في ترك انطباع جيد. لكن مع مرور الوقت، تشعر بأنك لم تكن على دراية كافية بالشروط التي وافقت عليها، فيبدأ مستوى ثقتك بالمؤسسة والتزامك تجاهها بالتراجع، وقد يصل بك الأمر إلى التفكير في الاستقالة أو اتخاذ إجراءات قانونية بسبب شعورك بأن الاتفاق كان مفروضاً عليك بطريقة غير عادلة.

هذا الوضع ليس غريباً ويمكن أن يترك عواقب مهمة على كل من الموظفين والمؤسسات حسبما نراه في الأمثلة البارزة مؤخراً. على سبيل المثال، رفع موظفون في شركة اتصالات كبيرة دعوى قضائية ضد صاحب الشركة بعد أن وافقوا في البداية على حمل هواتف أصدرتها الشركة لتتبّع مواقعهم، ثم اكتشفوا لاحقاً أن ذلك يعني تتبعهم داخل الشركة وخارجها. في مثال آخر، تنازل المشاركون في برامج "تلفزيون الواقع" (Reality TV) عن حقوقهم في الخصوصية من خلال توقيع اتفاقيات قانونية بطريقة متسرعة وغير مدروسة، فانتهى بهم الأمر برفع دعوى قضائية ضد الشبكة التلفزيونية. وحتى النجمة العالمية تايلور سويفت شعرت بالندم على الشروط القانونية التي وافقت عليها عندما باعت الشركة التي تتعامل معها 6 من ألبوماتها دون علمها أو موافقتها، فانتقمت النجمة بإعادة تسجيل مجموعة أعمالها الموسيقية وحرمت الشركة المتعاقدة معها من ملايين الدولارات التي كانت تحصل عليها من ألبوماتها، واحتفظت بالعوائد المالية لنفسها.

في كل من هذه الحالات، حصلت الشركات على موافقة العميل أو الموظف من الناحية القانونية، لكنها لم تحصل على موافقته من الناحيتين العاطفية والنفسية؛ بعبارة أخرى، حصلت هذه الشركات على التوقيعات اللازمة على مستنداتها القانونية، لكن الموقّعين أنفسهم لم يكونوا مدركين تماماً لما وافقوا عليه وملتزمين به. تُظهر هذه الأمثلة أن التسرع في إتمام اتفاق قانوني قد يؤدي إلى نتائج عكسية عندما يشعر أحد الأطراف بأنه قد تعرض للخداع، ما يسبب تدهور العلاقة بين الطرفين على نحو لا يمكن إصلاحه.

قد يظن من يصيغ الاتفاق أن شروطه واضحة ومفهومة وأن الطرف الآخر وقّع عليها وهو يدركها ويفهمها تماماً، ليكتشف لاحقاً أن الطرف الآخر مستاء لأنه غير راضٍ عن الاتفاق أو لا يفهمه تماماً. في دراسة جديدة ستنشرها قريباً مجلة السلوك التنظيمي وعمليات القرار الإنساني (Organizational Behavior and Human Decision Processes)، نحلّل الأسباب والآليات التي تؤدي إلى هذه المشكلات في التفاهم، ونستعرض الإجراءات التي يمكن أن يتخذها أصحاب الشركات لتقليل المخاطر وتعزيز الثقة مع فِرقهم.

التحيزات النفسية يمكن أن تؤدي إلى تقديرات خاطئة

يشير العديد من التحيزات النفسية إلى الأخطاء التي نرتكبها عند تقييم تجارب الآخرين الذاتية. على سبيل المثال، نعتمد أحياناً على السلوكيات التي يمكن ملاحظتها لتقييم الحالتين النفسية والعاطفية بالنسبة للآخرين، على الرغم من أن هذه السلوكيات قد لا تعكس ما يشعرون به فعلياً. هذا يعني أنه عندما نلاحظ موافقة شخص ما من خلال سلوكه الظاهري، مثلما يحدث عندما يوقّع على وثيقة، فإننا نفترض تلقائياً وجود موافقة نفسية ضمنية حقيقية تتطابق مع هذا السلوك.

بالإضافة إلى ذلك، فإننا نعتمد بدرجة كبيرة على معرفتنا وتجاربنا الشخصية وخبراتنا عند محاولة تقييم ما يعرفه الآخرون وما يشعرون به؛ وعندما نفهم شروط اتفاق ما ونوافق عليها، فإننا نفترض غالباً أن الآخرين يفهمونها ويوافقون عليها أيضاً.

يمكن أن تؤدي هذه التحيزات إلى مبالغة من يصوغ الاتفاق في تقدير مدى اطلاع الأفراد الذين يعطون الموافقة على شروط الاتفاق وتفاصيله، وبالتالي قد يعجز عن توقع استيائهم لاحقاً وعدم رضاهم، بسبب اعتقاده أنهم كانوا مدركين تماماً لتفاصيل الاتفاق عندما أعطوا موافقتهم عليه.

درسنا هذه الفرضية من خلال سلسلة من الأبحاث التي شملت مواقف تفاعل فيها المشاركون مع سيناريوهات تتعلق بالموافقة في مكان العمل، وتفاوضوا بشأن اتفاقيات في الوقت الفعلي، وأعربوا عن آرائهم حول مدى فهمهم وموافقتهم الفعلية على شروط عملهم.

هل الموظفون على دراية كافية بتفاصيل الاتفاق؟

في إحدى الدراسات قرأ المشاركون مجموعة من السيناريوهات، منها قصة سميرة، وهي موظفة وقّعت على اتفاق تحكيم إلزامي في أثناء عملية انضمامها إلى الشركة، بالإضافة إلى قصة أمجد، وهو مريض وافق على إجراء طبي على الرغم من إبلاغه أن التأمين لن يغطي التكاليف المتوقعة. اعتقد المشاركون الذين قرؤوا هذه السيناريوهات من وجهة نظر كلّ من ممثل الموارد البشرية الذي حصل على توقيع سميرة والطبيب الذي حصل على موافقة أمجد أن سميرة وأمجد كانا على دراية بالشروط. كما اعتقدوا أن قرار سميرة وأمجد بالموافقة كان طوعياً وناتجاً عن فهم عميق للشروط والأحكام أكثر مقارنة برأي المشاركين الذين قرؤوا السيناريوهات من وجهة نظر سميرة وأمجد.

للتأكد من أن هذه النتائج لم تكن ناتجة عن طبيعة الأمور التي كان يجب على سميرة وأمجد الموافقة عليها والتي قد تكون غير مرغوبة، أجرينا دراسة أخرى حصل فيها المشاركون على فرصة للموافقة على أمر إيجابي، وهو تلقي مكافأة مالية غير متوقعة. اخترنا في هذه الدراسة مجموعة من المشاركين عشوائياً للحصول على مكافأة مالية غير متوقعة، وطلبنا من كل مشارك بعد ذلك اقتراح طريقة لتوزيع هذه المكافأة بينه وبين مشارك آخر سيحصل على حصته بشرط موافقته على طريقة التوزيع المقترحة. فاقترح معظم المشاركين توزيع المكافأة بين كل منهم وبين المشارك الآخر بالتساوي، وكان هذا الاقتراح مقبولاً في معظم الحالات. على الرغم من أن هذا الشرط كان عادلاً وواضحاً، فقد أشار المشاركون الذين وافقوا عليه إلى أن شعورهم بالموافقة لم يكن قوياً وحقيقياً مقارنة بما افترضه مقدمو العرض.

أخيراً، درسنا كيفية حدوث هذه الديناميات وأثرها في بيئات العمل الحقيقية ذات العواقب الملموسة، فأجرينا استطلاعاً لآراء عدد من مدراء التوظيف في قطاعات متنوعة، وطلبنا منهم تقييم فهم الموظف الذي عملوا على توظيفه مؤخراً لشروط وظيفته وموافقته عليها.

بعد ذلك، استطلعنا آراء مجموعة من الموظفين وسألناهم عن مدى فهمهم وموافقتهم الحقيقية على شروط عملهم الحالية. اعتقد 52% من مدراء التوظيف أن الموظفين الجدد كانوا على دراية كاملة بشروط العمل، واعتقد 65% منهم أن هؤلاء الموظفين وافقوا على هذه الشروط بوعي كامل، في حين أشار 20% فقط من الموظفين إلى أنهم فهموا شروط وظيفتهم تماماً، وأفاد 39% منهم فقط بأنهم وافقوا عليها بوعي كامل. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسات أن الموظفين الذين شعروا بأنهم غير مطّلعين بدرجة كافية على شروط وظائفهم في بداية العمل كانوا أكثر عرضة للانفصال عنه ذهنياً وفقدان الحماس والشعور بأن بيئة العمل غير عادلة، بالإضافة إلى تدهور علاقاتهم مع مشرفيهم، كما زادت احتمالية تفكيرهم في الاستقالة.

ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الشركات لتعزيز الثقة؟

في سياق العمل المؤسسي، الموافقة ليست مجرد إجراء شكلي؛ بل حجر الأساس لعلاقة مهنية قائمة على الثقة والإنتاجية والكفاءة.

ولكن نتائج أبحاثنا تشير إلى أن المسؤولين عن طلب الموافقة في المؤسسات يبالغون غالباً في تقدير إدراك الموظفين وفهمهم لتفاصيل السياسات والعقود والمهام الإضافية التي يوافقون عليها في العمل. يمكن أن يؤدي هذا التقدير الخاطئ إلى تداعيات مباشرة على المؤسسات تتمثل في انخفاض تفاعل الموظفين ومشاركتهم وزيادة معدل الدوران الوظيفي.

يمكن أن تبدأ المؤسسات التي تسعى إلى معالجة هذه الفجوة بين تصور أصحاب العمل لفهم الموظفين لشروط العمل وواقعه، بالتركيز على تحسين مستوى الشفافية والوضوح فيما يتعلق بشرح السياسات والشروط التي يوافق عليها الموظفون. كما يمكن أن يسهم توفير وقت كافٍ للموظفين لمراجعة تفاصيل العقود أو السياسات ومناقشتها في سد هذه الفجوة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم استخدام لغة واضحة وتجنب تقديم كميات كبيرة من المعلومات والإجابة عن الأسئلة بعناية واهتمام في تحسين فهم الموظفين وتعزيز ثقتهم بأنهم على دراية بالشروط التي يوقعون عليها. يجب على المؤسسات أيضاً إجراء عمليات مراجعة دورية لإعادة تقييم وعي الموظفين بالأدوار أو المسؤوليات التي تتغير بمرور الوقت وموافقتهم عليها، والسعي لإنشاء بيئة يشعرون فيها بالقدرة على طرح الأسئلة أو طلب التوضيحات دون الخوف من العواقب السلبية.

قد يشعر الموظفون بأن بعض شروط التوظيف قسرية بطبيعتها، لكنّ أصحاب الشركات يرون أنها ضرورية. في مثل هذه الحالات، قد يكون من الضروري أن توضح المؤسسات أسباب هذه الشروط غير المرغوبة والتنازلات التي تطلب من الموظفين تقديمها صراحةً حتى يتمكنوا من تقييم الإيجابيات والسلبيات واتخاذ قرارات مدروسة وواعية. على الرغم من أن الكثير من الأشخاص يترددون في التنازل عن بعض حقوقهم مثل الاستعانة بمحامٍ، أو التمتع بحرية نشر المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عدم السماح باستخدام بياناتهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنهم قد يكونون على استعداد لإجراء مثل هذه التنازلات من أجل الحصول على وظيفة. مع ذلك، فإنه من مصلحة المؤسسة أن يقدم الموظفون مثل هذه التنازلات بناءً على معرفة واعية وكاملة وفهم شامل للتفاصيل.

الدرس هنا واضح، وهو أن الحصول على موافقة حقيقية وواعية ومدروسة يتطلب أكثر من مجرد الحصول على توقيع أو التوصل إلى اتفاق شفهي. والمؤسسات التي تسعى إلى تجاوز الامتثال القانوني وضمان الحصول على موافقة حقيقية وواعية ومدروسة ستنجح في إنشاء فريق عمل يشعر بالاحترام والثقة والمشاركة الفعالة والانتماء. من خلال سد الفجوة بين تصور أصحاب الشركات لفهم الموظفين لشروط العمل وواقعه، تحقق المؤسسات التزاماً بالمعايير الأخلاقية وتضمن إنشاء فريق عمل أكثر ولاء ومشاركة، ما يؤدي إلى نجاح طويل الأمد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي