هل لديك عضو بكَّاء ضمن فريقك؟ معروف أن البكَّاء هو الشخص الحساس الذي يعبر عن قلقه وحزنه وإحباطه بالبكاء. أو قد يكون لديك عضو كثير الصراخ والجلبة، كلما غضب ضرب بقبضته الطاولة، يتدخل بحدّة في كل القرارات. هذا الثوران العاطفي مزعج يضعف فريقك ويعطل إنتاجيته ويقيد قدرته على الابتكار.
لذلك يجب ألا تسمح للموظف العاطفي بإرجاء مشكلة أو التخفيف من حدّتها أو إطالة مدتها إذا كان العمل يطلب منك حلها، وأن تفهم حقيقة الثوران العاطفي، وهي أنه طريقة للتواصل. العواطف إشارات إلى أن المشكلة التي تناقشها تمس قيمة أو معتقداً يتمسك به الطرف الآخر، لذا عليك أن تعدّ الثوران العاطفي مصدراً لثلاثة تصنيفات من المعلومات: البيانات العاطفية؛ والبيانات الحقيقية أو الفكرية؛ والدوافع والقيم والاعتقادات.
إن لم نركّز إلا في أول تصنيفين اللذين هما العواطف والحقائق، تعثّرنا، ومن السهل أن نتعثر. فمثلاً، عندما يبدأ أحدهم الصراخ بشدة فقد تظن أنه غاضب (عاطفة) لأن الإدارة أوقفت تمويل مشروعه قبل قليل (حقيقة)؛ يتوقف الكثير من المدراء بتفكيرهم عند هذا الحد لأنهم يرون أن العواطف مزعجة، أو لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون معها. لذلك فالخطوة الأولى هي أن ترفع وعيك الذاتي بالتشكيك في طريقة تعاملك مع العواطف. ثمة خرافات كثيرة تعترض تعامل قائد الفريق مع العواطف بفعالية:
الخرافة رقم 1: لا مكان للعاطفة في العمل
أينما يوجد البشر توجد المشاعر لا محالة، وسيؤدي تجاهلها أو كبتها أو إلغاؤها إلى إثارة مشكلات خفية مدمرة. هذه الفكرة القديمة من الأسباب التي تجعل الناس يميلون إلى السلوك العدواني السلبي، فالمشاعر ستخرج بطريقة أو بأخرى، لكن إما أن تخرج على الملأ وإما في الخفاء.
الخرافة رقم 2: ليس لدينا الوقت للحديث عن مشاعر الناس
هل لديك الوقت للتعامل مع التحايل والاتفاقات السرية؟ هل لديك الوقت للتعامل من جديد مع القرارات السابقة؟ هل لديك الوقت لمشكلات الفشل في التنفيذ؟ سيؤدي تجنب المشكلات العاطفية في بداياتها إلى إرجاء أثرها فحسب، وإذا شعر الموظفون بأنك لا تستمع إليهم، فستتفاقم مشاعرهم إلى أن تجد نفسك في موقف مدمر حقاً.
الخرافة رقم 3: تشوه العواطف عملية صنع القرار
تؤثر العواطف بالطبع في عملية صنع القرار، ولكن أثرها يتوقف على تعاملك معها؛ فإما أن توضح طبيعة دورها وحجمه وإما أن تسمح لها بالتحول إلى تحيزات خفية.
إذا تحققت من معتقداتك فستزداد قدرتك على تجاوز العواطف والحقائق لتصل إلى قيم الطرف الآخر التي تتعرض للتهديد أو الانتهاك، وهذا أمر بالغ الأهمية لأن انفعال الموظف البكَّاء والموظف الكثير الصراخ في فريقك سيزداد إذا شعرا بأنك لا تفهمهما. يكمن الحل في مناقشة الحقائق والمشاعر والقيم، وبذلك سيشعر موظفوك بأنك تستمع لهم فتتلاشى انفعالاتهم العاطفية تدريجياً، ومن ثم ستتمكن من التركيز على اتخاذ أفضل قرارات العمل الممكنة.
إليك الطريقة.
استكشاف العواطف
إذا انتظرت حتى تبلغ العواطف ذروتها، فلن يَسهُل عليك التحكم بها، لذا عليك التنبّه إلى العلامات التي تشير إلى ما يثير القلق. تأتي أهم العلامات من التعارض بين ما يقوله الشخص وما تخبرك به لغة جسده، فعندما تلاحظ أنه لا ينظر إليك مباشرةً أو يتضرج وجهه باللون الأحمر فتحدث صراحة عما تراه: "يا سيف، لقد سكتَّ مرتين دون أن تُكمل حديثك. ما خَطْبك؟"
أَنصِتْ
أنصت للرد جيداً، سواء لما يقال أو ما تستشفه عن الحقائق والمشاعر والقيم. سوف تفهم العواطف الضمنية في اللغة، لا سيّما في الكلمات المتطرفة أو المتكرِّرة. "لدينا عجز في الميزانية بنحو مليوني دولار، وهذه رابع مرة نجتمع فيها لتجاذب أطراف حديث فكري لطيف!" تعطيك لغة الجسد مرةً أخرى بعض الإشارات، فإن كان غاضباً (منحنياً أو يطبق أسنانه أو يضم قبضته) فسيختلف شكله تماماً عما لو كان محبَطاً (يتجنب النظر إلى الآخرين مباشرة ولا يعتدل في جلسته) أو رافضاً (يبدي تعابير الاستهزاء على وجهه أو يدير وجهه عن الحاضرين).
اطرح الأسئلة
عندما تسمع أو ترى ما يدل على عواطف يخفيها الشخص الآخر، حافظ على هدوئك وصوتك المنخفض واطرح سؤالاً يحفزه على الحديث عن القيم. "أشعر بأنك محبط، فما السبب؟" أنصِت إلى رده ثم حاول التعمق في عواطفه بطرح فرضية والتحقق من صحتها: "ألا يحتمل أن يكون سبب إحباطك أننا نعطي أهمية أكبر لتأثير القرار على الموظفين، في حين تعتقد أننا بحاجة إلى التركيز على ما يصب في صالح العمل فحسب؟"
عالج المشكلة
إذا صحَّت فرضيتك فستلاحظ عليه علامات الارتياح، بل لعله يعبر عن سروره فيقول "نعم بالضبط!" يمكنك أن تلخص الموضوع وتقول "لقد تحدثنا عن إغلاق مكتب كليفلاند عامين، وأنت محبَط لأنك تعتقد أن القرار الصحيح للعمل كان واضحاً". ساعدت لتوِّك عضو فريقك في التعبير عن القيم التي يرى أنها توجهنا لاتخاذ القرار الصحيح، والآن سيرى أعضاء الفريق بوضوح أسباب خلافاتهم، وربما سارع ثلاثة منهم ليقولوا في آنٍ معاً: "نحن نتحدث عن الذين أفنوا حياتهم في سبيل هذه المؤسسة". وها نحن نبدأ من جديد، فاستخدم العملية نفسها للكشف عن وجهات النظر المتعارضة.
بمجرد أن يعمل جميع أعضاء الفريق في ضوء تصنيفات البيانات الثلاثة نفسها -الحقائق والعواطف والقيم- سترى المشكلة بوضوح، وهي في مثالنا تتمثل في موازنة الضرورة المالية مع أثرها في الموظفين. ستجد أن حل المشكلات أصبح أسرع من ذي قبل على الرغم من أن الوقت الذي يستغرقه استنباط القيم قد يمر بطيئاً في بداية الأمر. ومن المفارقات أنك حين تقرّ بعواطف الآخرين ستقل انفعالاتهم العاطفية مع مرور الوقت، لأن قمع العواطف أو جمع الحقائق لتبريرها يؤدي غالباً إلى السلوك غير المنطقي.
إذا كنت تقود فريقاً عالي الأداء، فمن المستحسن أن تستعد للتعامل مع العواطف المزعجة والمضطربة والمعقدة، وإذا أخفقت في ذلك بسبب عضو عاطفي في الفريق، ففكر بعض الوقت في كيفية التعامل معه ثم تحدث معه اليوم؛ لا تؤجل الحديث.