هل تستطيع التنبؤ سلفاً بنجاح شركة ناشئة بناء على فكرتها الأولية فقط؟

4 دقيقة

من السهل على المرء أن يسخر من الأفكار السيئة التي تطرحها بعض الشركات الناشئة – مثل إنشاء موقع لتأجير المراحيض على غرار موقع "إير بي إن بي" (Airbnb) لتأجير البيوت – لكن ليس من السهل المسارعة إلى اختيار الأفكار الجيدة قبل الآخرين. وما عليك إلا أن تسأل أصحاب رأس المال المغامر أو ما يسمى بـ "رأس المال الجريء" (Venture Capitalists) الذين يستثمرون في مشاريع تكتنفها المخاطر، خاصة وأن معظمهم يخسرون المال. كما أن الصعوبة في التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة هي جزئياً السبب الذي يجعل ما يسمى بـ "المستثمرين الملائكة" (Angel Investors) يتخذون قراراتهم بالاستثمار في شركة معينة معتمدين إلى حد كبير على الفريق المؤسس لهذه الشركة.

فهل للفكرة الأولية أي أهمية على الإطلاق في نجاح الشركة الناشئة؟

تساعد الأبحاث الجديدة في الإجابة عن هذا السؤال، وهي تعزز الرأي القائل بمدى صعوبة اختيار الشركة الناشئة بناءً على فكرتها الأولية وحدها فقط. فقد كشفت ورقة علمية من تأليف إرين سكوت من جامعة "سنغافورة الوطنية"، وبيان شو من كلية "هارفارد للأعمال"، ورومان لوبينسكي من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا"، بأن الجودة المتصورة لفكرة الشركة الناشئة كفيلة بالتنبؤ بنجاحها في بعض القطاعات فقط، ولكن ليس في البعض الآخر. إذا كنت تستثمر في شركات ناشئة في مجالات علوم الحياة أو الطاقة، على سبيل المثال، فإن الفكرة الأولية تبدو أكثر أهمية مما لو كنت تستثمر في شركة برمجيات أو منتجات استهلاكية.

لقد درس هؤلاء الباحثون مجموعة من البيانات التي تعود إلى 652 شركة ناشئة ضمن قاعدة البيانات التابعة لمؤسسة دعم الشركات الناشئة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "في إم إس" (VMS)، والتي تعمل على تأدية دور الوسيط بين الفِرق المؤسِّسة للشركات والمرشدين الذين يزودونهم بالتوجيهات الإشرافية. الأمر الملفت في البيانات هو الطريقة التي يتبعها المرشد في اختيار الفِرَق التي يرغب في العمل معها. فالمرشدون المحتملون "يحصلون على ملخص موضوعي عن الشركة المقترحة، مصاغ وفق نموذج محدد، يضعه أحد موظفي مؤسسة "في إم إس". كما أنهم لا يحصلون إلا على قدر محدود للغاية من المعلومات حول الفريق. واعتماداً على قوة الملخص وحده، ودون الاجتماع برواد الأعمال، يتعيّن على هؤلاء المرشدين تقرير ما إذا كانوا يريدون العمل مع الشركة المعنية أم لا. بعبارة أخرى، يعتمد قرار المرشدين بالكامل تقريباً على رأيهم بفكرة الشركة الناشئة المحتملة.

وقد قاس الباحثون مدى الاهتمام الأولي للمرشد وتجاوبه مع الملخص المقدم لفكرة الشركة، ثم قارنوا بين ذلك المقياس والمحصلة النهائية للشركة. وبالتالي كلما كان الاهتمام الأولي من المرشدين أكبر، كان احتمال نجاح الشركة في التحول إلى فكرة تجارية مربحة أكبر، وكانت هذه الشركة أقدر على الحصول على رأسمال مغامر أو أموال من المستثمرين الملائكة. وبالإجمال، فإن الأفكار الجيّدة – بحسب وجهة نظر المرشدين – كانت تتمتع بفرصة أكبر للنجاح.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى ستكون الفكرة التي تبدو جيدة أكثر قدرة على النجاح مقارنة مع الفكرة العادية؟ بالإجمال، نجحت 22% من الشركات في التحول إلى فكرة تجارية مربحة (وقد قيس هذا النجاح في التحول إلى فكرة تجارية من خلال تحديد ما إذا كانت الشركة قد أطلقت منتجاً معيناً أو خدمة معينة مع استعمال براهين وأدلة على تكرار المبيعات لديها). وبالنسبة للشركات التي كانت من الناحية الإحصائية فوق المعدل الوسطي من حيث اهتمام المرشدين، فقد كان احتمال نجاح تحولها إلى فكرة تجارية أكبر بنسبة 26%. وتعتبر نسبة الزيادة هذه كبيرة وذات دلالة إحصائية مهمة، لكنها تشير أيضاً إلى أن التنبؤ بنجاح الشركة الناشئة بناءً على فكرتها الأولية فقط هو أمر صعب للغاية. فالفكرة الأولية تساعد في التنبؤ بالنجاح، لكن هناك مجموعة كبيرة من العوامل المهمة الأخرى أيضاً والتي يجب أخذها بعين الاعتبار.

هل يمكن للارتباط الموجود بين اهتمام المرشد والنجاح أن يعني فقط بأن الإرشاد هو أمر مفيد؟ حاول الباحثون الإجابة عن هذا السؤال من خلال تجربة علمية مضبوطة. أولاً، مؤسسة دعم الشركات الناشئة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "في إم إس"، تتبنى آلية عمل تقوم على أن كل شركة بوسعها الحصول على الإرشاد، وهذا الأمر يشمل حتى الشركات القائمة التي تعتمد على أفكار ذات قدر أقل من الشعبية. ثانياً، عندما استبعد الباحثون حجم الإرشاد الذي حصلت عليه الشركات، وجدوا بأن الارتباط بين الاهتمام بالفكرة الأولية والنجاح النهائي ظل قائماً.

من الواضح بأن الأفكار التي حظيت بتقدير كبير لدى المرشدين كانت هي محرك العلاقة بين اهتمام المرشد بالفكرة وتحويل هذه الفكرة إلى فكرة تجارية مربحة في نهاية المطاف. فالفكرة العادية لم تكن تحظى باحتمال أكبر بكثير بأن تتحول إلى فكرة تجارية ناجحة مقارنة مع فكرة أخرى أقل من عادية. لكن الفكرة التي كانت تتمتع بتقدير مرتفع كانت تحظى باحتمال كبير جداً بأن تتحول إلى فكرة تجارية مربحة. وهذا أمر منطقي، بما أن عالم رأس المال المغامر يعتمد على النجاحات الكبيرة. وبالتالي فإن تمييز الأفكار الجيدة من الأفكار العادية قد يكون أكثر أهمية من مجرد تمييز الأفكار العادية من الأفكار السيئة. (وقد ظلت العلاقة قائمة بين اهتمام المرشد وتحويل الفكرة إلى فكرة تجارية، حتى بعد استبعاد أكثر الشركات شعبية، وبالتالي فإن هذا التأثير لم يكن ناجماً عن عدد قليل من الأفكار العظيمة فحسب).

وعندما حاول الباحثون دراسة البيانات بالتفصيل بحسب القطاعات، اتخذت الأمور منحىً مختلفاً. فقد جمعوا القطاعات التي تعتمد اعتماداً هائلاً على عمليات البحث والتطوير مثل علوم الحياة، والطاقة، والأجزاء الصلبة من الأجهزة الإلكترونية، في مجموعة واحدة، بينما جمعوا القطاعات التي تعتمد اعتماداً أقل على عمليات البحث والتطوير مثل البرمجيات، والمنتجات الاستهلاكية في مجموعة أخرى. وبالنسبة للشركات التي تعتمد اعتماداً هائلاً على عمليات البحث والتطوير، فإن العلاقة بين اهتمام المرشد وتحويل الفكرة إلى فكرة تجارية كانت أقوى، وتحديداً عندما كانت الفكرة تستند إلى أبحاث أكاديمية أو حقوق ملكية فكرية. ولكن في حالة البرمجيات والمنتجات الاستهلاكية، فإن هذه العلاقة لم تعد ذات دلالة إحصائية كبيرة.

دعونا ننظر إلى الأمر من الزاوية التالية: إذا كانت "فكرة" الشركة الناشئة تشمل تكنولوجيا محمية ببراءة اختراع في قطاع يحتاج إلى تكاليف مرتفعة للدخول إليه، فسيكون من الأسهل تقرير ما إذا كانت الشركة تنطوي على احتمالات النجاح التجاري أم لا. ففي حالة الشركات ذات العلاقة بمواقع الإنترنت والهواتف المحمولة، والتي ستتضمن قدراً أقل على الأغلب من حقوق الملكية الفكرية، والتي تعتبر التكاليف الأولية للبدء بها أخفض، سيكون من الصعب في بادئ الأمر تحديد ما إذا كانت الشركة ستمتلك ميزة تنافسية حقيقية ومستدامة أم لا.

لا شيء من هذا يعني بأن الأفكار الجيدة غير مهمة للشركات الناشئة. لكن هذه الأبحاث تعزز الفكرة القائلة بأنه من الصعب اختيار فكرة جيدة في مرحلة مبكرة من حياة الشركة الناشئة، وتحديداً في القطاعات والصناعات التي تعتمد اعتماداً أقل على عمليات البحث والتطوير. وبالتالي، من المبرر لجوء المستثمرين في هذه الحالة إلى المراهنة على عوامل أخرى، مثل طبيعة الفريق المؤسس، أو القدرة على جذب اهتمام الزبائن في مرحلة مبكرة.

لا شك في أن بعض المستثمرين سيختارون تجاهل كل ذلك، معتقدين بأنهم قادرون وعلى غير المعتاد على اختيار الأفكار الجيدة لشركات ناشئة. كما أن الثقة بالنفس الموجودة لدى بعض المستثمرين قد تكون مبررة هي الأخرى. ولكن هناك تحذير أخير يوجه إلى "المستثمرين الملائكة" و"أصحاب رأس المال المغامر" الذين يعتبرون أنفسهم خبراء في هذا المجال تحديداً. فقد قام الباحثون بالتدقيق ليروا ما إذا كان المرشدون "الخبراء" أفضل حالاً في اختيار الأفكار من بقية أفراد المجموعة بالإجمال. وقد أخذوا بعين الاعتبار مرشدين من ذوي الخبرة في مجال شركات رأس المال المغامر، وكذلك مرشدين من حملة شهادات الدكتوراه. ولم تكن أي من المجموعتين أفضل حالاً في التنبؤ بالأفكار التي ستنجح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي