أجرينا أكثر من 2,700 مقابلة شخصية مع أكثر من 100 مسؤول تنفيذي جديد، وعلى الرغم من أن البيانات الناتجة أكدت مخاطر استخدام الصلاحيات من أجل المنفعة الذاتية، اكتشفنا أن التحدي الأكبر في استخدام السلطة الممنوحة لم يكن استغلالها، بل التخلي عنها.

يواجه هؤلاء القادة صعوبات في ممارسة صلاحياتهم في سعيهم لتحقيق المساواة وحرصهم على منح مرؤوسيهم المباشرين الشعور بالتقدير والشمول، ومحاولتهم تجنب المخاطر المرتبطة باتخاذ قرارات صعبة. أفاد 57% من القادة أن صنع القرارات أعقد وأخطر مما كانوا يتوقعون، بينما قال 61% إن الآخرين يستنفدون وقتهم أكثر مما يطيقون، لكنهم يشعرون بصعوبة رفض طلباتهم خوفاً من الظهور بمظهر مَن يتعذر الوصول إليه. يشعر هؤلاء القادة بالعجز في الواقع لأنهم محاصرون بين الرغبة في إرضاء الآخرين أو اكتساب محبتهم، والخوف من ارتكاب أخطاء فادحة؛ كان من المثير للدهشة أن 60% من المشاركين عانوا حقيقةَ أن الآخرين ينسبون إليهم صلاحيات أكبر مما كانوا يعتقدون أنهم يمتلكونه في الواقع. علاوة على ذلك، أعرب نحو نصف المستجيبين عن اعتقادهم أن السلطة الممنوحة لمناصبهم غير كافية لتحقيق الأهداف التي كانوا مسؤولين عن تحقيقها.

لعل كل مسؤول تنفيذي يشعر بحسرة في مرحلة ما ويتساءل في قرارة نفسه عن سبب صعوبة تحقيق نتائج ذات مغزى على الرغم من توافر موارد كثيرة. نسمع هذه الشكوى دائماً من المسؤولين التنفيذيين الجدد، ومن المفارقات أنهم يتحملون غالباً مسؤولية عدم استخدام الصلاحيات التي يتمتعون بها بالفعل. حددنا من خلال بحثنا 4 حالات متكررة ومدمرة جداً للتخلي عن الصلاحيات:

الشلل

أو العجز عن ممارسة الصلاحيات؛ وهو أحد أشيع أشكال التخلي عن الصلاحيات، وقد تكون له آثار مدمرة على المؤسسة. نُعت أحد المسؤولين التنفيذين بـ “المتردد” وأصبح يُعرف بهذا اللقب بسبب عدم قدرته على الالتزام بأي قرار يتخذه، إذ كان عُرضة دائماً لظاهرة “الداخل الأخير”؛ أي التأثر برأي آخر شخص تحدث إليه وتبنّي وجهة نظره. كان ذلك القائد، بصرف النظر عن البيانات التي جمعها أو الدعم الذي يتمتع به، عاجزاً عن استخدام صلاحياته لاتخاذ خيار نهائي، ما أدى إلى حالة من الارتباك والغموض بين الآخرين بشأن وجود قرار من عدمه. سرعان ما أدرك أفراد الفريق إمكانية استغلال نقص الوضوح هذا لصالحهم؛ عندما لا يكون هناك دليل واضح على اتخاذ قرار نهائي، يمكنهم تفسير نتائج الاجتماع بما يتماشى مع وجهات نظرهم الخاصة، فيتضاءل خطر مساءلتهم لأنهم يستطيعون دائماً التحكم فيما يدّعون فهمه من قراره.

الشمول المفرط

يعوق أيضاً قدرة القادة على اتخاذ القرارات. يوهم القادة الخائفون أنفسهم بأن إشراك العديد من الأفراد في صناعة القرار يوزّع مخاطر مسؤولية اتخاذ قرار خاطئ. على الرغم من أهمية إشراك الذين سيتأثرون بنتائج القرار، لكن الإفراط في إشراك الآخرين على حساب اتخاذ الإجراءات ليس بناءً للإجماع بل محاولة للاحتماء من المخاطرة. أشار العديد من المسؤولين التنفيذيين المشاركين في الدراسة بسخط إلى هذه المشكلة. على سبيل المثال، اشتكى أحدهم قائلاً: “عدد من يتوقعون أن يكون لهم دور في صنع القرار غير منطقي، فذلك يجبرني على قضاء وقت أطول في تكوين إجماع مصطنع في الآراء بدلاً من تحسين جودة القرار نفسه. توقعت في البداية أن تكون لدي صلاحيات أكبر مما أتمتع به بالفعل”. يجب أن يتمتع المسؤولون التنفيذيون الجدد بمرونة كبيرة لتحمّل العداء الحتمي الذي ينتج عن القرارات التي لا تحظى بقبول الجميع، وتجنبها لا يوزع المخاطر، بل يزيد شدتها.

التكيف

وينطوي على إرضاء مخططات الآخرين الشخصية على حساب مصلحة عامة أكبر. في الحقيقة، يعزز منح الأفراد سيطرة أكبر على توجيه مشاريعهم شعورهم بامتلاك زمام الأمور، ولكن هذا النوع من التمكين الإداري يجب ألا يكون أبداً على حساب خطة المؤسسة الشاملة أو استراتيجيتها. يمكن لكبار القادة أداء دور حاسم في تشكيل هذا الاتجاه الاستراتيجي مع ترك المجال للآخرين لاتخاذ خيارات تترجم رؤاهم إلى إجراءات تتفق مع هذا الاتجاه. عندما يوافق القائد عشوائياً على طلبات الموارد القائمة على خطط الأفراد الشخصية من أجل منحهم الشعور بالسيطرة، لن يكون ذلك تمكيناً إدارياً في الواقع بل شكلاً من أشكال التخلي عن الصلاحيات. يُعد تضييق الأولويات وتركيز الجهود لتعزيز تنفيذها أحد أهم الإسهامات التي يمكن أن يقدمها المسؤول التنفيذي لتوحيد المؤسسة، ولكن عندما تفوق الحاجة إلى القبول الشجاعة اللازمة للرفض، فستؤدي إلى تفكيك المؤسسة وتولّد الشكل الأخير من التخلي عن الصلاحيات.

التسامح مع الأداء الضعيف

هو النمط الرئيسي الأخير الذي لاحظناه للتخلي عن الصلاحيات. يحدث ذلك غالباً في المؤسسات التي تتعامل مع كثير من الأولويات المتزاحمة وتعاني تخصيص الموارد على نحو غير ملائم، ما يؤدي إلى إرباك الموظفين وبالتالي إضعاف الأداء في المؤسسة. عندما يصل الموظفون إلى استنتاج مفاده أن الخطة أو الاستراتيجية تفتقر إلى المصداقية ولا يمكن أخذها على محمل الجد بسبب تغير الأولويات باستمرار، يضعف التزامهم بتنفيذ الاستراتيجية وتتراجع النتائج بالتالي. وهكذا لا يستطيع المسؤول التنفيذي الذي تسبب بالفوضى معالجة الأداء المتدهور، وبالتالي عليه أن يتسامح معه ويتقبّله لتجنب انكشاف خداعه. من المفارقات أن الإفراط في منح الموافقات كيفما اتفق يقوّض الإحساس نفسه بالسيطرة الذي كان المسؤول التنفيذي يهدف إلى تقويته، ما يقود المؤسسة المنقسمة إلى مزلق الأداء الضعيف الذي كان يعتقد أنه يحاول جاهداً تجنبه.

الصلاحيات هي مورد أساسي للأدوار التنفيذية، فهي الأداة التي تساعد القائد على خلق تأثير دائم في مؤسسته أو مجاله. يمكن للقائد استخدام صلاحياته لتصحيح الظلم التنظيمي ورعاية المواهب الواعدة وتحقيق إنجازات عظيمة. وفي حين يتطلب استخدام الصلاحيات والنفوذ الحكمة والمسؤولية، فأفضل طريقة لتحقيق نتائج إيجابية تكمن في تقبّلها واستثمارها بدلاً من الخوف منها.