في عصر سيادة المستهلك، زادت سلطة الزبائن ومتطلباتهم لينتهكوا غالباً الأعراف الاجتماعية أثناء تفاعلاتهم مع موظفي الخطوط الأمامية، وذلك كي يحققوا استفادة قصوى من علاقاتهم مع الشركات. وفي ظل ظروف كهذه، تتزايد الأفعال الفظّة والعدائية التي يرتكبها الزبائن تجاه الموظفين؛ إذ تكشف الأدلة أن 87% من عمال الوجبات السريعة في أستراليا قد تمت معاملتهم بشكل فظّ من قبل زبائنهم، وذلك بحسب تقرير لقناة "إيه بي سي نيوز" (ABC News) لعام 2018. كما يشير تقرير لمؤسسة غالوب في العام 2018 إلى أن سوء المعاملة في مكان العمل قد أصبح السبب الأول لإنهاك الموظفين. وعلاوة على ذلك، تشير الأدلة إلى أن مطالب الزبون الوافرة والمفرطة تؤدي إلى زيادة التعب المعرفيّ الذي يعانيه الموظفون، بينما تُسفر الأفعال العدائية التي يرتكبها الزبون عن زيادة التوتر النفسي الذي يعانيه الموظفون.
إن ارتفاع تواتر فظاظة الزبائن من جهة، والتأثيرات السلبية لمثل هذه السلوكيات على معنويات موظفي الخطوط الأمامية ورفاههم من جهة أخرى، يطرحان مسألة تتعلق بما يمكن للمدراء في قطاعات الخدمات عالية التواصل كالسياحة والضيافة عمله لتسوية أوضاع مجهدة كهذه.
في مجال الضيافة، يُمثّل المشرفون خط الدعم الأول (والأخير) لموظفي الخطوط الأمامية عندما يتعاملون مع زبائن مثيرين للمشاكل، كما يشكّلون المورد التنظيمي الفوري الوحيد المتاح لدعم الموظفين في التغلّب على أي تحديات متعلقة بوظيفتهم أو حوادث غير متوقعة للزبائن. لذلك فإنه من الطبيعي أن يكون اهتمام المشرفين النشط بموظفي الخطوط الأمامية ودعمهم موضع ترحيب عموماً، إذ يُعزّز من سلامة الموظفين النفسية ويساعدهم على أداء أدوارهم بشكل أفضل. على الرغم من ذلك، تشير الأدلة إلى أنه يمكن للمشرفين أيضاً ممارسة تأثير ضار على الموظفين بحسب النهج القيادي الذي يتبعونه وفق مختلف الظروف. على سبيل المثال، في إطار جهودهم لضمان اتباع معايير الجودة، يمكن لبعض مدراء الفنادق أن يكونوا توجيهيين بشكل مفرط، ويقدّمون إرشادات شديدة التفصيل إلى موظفي الخطوط الأمامية، وينبّهونهم باستمرار إذا حدثَ وحادوا ولو بشكل بسيط عن الإرشادات. هذا أمر طبيعي في الأسلوب القيادي الإرشادي والسلطوي، الذي يبحث بشكل مستفيض الوثائق التي تزيد من إجهاد موظفي الخطوط الأمامية، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تدنّي مستويات خدمة الزبائن وانخفاض مستوى رضا الزبون وولائه.
الأسلوب السلطوي
بغية اكتشاف مدى قدرة مختلف أساليب القيادة لدى المشرفين على التخفيف من التأثيرات السلبية الناتجة عن فظاظة الزبائن تجاه موظفي الخطوط الأمامية، طلبنا من عدد كبير من موظفي الخطوط الأمامية الذين يعملون في فنادق من فئة خمس نجوم في أبوظبي أن يضعوا أنفسهم مكان موظفي الخطوط الأمامية الموصوفين في نوبات فظاظة الزبائن التي حدثت بالفعل (بالاستناد إلى توصيفات مجموعة أخرى من موظفي الخطوط الأمامية من الفنادق ذاتها ممن لم يشاركوا في الدراسة). ولتقييم تأثيرات مختلف أساليب القيادة لدى المشرفين مثل أسلوب التمكين وسياسة عدم التدخل والأسلوب السلطوي، أثرينا هذه النوبات الفعلية من فظاظة الزبائن بتوصيفات نمطية لسلوكيات المسؤولين وفق مختلف أنواع الأساليب القيادية. على سبيل المثال، في حالة الزبون الذي يُطالب موظف الخطوط الأمامية المناوب بالانتقال إلى غرفة ذات سعر أعلى بكثير من السعر الذي حجزه بالفعل، يُصور مشرف تمكيني على أنه يقف بعيداً عن الموظف مبدياً تعابير وجه متعاطفة وإيجابية ووضعية جسد تميل نحو الموظف، وهو جاهز ليتدخل كي يدعم الموظف في حال طلب منه ذلك، بينما يُصور المشرف الذي يتّبع أسلوب عدم التدخل على أنه لا يولي اهتماماً يُذكر للمشهد بأكمله، ويُصور المشرف السلطوي على أنه يتدخل فوراً، محيّداً الموظف بالكامل. تشير التحليلات الإحصائية للبيانات المجمّعة إلى أن المشرفين التمكينيين أكثر فاعلية بكثير في التخفيف من حدة توتر موظفي الخطوط الأمامية وتفكيرهم السلبي ونواياهم للانتقام من الزبائن الفظّين، فضلاً عن نوايا الانسحاب من وظائفهم بالمقارنة مع القادة الذين يتّبعون سياسة عدم التدخل والقادة السلطويين على حد سواء.
بناء على ذلك، يتعيّن على المشرفين اعتناق أسلوب قيادي يتفهم الوضع القائم بشكل أكبر، إلى جانب تكييف نهجهم مع كل حالة والاختيار من بين أساليب القيادة المختلفة. على سبيل المثال، يُعدّ اعتماد أسلوب قيادة تمكينيّ (مثل توفير استقلالية واسعة للموظفين في التعامل مع الزبائن وثقة في أحكامهم) أكثر فائدة في التخفيف من مستويات الإجهاد الذي يعانيه موظفو الخطوط الأمامية ومن أفكارهم السلبية، أثناء تصرفات الزبون العدائية والفظة على حد سواء. وعلاوة على ذلك، يَثني أسلوب القيادة التمكيني الموظفين عن الانفجار في وجه الزبائن والانتقام منهم والذي يُمثّل أصعب الحوادث التي قد يتعيّن على مدير المتجر التعامل معها. تشير هذه الرؤى الثاقبة إلى ضرورة أن يصبح دعم المشرفين للموظفين أكثر ملاءمة وتخصصاً، إذ إنّ دعم المشرفين – بصيغته العامة – لا يساعد الموظفين بالضرورة على التخلّص من الأعباء المعرفية والنفسية التي يتحّملونها بعد التعامل مع زبائن مثيرين للمشاكل.