لقد رأينا جميعاً أو سمعنا عن شركات بارزة باءت صفقات الاندماج والاستحواذ فيها بالفشل. مثل محاولة الاندماج بين شركتي "أيه أو إل" (AOL) و"تايم وارنر" (Time Warner)، وبين شركتي "هيوليت-باكارد" (آتش بي) (HP) و"كومباك" (Compaq)، وشركتي "كويكر" (Quaker) و"سنابل" (Snapple)، فكيف يمكن تجنب فشل صفقات الاندماج والاستحواذ؟
ليس هذا إلا غيض من فيض فيما يتعلق بصفقات الاندماج الكبرى. يظهر تحليل، أجرته شركتنا، تناول 2,500 صفقة من هذه الصفقات، أن ما يزيد على 60% منها يُدمر قيمة أسهم الشركة. ربما يجب أن تُعلن مثل هذه الصفقات مع تحذير رسمي مضمونه: "انتبه! قد تُسبب عمليات الاستحواذ أضراراً جسيمة لصحة شركتك، وقد تصل إلى حد الوفاة".
ومع ذلك، في ضوء هذه البيانات المخيبة للآمال، يشعر العديد من قادة الشركات بأنهم مرغمون على استكمال مسيرة النمو في شركاتهم من خلال صفقات الاندماج والاستحواذ، معتقدين أن مخاطر التوقف عن النمو تضاهي مخاطر تلك الصفقات. فعلى الرغم من كل شيء، إذا آتت صفقات الاستحواذ ثمارها، فبإمكانها أن تعمل كترياق محفز على التحول يناهض آثار السوق الأساسية البطيئة، وهوامش الربح الآخذة في الاندثار.
كما أوضح لنا بحثنا، فإن جوهر المشكلة لا يكمن في العدد المرتفع من صفقات الاندماج والاستحواذ في حد ذاته، بل بالأحرى في أن كثيراً من الرؤساء التنفيذيين يفتقرون إلى القدر الكافي من الانضباط في تنفيذهم لعملية التقييم التي تُحرك بدورها هذه الصفقات، وعليه، غالباً ما يقيّمون هذه الصفقات تقييماً خاطئاً. فمثلاً، على الرغم من أهمية تحديد أوجه تعاون الشركة بدقة وحساب جدواها، فإن أعمال الاستقصاء والتحري كثيراً ما تقود إلى نظرة مفرطة في التفاؤل لفرصة تضافر الإيرادات. عادة ما تتضمن الافتراضات الأقل رجحاناً أن تحدث تقديرات لكمية الإيرادات الإضافية التي قد تجنيها الشركة فور إتمام عملية الاندماج. وهذا بدوره يدفع مقدمي العروض إلى ضخ مبالغ طائلة.
إطار عمل متكامل لتجنب فشل صفقات الاندماج والاستحواذ
كشفت تجربتنا، مع العديد من الشركات العالمية عبر مختلف الصناعات والقطاعات، عن إطار عمل يُمكّن الشركات من استكمال مسيرة النمو من خلال عملية استحواذ تقلل المخاطر التي تحدق بالشركة، وتساعدها في التغلب على الصعاب. وكما كتبنا سابقاً، عادة ما يتمثل أفضل مسار أمام الشركة للنمو بسرعة، مع مواجهة مخاطر محدودة، في إنشاء منتجات وخدمات جديدة تعزز موارد الشركة الحالية وترضي عملاءها، وتنمي قدراتها. في خضم البحث الذي أجريناه من أجل كتابنا، وجدنا أن هذا النهج يوفر أيضاً منهجية مثالية يُمكن للقادة استخدامها لتحديد صفقات الاندماج والاستحواذ التي من المرجح أن تؤتي ثمارها - وهو نهج دقيق تماماً كعدسة مكبرة تُميز وبكفاءة أوجه التعاون المحتملة المثمرة للشركة، من غيرها غير المجدية.
مساعدة الزبائن على إكمال "رحلتهم"
أحد الأمثلة على عمليات الاندماج التي حققت نجاحاً مذهلاً، هو استحواذ شركة "بروكتر آند غامبل" (Procter & Gamble) على شركة "جيليت" (Gillette) في عام عام 2005. فعلى الرغم من أن الشركة خرجت ببعض أوجه التعاون فيما يخص التكلفة، فإن المردود الحقيقي جاء من حقيقة أن كلتا الشركتين أدركتا - بشكل مستقل - أن لديها الإذن لتوسيع نطاق خدماتها ومنتجاتها التي كانت تقدمها لعملائها الأساسيين، وأن القدرات اللازمة لتحقيق هذه الإمكانية متوافرة في الشركة الأخرى.
إذ سيطرت "جيليت" على سوق شفرات الحلاقة للرجال من خلال سلسلة شفرات الحلاقة "ماك" (Mach). في حين تمكنت شركة "بروكتر آند غامبل" من الجمع بين تقنية شفرات "ماك" وخبرتها في مجال العناية بالبشرة النسائية لتسويق منتجات الحلاقة النسائية تحت العلامة التجارية "جيليت فينوس" (Gillette Venus). قدمت "جيليت" مستحضرات جديدة للحلاقة، ومزيلات عرق، وجل استحمام للرجال الذين يستخدمون صابوناً وغسولاً من شركة "بروكتر آند غامبل"، وتقنية جديدة مضادة للتعرق، فضلاً عن خبرات جيدة في المجال.
لقد نجحت أوجه التعاون الاستحواذية هذه، لأنها تستغل ما نسميه "حافة الرحلة" - وهو مكان يمكن فيه توسيع نطاق العروض الحالية بطرق دقيقة لكنها منطقية باستغلال الحدود غير الواضحة الفاصلة بين تعريف المنتجات الحالية وتقبل العملاء لمنتجات جديدة.
ثمة تحدٍ في الطريق المؤدي إلى هذا النوع من الفرص، وهو "ما الإذن الذي قد يمنحه الزبائن إلينا لتوسيع دورنا في مساعدتهم على بلوغ مهمتهم النهائية؟". رأت شركة "جيليت" أنها حصلت على إذن من زبائنها الذين يستخدمون شفرات الحلاقة لتزويدهم بقدر أكبر بقليل من المنتجات لدعم مهمتهم النهائية المتمثلة في الحصول على تجربة حلاقة رائعة.
قارن هذا مع صفقة أخرى معروفة: عندما اشترت شركة "إيباي" (eBay) شركة "سكايب" (Skype)، ظن الرؤساء التنفيذيون لشركة "إيباي" بثقة عمياء منهم، أن خاصية دردشة الفيديو كانت تنتمي إلى مكان ما في التجربة التي خاضها زبائنهم، وأن "إيباي" ستُمنح الإذن بتقديم هذا الخدمة الإضافية في عروضها الأساسية. الحقيقة هي أن معظم الزبائن لم يروا احتياجاً لخاصية دردشة الفيديو لإجراء مزادات عبر الإنترنت، وحتى إن احتاجوا إلى ذلك، فهم لم يشعروا أنهم بحاجة إلى الحصول على تلك الخدمة من شركة "إيباي". ومن هنا، فشلت الصفقة، وأحد أسباب ذلك الفشل كان عدم تقبل الزبائن للشركة المُدمجة الجديدة كخيار أفضل لإكمال تجربة مهمة من تجاربهم. ربما كان بمقدور شركة "إيباي"، من خلال التخطيط للرحلة بدقة أكثر، واختبار الأساس المنطقي للأذونات الممنوعة للزبائن بمزيد من الحيطة، إدراك أن التعاون من خلال البيع المتقاطع (cross-selling) لم يكن فكرة سديدة كما اعتقدت.
اختبار مكان آخر من المحتمل أن تظفر فيه أصولك المؤسسية بالنجاح
إن عقلية التفوق والانضباط ستزيد أيضا من احتمالية نجاح عملية الاندماج، ويتم ذلك عبر الاستفادة من القدرات الكامنة أو الأصول غير المستغلة في الشركات المدمجة.
إن الانضباط هو الجندي المجهول وراء ما نسميه "أوجه التفوق المؤسسية"، حيث نسأل أنفسنا: "من قد يود أن يضخ الأموال ليستحوذ على أصول شركتي، بخلاف الشركات المنافسة بالطبع؟". يساعد التفكير بهذه المنهجية على تحديد مصادر الإيرادات الجديدة للشركة عن طريق معرفة كيف يمكن استغلال الأصول المُكرسة لخدمة الأعمال الأساسية في محاور أخرى جديدة. لاختبار إطار العمل هذا في سياق عمليات الاندماج والاستحواذ، نطرح سؤالاً مهماً: "على افتراض عدم وجود صفقة، هل كانت الشركة التي في خضم عملية الاستحواذ ستدفع الأموال مقابل الوصول إلى أصول شركتي؟". هذا النهج البسيط نسبياً هو في الواقع أداة قديرة تساعد على تأكيد الفوائد المحتملة من أوجه التعاون أو نفيها.
يُسَلّط الضوء على الأساس المنطقي لهذا النهج عندما تقارنه، على سبيل المثال، مع المنهجيات المختلفة التي يتبناها عدد من شركات الأدوية القديمة في إدارتها عمليات الاندماج والاستحواذ، والتي يستخدمها أيضاً بعض الجهات الفاعلة الجديدة نسبياً في قطاع التكنولوجيا الحيوية.
لقد رأينا جميعاً صفقات ضخمة بين شركات الأدوية، حرصت الشركات فيها على إيجاد مصادر كبيرة تحقق نمواً في الإيرادات، لملء خطوط إمدادها، وتلبية توقعات المساهمين المتواصلة، ولهذا عمدت الشركات إلى إجراء صفقات استحواذ كبرى من أجل الوصول إلى العقاقير الرائجة التي تُحقق مبيعات طائلة (مليار دولار أو أكثر) والتي طورتها شركات أخرى.
ومع ذلك، فإن هذا النهج الرامي إلى تحقيق النمو غالباً ما أثقل كاهل هذه الشركات بمحافظ استثمارية غير مجدية، تابعة للأصول الإضافية، والتي اضطرت الشركات إلى التخلص من الكثير منها بخصومات على أقساط التأمين الأصلية المدفوعة (بعبارة أخرى، التقنيات التي افتقرت الشركات إلى الخبرة اللازمة لتنميتها، والأسواق التي لم تكن الشركات ملمة تماماً بجوانبها التجارية).
وفي المقابل، تميل بعض الجهات الفاعلة الرئيسية في قطاع التكنولوجيا الحيوية (شركة "بايوجين آيديك" (Biogen Idec)، و"أمجن" (Amgen)، و"جينيتيك" (Genentech)) إلى اتباع نهج أكثر انضباطاً. فمثلاً، نمت شركة "غلياد" (Gilead) من شركة صغيرة ناشئة تطور علاجاً لفيروس نقص المناعة البشري إلى أحد عمالقة الدواء، بعائدات سنوية تبلغ 30 مليار دولار، من خلال نجاحها في تنصيب ما يمكن أن نسميه نهج "استراتيجية التفوق" في عمليات الاندماج والاستحواذ. كان الوقود الذي دفع شركة "غلياد" خلال مسارها التصاعدي هو سلسلة من عمليات الاستحواذ المنضبطة، على نحو خاص من شركات تصنّع أدوية لعلاج الأمراض المعدية الأخرى، مثل الالتهاب الكبدي الفيروسي (B) والالتهاب الكبدي الفيروسي (C). وبعبارة أخرى، استفادت شركة "غلياد" من أحد أصولها الأساسية - وهو خبرتها الكبيرة في تطوير حق امتياز تجاري للأدوية المضادة للفيروسات والتسويق له - واستخدمت هذا لاستكشاف المحاور الأخرى التي قد تؤتي فيها هذه القدرة ثماراً.
في حين لا يمكننا أن نُقدم ادّعاء محدداً بوجود علاقة سببية بين هذه الأساليب ونجاح الشركة، فإننا نعتقد أنها ساعدت "غلياد" في الوصول إلى أدائها القوي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، الذي اكتسح مؤشر أداء شركات الأدوية الأكبر، وساعدت الشركة على تمثيل جزء من النمو الهائل لقطاع التكنولوجيا الحيوية على مدار الفترة الزمنية نفسها.
في نهاية الحديث عن كيفية تجنب فشل صفقات الاندماج والاستحواذ، الانضباط هو السر، فمن شأن نهج قائم على استراتيجية تفوق بسيطة أن يحد من مخاطر عمليات الاندماج والاستحواذ التي تحتوي على مخاطر بطبيعتها، وذلك من خلال طرح سؤالين صارمين وبلا هوادة: "كيف ستساعد الصفقة عملاءنا على إكمال رحلتهم؟"، و"كيف تستخدم الصفقة أصولنا الأساسية لخلق قيمة في سياق مختلف؟".