الطريقة التي تتعامل بها صناديق الاستثمار المغامرة تتسبب في فشل ريادة الأعمال النسائية

7 دقائق
فشل ريادة الأعمال النسائية

في عام 2018، ذهبت نسبة 3% فقط من رأس المال المغامر (أو ما يعرف برأس المال الجريء) في الولايات المتحدة إلى الشركات التي تتولى فيها امرأة منصب الرئيس التنفيذي. ومع ذلك، فقد ازداد عدد الشركات المملوكة من قبل النساء في كل من الولايات المتحدة وحول العالم، حتى أن عدد النساء اللاتي ينوين أن يصبحن رائدات أعمال ازداد بنسبة أكبر على الصعيد العالمي. إلا أن النساء اللاتي يغامرن بدخول عالم ريادة الأعمال لسن في وضع يسمح لهن بالحصول على صفقات عادلة، بسبب كثرة الأمور التي تؤدي إلى فشل ريادة الأعمال النسائية.

التحيز ضد النساء في بيئة ريادة الأعمال

من وجهة نظرنا، التحيز داخل قطاع رأس المال المغامر يحول دون تخصيص الأموال لاقتناص أفضل الفرص الاستثمارية. (على كل حال، توصي مجموعة متزايدة من الأدلة بتحقيق التنوع باعتباره مبدأ توجيهياً عند إنشاء محفظة استثمارية ربحية لرأس المال المغامر). ويبدو أن السلسلة الأخيرة من الانحدارات البارزة في الطرح العام الأولي في البورصة تؤكد حدسنا. فإذا كنا نرغب في تحقيق كل من نتائج أفضل من رأس المال المغامر وتوازن أكبر بين الجنسين في عالم ريادة الأعمال، فإننا نحتاج إلى اجتثاث التحيزات التي تعرقل المشاريع في مراحلها الأولية.

بناء على أكثر من 20 عاماً من خبراتنا الجماعية في العمل عن كثب مع المستثمرين والمؤسسين في مراكز نشاط ريادة الأعمال مثل وادي السيليكون وسنغافورة، نرى أن مرحلة تقديم العروض الترويجية هي أفضل مكان للبدء. إذ إن بحوثنا، التي تشتمل على إجراء مقابلات مع ما يزيد على 12 من أصحاب رأس المال المغامر في الولايات المتحدة وكندا وسنغافورة، تستكشف على نحو نشط كيف يمكن لرأس المال المغامر أن يستبعد فعلياً مرحلة تقديم العرض الترويجي.

اقرأ أيضاً: هل النساء أكثر جرأة من الرجال في القيادة؟

وعلى الرغم من أن العمل لا يزال مستمراً، تشير نتائجنا الأولية إلى أنه باتباع نهج مستند إلى البيانات بشكل أكبر في تقييم ربحية الشركة الناشئة وإمكاناتها، يمكن أن يشهد أصحاب رأس المال المغامر محافظ استثمارية ذات أداء أفضل وتشتمل في الوقت نفسه على المزيد من الشركات التي أسستها نساء.

التحيز في مرحلة تقديم العروض الترويجية

تمر عملية استثمار رأس المال المغامر بأربع مراحل: تحديد مصادر النفقات وتقديم العرض الترويجي وإجراء الاستقصاء اللازم وإتمام العملية. ولكن لماذا نخص مرحلة تقديم العرض الترويجي بالذكر؟ تعد المرحلتان النهائيتان أكثر اتساماً بالطابع التقني وتتمحوران حول الأرقام بدرجة كبيرة، لذا فإنهما أقل جذباً للتحيزات. ومرحلة تحديد مصادر النفقات، التي تعتمد بشدة على شبكات العلاقات الشخصية، عرضة للتحيز ولكن بصورة أكثر علنية: فإذا كان مؤسسو الشركات الناشئة في شبكة علاقاتك جميعهم ذكور، من الصعب أن تزعم أنك تتيح فرصاً للنساء. ولكن أثناء مرحلة تقديم العرض الترويجي، كما نعرفها في الوقت الحالي، هذا التحيز ضد المرأة يمكن أن يؤثر على عملية صناعة القرار دون إظهار ذلك صراحة.

أظهرت العديد من الدراسات الأكاديمية أن هناك تحيزاً قوياً ضد المرأة في العديد من العناصر المختلفة لمرحلة تقديم العروض الترويجية.

على سبيل المثال، استخدمت دراسة أجريت عام 2014 شرائح ونصوص متطابقة بصوت رجال ونساء، مع صور "للمتحدث" أو بدونها، ثم طلبت من المشاركين تقييم الاستثمار. وقد وُجد أن العروض الترويجية التي عُرضت بصوت رجال تفوقت بشكل كبير على العروض التي قُدمت بصوت نساء، كما أن العروض التي كانت لرجل وسيم المظهر كانت أفضلهم. وكانت النتائج متماثلة سواء كان المشاركون ("الحكام") رجالاً أو نساء. وخلص الباحثون إلى أن "المستثمرين يفضلون العروض الترويجية التي يقدمها رواد أعمال عن تلك التي تقدمها رائدات أعمال، حتى إن كان محتوى العرض واحداً".

يتجلى التحيز أيضاً في الكيفية التي تُطرح بها الأسئلة على رواد الأعمال. فقد وجد بحث أجري عام 2017 أن النساء تُطرح عليهن أسئلة مختلفة عن تلك التي تُطرح على الرجال عند إقناع أصحاب رأس المال المغامر. من بين 180 رائد أعمال و140 من أصحاب رأس المال المغامر في مسابقة موقع "تك كرانش" (TechCrunch)، كان دائماً ما يُسأل الرجال أسئلة "مشجعة" (تسلط الضوء على المزايا والمكاسب المحتملة)، بينما سُئلت النساء أسئلة "وقائية" (تسلط الضوء على الخسائر المحتملة والتخفيف من حدة المخاطر). وقد تمكن رواد الأعمال الذين سُئلوا أسئلة مشجعة من جمع على الأقل ستة أضعاف الأموال التي جمعتها النساء اللاتي سُئلن أسئلة وقائية.

أحد الأسباب الأخرى التي تجعل محاولة الترويج لا تصب في صالح النساء بدرجة كبيرة يتعلق بفجوة الثقة بين الجنسين، إذ إن النساء ينزعن إلى التقليل من قيمة أنفسهن مقارنة بالرجال في المواقف التنافسية، وبالتالي يعتبرهن المستثمرون المحتملون "أقل ثقة بأنفسهن". بالطبع لا تزال فجوة الثقة بين الجنسين محط جدل، بل والأكثر جدلاً هو ما إذا كانت تُعد معوقاً حقيقياً. على الرغم من أنها تحول دون الثقة الزائدة بالنفس والتبجح، فإنها قد تُعد في الواقع نقطة قوة يُساء فهمها.

اقرأ أيضاً: نقص الرعاية يحول دون تقدم النساء إلى القيادة

وربما فجوة الثقة هذه أحد أسباب ملاحظتنا، التي من المؤكد أنها متناقلة ولكن رسختها سنوات من الخبرة المباشرة، أن النساء غالباً ما يستخدمن المقاييس للإقناع في حين يقدم الرجال عروضهم من منظور الصورة الكبيرة. لذلك قد تفشل النساء اللاتي يعتمدن على المقاييس في الترويج في إقناع أصحاب رأس المال المغامر المنقبين عن أصحاب الأداء الفائق للغاية.

جميع المعوقات السابق ذكرها التي تواجهها النساء عند محاولة الترويج لأعمالهن لا تخفى على رواد الأعمال. فقد رأينا مراراً في وادي السيليكون والسياقات الأخرى لريادة الأعمال أن الفِرق قد تحاول تجنب التحيزات السلبية بأن تجعل رجلاً في منصب أدنى مرتبة يقدم العرض الترويجي بدلاً من الرئيسة التنفيذية. وفي الغالب يأتي هذا الأسلوب بنتائج عكسية، حيث إن المستثمرين دائماً يرغبون في السماع من المؤسس أو الشخص الذي له الكلمة الأخيرة في الشركة.

التخلي عن العرض الترويجي

هل يخدم العرض الترويجي غرضاً تجارياً يتجاوز الأمور البعيدة عن نطاق رؤيته؟ معظم أصحاب رأس المال المغامر الذين تحدثنا معهم أصروا على أنه ليس هناك طريقة أخرى للشعور بأنهم على صلة وثيقة وشخصية بالمشروع والمؤسس. ولكننا نود القول أنه إذا كان الميل الفطري لأصحاب رأس المال المغامر باختيار الفائزين يؤدي إلى اختيار الرجال بصورة شبه حصرية، فربما ليس للأمر علاقة بمشاعرهم فحسب.

هناك مؤشرات أكثر أهمية بكثير تدل على نجاح المشروع من قدرة الرئيس التنفيذي على تقديم عرض ترويجي. فبيانات المبيعات في المراحل المبكرة تُعد بمثابة مؤشرات غير متحيزة على احتياجات العملاء وملائمة المنتج ومهارات التسويق وقمع المبيعات وإدارة العلاقات مع العملاء، ناهيك عن قدرة الرئيس التنفيذي على تكوين فريق وإدارته لتحقيق نتائج.

وتأكيداً لذلك، تشير بحوثنا إلى أن العديد من أصحاب رأس المال المغامر يعتمدون على نحو متزايد على العمليات المستندة إلى البيانات عند الفرز الأولي للمرشحين. ومثل هذه العمليات تضعف من تأثير العرض الترويجي وما يصاحبه من تحيزات. ولكن عندما سألنا أصحاب رأس المال المغامر الذين يفضلون الاعتماد على البيانات ما إذا كانوا لا يزالون يستلزمون حضور المؤسسين لتقديم العرض الترويجي، أجابوا بنبرة عدم تصديق: "بالطبع!".

إذا كان الهدف من الاستثمار في المشروع يتمثل في اختيار أفضل الشركات وتحقيق عائدات الربع الأعلى، فمن غير المنطقي إدراج خطوة تؤدي عمداً إلى اختيار الشركات الناشئة بناء على النوع الاجتماعي والمظهر. لذا سيكون من الأفضل الاستغناء عن العرض الترويجي برمته.

وقد فعلت ذلك بالضبط نخبة قليلة من الصناديق التمويلية وحققت نتائج بارزة. شركة "سوشيال كابيتال" (Social Capital)، التي تسلمت الطلبات عن طريق الإنترنت وقيّمت الشركات "وفقاً للأرقام" إلى حد كبير، أفادت بأن 40% من الرئيسات التنفيذيات حصلوا على تمويل من خلال استثماراتها المبكرة. (الصندوق التمويلي أُغلق منذ ذلك الحين بسبب مشكلات لا علاقة لها بالفريق، ولكن يخطط الصندوق التالي إلى "الاعتماد على الخوارزميات للاضطلاع بجزء أكبر من مرحلة تحديد مصادر النفقات"). ويزعم المستثمرون المغامرون الجدد الذين يقدمون التمويل القائم على الإيرادات، مثل شركة "كلير بنك" (Clearbanc) أنهم "مولوا مشاريع لنساء أكثر بثمانية أضعاف من متوسط رأس المال المغامر". كما أن شركة "لويال في سي" (Loyal VC.)، وهي صندوق تمويلي أسسه أحد المؤلفين المشاركين في المقال (كمال)، موّلت 37% من شركات لرئيسات تنفيذيات في أول 70 من استثماراتها. بدلاً من الاستماع إلى العروض الترويجية، تختار شركة "لويال في سي" بناء على توصيات من شريك مسرِّع للأعمال، وهو شركة "فاوندر إنستيتيوت" (Founder Institute) التي تقيم الشركات بناء على مراقبة أدائها في العمل مدة 14 أسبوعاً. وتحصل الشركات الأفضل أداء على استثمار أولي يبلغ 10 آلاف دولار، وبعد ذلك تُقيَّم على مدار فترة استقصاء من 6 إلى 9 أشهر لتحصل على استثمار يبلغ 200 ألف دولار، مع الحصول على مبالغ لاحقة قيمتها مليون دولار و3 مليون دولار و6 مليون دولار تُقدَّم للشركات التي أدت الأداء المتوقع منها.

لم تزعم أي من الصناديق التمويلية المذكورة أعلاه أنها بذلت جهوداً استثنائية لتمويل مشاريع رائدات الأعمال. فجميعها تحاول البحث عن أفضل الشركات وتمويلها. ولفعل ذلك، يستبعدون مرحلة العرض الترويجي من عملياتهم ويحولون تركيزهم إلى بيانات الأداء الفعلي للشركات الناشئة. وجميعها في نهاية المطاف أنشأت محافظ استثمارية تحقق التوازن بين الجنسين بصورة كبيرة.

من المبكر للغاية أن نقرر ما إذا كانت هذه الشركات ستحقق باستمرار عائدات أعلى من تلك التي تعتمد على العروض الترويجية التقليدية. إلا أن النتائج المتحققة حتى الآن واعدة. بما أن المستثمرين في المراحل المبكرة عادة ما يستغرقون من 8 إلى 10 سنوات للانسحاب من شركاتهم الناشئة، فإن العائد النقدي الكامل على النقد من هذه الصناديق التمويلية الجديدة سيتطلب عقداً آخر. ومع ذلك، يبدو من المعقول أن نفترض أن التركيز على أداء الأعمال، بدلاً من النوع الاجتماعي، سيحقق بصفة عامة نتائج استثمار أفضل.

القضاء على التحيز ضد المرأة

إذا قرر أصحاب رأس المال المغامر الاستمرار في الاختيار بناء على العروض الترويجية التقليدية، حينها سيتمثل الخيار العقلاني في تخصيص الأموال حسب النوع الاجتماعي بشكل صريح. وهو ما سيقضي على التحيز ضد المرأة، من خلال أن تقدم النساء عروضهن ضد نساء أخريات فقط. وتتبع العديد من الصناديق التمويلية هذه الاستراتيجية مثل "فيميل فوندرز فند" (Female Founders Fund) و"غولدن سيدز" (Golden Seeds) و"فوليز كابيتال" (Voulez Capital) في أوروبا.

يُعد خيار تصميم عملية استثمارية أقل اعتماداً على العروض الترويجية بديلاً لتجنب التمييز بين الجنسين، حيث تجمع كل من شركتي "سوشيال كابيتال" و"كلير بنك" البيانات من خلال استمارة طلبات عبر الإنترنت، وتختار الشركات بناء على مقاييس محددة. وتعمل شركة "لويال في سي" مع الشركات لشهور لمراقبة تقدمها وتستعين بمسرعات الأعمال في الاختيار الأولي.

نرى أن الخيارين المذكورين أعلاه، إما القضاء على التنافس بين الجنسين أو التخلي عن العرض الترويجي، من أفضل الطرق للمضي قدماً، حتى الآن. ويمكن أن تقدم التغيرات التكنولوجية خيارات جديدة تماماً في المستقبل القريب. على سبيل المثال، يمكن أن يعتمد المستثمرون على عملية تُجرى بوساطة رقمياً تحجب النوع الاجتماعي وشكل الرئيس التنفيذي للشركة الناشئة التي تلتمس التمويل، ما سيمحو جميع آثار التحيز. وقد كانت الفرق الموسيقية تفعل شيئاً مشابهاً لعقود، حيث إنها كانت تجري تجارب أداء الموسيقيين من خلف ستار وهو ما يساعد على تجاهل الفروق بين الجنسين.

باختصار، نعلم أن هناك تحيزاً ضد المرأة فيما يتعلق بالكيفية التي يقيّم بها المستثمرون، النساء والرجال على حد السواء، العروض الترويجية. وهذا يعني أن أصحاب رأس المال المغامر لا يستثمرون في الأعمال التجارية التي تحقق أفضل العائدات المالية.

وقد وجدنا أن الصناديق التمويلية التي لا تعتمد على العرض الترويجي تستثمر بمعدل 8 إلى 12 مرة أعلى من المتوسط في المشاريع التي تديرها نساء، على الرغم من أنها لا تعمل وفق أمر ملزم باختيار نوع اجتماعي معين بشكل صريح، فهي تستثمر بناء على الأداء المالي الصافي. ما يعني أن هناك سبباً مالياً قوياً وآخر متعلق بالمساواة بين الجنسين لكي يستبعد أصحاب رأس المال المغامر مرحلة تقديم العرض الترويجي من عملياتهم، وبهذا وجدنا أن التحيز ضد النساء هو واحد من أسباب فشل ريادة الأعمال النسائية.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي