قررت شركة جنرال موتورز، التي كانت أكبر مصنع للسيارات في العالم، التوقف عن بيع سياراتها في الهند بحلول نهاية العام 2017 لأنها تعتبر أنشطتها في الهند غير مربحة. بعد الانسحاب من هذا البلد في عام 1954، عادت إليه في عام 1994 عندما أصبح بلداً متحرراً اقتصادياً. طوال فترة وجودها بالهند، لم تستطع جنرال موتورز الاستحواذ على حصة سوقية نسبتها مكونة من رقمين، شأنها في ذلك شأن مواطنتها شركة فورد، إلا أنّ فورد استطاعت أخيراً أن ترفع مبيعاتها الشهرية بنسبة 36% في الهند.
قبل بضع سنوات، غادرت أيضاً شركة مستحضرات التجميل ماري كاي الهند، متهمة السلطات المحلية في التسبب بمشاكلها. على الرغم من ادعاء الهند أنها تجذب استثمارات أجنبية مباشرة أكثر من الصين حالياً، إلا أنّ الشركات الأميركية لم تبرز مثل الشركات الأوروبية والشرق آسيوية. هل يوجد خطب ما في الفرصة التي توفرها الهند، أم أن الشركات الأميركية تتعرض لقيود لا داعي لها في اقتصاد يعتبر الأسرع نمواً بين الاقتصادات العالمية الكبيرة؟ نعتقد أن الإجابة تكمن في الشق الثاني من السؤال وأنه يمكن معالجة هذه الوضعية بتبني المقاربة الصحيحة تجاه الهند. على الرغم من ذلك، فقد رأينا العشرات من الشركات الأميركية الكبيرة تنجح في الهند الحديثة. نذكر على سبيل المثال بوينغ وسيسكو وكوكاكولا وكامينز وديل وجنرال إلكتريك وجوجل وهيوليت-باكارد (آتش بي) وماكدونالدز وبيبسيكو.
استناداً إلى خبرتنا في الهند ومع شركات مثل التي ذكرناها، نعتقد أن فشل جنرال موتورز في مبيعاتها بالهند يحمل خمسة دروس للرؤساء التنفيذيين الأميركيين الذين ينتمون إلى عدة قطاعات.
الدرس الأول: ثبات القيادة عبر الزمن أمر مهم في هذه السوق
تعتبر الهند بلداً معقداً، حيث يتميز بمزيج فريد من القيم الآسيوية والغربية. واستيعاب ذلك يتطلب تركيزاً ووقتاً طويلاً. تم تسيير نشاط جنرال إلكتريك بالهند لمدة 14 عاماً من طرف مغترب واحد هو الأميركي سكوت بايمان. في حين استخدمت جنرال موتورز تسعة أشخاص مختلفين لقيادة أعمالها في الهند خلال 21 عاماً. يحتاج مسؤول تنفيذي محفَز إلى حوالي ثلاث سنوات ليتأقلم بشكل كامل في الهند، غير أن متوسط بقاء الرؤساء التنفيذيين لجنرال موتورز هو أكثر من عامين بقليل. بناء على تجربتنا، لا يهم ما إذا كان القائد هندياً محلياً أو مغترباً، ولكن المواءمة الاستراتيجية في الهند تتطلب ثباتاً على مستوى الإدارة العليا.
الدرس الثاني: يحتاج القادة المحليون إلى أكبر قدر ممكن من الاستقلالية
يعتبر توفير القدر الملائم من الاستقلالية مفتاح النجاح في الهند، ذلك أنّ هيكل السوق الهندي يختلف اختلافاً جوهرياً عن نظيره في الغرب، وبالتالي يتطلب درجة عالية من تخصيص المنتجات لاحتياجات الزبائن. تتميز هياكل الشركات الأميركية الكبيرة بالتعقيد، ما يفرض في كثير من الأحيان على القادة الدوليين حضوراً منتظماً ومعاملات شخصية في المقر الرئيس للشركة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الابتعاد عن الاتصال الوثيق بالسوق الهندي. لتحقيق النجاح في الهند، تحتاج الشركات الأميركية إما إلى نظام اتصالات إلكتروني فعال على مستوى الإدارة العليا أو أن تكون على استعداد لتحرير قادتها من البيروقراطية التي تميز المقرات الرئيسة للشركة، وذلك لتمكينهم من معالجة العوائق واقتناص الفرص المحلية.
أن تتمتع بالاستقلالية على المستوى المحلي، فذلك يسهل من اتخاذ القرارات المهمة. طورت شركة بيبسي خطاً كاملاً خاصاً بإنتاج الوجبات الخفيفة للهند وأسمته "كوركور"، بينما صممت ويرلبول غسالاتها لجذب المشترين الهنود الذين فضلوا استخدام اليدين في الغسل، وأقامت ويسترن يونيون شراكة مع الخدمة البريدية في الهند لتوصيل المدفوعات إلى جميع أنحاء البلاد، وحث زميلي (جونجان) أفضل شركة ألعاب فيديو على تطوير عمليات التعاون حتى يتمكن المهندسون في كل من بنغالور وكاليفورنيا من العمل كفريق واحد متكامل بفارق زمني قدره 12.5 ساعة، وتم اقتراح التحسينات على قدم المساواة من قبل أعضاء الفريق في كلا البلدين.
الدرس الثالث: المنافسة في الهند فريدة، وكذلك يجب أن تكون استراتيجيتك
في العديد من القطاعات، يواجه الوافدون الأميركيون إلى الهند منافسين جدد، قد يكونوا محليين أو أجانب. على سبيل المثال، تمتلك سوزوكي، المعروفة في أميركا بدراجاتها النارية، 47% من الحصة السوقية للسيارات في الهند. يمكن لشركات السيارات المحلية مثل تاتا موتورز أن تمثل شركاءً أو منافسين أقوياء. بناء على هذه التركيبة السوقية، على الشركات الأميركية أن تطور استراتيجية خاصة بظروف السوق الهندية وتطور منتجات ذات خصائص متوافقة معها. لن ينجح تسويق منتجات مصممة لأسواق أخرى في الهند على المدى الطويل.
والأهم من ذلك، يمكن أن تصبح الشركات المحلية منافساً عالمياً. لقد طورت الشركة المحلية ماهيندرا آند ماهيندرا من نفسها لتتحدى شركة جون ديري في مجال صناعة الجرارات الزراعية. كما نجحت هيونداي في الهند بصفة خاصة لأنها طورت سيارات صغيرة ذات أسعار تنافسية مصممة لتلبية احتياجات الطبقة الوسطى الهندية.
الدرس الرابع: يجب أن تعتمد الاستراتيجية أيضاً على حجم السوق ونطاق التوسع
يتطلب النجاح في الهند التزاماً بحجم السوق ونطاق التوسع. على عكس شركات بنتلي أو رولز رويس، فإنّ جنرال موتورز تصنّع سيارات للسوق العام في الولايات المتحدة الأميركية. لكي تنجح جنرال موتورز في الهند، يجب عليها المشاركة ليس فقط في قمة الهرم الاقتصادي ولكن أيضاً في وسطه. فهذه هي الطريقة التي يُبنى بها الحجم والنطاق الذي يسمح للشركة بالاستفادة من الأصول الموجودة مثل وكلاء المبيعات.
منذ وقت قريب وفي العام 2015، عندما التزمت الرئيسة التنفيذية لشركة جنرال موتورز ماري بارا باستثمار مليار دولار آخر لتوسيع نشاط الشركة في الهند، بدا أن الشركة تفهمت تأثير الحجم. لكنها قررت بعد ذلك، أي في الوقت الحالي سحب استثماراتها وتشغيل المصنع الموجود في مدينة تاليجاون غرب الهند، وذلك لتصنيع سيارات موجهة بصفة أساسية لسوق أميركا اللاتينية. كما أنها ستحتفظ بمركز أبحاثها التكنولوجية في بنغالور. لكننا لن نتفاجأ إذا وجد المدراء الجيدون في كلا الموقعين فرصاً واعدة أكثر لدى شركات أكثر التزاماً بالسوق الهندي.
الدرس الخامس: إنها لعبة طويلة
تستند شركات مثل بوينغ وبيبسيكو إلى رؤية بعيدة المدى للهند، وحققت أرباحاً بسبب ثباتها ما دامت الرؤية ثابتة. مع مرور الوقت، سوف يحتل سوق السيارات في الهند مكاناً بين المراكز الثلاثة الأولى خلف الصين والولايات المتحدة الأميركية. والأهم من ذلك، أن مستقبل قطاع النقل سيتشكل بتأثير ثلاث قوى مزعزعة: الطاقة الكهربائية والملكية المشتركة والسيارات ذاتية القيادة. تبدوا الهند واعدة لكي تكون مختبراً منخفض التكلفة لتجربة نماذج أعمال جديدة. سيتعين على الرئيس التنفيذي المستقبلي لشركة جنرال موتورز إعادة دخول الهند للاستفادة من السوق الاستهلاكي الضخم والاستفادة من البلد كمصدر للابتكار العالمي. ولكن الهنود يتمتعون بذاكرة قوية، ولن ينسوا التجربتين القصيرتين السابقتين لجنرال موتورز في البلاد. لذلك، فإنّ تكلفة إعادة اختراق السوق الهندي في المستقبل ستكون أعلى بكثير. النجاح في الهند هو سباق ماراثون، وعلى الرغم من أن الاستسلام في الوسط قد يبدو كتكتيك جيد على المدى القصير، إلا أنه ليس استراتيجية جيدة على المدى الطويل.
إن وجود حكومة مشجعة للأعمال، إلى جانب نظام ضريبي مبسط يفرض ضرائب غير مباشرة (في شكل ضريبة السلع والخدمات الوطنية)، وانتشار الهواتف الذكية التي ستصبح في كل مكان قريباً، هي قوى ستغير الاقتصاد الهندي وتطوره بشكل كبير خلال العقد القادم. يحتاج الرؤساء التنفيذيون الأميركيون إلى الاهتمام بهذه الدروس الخمسة وتقبل الالتزام مع الهند. إن التخلي عن دولة ستصبح قريباً الأكثر كثافة سكانية على كوكب الأرض لصالح المنافسين الآسيويين والأوروبيين قد يكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل.