قيادة التغيير في شركة لم تفلح محاولاتها فيه

5 دقائق
فشل قيادة التغيير

كان التغيير المؤسسي، في الماضي، عبارة عن مهمة موسمية. لكن في عصرنا الحالي، باتت إدارة الزعزعة المستمرة مهارة مطلوبة لابد أن يتحلى بها معظم القادة. إذ تعد إدارة التغيير الآن لُب الإدارة الجديدة، خاصةً أن القيام بها بشكل فعّال هو الأمر الأصعب. ولهذا نرى تكرار حالات فشل قيادة التغيير.

ورغم معرفتنا الواسعة بهذا المجال، إلا أن نسب الفشل فيما يتعلق بجهود التغيير المؤسسي ما زالت مرتفعة. وتُوضح معظم الأبحاث الموثوقة أن نسبة 50% إلى 70% من مبادرات التغيير فشلت في تحقيق مبتغاها، وتبُين أن الكيفية في تطبيق التغيير هي سبب الفشل بشكل أساسي. وهناك عدد من العقبات الشائعة التي تواجهها المؤسسات في عملية التغيير، وهي: الفشل في الحفاظ على الجهود على المدى الطويل، والأولويات المتنافسة، ونقص الموارد. علاوة على أن بعض بذور الفشل كانت كامنة لفترة طويلة قبل تطبيق التغيير، حتى أن بعض المبادرات تفشل يوم إطلاقها.

بدوري، عملتُ لسنوات مع عميل في الإدارة التنفيذية، ولنطلق عليه اسم مسعود، قدّم لنا مثالاً حياً على تجربته. ترك مسعود وظيفته الأخيرة، لتولي إصلاح نظام عمليات متهالك في شركة أخرى. وبصفته خبيراً محنكاً في قضايا التحوّل الموسمي، درس مسعود حالة الشركة على نطاق شامل لمعرفة المشكلات الرئيسة. فوجد، خلال السنوات الخمس الماضية، أن قائدَين مختلفيَن للشركة أطلقا إحدى عشرة محاولة لتغيير النظام هناك. وكانت من بينهم محاولتان للتغيير التنظيمي، ومحاولة لغرس التحديث، وثلاث منصات تقنية، إلا أن جميعها قد فشلت في تحقيق النتائج المرجوة. كان مسعود هو أول مدير للعمليات يأتي من خارج المؤسسة. لذلك، كان الأمر، بالنسبة له، تحدياً مثيراً للاهتمام مما دفعه لوضع خطة للتنفيذ. ورغم أنه كان واثقاً من تاريخ عمله الناجح، لكن ردود أفعال فريقه الساخرة وغير المبالية جعلته يتردد نوعاً ما.

في البداية، لابد أن تعي بأن هناك ما يعرف بإرهاق التغيير، وهو الإنهاك الذي يأتي من التغيير الجارف، وهو سبب من الأسباب الشائعة للفشل. ويحدث عادة عندما تحاول تطبيق تغييرات متنوعة في الوقت ذاته، والنتيجة أنها تفشل جميعها بشكل متزامن. لم يشارك مسعود في المحاولات الفاشلة السابقة لتلك الشركة، ولكن حينما أراد من فريقه النهوض من جديد، كانت قدرتهم مستنفدة بالفعل بسبب الإخفاقات السابقة.

ثلاث خطوات مهمة لتجنب فشل قيادة التغيير

هذه الحالة ليست فريدة من نوعها. فإذا أشرفت من قبل على تحول محوري في مؤسسة ما، فمن المرجح أنك صادفت سجلاً حافلاً بالإخفاقات. وفي هذه المرحلة، سيتعيّن عليك الإقرار بالإخفاقات التي عانى منها الموظفون سابقاً، حتى يؤمنوا أن الالتزام بالتغيير سيجدي هذه المرة نفعاً. وإذا أردت بناء قدرتهم على التحمل مرة أخرى وكسب ثقتهم، فهذا يحتاج منك، كمدير، إجراء ثلاث خطوات مهمة في بداية مبادرتك:

1- اعترف بآلام الموظفين بسبب إخفاقات الماضي:

لا أحد يعرف مصاعب التغيير وكم هو مرهق أكثر من أولئك الذين ذاقوا مرارة الفشل من قبل. وينطلق الكثير من المدراء في تجربتهم محاولين إلهام الموظفين أن تجربتهم في التغيير ستكون الأفضل، دون الاعتراف بالآلام التي تكبدها الآخرين بسبب إخفاقات الماضي. وبدون إدراك ذلك، فإنهم يضربون بعرض الحائط إخفاقات حقيقية عانى منها الموظفون.

والحقيقة التي يجب معرفتها هنا، هي أن معظم المؤسسات قد عانت نوعاً من أنواع الإخفاقات. لذلك، يتعيّن على هذا المدير الجديد أن يفترض أن الموظفين غير واثقين بنيّته ومسعاه، بل ومتوقعين منه الفشل كغيره. وبالعودة للمثال السابق، عندما سألني مسعود عن نصيحة، أخبرته أنه بحاجة للإعراب عن أسفه لجهود الفريق السابقة وما تحملوه من متاعب. في البداية، اعترض على ذلك، لأنه غير مسؤول عن الإخفاقات السابقة، فخشي أن يفهموا كلماته على أنها نوع من الخداع والإحباط. لكن عندما نفذ هذه النصيحة، وجد أنهم تلقوا كلماته بصدق بالغ.

إذ قال لهم: "أعرف أن السنوات الماضية كانت مكلفة. وحينما أجريت حساباتي، وجدت أنكم أنفقتم ملايين الدولارات والساعات، وكذلك الكثير من مشاعركم وعواطفكم، وفي النهاية لم تحصدوا ما كنتم تتمنون. والآن أنا قادم إليكم معلناً محاولة أخرى. ولو كنتم مكانكم لأشحت بوجهي بعيداً. ولكنني أريدكم أن تعرفوا مقدار أسفي لما ضحيتم به مقابل وعود بالتغيير لم تَصدق. ورغم إنني لا أمتلك الحق لأطلب منكم المحاولة مرة أخرى، لكنني أريد منكم الإيمان أن هذه المرة قد تكون مختلفة.

كان فريق مسعود حينها مستعداً لوضع خيبة أمله جانباً لفترة من الوقت حتى يشرح لهم خطته، والتي تضمنت مراقبتهم للتقدم عن قرب، وأن يبقى واضحاً وصريحاً معهم باستمرار.

2- أثبتْ خطتك بالدليل:

يبدأ معظم المدراء عملية التغيير بنوع من التقييم المؤسسي، فإدراك حقيقة فشل الجهود السابقة أمر ضروري بالطبع، لكن معرفة السبب وراء ذلك من شأنه أن يعزز المصداقية. ولكل مؤسسة طرق معينة والتي ستفضي بالتأكيد إلى تقويض التغيير، فإذا تمكنت من تحديد العوامل المقوضة، سيساعدك ذلك على تجنبها في المرات القادمة. إذ قد يكون السبب هو الخوف من التغيير أو تجنب المخاطر. وقد يكون النظام قائماً على التراتبية بصرامة، الأمر الذي يجعل من عملية التغيير المتتالية أمراً صعباً. وقد يكون نظام المكافئات غير المرن هو الذي يثبط أي سلوك جديد. وقد تكون أيضاً سياسة المؤسسة معزولة كلياً عن مفهوم التغيير، فلا يبدو الأمر ذا علاقة.

ويعد تنوّع التغييرات بشكل غير منفصل أحد المشكلات الشائعة. فعلى سبيل المثال، كانت إحدى المؤسسات التي عملت معها تحاول إصلاح الأداء في قسم الموارد البشرية، وتنفيذ نظام قائم على الحوسبة السحابية في تقنية المعلومات، وإعادة هيكلة قسم المبيعات، وإطلاق اثنين من المنتجات الجديدة في قسم التسويق، وكل هذه التغييرات جرت في السنة ذاتها في محاولة للنمو بشكل مفرط. وعلى الرغم من أن كل جهد مبذول قد ساهم وحده بشكل ما في تحقيق النمو، إلا أنهم مجتمعين لم يحققوا المراد المطلوب في النهاية، بسبب انفصالهم الكبير عن بعضهم. إذاً، قوّض نقص التكامل من تأثيرهم المشترك.

وبغض النظر عن حالات الإخفاقات السابقة، فمن الضروري أن يعود المدير إلى فريق عمله بشروح تفصيلية لأخطاء الماضي المرتكبة. وفي مثال مسعود، نجد أنه قد قام بتحليل الجهود السابقة في شركته، ومنها حدد بدء ظهور العلامات الأولية للفشل في مسيرة المبادرات السابقة بالتغيير، وما الذي منع المؤسسة من تصحيح المسار. فأدرج رؤيته الثاقبة في خطته لإظهار كيف يمكن تجنب تكرار تلك الأخطاء. وساعد أسلوبه الجاد والصريح في نزع اللامبالاة من نفوس فريقه. كما قام بتوضيح الأسباب التي أدت إلى ذلك الفشل بشكل صريح، مما زاد بدوره من أمل الموظفين في نجاح خطته.

3- اسألهم باستمرار عن الاختلاف الذي يرونه في خطتك عن سابقاتها:

يقود الكثير من المدراء التغييرات الكبرى وكأنهم في حملة انتخابية، فيسيرون في الطرقات، مروجين لفوائد التغيير، موضحين أهمية المشاركة، وشاكرين الجميع على الجهود التي بذلوها. وغالباً ما يشيرون بعبارة ما، مخبرين الناس لمَ سينجح التغيير، معلنين أمور مثل: "إنهم رجالنا العظماء الذين سيصنعون التغيير"، موضحين أن فكرتهم العظيمة هي الدافع الحقيقي للنجاح. ولكن القادة الذين يريدون تجنب أخطاء الماضي لا يقولون للناس عبارات زائفة. وإنما يسألون الموظفين باستمرار بإبلاغهم كيف أن خطتهم للتغيير تبدو مختلفة عن سابقاتها، في محاولة ليتعلموا مما سبق. ومن ثم يستخدمون رؤى الموظفين الثاقبة لتبقيهم على المسار.

ففي الستة أشهر الأولى من مبادرته، كان مسعود يزور كل فريق من العمل في قسم العمليات ليتأكد من التقدم المحرز. وكانت أسئلته لهم كالتالي: "كيف تشعرون أن هذا التغيير مختلف عن سابقه؟" و"هل هناك أمور مماثلة لما مر معكم تثير قلقكم الآن؟". وكان تعبير أعضاء الفريق عن رأيهم بشأن الجهود الماضية بمثابة مساعدة لهم على فهم التغيير وفهم أنفسهم، مما ساعدهم على البقاء ملتزمين بمرور الوقت.

ونافلة القول، إن التغيير المؤسسي واحد من أهم التحديات الصعبة التي تواجه القيادة. فأي مؤسسة قد واجهت بلا شك بعض الإخفاقات، وقد تكون هذه الإخفاقات بسبب ممارسات الإدارة. وهذا سبب يدفعنا لأخذ المسؤولية على عاتقنا والتعلم من الأخطاء التي تؤدي إلى فشل قيادة التغيير. لذلك، ابدأ التغيير القادم بالاعتذار عن فشل المحاولات السابقة، سواء أكان لك يد في ذلك أم لا، ثم استخدم الخطوات السابقة حتى لا تكرر الأخطاء ذاتها.

اقرأ أيضاً: لماذا تفشل محاولات التغيير؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي