ما الذي يجعل فريق شركة ناشئة فريقاً ناجحاً؟

5 دقائق

عندما يقوم المستثمرون في شركات رأس المال الاستثماري المغامر (أو ما تعرف بشركات رأس المال الاستثماري الجريء) بالإجراءات الواجبة بحرص، فإنهم يركزون بشدة على الجانب المالي للأعمال التجارية عبر طرح أسئلة مثل: هل لدى الشركة نموذج أعمال تجارية مثير للاهتمام؟ ما هو حجم السوق الذي تعمل الشركة على مخاطبته؟ ما هي خطط نمو الشركة؟ ثم يقومون بتوظيف خبراء بأسعار مرتفعة، واستخدام أدوات متقدمة للبيانات للإجابة عن هذه الأسئلة، والتأكد من أن كل الأمور المالية مفصّلة في الجدول.

ولكن عندما يتعلق الأمر بتقييم فريق عمل تلك الشركة، يميل الشعور الغريزي والحدس إلى أن يكون منهج عمل أولئك المستثمرون في تقييمهم، الأمر الذي لا يعتبر مثمراً مطلقاً، إذ تُظهر بياناتنا أن 60% من المشاريع الجديدة تفشل بسبب مشاكل في الفريق.

فما الذي يجعل فريق الشركة الناشئة ناجحاً؟

إحدى الأجوبة الأكثر شيوعاً هو أن الخبرة السابقة في شركة ناشئة أخرى والمعرفة بالمنتج والمهارات ضمن ذلك القطاع هي كلها عوامل تتنبأ بنجاح المشروع الجديد. ولكن، هل تعتبر التجربة السابقة كافية لكي يعمل أفراد الفريق معاً بشكل جيد؟ قمنا بتقصي هذه المسألة في دراسة حديثة شملت 95 فريقاً لشركات ناشئة في هولندا.

وقد وجدنا أن الخبرة وحدها لم تكن كافية لجعل الفريق يتألق. صحيح أن الخبرة وسعت دائرة الموارد المتاحة للفريق ، وساعدتهم على تحديد الفرص، فضلاً عن أنها كانت عامل إيجابي فيما يتعلق بفعالية الفريق ، إلا أن تلك الفرق كانت أيضاً بحاجة إلى مهارات التواصل لكي تتألق حقاً. إذ أظهرت لنا الدراسة على وجه التحديد أن تشارك الشغف الريادي وتشارك الرؤية الاستراتيجية هما أمران لازمان للفريق لكي يحقق أداء متميزاً كما ذكر المستثمرون الخارجيون من شركات رأس المال الاستثماري المغامر.

ومن بين الشركات الناشئة التي درسناها، أظهرت الفرق التي ذكرت مستويات عالية من الخبرة السابقة مع مستويات متوسطة إلى منخفضة في العاطفة والرؤية الجماعية ضعفاً في أدائها عندما تعلق الأمر بالابتكار في المنتجات والخدمات، ورضا العملاء، والتحكم بالتكلفة، ونمو المبيعات المتوقعة. وعلى النقيض، أظهرت مجموعة الفرق التي ذكرت مستويات خبرة سابقة متوسطة، إنما مستويات شغف ورؤية جماعية أعلى أداء أقوى بكثير.

كما وجدنا أن زيادة خبرة الفريق تؤدي إلى تحسين الأداء فقط في حال تشارك أعضاء فريق الرؤية الاستراتيجية للشركة ذاتها. وهكذا، عندما لا يتفق أعضاء الفريق حيال الاستراتيجية المستقبلية للشركة، ستؤثر معارفهم ومهاراتهم بشكل هامشي على أداء الفريق.

ولدى الفرق الممتازة كلا الأمرين: المهارات الفنية ومهارات التواصل.

وعندما نتحدث عن هذا التوازن بين خبرة أعضاء الفريق (المهارات الفنية) والشغف والرؤية (مهارات التواصل)، سنصل إلى تلك المنطقة والتي يصل فيها الفريق مرحلة التألق. فإذا كان أعضاء الفريق فائقي الذكاء وذوي خبرة، إنما لا رغبة لديهم بمشاركة هذه المعرفة بسبب انعدام التوافق حول الرؤية للشركة، لن تكون لمعرفتهم أي طائل فيما يتعلق بمجال العمل. وبدلاً من ذلك، ستسبب هذه الاختلافات في العاطفة والرؤية في جعل أداء الفريق أسوأ. على سبيل المثال، إذا كان لدى مسؤول التقنية الرئيس في فريق الشركة الناشئة الكثير من الخبرة في مجال صناعة البرمجيات الحاسوبية والتي هي مفيدة لبناء الشركة الحالية، لكنه لا يتفق مع المدير التنفيذي حيال الاستراتيجية المستقبلية للشركة، سيكون أقل احتمالاً لمشاركة معارفه السابقة في مجال البرمجيات السيبرانية مع باقي أفراد الفريق.

ولتوضيح أهمية تقييم الفريق الريادي مع هذا التوازن بين المهارات الفنية ومهارات التواصل، لننظر في قضية أمنية، المستثمرة في شركة رأس مال استثماري المغامر. (تم تغيير أسماء الأشخاص والمؤسسات في هذه القصة للحفاظ على خصوصياتهم).  أخبرتني أمنية مؤخراً عن استثمار محتمل في شركة برمجيات في ستوكهولم يُشعرها بالحماس البالغ. ولنسمي الشركة كلوكر. وعندما قرأت أمنية عن كلوكر وتلقت مطبوعات الشركة، شعرت بالسعادة الغامرة لاجتماعها بالفريق، إذ كان سجل الفريق مميزاً جداً فضلاً عن خبراته في المجال المالي.

وكان للرئيس التنفيذي خبرة عميقة في ذاك القطاع، فضلاً عن عمله في مجال البرمجيات لسنوات، وقيادته لقسم المنتجات في شركة سيلز فورس (Salesforce). في حين تخرج مسؤول المالية الرئيس من جامعة هارفارد، وكان يعمل لشركة بين آند كومباني (Bain & Company) قبل أن ينضم إلى كلوكر، وكان لديه مهارات مالية واستراتيجية قوية جداً. أما نائب رئيس قسم المبيعات، فقد كان متميزاً جداً في ذاك المجال وقد عمل سابقاً كمدير محاسبة في مايكروسوفت. وأخيراً، كانت عضو الفريق الرابع عملية جداً، إذ كانت رائدة أعمال ناجحة مع مشاريع ناجحة على سيرتها المهنية وخبرة مع بعض الشركات الناشئة التي لم تحقق نجاحاً. كان هذا الفريق يبدو على الورق حاصلاً على كل ما يلزم للارتقاء بشركة كلوكر إلى مستويات أعلى وضمان عائد مميز على الاستثمار.

ومع ذلك، عندما قدم أفراد الفريق عرضهم التقديمي أمامها في القاعة وتحدثوا بالتفصيل عن استراتيجية نمو كلوكر، شعرت أمنية بخيبة الأمل. فلم يكن عرضهم متسقاً، إذ إنه وبينما أخبر الرئيس التنفيذي للشركة أمنية أنه أراد دخول سوق الولايات المتحدة وتحويل تلك الشركة لتصبح شركة "سيلز فورس" المستقبل، لا يبدو أن مسؤول التقنية الرئيس موافقاً على الفكرة. إذ إنه رفض أفكار الرئيس التنفيذي فوراً، وقال إن الشركة ستكون منشغلة جداً بمشاريع أخرى ولن تكون قادرة على تحقيق التوسع العالمي هذا العام. وأصبح واضحاً أن لكل عضو من أعضاء فريق كلوكر أهداف مختلفة جداً عن البقية. كما أنهم لا يتشاركون ذات الشغف حيال الشركة، إذ لا يزال نائب رئيس قسم المبيعات يدير شركته الخاصة بالمبيعات، في حين يسعى مسؤول التقنية الرئيس للحصول على وظيفة أخرى.

وعندما تحدثت أمنية مع الرئيس التنفيذي بعد بضعة أسابيع، علمت أن فريق كلوكر (Clocker) قد تفرّق. فلم يكن أعضاء الفريق يتواصلون بشكل فعال، بسبب أهدافهم المختلفة للشركة، ولم يتبادلوا المعارف بالشكل اللازم، الأمر الذي أدى إلى ديناميات فريق سيئة وضعف في عملية صنع القرار.

وبينما كان سابقاً يشار إلى الخبرة السابقة على أنها ذات أهمية كبيرة في نجاح المشاريع، تظهر النتائج أن الخبرة وحدها لن تؤدي إلى النجاح. بل إن كل من المعرفة والمهارات والشغف عوامل هامة لنجاح أي مشروع تجاري جديد. ستؤدي التجربة والخبرة فقط إلى تحسين الأداء إذا قام أعضاء الفريق بتشارك معارفهم وكان لديهم رؤية مشتركة للشركة.

وعند تقييم المستثمرين لفرق عمل الشركات الناشئة، يجب أن يضعوا في اعتبارهم أن السيرة المهنية وحدها غير كافية لتحقيق أداء رائع، إذ إن بناء شركة ناشئة يمر بطريق طويل وعر؛ ومن دون تنظيم الشغف الريادي والرؤية الاستراتيجية، تصبح السيرة المهنية مجرد حبر على ورق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي