ملخص: من المعتاد أن نجد فِرق القيادة تحيد عن درب تنفيذ الاستراتيجية، على الرغم من أن الجميع كانوا قد أعلنوا موافقتهم عليها من قبل. وتكمن المشكلة في أن اجتماعات الفرق تشهد حرص الأفراد على الإعلان عن اتفاقهم مع الاتجاه العام للشركة (خاصةً إذا كان المدير موجوداً)، ولكن عندما يحين الوقت لتخصيص الموارد لاستراتيجية جديدة كان قد تم الاتفاق عليها، كاتفاقهم مثلاً على تنفيذ استراتيجية التحول الرقمي، فإن هذا الاتفاق الظاهري سرعان ما يتحول إلى مقاومة عنيفة، ونادراً ما يُبدي قادة الفرق استعدادهم لتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها. ويتمثّل أحد الحلول المقترحة في الدعوة إلى التصويت الرقمي على الآراء المطروحة للنقاش في الوقت الحقيقي دون الكشف عن هوية المصوّتين. فحينما تجعل أعضاء الفريق يصوّتون في الوقت الحقيقي، يمكن عندئذٍ الكشف بسهولة عن وجود خلاف في الرأي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى خوض مناقشات مركَّزة، ومن ثم التوصُّل إلى الإجماع.
تخيَّل أنك دعوت فريق القيادة لمعرفة رأي أعضائه حيال أهمية التحول الرقمي بالنسبة للشركة؛ فهل سيجرؤ أي واحد منهم على قول إنها لا تشكّل ضرورة استراتيجية، حتى إذا كان يؤمن في قرارة نفسه بأنها ليست كذلك؟ وهكذا ينفضُّ الاجتماع باتفاق واضح ظاهرياً على أن التحول الرقمي يمثل ضرورة لا غنى عنها، لكن ماذا يحدث بعد انتهاء الاجتماع عندما يطلب الشخص المكلَّف بقيادة مبادرة التحول الرقمي من باقي أعضاء الفريق ترشيح بعض موظفيهم لتنفيذ بنود المبادرة المُتفَق عليها؟ سيقول الجميع في أغلب الأحيان إن ضغط العمل يعوقهم عن الاستغناء عن أيٍّ ممن يعملون معهم وتفريغهم لهذا المهمة.
لقد أعلن الجميع في الاجتماع عن موافقتهم على الاتجاه الجديد، ولكن عندما دقّت ساعة العمل وحان وقت تخصيص الموارد، تحول الاتفاق الظاهري إلى مقاومة عنيفة.
وتكمن كلمة السر لمواجهة هذا التحدي في كشف النقاط الخلافية. فبدلاً من ترك الخلاف يغلي تحت السطح، اعمل على جعل الأمور واضحة تماماً من خلال تحديد نقاط الاتفاق والخلاف بين أعضاء فريقك. وقد وجدنا أن استخدام أدوات استطلاع الرأي المباشر يُسهم في توضيح المواقف بصورة لا لبس فيها خلال هذه المناقشات.
ولك أن تنظر إلى المثال التالي المستمدّ من واقع خبرتنا في العمل مع إحدى شركات الخدمات الاستشارية المهنية الخاصة. ليس من الصعب أن نلمس أهمية التكنولوجيا المتطورة، مثل البلوك تشين والذكاء الاصطناعي، ودورها المحوري في إعادة تشكيل أي صناعة. لكن من السهل أن نختلف حول وتيرة التغيير وحجمه، ومن ثم نختلف حول الاستراتيجية المطلوبة.
وقد عقدنا اجتماعاً مع فريق الإدارة العليا لاستعراض تحليلنا لاتجاهات القطاع. وبعد مناقشة مطولة، طلبنا من كل عضو في الفريق استخدام تطبيق "بيجونهول لايف" (Pigeonhole Live)، وهو أداة للتصويت توفرها شركة سنغافورية، على هاتفه الذكي ليُحدِّد دون ذكر اسمه نسبة الأرباح التي يعتقد أنه يجب على الشركة استثمارها خلال العام المقبل لتطوير ابتكارات جديدة في المجال (تجدر الإشارة إلى أن شركتنا، إنوسايت (Innosight)، تستخدم هذا التطبيق ولكنها لا ترتبط بعلاقة رسمية مع الشركة المالكة له). وبعد الإدلاء بالأصوات، عرضنا البيانات (فالانتظار إلى حين الانتهاء من الإدلاء بالأصوات يساعد على مكافحة ظاهرة التفكير الجماعي) على شكل "سحابة كلمات"، مع ظهور نسب الأرباح الحاصلة على عدد كبير من الأصوات بحجم أكبر.
وبيَّن تقرير موجز أن متوسط النسبة المطلوب استثمارها بلغ 10%، مع انحراف معياري قدره 4%. لكننا كنا أكثر اهتماماً بالقيم المتطرفة، التي تراوحت بين 2% و20%. وطلبنا من الأشخاص الذين قدموا أدنى النِّسَب وأعلاها أن يكشفوا عن أنفسهم وأن يشرحوا مواقفهم بشأن القيم القصوى المقترحة للاستثمار.
لم نخبر الفريق مسبقاً بأننا سنطلب منهم الكشف عن أنفسهم، لكن أصحاب المقترحات ذات القيم المتطرفة بادروا على الفور بالحديث من تلقاء أنفسهم. ومن السهل أن نفترض أن الاستجابة المنفتحة كانت بسبب اعتياد الموظفين في مجال الخدمات المهنية على توضيح وجهات نظرهم والدفاع عنها، لكننا حصلنا على ردود سريعة مماثلة في قطاعات أخرى ذات سياقات مختلفة. وتكمن كلمة السر في توضيح أن الهدف ليس اتخاذ قرار (فهذا أمر سيأتي لاحقاً)، بل الكشف عن النقاط الخلافية ومشاركتها مع الآخرين. يؤدي هذا إلى توليد ما تسميه الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال، إيمي إدموندسون، "الأمان النفسي"، وهو تفاهم ضمني بين أعضاء الفريق يقتضي توفير جوٍّ من الأمان عند إقدام أي عضو بالفريق على المجازفة بالتعبير عن رأي مخالف، وهو ما يُعد أحد أهم عوامل الخلافات البنَّاءة.
وقد ساعدت المناقشة على تحديد الافتراضات التي اتفق عليها القادة، سواء الذين يحبذون استثمار نِسَب متدنية أو أولئك الذين يؤيدون استثمار نِسَب مرتفعة من الأرباح، (مثل حقيقة أن التكنولوجيات الجديدة ستؤثر في نهاية المطاف على نموذج عمل الشركة)، والأهم من ذلك مجالات الاختلاف بينهم (مثل وتيرة تقدُّم هذه التكنولوجيا ونطاقها واستعداد الشركاء المساهمين في الشركة للاستثمار في النمو). ولو أننا اكتفينا بالتركيز على متوسط النقاط وحده، لأدى هذا إلى حجب هذه الفوارق وشعور الأفراد الذين يقعون على طرفي المعادلة بأنهم ليسوا جزءاً من الإجماع الظاهري، علاوة على تعزيز التصور الخاطئ بأن الجميع كانوا على الموجة نفسها.
وقد أوضح الكشف عن المواقف الخلافية كافة الجوانب التي كنا نحتاج إلى دراستها بمزيد من التفصيل قبل وضع خطة استثمارية لتسليح شركة الخدمات المهنية بكافة الأدوات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل، كما سلّط الضوء على أهمية تحديد "المعالم الاستراتيجية" التي تشير إلى أي تطورات من قبيل القفزات التكنولوجية النوعية والتغيرات في سلوك العملاء أو التحركات التنافسية، وتُعتبَر كلها مؤشرات تدل على الحاجة إلى تسريع الاستجابة أو إبطائها. وقد قرر الفريق في نهاية المطاف أن تضخ الشركة استثمارات كبيرة، ولكن بنسبة لا تتعدى 75% من متوسط النسبة المشار إليها في استطلاع الرأي المباشر. وجرى الالتزام بالنتيجة بعد سماع آراء الجميع، كما تم طرح كافة الافتراضات التي كانت ستبقى طي الكتمان في الظروف العادية، مثل تلك المتعلقة بردود فعل الشركاء، وتمت مناقشتها ومعالجتها.
لن يؤدي الكشف عن النقاط الخلافية إلى تبديدها بضربة عصا سحرية، إذ لا بد كذلك من التأكد من معرفة أسبابها ثم العمل على التوصُّل إلى إجماع الآراء. وفي أثناء التوصُّل إلى هذا الإجماع، فكِّر في استخدام بعض تقنيات التوافق الحديثة، مثل تدريبات اللياقة البدنية، التي تحدثنا عنها في مقالة نُشرت مؤخراً في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "وحّدوا صفوف فريق كبار المدراء في شركاتكم" (Unite Your Senior Team).
وتتمثّل الخطوة الأولى لجعل الجميع يتخذون موقفاً موحداً في تخصيص بعض الوقت لمعرفة ما يدور في أذهان الجميع.