ماذا تعرف عن تحديات إشراك الموظفين في فرق العمل؟ تتطلّع "كريستين"، إحدى كبار المدراء التنفيذيين، إلى إطلاق مشروع "أناليتيكس"، المنصة الجديدة لشركتها ذات البيانات الضخمة والقائمة على تقنية السحابة، وهي واقعة تحت ضغط موعد محدّد وضيّق لإطلاق مشروعها عبر شبكة الإنترنت. وحتى أسبوعَين اثنَين كان فريقها يعمل على مسار إنجاز تلك المهمة بالسرعة المطلوبة، لكن منذ ذلك الحين بدأ يعاني من مخاطر التأخير في إتمام المطلوب وفق الموعد المحدد. ولقد أُحبطت أيّما إحباط عندما اكتشفت أنه على الرغم من أن كل أمور مشروعها كانت تجري على خير ما يرام، إلا أن أعضاء فريقها كان يتم إشراكهم في مشاريع إضافية أخرى. فلم ترَ "كريستين" مهندسيها الثلاثة الأساسيين في المشروع لأيام عديدة نظراً لانشغالهم في حلّ خلل أمني متعلّق بمنتج فريق آخر. والآن يتوجّب عليها أمام مديرها التنفيذي الأعلى منها في الشركة أن تبرّر تأخّرها في إنجاز مهمتها كما وعدت ضمن الوقت المتفّق عليه. وكل ذلك في وقت كانت الشركة فيه بأمسّ الحاجة إلى انطلاقة مشروع قوية وناجحة.
لا تعدّ قصة "كريستين" فريدة أو غير مألوفة. فعلى مستوى العالم كله، يزداد إحباط كبار المدراء وقادة الفرَق جرّاء الصراعات التي تنشأ عمّا نُشير إليه بتشابك أو تقاطع فرَق العمل، أي تكليف الموظفين بالعمل على مشاريع متعدّدة ومتزامنة. إلّا أنه بالنظر إلى الفوائد والمزايا المهمة لتشابك الفرَق ذاك، فقد بات أسلوب حياة بالنسبة للمؤسسات العصرية، وبخاصة تلك العاملة في المجال المعرفي. إذ يسمح هذا الأسلوب للمجموعات والفرَق مشاركة وقت الأفراد الزملاء وطاقاتهم الذهنية في فرَق تعمل على مشاريع تتخطى الخطوط الوظيفية والحدود التنظيمية للأقسام. كما أنه يزيد من الكفاءة أيضاً، إذ ثمة قلّة قليلة من المؤسسات التي بإمكانها تحمّل تركيز موظفيها فقط على إنجاز مشروع واحد وبقائهم دون عمل في الوقت الضائع بين المهام المختلفة. لذا عملت الشركات على تحسين كفاءة رأس المال البشري إلى حدٍ ما تماماً كما تفعل مع الآلات في المصنع، وذلك من خلال توزيع مواردها البشرية الثمينة على فرَق متعدّدة لا تحتاج إلى 100% من تلك الموارد في 100% من الوقت. وبنتيجة ذلك، تتفادى الشركات فترات التعطّل التي تكلّف أموالاً طائلة في مراحل تباطؤ المشاريع، كما تستطيع أيضاً استقدام خبراء اختصاصيين احترافيين من الخارج لانتشال المشاريع الحساسة المعرضة للخطر متى دعت الحاجة. يوفّر تقاطع فرَق العمل فرصاً وطرائق مهمة لنقل المعرفة ونشر الممارسات الفضلى في جميع أرجاء المؤسسات.
ومع أهمية وثبوت هذه المزايا، إلا أن التكاليف ضخمة وتستدعي إدارتها بعناية وكفاءة، كما تشهد "كريستين". فالمؤسسات تُعرّض نفسها لخطر نقل الصدمات بين مختلف الفرَق حينما يقوم الأعضاء المشترَكون في الفرَق المختلفة بربط مصائر المشاريع التي كانت مستقلة في الأصل. وتكتشف الفرَق أيضاً أن دخول الأعضاء في مشاريع ومهام متعددة وخروجهم منها بشكل مستمر من شأنه أن يزعزع تماسك الفريق ويقوّض هويّته، الأمر الذي يصعّب عملية بناء الثقة وحلّ القضايا العالقة. ويدفع الموظفون الأفراد ثمناً باهظاً أيضاً، إذ غالباً ما يختبرون حالات من الضغط والإجهاد والإرهاق في سعيهم الحثيث لتنظيم وقتهم وإدارة التزاماتهم في مشاريع متعدّدة ومتنافسة.
على مدار الخمس عشرة سنة الماضية، أجرينا أبحاثاً عن التعاون والتشابك بين مئات الفرَق والمجموعات، وذلك في بيئات عمل وقطاعات متنوعة كقطاع الخدمات المهنية، وقطاع النفط والغاز، وقطاع التكنولوجيا المتقدمة وقطاع البضائع الاستهلاكية. (انظر الشريط الجانبي بعنوان: "حول البحث"). ومن خلال مراقبتنا الدقيقة للموظفين في مراحل متنوعة من مراحل العمل القائم على المشاريع، توصّلنا إلى كمّ هائل من المعلومات حول العمل ضمن فرَق متعددة ومتشابكة. نبيّن في هذه المقالة سبب انتشار هذه الظاهرة في اقتصاد اليوم، ونعاين أبرز المشاكل التي يواجهها قادة المؤسسات والفرَق على حدّ سواء، كما نقدّم أيضاً نصائح حول كيفية حل هذه المشاكل.
ما سبب أهمية هذا الموضوع الآن
مع أن تكليف الموظفين بمهام ومشاريع متعددة في وقت واحد ليس بالأمر الجديد، غير أن هذا النهج بات شائعاً جداً في هذه الأيام. ففي مسح أجريناه على أكثر من 500 مدير في شركات عالمية كبرى، وجدنا أن 81% من أولئك المدراء الذين يعملون في فرَق عمل كانوا يعملون في أكثر من فريق على نحوٍ متزامن. وثمة أبحاث أخرى توصّلت إلى نسبة أعلى من النسبة التي توصلنا إليها، فعلى سبيل المثال، بلغت تلك النسبة 95% في القطاعات القائمة بكثافة على المعرفة.
لكن لماذا انتشرت ظاهرة العمل ضمن فرَق متعددة ومتشابكة؟ هناك أسباب عدة.
أولاً، يتعيّن على المؤسسات الاستعانة بخبراء من اختصاصات متعدّدة لحلّ العديد من المشاكل الكبيرة المعقدة. إذ تعمل بعض الشركات على معالجة مخاطر الأمن الشبكي التي تجتاح أقساماً متعدّدة، كالشؤون المالية، وسلسلة الإمداد، والسفريات. وتعمل شركات الطاقة على تنسيق المشاريع الضخمة العالمية، بما فيها حفر حقول موارد جديدة في أعماق البحار. كما يجري تكليف شركات النقل والعمليات اللوجستية بنقل الموارد من الموقع (أ) إلى الموقع (ب)، بغض النظر عن بعد هذه المواقع عن بعضها البعض وبمعزل عن طبيعة المواد المنقولة. وتتطلّب مشاريع التصنيع والبناء الضخمة، مثل تصنيع الطائرات ومشاريع البنى التحتية للمدن، تنسيقاً محكماً بين الجهات المنتجة للأعمال والوكالات التي تضبطها وتنظمها. وفي مثل هذه البيئات لا يمكن للمؤسسات الاعتماد على الموظفين العاديين غير الاختصاصيين في التوصّل إلى حلول شاملة ومتكاملة، بل ينبغي على هذه المؤسسات الجمع بين الإسهامات المختلفة لخبراء يتمتعون بالمعرفة العميقة في مجالات عديدة. (للاطلاع على المزيد في هذا الصدد، اقرأ المقالة بعنوان: "كيف تدفع نجومك إلى التعاون فيما بينهم"، هارفارد بزنس ريفيو العربية، العدد السابع).
ثانياً، مع اكتظاظ الأسواق وتداعي الحواجز الجغرافية والقطاعية، تتعرّض المؤسسات اليوم لضغوط كبيرة تُجبرها على اعتماد سياسات خفض التكاليف والاستخدام الأمثل للموارد. فلقد أفاد أحد مدراء العملاء في إحدى شركات الخدمات المهنية: "لكي نكون حقاً رعاة جيدين لأموال العملاء، علينا ألا ندفع تكاليف خمسة أسابيع من وقت خبير اختصاصي عندما يكون ما نحتاجه فعلاً هو الاستعانة بجهد مكثّف من ذلك الخبير في الأسبوع الخامس فقط". ولذلك لم نعد اليوم نرى سوى نادراً ما يعرف بــ"الوقت المستقطع" بين نهاية مشروع وبداية مشروع آخر أو حتى أثناء فترات تباطؤ تلك المشاريع. عندما لا تتم الاستفادة من الموظفين الراهنين بالقدر الكافي، تعمد مؤسّساتهم إلى تكليفهم بمهام أخرى. فحتى كبار المدراء، كما وجدنا في أبحاثنا، كانوا يتنقّلون في عملهم بين سبعة مشاريع أو أكثر خلال اليوم الواحد وبين ما يقارب 25 مشروع في الأسبوع. وفوق كل ذلك، تسهّل التكنولوجيا الحديثة عملية تتبّع فترات التعطيل –حتى وإن كانت مجرّد دقائق معدودة- وتكليف الموظفين المتعطّلين بمهام إضافية أو إدخالهم ضمن مشاريع أخرى.
ث
الثاً، تبتعد النماذج المؤسساتية اليوم عن البنية المركزية الهرمية لتُتيح للموظفين مزيداً من حرية الاختيار في مشاريعهم ولتحسّن عملية تنمية المواهب وإشراكها في العمل والاحتفاظ بها. ففي الاقتصاد غير التقليدي أو ما يُعرف باسم "اقتصاد العربة" يمتلك الموظفون الأفراد فعلياً سيطرة أكبر من ذي قبل على الأعمال التي يقومون بها (خذ على سبيل المثال مطوّري البرمجيات مفتوحة المصدر). الأمر الذي جعل قيادة الفرَق مهارة أكثر حساسية وأهمية من أي وقت مضى. (للاطلاع على المزيد في هذا الخصوص، اقرأ المقالة بعنوان: "أسرار العمل الجماعي المتميز (The secrets of great teamwork)، هارفارد بزنس ريفيو، يونيو 2016. وفي الوقت نفسه أدّى ذلك إلى نقل ظاهرة العمل ضمن فرَق متعددة ومتشابكة –مع ما يرافقه من مخاطر- إلى مستوى جديد كلياً. فثمة عدد متزايد من العاملين يبرمون عقود عمل حسب طلب المستخدم ويعملون ليس فقط في مشاريع متعددة، بل ومع مؤسسات وشركات مختلفة أيضاً. وفي حالات كثيرة، تقوم الشركات بتشارك وقت ومقدرات ذكاء أعضاء فرَقها حتى مع منافسين لها في السوق.
وبالرغم من أن معظم المدراء يدركون الانتشار المتزايد لظاهرة التزام الموظفين بالعمل ضمن فرَق متعددة ومتقاطعة، غير أن عدداً قليلاً منهم يمتلك فهماً كاملاً لكيفية ومدى تأثير هذه الظاهرة على مؤسساتهم وفرَقهم وموظفيهم الأفراد. فعلى سبيل المثال، كانت مفاجأة كبار قادة إحدى شركات الخدمات المهنية كبيرة عندما اكتشفوا من هم الموظّفون الأكثر عرضة للمعاناة في بيئة العمل ضمن فرَق متعددة ومتشابكة في مؤسستهم. فالموظفون الذين أمضوا سنتهم الأولى في الشركة عملوا على أكثر من ستة مشاريع خلال الأسبوع الواحد، وهو رقم بدا كبيراً للوهلة الأولى. إلّا أن ذلك الرقم ارتفع بسرعة كبيرة مع ازدياد مدة ولاية الموظفين، فقد عملوا في ما يقارب الـ 15 مشروعاً في الأسبوع الواحد مع بلوغ عامهم السادس في الشركة. أما الموظفون أصحاب الخبرة الطويلة فلقد انتموا إلى عدد أقل من الفرَق في الوقت نفسه، غير أن احتمال قيادتهم لعدد أكبر من المشاريع في الوقت نفسه كان يزداد كلما ارتقت مكانتهم الوظيفية. (انظر العرض التوضيحي بعنوان: "من يتحمل القدر الأكبر من الأعباء؟") ولقد كشفت المقابلات التي أجريناها عن أن تبنّي نهج العمل في فرَق متعددة ومتشابكة كان أمراً مجهداً وضاغطاً –شبّهه أحدهم بأنك "تتلقّى الصفعات" من قادة مشاريع متعدّدين– بغضّ النظر عن الفوائد التي تجنيها من هذا النهج كتعلّم الدروس من أحد المشاريع وتطبيقها في مشاريع أخرى.
يشبه هذا الوضع تماماً مشكلة "الرجال العميان والفيل" التقليدية الشهيرة. إذ يرى المدراء بعضاً من الإيجابيات وبعضاً من السلبيات للوهلة الأولى إلّا أنهم نادراً ما يرونها كلّها مجتمعة، وذلك يعود إلى أن تلك الأمور تتجلّى وتتبدّى عبر آليات متنوعة وسويات مختلفة. تخيّل مثلاً مديرة مبيعات ترغب في تقديم حلول أفضل للزبائن من خلال استخلاص الرؤى المستقاة من خبرات أعضاء فريقها وتطبيقها في مشاريع أخرى. فهذا الأمر لن يحدث إذا كان توزيع وقت كل فرد من أفراد الفريق على خمسة مشاريع يُؤدي إلى عدم امتلاك فريقها الوقت الكافي للجلوس معاً والتشارك في الرؤى والأفكار الرائعة قبل الشروع بالعمل. أو لتتصوّر مدير مشروع يفكّر في ضمّ مهندس ثالث إلى فريقه المكوّن من مهندسيَن اثنين - للعمل فقط بنسبة 10% من الدوام الكامل للمهندس- وذلك بهدف تخفيف ضغط العمل الملقى على عاتق المهندسيَن الآخريَن. قد لا يُدرك هذا المدير أن هذا النوع من "التشريح والتقطيع" قد يؤدّي إلى إرهاق واستنزاف مهندسَيه الأصيلَين، إذ إنهما سيُجرّان من خلال زميلهم الثالث إلى عدد مبالغ فيه من المشاريع المتنافسة. والأمثلة المشابهة كثيرة ومتنوعة.
وعلى العموم فإن إيجابيات العمل ضمن فرَق متعددة ومتشابكة تتمثّل في تحسين الكفاءة وتدفق المعرفة والخبرة فيما بين الفرَق، في حين أن سلبياته ترتبط بالمشاكل الشخصية والبينية والنفسية. ولهذا السبب ربما لا يمكن تحديد تلك السلبيات إلا بشكل تقريبي، إن كان ذلك ممكناً أصلاً، ولذلك أيضاً قد تقوّض السلبيات في أغلب الأحيان الإيجابيات من دون إدراك القادة لذلك.
إدارة التحديات
من خلال بحوثنا وعملنا الاستشاري اكتشفنا طرائق عدّة يمكن لقادة الفرَق والمؤسسات استخدامها من أجل التقليل من تكاليف نهج الانتماء إلى فرَق عدّة في الوقت نفسه والاستفادة من فوائده بالشكل الأمثل. وسنقوم باستعراضها أدناه.
أولويات قادة الفرَق. تتمثل التحديات الأساسية لقادة الفرَق في تنسيق جهود الأعضاء (داخل الفريق الواحد كما بين الفرَق المتعددة) وتحفيز مشاركتهم وقدرتهم على التكيّف. إن التركيز المبكر على هذه الأهداف، حتى قبل انعقاد الاجتماع الأول للفريق، سيساعدك على إقامة علاقات قوية بين أعضاء فريقك، وتخفيض تكاليف التنسيق، وتخفيف الاحتكاكات والخلافات أثناء عمليات التحوّل، وتفادي المناكفات السياسية، وتحديد المخاطر المحتملة بحيث تتمكّن من تخفيف آثارها بشكل أفضل. وفيما يلي كيف يمكنك القيام بذلك:
أطلِق الفريق بطريقة جيدة لإرساء الثقة والألفة بين أعضائه. فعندما يكرّس الأعضاء أنفسهم لفريق واحد ويلتزمون به فإنهم سيتعرّفون على خصوصيات زملائهم (حياتهم الأسرية وهواياتهم وأحداث حياتهم المصيرية وما إلى ذلك). إذ من شأن ذلك أن يمكّنهم من التنسيق فيما بينهم بشكل أفضل (فهم يعرفون على سبيل المثال أن أحد زملائهم يكون عادة خارج التغطية أثناء فترات نوم أطفاله، وأن زميلهم الآخر يمارس الرياضة في استراحة الغداء. والأهم من ذلك أن الانتماء لفريق واحد يقيم فيما بينهم روابط قوية وثقة متبادلة يحتاجها أعضاء الفريق لتبادل الأفكار والملاحظات البنّاءة، ولكي يقدّم كل منهم زملاءه إلى شبكة علاقاته القيّمة، ولكي يعتمد كل منهم على خبرات الآخرين الفنية.
أما عندما ينتمي أعضاء الفريق إلى فرَق أخرى في الوقت نفسه، فإنهم يميلون إلى المبالغة في التركيز على الكفاءة والابتعاد عن تشارك المعلومات الخاصة. وإذا لم تقم أنت، بوصفك القائد، في هندسة علاقاتهم الخاصة فيما بينهم، فمن المرجّح أن يكوّن كل منهم صوراً باهتة عن زملائه، الأمر الذي قد يولّد ظنوناً وشكوكاً حول سرعة استجابة الآخرين لمتطلبات الفريق، وحول درجة التزامهم بتحقيق أهدافه وما إلى ذلك. وهكذا يتعين عليك أن تدفع باتجاه أن يمضي أعضاء الفريق بعض الوقت معاً منذ البداية لكي يتعرّفوا على بعضهم البعض. ومن شأن ذلك أن يساعد المساهمين المتباعدين على أن يقدموا لبعضهم البعض منفعة الشك لاحقاً. فلقد أخبرنا أحد المصمّمين الذي يتخذ من مدينة بوسطن مقراً له القصة التالية عن نظيرته البريطانية:
"كنت أظن أن "سيلفيا" جامدة ومتكبّرة، لأنها لم تكن تقدّم أيّ إسهام في جلسات العصف الذهني التي كنا نجريها. بل كانت تكتفي بإرسال الرسائل النصية لاحقاً وأحياناً فقط لمدير المشروع. لكننا أمضينا بضعة أيام في العمل معاً عندما ذهبتُ إلى لندن، فأدركتُ أنها شخص منغلق على ذاته ويحتاج لبعض الوقت لمعالجة الأفكار المطروحة قبل الإدلاء بدلوه. ولأنها لم تكن قد التقت بنا من قبل، كان من الصعب عليها أن تحدّد من كان يقول ماذا؛ فهي كانت تتعرّف على مدير المشروع فقط لأنها كانت تعرف لكنته الفريدة".
وبعد أن أطلع المصمّم قائد الفريق على المفاجأة التي اختبرها مع نظيرته البريطانية، انتقلت المجموعة إلى اعتماد آلية التواصل بالصوت والصورة، حيث بات بوسع الجميع رؤية وجه "سيلفيا" المتفكّر، وبوسع "سيلفيا" الوثوق من أنها توجّه تعليقاتها إلى الشخص الصحيح.
تحديات إشراك الموظفين
إن إطلاق الفريق رسمياً –وبوجود الجميع شخصياً، إن أمكن- يساعد كثيراً، وبخاصة عندما يصرّح الأعضاء عن أهدافهم التنموية من المشروع المرتقب. فلقد جرت العادة في شركة "ماكنزي" على سبيل المثال أن يعلن كل عضو من أعضاء الفريق العامل على مشروع ما، بمن فيهم قائد الفريق، كيف يتوقّع أن يستثمر ذلك المشروع في بناء أو تحسين مهاراته الحيوية. ومن شأن هذه السوية من الانفتاح لا أن تحثّ الأعضاء على الكشف عن بعض مكامن الضعف لديهم فحسب (وهذا هو بالضبط تعريف الثقة)، بل أن تقدّم لهم أيضاً أفكاراً ملموسة حول كيفية مساعدة بعضهم البعض.
قد يبدو إطلاق الفريق رسمياً خطوة غير ضرورية، إذا كان الأعضاء يعرفون بعضهم مسبقاً وكانوا جميعاً مستعدّين للغوص في العمل مباشرة، غير أن الأبحاث قد أظهرت أن إطلاق الفرَق رسمياً قد يحسّن أداء الفريق بنسبة 30%، وذلك يعود جزئياً إلى زيادة المساءلة النديّة فيما بين أعضائه. ومن خلال إيضاح الأدوار والأهداف منذ البداية ووضع قواعد العمل داخل المجموعة، فإنك تُعلِم الجميع بما يمكنهم توقّعه من زملائهم الآخرين. ومع ضرورة ذلك بالنسبة لنجاح أي فريق، فإن تلك الضرورة تغدو أكثر إلحاحاً في المؤسسات التي ينتمي فيها الموظفون إلى فرَق عدّة في الوقت ذاته، ويتعيّن عليهم فيها استيعاب أدوار وأهداف وقواعد عمل مختلفة لكي ينجحوا في أداء جميع مهامهم.
وبالنسبة للفرَق التي تودّع وتستقبل باستمرار أعضاء جدد، قد يتطلّب الأمر إعادة إطلاقها من جديد للترحيب بالأعضاء الجدد والتأكّد من أن العمليات والتوقّعات المتّفق عليها لا تزال صالحة وذات معنى. وهنالك قاعدة عامة مفادها أن عليك القيام بذلك كلما تغيّر حوالي 15% من أعضاء الفريق.
ضع خريطة لمهارات كل موظف. لتجنب تحديات إشراك الموظفين ضمن فرق العمل، عليك أن تحدّد محفظة لمقدرات ومهارات كل شخص بالنسبة للمشروع من الناحيتين الفنية والمعرفية، كمعرفته بعملية اتخاذ القرار لدى الزبون أو بأساليب التفاوض أو برؤى حول أحد الأسواق المهمة المستهدفة، لتضمن أن يعرف الجميع ما يستطيع الآخرون الإسهام به، الأمر الذي يزيد من فرص تعلّم الزملاء من بعضهم البعض. فالشعور بالفخر الذي ينتاب الموظفين عندما يشاركون معارفهم مع الآخرين والتماسك فيما بين أعضاء الفريق من جراء تعلّمهم من بعضهم البعض، غالباً ما يكافئان من حيث القيمة المعارف الفعلية التي يتم تشاركها.
وكما هي الحال مع إطلاق الفريق، قد يميل المرء إلى إغفال عملية وضع الخرائط هذه، عندما يكون العديد من أعضاء الفريق قد عملوا معاً في السابق، لكننا وجدنا أنه حتى في الفرَق التي يعرف أعضاؤها بعضهم بعضاً، كثيراً ما يحتفظ أولئك الأعضاء بأفكار لم تعد صحيحة عن زملائهم وعن مقدراتهم وإسهاماتهم الكامنة، وغالباً ما يختلفون حول خبرات زملائهم. وبالنتيجة قد لا يتّفقون مع توزيع الأدوار على الأعضاء وينزعجون من طريقة توزيع المهام ظناً منهم بأنها غير منصفة وغير مناسبة. وقد يضيّع بعض الأعضاء وقتهم في طلب الدعم من الخارج على الرغم من توفّر المعرفة المطلوبة لدى أحد الزملاء في الفريق الواحد، الأمر الذي قد يثبّط حماسة أولئك الذين يتم إغفال مهاراتهم.
لقد عانى "شريف"، خبير الضرائب، من هذه المشاكل عندما كان يعمل في فريق مع أربعة من زملائه على تقديم عرض لزبون جديد. إذ يقول: "طالما عملنا معاً في مشاريع أخرى على مدار سنوات عديدة، ما يكفي حسب اعتقادنا لمعرفة النقاط المفيدة لدى كل منا"، مضيفاً: "ومع مرور الوقت ازداد إحباطي جراء معرفتي بأن اثنين من زملائي كانا يضيفان باستمرار بعض النصائح التنظيمية إلى الوثيقة الأولية للعرض، ولكن تلك كانت مهمتي ومن اختصاصي أنا! فلقد كنت أعالج أمراً مشابهاً تماماً مع زبون آخر. لقد شعرت حقاً بالإحباط، وكلما استمر زميلاي بتنحيتي جانباً أكثر، ازداد غيظي أكثر فأكثر". وقبيل اللقاء مع الزبون بأيام قليلة، ناقش أعضاء الفريق الأمر واكتشفوا أن زميلهم "شريف" كان يصقل خبراته المهنية الاختصاصية في مشاريع لم يكونوا جزءاً منها. فهم ببساطة لم يدركوا المقدرات التي يتمتّع بها زميلهم. ويختم "شريف" قائلاً: "لقد كنا جميعاً نركض في اتجاهات كثيرة جداً في الوقت نفسه، الأمر الذي جعل معرفتنا الفردية تتغيّر وتتطوّر بسرعة. ولا عجب أن نشأ احتكاك وخلاف فيما بيننا".
كان من الممكن تفادي هذا الاحتكاك، لو جرى وضع خرائط المهارات التفصيلية لكل من أعضاء الفريق. ولا شك في أن وضع تلك الخرائط من شأنه أيضاً أن يبسّط عملية التواصل (فلا داعي للردّ على جميع الرسائل، عندما تعرف مَن المسؤول في الواقع عن موضوع الرسالة)، وكذلك أن يزوّد أعضاء الفريق بالأدوات اللازمة لإلزام زملائهم بالأداء عالي المستوى والتقيّد بالمواعيد، الأمر الذي قد يصعب عندما يذهب بعض الأعضاء ويأتي آخرون جدد إلى الفريق بشكل متواتر. وإن خلق ثقافة المحاسبة الندّية بين أعضاء الفريق قد يريحك، بوصفك قائداً له، من مراقبة أعمالهم اليومية والتفرّغ لمسح بيئة العمل الأوسع بهدف اكتشاف الصدمات القادمة من الفرَق الأخرى على سبيل المثال، أو لخوض بعض المفاوضات التي لا بدّ منها حول الموارد المشتركة مع تلك الفرَق.
قم بإدارة الوقت بين الفرَق المختلفة. عندما تشكّل فريقاً جديداً، تحدّث منذ البداية عن أولويات الجميع المتنافسة. ومن خلال إجراء خطوة استباقية في تحديد فترات الضغط عبر المشاريع كافة، تستطيع إعادة النظر بالمواعيد النهائية للمشاريع أو التخطيط لقدر أكبر من وقت التدريب العملي في نقاط محددة. إن جعل هذا الأمر قابلاً للنقاش، بحيث لا يشعر أعضاء الفريق بالذنب جراء تعارض أولوياتهم، إنما يسمح لهؤلاء الأعضاء بمعالجة هذه القضايا بانفتاح وفعالية عندما يواجهونها لاحقاً.
ومن شأن إرساء الإيقاع السليم للاجتماعات أن يسهّل إدارة الوقت عبر الفرَق كافة ومعالجة تضارب الأولويات. وفي البداية قد ترغب في جدولة العديد من اجتماعات كامل الأعضاء عند المحاور الحاسمة في سير المشاريع. (أظهرت الأبحاث على سبيل المثال أن منتصف أي مشروع هو لحظة حيوية مناسبة لعقد اجتماع تقييمي، قد يقرّرون فيه بذل المزيد من الجهود بعد إدراكهم أن الوقت المتبقي محدود جداً.) احرص على أن يكون حضور هذه الاجتماعات إلزامياً، وذلك من خلال تكليف كل عضو بإدارة جزء من الاجتماع –ولو لمدة عشر دقائق فقط. واحرص باكراً على أن يكون جميع الأعضاء قد تأكّدوا من أن موعد الاجتماع لا يتعارض مع التزاماتهم ضمن الفرَق الأخرى. في الحالة المثالية، تدعم ثقافة المؤسسة ككل رسمياً مثل هذه الاجتماعات بوصفها من أولوياتها. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنك قد تحتاج للتنسيق مع قادة الفرَق الأخرى قبل وضع جدول الاجتماعات معاً.
عندما تخطّط لاجتماعات مع الفرَق الأخرى، لا تدعُ إلا من يلزم ولا أحد إضافياً، وذلك بغية تفادي تضارب المواعيد مع الفرَق الأخرى. وبالطبع لن تحتاج إلى الجميع في أغلب الأحيان، لذلك يمكنك الاكتفاء باجتماعات مصغّرة. ولا تنسَ الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة: فعوضاً عن تضييع الوقت الثمين المخصص للاجتماعات الحية فقط من أجل تحديث المعطيات، ابعث برسائل إلكترونية ثلاثية الخطوط، أو أنشئ لوحة تحكّم إلكترونية تُحدَّث باستمرار، بحيث يستطيع الجميع تتبّع مسار تقدَم التنفيذ متى اقتضى الأمر. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا يمكنها بأي حال أن تكون بديلاً حقيقياً عن التواصل وجهاً لوجه، إلا أنها قد تفي بالغرض لإبقائك على اطّلاع عندما يكون تنظيم اجتماع نظامي مضنياً فوق الحد المقبول. وكن خلّاقاً: فأعضاء الفريق الأصغر سنّاً قد يتحمّسون لمشاهدة تسجيل فيديو قصير لمدة 30 ثانية حول الأمور المستجدّة أكثر من قراءة مذكّرة مكتوبة على صفحتَين. كما إن استفساراتك السريعة والتلقائية من أعضاء الفريق عبر "سكايب" أو "فيس تايم" تبقيك على اطّلاع بأحدث التطوّرات والمواعيد النهائية المتنافسة؛ ومن المرجّح أن يُتيح لك هذا التواصل بالصوت والصورة الحصول على معطيات واقعية حول سويات الضغط التي يتعرض لها أعضاء الفريق ودرجات حماسهم في العمل أيضاً.
اخلق بيئة تعلّم. من شأن التعلّم أن يجعل العمل أكثر قيمة ومعنى، ويُعتقَد أنه من الإيجابيات الرئيسة لنهج الانتماء إلى فرَق عدّة في الوقت عينه، بيد أن ضغوطات الوقت قد تُفسد إمكانية الاستفادة المثلى من هذا النهج. وهنالك معيقات أخرى أيضاً: فحتى عندما تكون قد عملت على بناء الثقة وإقامة العلاقات الوثيقة بين أعضاء الفريق، فإن تبادل الأفكار والملاحظات فيما بينهم يكون أصعب في حال الانتماء إلى فرَق عدّة منه في حال الانتماء إلى فريق واحد، إذ إن الأشخاص الذين يوزّعون وقتهم بين فرَق متعدّدة من غير المرجّح أن يستطيعوا مراقبة أفعال زملائهم بالدقة اللازمة أو أن يجدوا أنفسهم في "مزاج مناسب" لتوجيه الانتقاد البنّاء. وعلاوة على ذلك، فإن أعضاء الفريق الذين لا يرون سوى جزء صغير من المشروع قد تفوتهم الرؤية الشاملة اللازمة لـتقديم الأفكار والملاحظات البنّاءة. كما إنهم قد يميلون إلى التركيز على المهام قصيرة الأمد وعدم التواصل مع الآخرين إلا عند الضرورة.
تم ترفيع "كاري" لتشغل منصب مديرة مكتب تطوير أحد المستشفيات في إحدى المدن الكبرى، ولقد كان أعضاء فريقها العشرون يوزّعون وقتهم بين عشرات المشاريع كل أسبوع. وبعد ستة أشهر اكتشفت "كاري" "أننا كنا نعيش جميعاً في جزيرة قاحلة تفتقر إلى أدنى درجات التواصل وتبادل الآراء والملاحظات، فلم أتلقَّ أي تعليق على مدار نصف سنة حول كيفية تحسين وتطوير آلية العمل على الرغم من وجود أمثلة جليّة على مشاريع لم ترقَ إلى المستوى المتوقّع من الجودة". ولتغيير هذه الوتيرة عمدت "كاري" جاهدة إلى طلب آراء الزملاء والاستجابة لملاحظاتهم بطريقة بنّاءة. ومن خلال الالتزام بذلك يوماً بعد يوم، "تمكنتُ من خلق بيئة عمل يسارع فيها الزملاء إلى التعبير عن مخاوفهم ويطلبون المساعدة، متى احتاجوا إليها. ومع مرور الوقت نشأ جوّ من الثقة، سمح بإدخال إجراءات ذات سمة رسمية أكثر لتقييم المشاريع والسماح للجميع بالتعلّم من الأخطاء من دون الخوف من المحاسبة أو تحميل المسؤولية".
من أجل تجنب تحديات إشراك الموظفين في فريق العمل، بوسعك أيضاً أن تكلّف أعضاء فريقك من اختصاصات ومناصب وظيفية مختلفة ليكونوا مسؤولين معاً عن مرحلة محدّدة من المشروع، بحيث يمكنهم الاستفادة من قدر أكبر من "التواصل المتقاطع"؛ فالتكليف الرسمي قد يدفعهم أكثر إلى تكريس قدر أكبر من الوقت للتعلّم من بعضهم البعض. وبالمثل، قم بالجمع بين أحد أعضاء الفريق واسعي الخبرة وعضو صغير السن، وكلّفهما بمهمة مشتركة وساعدهما على اكتشاف ما يمكن لكل منهما أن يكتسبه من العمل معاً، فالتعلّم هنا لا يأخذ طريقاً وحيد الاتّجاه، بل قد يتعلّم الخبير من الأصغر سنّاً أيضاً.
وعزّز حب الاطّلاع من خلال طرح الأسئلة من النمط "ماذا لو...؟"، حيث من المرجّح أن يقدّم أعضاء الفريق الذين يمتلكون خلفيّات اختصاصية متباينة، وجهات نظر جديدة ومختلفة أيضاً. وإذا ما طُرِح عليك سؤال تعرف أن عضواً آخر في الفريق يستطيع الإجابة عنه على نحو أفضل، بفضل خبرته الأوسع، أحِل طارح السؤال إلى الشخص الأكثر خبرة وشجّع الشخص الخبير على تقديم إجابة مطوّلة فيها فائدة للجميع.
ارفع سوية التحفيز. في الفرَق التقليدية الثابتة عادة ما يُؤدّي الشعور القوي بالانتماء والتماسك إلى تحفيز أعضاء هذه الفرَق على العمل. أما في بيئة الفرَق المختلطة والمتقاطعة، فيتعيّن على القادة الاستفادة أكثر من العلاقات التبادلية والاستثمار فيها. فمن الطبيعي أن تنخفض القدرة على التحفّز للعمل في مشروع ما، عندما لا يكرّس الأعضاء سوى جزء صغير من وقتهم لذلك المشروع. إذ من المنطقي أن يتساءل "المحاسب الداخلي" لكل منهم "إذا كنتُ لن أحصل سوى على 10% من نقاط المشروع، فكم من الوقت والجهد علي أن أكرّس له؟". حدِّد بدقة ما الذي يمكن أن يحفّز أولئك الأشخاص، وأطِّر العمل بما يتّفق مع ذلك. فإذا كان في فريقك واحد من جيل الشباب التوّاق لتنمية مهارات قابلة للنقل، يمكنك من وقت لآخر تكريس بعض الوقت في الاجتماعات من أجل إتاحة الفرصة أمام الأعضاء لتبادل الخبرات والتعلّم من بعضهم البعض، أو إقامة ورشة عمل في نهاية المشروع يقوم فيها الأعضاء بتدريب بعضهم البعض على مهاراتهم المكتسبة.
وتذكّر أيضاً أن الشعور بالإنصاف يحكم الكثير من السلوكيات. فإذا شعر البعض أنهم ينجزون مهامهم بالتزام في وقت يتقاعس فيه الآخرون، من الطبيعي أن يصيبهم الإحباط ويفقدوا الحافز للعمل. وعندما يكون أعضاء الفريق مشدودين في اتجاهات متعدّدة، غالباً ما يصعب على كل منهم رؤية الجهد الذي يبذله الآخرون وتقديره حق تقدير. ويتعيّن عليك بوصفك القائد أن تعبّر أمام الجميع عن تقديرك لإسهامات الأعضاء، بحيث تغدو تلك الإسهامات واضحة لجميع أعضاء الفريق، الأمر الذي يهيّئ التربة الخصبة لسوية أعلى من الإدراك حيال الجهود الجماعية المبذولة.
وكما هو حال "كريستين"، القائدة المحبطة لمشروع البرمجيات "أناليتيكس"، فإنك قد تشعر بالاندفاع لمشاركة مهارات فريقك القيّمة مع الفرَق الأخرى. لكن قبل القيام بذلك فعلاً، اتّخذ هذه الخطوات لإيضاح علاقة الارتباط مع تلك الفرَق وإدارتها بالشكل الأمثل. فمن شأن تلك الخطوات أن تساعدك على تفادي الصراع إن أمكن أو التخفيف من حدّته إذا كان تفاديه مستحيلاً، وعلى تقديم مثل أعلى للتعاون مع قادة الفرَق الأخرى -أندادك الذين يواجهون نفس التحديات التي تواجهها.
أولويات قادة المؤسسات. إذا كنت تقود مؤسسة يسود فيها انتماء الموظفين إلى فرَق متعددة، يتعيّن عليك أن تراقب عن كثب طريقة تشارك الأعضاء -وعددهم- في الفرَق المختلفة داخل المؤسسة. ولقد وجدنا أن بوسعك التقليل من المخاطر المؤسساتية وتعزيز الابتكار والتجديد من خلال الخطوات الآتية:
ضع خريطة للترابط فيما بين رأس المال البشري وحلّلها بدقّة. وقد تتنوّع أنماط التقاطعات فيما بين الفرَق من تقاطع مركّز إلى حدّ بعيد (حيث جزء كبير من الأعضاء يشاركون في عدد قليل من الفرَق) إلى تقاطع مشتّت إلى حدّ بعيد (حيث التشارك موزّع على عدد كبير من الفرَق).
ولكل نمط تبعاته الخاصة على أسلوب إدارة المخاطر. فإذا ما هزت مشكلة طارئة ومفاجئة أحد الفرَق، فإن نداء "الجميع للمساعدة!" من شأنه أن يسحب جميع الأعضاء المشتركين من الفرَق الأخرى، وسيكون الأثر أكبر بكثير على نمط التقاطع المركّز بالأعضاء. أما بالنسبة لنمط التقاطع المشتَّت، فإن الهزة تصيب عدداً أكبر من الفرَق لكن بشدة منخفضة نسبياً. (انظر العرض التوضيحي بعنوان "من يتلقّى الضربة؟").
فضلاً عن ذلك هنالك تبعات مرتبطة بانتقال الخبرة والمعرفة أيضاً. فالممارسات الفضلى تنتقل من مشروع لآخر مع تشارك أعضاء الفرَق المعلومات حول ما يصلح -وما لا يصلح- في مشاريعهم الأخرى. وفي حين يسهّل التقاطع المركّز انتقال الأفكار الجديدة من فريق لآخر، من شأن التقاطع المشتّت أن يسهّل ذلك الانتقال إلى عدد أكبر من الفرَق.
حافظ على خريطة دقيقة لنقاط الاتصال بين الفرَق في مؤسستك، وذلك من خلال الحصول على تحديث دوريّ من المدراء وأعضاء الفرَق. ويرتبط التواتر اللازم لذلك التحديث بدورات حياة فرَقك. إذ يتعيّن عليك إجراء التحديثات بتواتر أعلى إذا كانت الفرَق والمهام تتغير بين أسبوع وآخر، في حين ينخفض ذلك التواتر إذا كانت مشاريعك تمتد على مدار سنة أو أكثر من المنطقي أن تحافظ خلالها الفرَق على أعضائها دون تغييرات كبيرة. ومن شأن هذه النظرة الشاملة والدقيقة أن تساعدك على تحديد الفرَق التي تُخفق في تبنّي التوجهات الجديدة لأنها في عزلة مبالغ فيها، على سبيل المثال، وتلك المترابطة مع بعضها بشكل مبالغ فيه أيضاً لدرجة تعجز معها عن التخفيف من المخاطر الناجمة عن تشاركها بعض الأعضاء.
ولعلّ السؤال الذي غالباً ما يُطرح علينا حول رسم خرائط الارتباط فيما بين الفرَق المختلفة هو: "ما هي درجة الارتباط المثلى؟". للأسف ليس هنالك جواب سحري –لا بالنسبة لدرجة التقاطع المثالية بين الفرَق ولا بالنسبة لعدد الفرَق المثالي التي يُستحسن أن ينتمي إليها الأعضاء. فكلا المقدارين مرتبط ببيئة العمل والظروف المحيطة. عندما تكون الفرَق متشابهة في مهامها وثقافتها، يسهل الانتقال نسبياً فيما بينها، ولذلك بوسعك امتلاك درجة كبيرة من التقاطع فيما بينها ويمكن للأعضاء الانتماء إلى عدد كبير منها في الوقت ذاته. في حين أن الانتقال فيما بين الفرَق المختلفة كثيراً في مهامها أو ثقافتها يجب أن يبقى في حدّه الأدنى –إذ إن ذلك الانتقال يكون حينئذ صعباً ومكلفاً. والمثير للاهتمام هنا أن العكس هو الصحيح عندما يختلف ضغط العمل فيما بين الفرَق، إذ لا يتعرّض الأعضاء لضغط العمل نفسه في جميع الفرَق وفي الوقت ذاته (فهم لا يتعرّضون للإرهاق الذي يتعرض له مستشارو الضرائب في شهر أبريل/ نيسان على سبيل المثال).
وبعد أن تكون قد قمتَ بكل هذا التحليل، يحين وقت معالجة أوجه القصور التي اكتشفتها –وهذا يُحيلنا بدوره إلى الخطوتين التاليتَين.
ادعم دفق الخبرات والمعارف. عليك أن تولي اهتماماً خاصاً بالفرَق المستقلة تماماً عن سواها أو التي لا تتشارك معها إلا بعدد قليل من الأعضاء –أكان ذلك عمداً أم مصادفة. فهذه "الجُزر المنعزلة" تحتاج للمساعدة حتى تبقى على اطّلاع حول ما يجري في بقية أرجاء المؤسسة وما يصلح ويكون فعالاً، حتى تشارك الفرَق الأخرى خبرتها ومعرفتها وأفكارها، وتتمكن من اختيار الموارد الأفضل للاستفادة منها في المهام الراهنة.
ويجب أن يتمثّل هدفك هنا في اعتماد نقل الخبرات والمعارف بوصفه من القواعد الثقافية السائدة في مؤسستك، الأمر الذي قد يتطلّب جعل الموظّفين يدركون أن الجميع يربح عندما يكرّسون وقتهم لتشارُك خبراتهم ومعارفهم مع القائمين على المشاريع الأخرى. وكما هو الحال مع كل تبدّل ثقافي، من المهم هنا أن تجري القيادة من خلال تقديم القدوة الحسنة ومكافأة من يحذو حذوها. قد يبدو هذا الأمر سهلاً من الناحية النظرية –لكن تطبيقه ليس بهذه السهولة. ولتسهيل الأمر يتعيّن عليك تسليط الضوء على إيجابيات التشارك وتوفير العمليات والتكنولوجيا اللازمة لتيسيره، كعقد المناقشات غير الرسمية في فترة الغداء وتنظيم المنتديات الإلكترونية. ولقد اتّبعت إحدى شركات التكنولوجيا التي عملنا معها نهج الاحتفاء بالنجاحات الخارقة الناجمة عن نقل الممارسات الفضلى بين الفرَق والمشاريع المختلفة. في حين درجت فرَق البحث والتطوير في إحدى الشركات المصنّعة على عقد اجتماعات شهرية مع أفراد شاركوا في فرَق متعددة وبادلوا مواقعهم الوظيفية وحصلوا على رؤى جديدة من خلال خبراتهم تلك. وفي كلتا الحالتين كان الهدف إبراز إيجابيات تبادل الخبرات والمعارف –والوقوف في وجه الضغوط الدائمة التي تدفع الموظفين إلى الانشغال في مهامهم الراهنة فقط من دون رؤية الصورة الأوسع.
حصّن نفسك ضدّ الصدمات. كيف يمكنك تفادي انتقال الصدمات من فريق لآخر؟ غالباً ما يتعذّر ذلك. لكنك عندما تعرف كيفية ارتباط الفرَق ببعضها البعض من خلال الأعضاء المشتركين، تستطيع توقّع أماكن تسرّب الصدمات والهزّات فيما بين الفرَق والتحوّط لذلك من خلال بعض المخمّدات التي من شأنها امتصاص تلك الصدمات والهزّات. وهذا لا يعني جعل الموظفين يجلسون دون عمل تحسّباً للحالات الطارئة؛ بل عليك تمكينهم من أن يحوّلوا اهتمامهم بسرعة وسلاسة عندما تقتضي الحاجة. فلقد عمدت إحدى شركات الهندسة التي عملنا معها إلى انتقاء عدد من "رجال الإطفاء" المهرة وتكليفهم بمهام عادية في مشاريع طويلة الأمد لا تتضرّر إذا ما اضطرّوا إلى معالجة المشاكل الطارئة في مكان آخر. ولهذه الطريقة فائدة إضافية تتمثّل في وضع أولئك الأشخاص من وقت لآخر أمام تحدّيات تشكّل تغييراً مرحّباً به ومختلفاً عن الأعمال الروتينية العادية المكلّفين بها.
قد يتطلب الأمر نظرة ناقدة ومجموعة واضحة من الأولويات الاستراتيجية لتحديد المشاريع التي تتحمّل إيقافها لفترة محدودة وتلك التي لا تتحمل أي توقّف. وقد يكون من المفيد أحياناً إعطاء بعض المشاريع حالة "الحماية" التي تستثني العاملين فيها من إمكانية الاستجابة لنداءات أعمال إطفاء الحرائق الطارئة في المشاريع الأخرى. والفكرة العامة من كل هذا أن على الإدارة ضمان قدرة الفرَق على الاستجابة السريعة والفعالة للمشاكل الطارئة من دون الإضرار بأعمالها الجارية. وبالطبع حتى عندما تبني بعض المخمّدات في أماكن تسرّب الصدمات، قد تضطر أحياناً لتخصيص موارد إضافية من أجل إنقاذ بعض المشاريع الحيوية المعرّضة للخطر، لكن من دون أن تعاني بقية الفرَق بالمقدار نفسه.
ليس هذا كله بالأمر السهل. وقد يتعيّن عليك العمل مع قسم الموارد البشرية وقسم تكنولوجيا المعلومات من أجل تأسيس العمليات والنظم القادرة على تتبّع الفرَق المتقاطعة بدقة عبر جميع أرجاء المؤسسة. وقد يتعيّن عليك أيضاً أن تنشئ وظيفة مخصّصة لغرض تحديد هذه الجهود وتنسيقها على نحو فعّال. وقد يعارض الموظفون هذه الرقابة المتزايدة لعملهم –إذ إنهم قد يشعرون أنك تتدخل بأدقّ تفاصيل عمل قادة وأعضاء فرَقك الذين قد اعتادوا على العمل بحرية أكبر، بخاصة ضمن الثقافات التي تحفّز على ريادة الأعمال. ومع ذلك فإن الاستثمار في هذا المجال يستحق العناء؛ فإغفال سلبيات الانتماء لفرَق متعددة في الوقت نفسه قد يؤدي إلى خسائر تفوق بكثير تكاليف الإدارة الفعالة لهذا الأمر. وإذا كنت منفتحاً وشفّافاً حيال المشاكل التي تحاول حلّها، فإن من غير المرجّح أن يشعر الموظفون بأنك تراقبهم وتحدّ من حرّيتهم، بل إنهم قد يرون الأمر من منظورك أنت.
ينتمي كل شاغل لوظيفة قائمة على المعرفة تقريباً إلى فرَق عدّة في الوقت ذاته. وبتضافر جهود مدراء المؤسسة وقادة الفرَق يستطيعون الاستفادة من هذا التوجه من خلال خلق بيئة مناسبة لازدهار أسلوب العمل الجديد هذا؛ الأمر الذي قد يعني إدارة مخاطر الترابط فيما بين الفرَق، وتحديد وإدارة أولوياتها المتنافسة، والتخلّص من العقبات التي تقف في طريق التنسيق الاستراتيجي بين المجموعات والفرَق المختلفة. وقد يتطلب الأمر أحياناً بناء روابط أقوى وتعزيز الثقة بين موظفين لا يقضون سوى جزء يسير من وقتهم معاً.
وبالمحصلة يتطلّب ذلك كله استثماراً كبيراً من الوقت والجهد؛ غير أن المؤسسات قد تدفع ثمناً أكبر بكثير إذا ما أهملت مواجهة تحديات إشراك الموظفين وسلبيات نهج الانتماء إلى فرَق عدّة في الوقت ذاته، وهي تلهث وراء إيجابياته المحدودة.