سواء كان رائد أعمال نجح أخيراً في السوق بعد العديد من المحاولات الفاشلة أو حالات الإفلاس، أو عالم أحدث طفرة باختراعه دواء منقذ للحياة بعد سنوات من تجارب العقاقير الفاشلة، أو لاعب كرة سلة تغلب على إصابة خطيرة وتراجع شديد في المستوى ثم عاد ليساهم في تقدم فريقه في بطولة كبيرة، يتعلق الأمر بكيفية بناء فريق عمل متطور وبمرونة هؤلاء الأشخاص وقدرتهم على الاستجابة السريعة للمتغيرات، وهذه القدرة هي في الغالب أحد العوامل التي تساعدنا على المضي قدماً. لكن قلة منا تعمل بمفردها تماماً، والكيفية التي تثابر بها فرق عملنا مهمة بقدر قدرتنا على الاستجابة السريعة للمتغيرات بشكل فردي.
السمات المشتركة عند بناء فريق عمل متطور
إذن كيف تصبح فرق العمل مرنة وسريعة الاستجابة للمتغيرات؟ وكيف يمكنك بناء فريق عمل متطور بشكل صحيح؟ أجرينا مسحاً شمل ما يقرب من ألفي مدرب في "الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات" (NCAA) لمعرفة وجهة نظرهم حول كيفية بناء فرق عمل تتسم بأنها مرنة وسريعة الاستجابة للمتغيرات، وعملنا مع مئات من قادة الفرق وأعضائها في مجموعة واسعة من القطاعات لمعرفة كيف تصبح فرق العمل سريعة الاستجابة لمختلف المتغيرات وأكثر مرونة وتكيفاً، ولماذا يعد هذا مهماً. واكتشفنا أن فرق العمل سريعة الاستجابة للمتغيرات، وهي تختلف عن الأفراد سريعي الاستجابة للمتغيرات، تتميز بأربع سمات مشتركة.
يعتقدون أنهم يستطيعون إكمال المهام بشكل فعال معاً
بخلاف ثقة كل فرد في قدرته على النجاح، يؤمن أعضاء الفريق مجتمعين أن بإمكانهم إكمال المهام معاً بشكل فعال. على سبيل المثال، في عام 2017 كان فريق "نيوإنغلاند باتريوتس" (New England Patriots) متخلفاً بمقدار 18 نقطة في نهاية الشوط الأول من المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية "سوبر بول" (Super Bowl LI) لكنه بذل قصارى جهده وحاز اللقب للمرة الخامسة. وعندما سئل بيل بيليكيك، المدرب الرئيس للفريق، عن عودة الفريق الملحوظة إلى مستواه في الشوط الثاني، قال: "كنا واثقين أن ما زال بإمكاننا الفوز". لكن مثل هذه الفرق تعمل على إدارة الثقة والتحكم فيها أيضاً. فعند الإفراط في الثقة، يشعر أعضاء الفريق بالرضا عن ذاتهم ولا يبحثون عن الإشارات التي تدل على أنهم على وشك مواجهة تحدٍ ما. أما الضعف الشديد في الثقة، فإنه لا يجعل لدى الفرق قابلية للمخاطرة.
اقرأ أيضاً: 4 طرق لبناء فريق مبتكر
يتشاركون النموذج العقلي نفسه أثناء العمل الجماعي
يجب أن يكون جميع أعضاء الفريق متفقين بشأن أدوارهم ومسؤولياتهم وطرق تفاعلهم مع بعضهم البعض أثناء أوقات التحديات. فهذا هو نموذجهم العقلي للعمل الجماعي الذي يساعدهم على تنسيق جهودهم بفاعلية، والتنبؤ بسلوكيات بعضهم البعض، واتخاذ قرارات جماعية على وجه السرعة. يجب أن تجمع هذه النماذج العقلية بين الدقة (هل نفعل الشيء الصحيح في الوقت الصحيح؟) والمشاركة (هل نتفق جميعاً على ما يفترض بنا أن نفعله؟) حتى تكون فعالة. ولا يكفي وجود أحدهما دون الآخر، فقد يتفق أعضاء الفريق على الإجراءات التي ينبغي اتخاذها ولكن ينتهي بهم الأمر إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الخاطئة، أو قد يكون أعضاء الفريق على علم بالإجراء الصحيح الذي يجب عليهم اتخاذه، لكنهم يتركون خلافاتهم تؤخر اتخاذه. كلا السيناريوهين غير مناسبين للفرق التي تواجه تحديات أو أزمات. عندما يكون لدى أعضاء الفريق فهماً دقيقاً مشتركاً لما يجب القيام به وكيف يمكن لأدوارهم، وأدوار الآخرين، أن تنسجم وتتلاءم معاً داخل إطار الصورة الأشمل، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على الاستجابة للشدائد والتحديات بفاعلية ودون تردد.
اقرأ أيضاً: إدارة الفرق متعددة الثقافات
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك هي "معجزة نهر هدسون" (Miracle on the Hudson) حيثما تمكن الطيار تشيسلي "سولي" سولينبرجر وطاقمه من الهبوط اضطرارياً بالرحلة رقم 1549 التابعة لخطوط طيران "يو إس إيروايز" (U.S. Airways) في عام 2009. بمجرد أن لاحت الكارثة، تصرف فريق سولينبرجر فوراً مع الموقف. كانوا يعرفون ما يجب عليهم فعله ولم يتوقفوا للحديث والنقاش في الأمر، فلم يكن هناك وقت لذلك. فقد تطور الحدث بأكمله في ثلاث دقائق ونصف. قال سولنبرغر: "كنا قادرين على التعاون معاً دون كلام". وأضاف: "إن كل ما نقوم به، هو تفقد الوضع ومساندة بعضنا البعض. لقد تعاوننا معاً بتناغم، وهذا العمل المتناغم هو بمثابة تحفة فنية". وبذلك فقد أنقذ النموذج العقلي لطاقم سولي أرواحاً ذلك اليوم.
قادرون على الارتجال
يجب أن تكون فرق العمل قادرة على الارتجال واقتراح أفكار أو طرق جديدة للتعامل مع الأزمات والتحديات. وهذا الارتجال يعني التكيف عن عمد مع الظروف المتغيرة في الوقت الفعلي. للقيام بذلك بفاعلية، تحتاج الفرق إلى أن تكون قادرة على الوصول إلى المعرفة المتوفرة لديها من التجارب السابقة وإعادة تشكيلها بإبداع لتطوير أفكار جديدة ومبتكرة عند مواجهة أي أزمة أو تحدٍ. حيث تتسم فرق العمل سريعة الاستجابة للمتغيرات بأنها على دراية تامة بمعارف ومهارات وقدرات بعضهم البعض، وذلك حتى يتمكنوا من الاستفادة من الخبرة المناسبة في الوقت المناسب.
من الأمثلة على ذلك، الاستجابة السريعة والإبداعية لفريق عمليات "بعثة أبولو 13" حين انفجر أحد صهاريج الأكسجين في المركبة الفضائية على ارتفاع 205 آلاف ميل فوق الأرض. باستخدام أجسام متنوعة على متن المركبة، وظّف فريق العمليات معارفهم وخبراتهم بشكل جماعي لإنشاء جهاز جديد يعمل على إزالة ثاني أكسيد الكربون من المركبة المخصصة للهبوط على القمر، وبالتالي تمكين الطاقم من التنفس لفترة كافية حتى العودة إلى الأرض. ونتيجة لبراعة فريق ناسا هذا، تمكنوا من العودة بأمان إلى الأرض وحصلوا على ميدالية الحرية الرئاسية.
يثقون ببعضهم البعض ويشعرون بالأمان
تتحسن قدرة الفريق على الاستجابة السريعة للمتغيرات عندما يتشاطر أعضاؤه الإيمان بأن المجازفة الشخصية في فريقهم أمر آمن، وذلك كطرح أفكار غير عادية أو أفكار إبداعية دون خوف من التعرض للانتقادات أو أن يعاملهم زملاؤهم معاملة مختلفة عن بقية أعضاء الفريق. غالباً ما يشار إلى ذلك بالأمان النفسي للفريق. وقد أظهرت الدراسات أن أعضاء الفريق غالباً ما يناقشون فقط الأفكار المعروفة بالفعل، وليس الأفكار الفريدة، خشية التعرض للنبذ أو الرفض لتقديمهم معلومات جديدة. أما في فرق العمل سريعة الاستجابة للمتغيرات، يحترم الأعضاء أفكار بعضهم البعض ويثقون في أنهم لن يتعرضوا للسخرية أو الرفض إذا عبروا على رأيهم. حيث يتيح هذا الشعور بالأمان للأعضاء التعبير عن أفكارهم وآرائهم بانفتاح وصدق، مما يؤدي إلى توافر وجهات نظر متنوعة بشكل كبير في الأوقات التي تشتد فيها الحاجة إلى مثل هذا التنوع.
اقرأ أيضاً: أفضل فرق القيادة العليا تزدهر بالاختلاف
ومن الأمثلة الجيدة على ذلك جهود الإنقاذ التي قام بها الفريق المكلف بإنقاذ أعضاء فريق كرة القدم التايلاندي الذي حوصر في كهف عميق غمرته الفيضانات في عام 2018. تغلب فريق الإنقاذ متعدد الجنسيات على ظروف قاسية أدت إلى وفاة غواص سابق في البحرية التايلاندية، لإنقاذ الصبية. فقد استعان أعضاء الفريق بخبراتهم الجماعية للخروج بأكبر عدد ممكن من الحلول، شملت الحفر من أعلى الكهف وصولاً لمكان الصبية وحتى شفط ما يكفي من المياه من الكهف لتمكين الصبية من المشي إلى بر الأمان. في المواقف الجديدة كهذه، هناك حاجة إلى مساهمة الجميع، لذا يحتاج أعضاء الفريق إلى الشعور بأن أفكارهم ستؤخذ على محمل الجد، مهما كانت غريبة وغير تقليدية. قدم الرقيب ديريك أندرسون من القوات الجوية الأميركية الخطة النهائية، لتُعدل باقتراحات من قوات البحرية التايلاندية قبل التنفيذ. تضمنت الخطة إعطاء الصبية دواء مهدئ وربطهم بإحكام على نقالات تُسحب إلى قاعدة الإنقاذ من تحت الماء. ونظراً لأن ثقافة الفريق كانت تشجع على ابتكار أفكار إبداعية بل وتطالب بذلك، لم يكن الفريق منفتحاً على سماع هذه الخطة الجديدة فحسب، بل تعاوَن أيضاً لتحسينها.
مراحل بناء فريق يتسم بسرعة الاستجابة للمتغيرات
يمكن لقادة الفرق والمدراء زيادة قدرة فرقهم على والاستجابة السريعة للمتغيرات عن طريق التأكد من أنهم يعملون على تطوير هذه السمات الأربع. في بحثنا، حددنا ثلاث مراحل أساسية للقيام بذلك، وهي: قبل حلول الكارثة، وأثناءها، وبعد انقضائها.
بناء فريق عمل متطور قبل حلول الكارثة
ينبغي أن يغرس القادة الثقة في أعضاء الفريق، ويوضحون كيف تتوافق وتنسجم أدوارهم معاً، ويعززون القدرة على ارتجال الأفكار، ويرسون ثقافة السلامة. يمكن القيام بذلك من خلال أنشطة مثل: تحديد أهداف وعمليات واضحة، وتمكين الفرق من خلال التدريبات الافتراضية وإتاحة الفرص التي تمكّنهم من مواجهة التحديات الصعبة، وتقديم التدريبات متعددة التخصصات، وتوفير إطار عام للاستجابة للأزمات يمكن تطبيقه على مجموعة متنوعة من المواقف المختلفة، والتأكيد على نقاط القوة والمزايا التي تتسم بها الفرق المتنوعة، وتعليمهم كيف يمكنهم الاستفادة من خبراتهم المتنوعة للخروج بحلول جديدة، ومناقشة ثقافة الثقة والاحترام المتبادلين داخل الفريق بشكل متكرر وحماسي، والتأكيد على الشمولية ولغة الحوار والتصرف بكل امتنان وتقدير، وتوجيه اللوم على الفور وبشكل علني عند إبداء أي تعليقات غير لائقة يُحتمل أن تؤذي شعور الفريق بالأمان.
أثناء وقوع الكارثة
ينبغي للقادة تذكير فرقهم بأهمية التحلي بالمرونة وسرعة الاستجابة للمتغيرات. وينبغي لهم أيضاً تزويد الفرق بأكبر قدر ممكن من المعلومات ذات الصلة، ومساعدتهم على تحديد الاتجاه، وتوجيه الأعضاء وتعزيز شعورهم بالثقة فيما يمضون قدماً في وضع الاستراتيجية، وإعادة صياغة التحديات باعتبارها فرصاً للتعلم والتفكر.
بعد انقضاء الكارثة
يتعين على القادة توفير منتدى للتفكير المتأني واستخلاص المعلومات. وينبغي أن تركز استعراضات الخبرة المكتسبة هذه على التوازن بين النجاحات والإخفاقات. كما ينبغي على القادة تشجيع أعضاء فريقهم على التعبير عن آرائهم بانفتاح وإثارة أي مخاوف لديهم ذات صلة بالكارثة التي خاضوها. ويجب عليهم أيضاً أن يظهروا التقدير لمن يفعل ذلك. حيث ينبغي أن يكون القادة بمثابة حدود ممتدة عن طريق تنسيق الأنشطة والعلاقات بين فرقهم والأجزاء الأخرى من المؤسسة. كما سيحتاج القادة أيضاً إلى أن يكونوا بمثابة حواجز جيدة واقية من الضغوط الخارجية، وأن يكونوا ماهرين في اقتناء الموارد اللازمة، بحيث تكون فرقهم مستعدة بشكل مناسب لمواجهة الكوارث في المستقبل.
اقرأ أيضاً: 4 طرق لكي يحافظ القادة على أوقاتهم وتمكين فرق عملهم
تُعد فرق العمل التي تتسم بسرعة الاستجابة للمتغيرات على القدر نفسه من الأهمية بالنسبة للأعمال كما الأفراد المرنين سريعي الاستجابة للمتغيرات، ولكنها في حالة الأفراد تُغرَس على نحو مستقل، أما في حالة الفريق فإنها تُغرَس بواسطة القادة بكل عناية. واقع عملنا مع العديد من قادة الفرق وأعضائها أثبت أن الإجراءات التي تناولناها هنا تؤكد أن قدرة الفريق على الاستجابة السريعة للمتغيرات هي سمة منتشرة وسائدة وليست سمة نادرة. وهي تحتاج إلى عمل شاق، ولكن المردود هو مؤسسات وفرَق تُبنى لتدوم بسبب معرفتك كيفية بناء فريق عمل متطور بشكل صحيح.