ملخص: في مواجهة التعقيدات المتصاعدة يتزايد اعتماد المؤسسات على الفِرق لمعالجة القضايا الصعبة واتخاذ قرارات مؤسّسية حاسمة. لتحقيق أقصى فائدة من ديناميات الفريق يجب أن يتنبه القادة للتحيّزات المحتملة التي قد تؤثر في هذه الديناميات ويوجّهوا عمليات الفرق ويضبطوها بنشاط. يحثّ مؤلفو هذا المقال القادة على معالجة أحد تحيّزات صناعة القرار، الذي يسمونه فخ التمسك بالحلول، ويظهر عندما يتسرع الفريق في مناقشة الحلول الممكنة قبل فهم المشكلة جيداً، ويناقشون الدراسةَ التي ساعدتهم على كشف هذا التحيّز ويشرحون مفهومه، ويطرحون ما يمكن أن يفعله القادة لحماية فرقهم منه.
هل تحيّر فريقك يوماً في العثور على حل ناجح لمشكلة ما دون أن يحرز تقدماً؟ أو هل سبق لك أن أنهيت اجتماعاً وأنت غير متيقن من فعالية ما اختاره الفريق وتظن أنه غفل عن معلومات مهمة؟ لمساعدة فريقك على اتخاذ قرارات أفضل بثقة أكبر، يجب أن تعالج تحيّزاً في اتخاذ القرارات نسميه فخّ التمسك بالحلول،
وهو يظهر عندما يسارع فريق العمل إلى مناقشة الحلول الممكنة لمشكلة ما قبل فهمها جيداً. على سبيل المثال قد يسارع فريق التسويق المكلّف بمهمة حلّ مشكلة تراجع المبيعات إلى اقتراح إجراء تعديلات على حملة التسويق المعتمدة دون أخذ الوقت الكافي لفهم أسباب هذا التراجع الجذرية جيداً. وعلى غرار ذلك، قد يتسرّع فريق مكلّف بمهمة تعزيز التنوع الديموغرافي للمتقدمين إلى الوظائف في اقتراح أساليب توظيف جديدة دون تحليل كافٍ للعوامل المثبّطة المحتملة. يعقّد هذا التسرّع وصول الفرق إلى حلول تثق بها، ويعرّضها لخطر اتباع مسار عمل خاطئ كذلك.
نقدّم في هذه المقالة الدراسةَ التي ساعدتنا على اكتشاف هذا التحيّز، ونشرح مفهوم فخ التمسك بالحلول، ونناقش ما يمكنك فعله لحماية فريقك منه.
تصوُّر سلوك الفريق في صناعة القرار
لشرح مفهوم فخ التمسك بالحلول جيداً بلورنا نهجاً لتصور سلوك صناعة قرارات الفريق وتحليله؛ عندما نتفاعل مع من حولنا (أعضاء الفريق الآخرين على سبيل المثال) يؤدي كلّ سلوك من سلوكياتنا (اللفظية أو غير اللفظية) وظيفة معينة، فمشاركة معلومة معينة أو طلبها مثلاً سلوك يركز على وظيفة معالجة المعلومات. ساعدنا التحليل الدقيق لمخططات مراحل صناعة القرار على الإجابة عن أسئلة مهمة حول ديناميات الفريق وفهم ظواهر مثل فخ التمسك بالحلول من خلال رسومات توضيحية تسلّط الضوء على الفترات الزمنية التي تنخرط فيها الفرق بسلوكيات تؤدي وظيفة مشتركة. تركز تقنية رسم مخططات المراحل على تحديد تشكيلة من السلوكيات ذات الوظائف المشتركة، ونطلق عليها نوع المرحلة.
شارك 169 طالباً في برامج ماجستير إدارة الأعمال في هذه الدراسة، وشكّلوا 28 فريقاً وحضروا محاكاة تعلُّمية تضمُّ سلسلة من مهام حل المشكلات. (إفصاح: محاكاة القيادة والفريق: الجزء الثاني من إنتاج هارفارد بزنس ببليشينغ). سجّلنا مشاركة الفِرق بالصوت والصورة في أثناء تفاعلها مع عملية المحاكاة، وكتبنا نصوص اتصالات الفرق بدقة ثم خصّصنا رمزاً لكلّ عبارة بناء على وظيفتها.
أظهرت الأبحاث السابقة لعلماء مثل مارشال بول وجونيل روث وروبرت بيلز أن سلوكيات الفرق المكلّفة بحل مشكلة ما يمكن تقسيمها إلى 4 أنواع من المراحل: 1) معالجة المعلومات و2) استكشاف الحلول و3) التأكد و4) الإجراء التنفيذي. تُظهِر الصورة التالية أمثلةَ السلوكيات التي تشكِّل كلّ مرحلة من هذه المراحل على حدة. عندما يعمل الفريق على مهمة معينة فإنه ينتقل بمرور الوقت من مرحلة إلى أخرى.
فخ التمسك بالحلول
فحصنا في دراستنا هذه مخططات المراحل الزمنية لعمل 28 فريقاً على مهمة حلّ مشكلة متوسطة التعقيد. وساعدنا تحليل تفاعلات أعضاء الفرق في أثناء المهمة على كشف نمط سلوكي شكّل مؤشرَ أداء رئيسياً، يميز بين الفرق العالية الأداء التي توصلت إلى أفضل حل والفرق ذات الأداء المنخفض التي اختارت أسوأ حل. يوضح الرسم البياني أدناه مخططات المراحل الزمنية لعمل 5 فرق ذات أداء عالٍ و5 أخرى ذات أداء منخفض.
بناءً على هذه المخططات، يهيمن على مناقشات الفرق ذات الأداء المنخفض استكشاف الحلول وتقييمها بدلاً من جمع المعلومات المطلوبة للوصول إلى حل جيد وتحليلها. ومن المثير للاهتمام أن كلاًّ من الفرق ذات الأداء العالي وذات الأداء المنخفض بدأت المهمة بمناقشة ما تعرفه عن المشكلة، لكن بعد فترة قصيرة أصبحت الفرق ذات الأداء المنخفض تركّز أساساً على تقديم الاقتراحات حول ما يجب فعله وبدأت توليد حلول مختلفة، وبمجرد حدوث ذلك، فشلت في العودة إلى تحليل المعلومات على مدى فترة طويلة.
لاحظنا أيضاً أن تركيز هذه الفرق ذات الأداء المنخفض على استكشاف الحلول، يقلّل احتمالات بحثها عن المعلومات التي تجيب عن الأسئلة المطروحة؛ إذا سأل أحد أعضاء الفريق مثلاً: "ماذا نعرف عن المشكلة س؟"، فالفرق ذات الأداء المنخفض تتجاهل السؤال وتستمر في مناقشة الحلول المحتملة دون إثباتها. ويحدّ هذا التمسك بمناقشة الحلول من قدرة الفرق ذات الأداء المنخفض على كشف المعلومات المتاحة وتقييمها بالكامل، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارات سيئة. ومن المثير للاهتمام أن هذه الفرق التي يبدو أنها تسارع إلى مناقشة الحلول لا تنجز المهمة في مدة أسرع من الفرق ذات الأداء العالي.
حماية الفريق من فخ التمسك بالحلول
ما الذي يستطيع المدراء فعله إذاً لحماية فرقهم من الوقوع في فخ التمسك بالحلول؟ فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يسهل تطبيقها بناءً على بحثنا:
ابدأ الاجتماع بمراجعة المعلومات المتاحة جميعها.
اسأل الجميع وشجعهم على الإدلاء بمعلوماتهم لا بآرائهم حول الوضع أو المشكلة المطروحة، وبمجرد أن يطرح الجميع ما لديهم من معلومات، تحقق من مناقشة المعلومات كلها. هذا أمر أساسي لأن الأبحاث التي أُنجزت خلال أكثر من 3 عقود تقدم دليلاً قوياً على أن المعلومات التي لا يعرفها أعضاء الفريق جميعاً لا تُذكر خلال مناقشات الفريق على الأرجح.
انتبه إلى اقتراحات الحلول غير الناضجة.
لا أحد من الموظفين يحب الاجتماعات، فهي بالنسبة للغالبية مضيعة للوقت ومرهقة تستنزف الطاقة، لذا عندما تجمع الموظفين في اجتماع لحل مشكلة أو اتخاذ قرار، قد تصادف أشخاصاً يحاولون عن قصد أو غير قصد تسريع المناقشة وإنهاء الاجتماع في أسرع وقت ممكن سواء بالتعليق صراحةً عن ضيق الوقت أو بطريقة ضمنية مثل الانتقال إلى مناقشة الحلول المحتملة. عند ملاحظة اقتراح حلّ غير ناضج علّق عليه بالقول: "شكراً على هذا الاقتراح، سنعود إليه بعد التأكد من كشف المعلومات ذات الصلة كلّها". ثم وجّه المناقشة للتركيز من جديد على مشاركة المعلومات وتحليلها.
شجع صناعة القرارات المبنية على الأدلة طوال العملية.
عندما تُطرح الأسئلة أرشِد أعضاء الفريق للإجابة عنها بناءً على المعلومات المتاحة لديهم، لا بناءً على آرائهم أو تخميناتهم السطحية. يمكنك أن تعبّر عن ذلك مثلاً بقولك: "يبدو أننا بحاجة إلى العودة إلى هذه المسألة والتحقق منها أكثر".
استخدم أدوات العرض المرئي لتنظيم المعلومات والحلول التي نُوقشت.
يشير بعض بحوثنا الأخرى إلى أن الفرق التي تعمل على تفحّص المعلومات المعقدة ومشاركتها تستفيد كثيراً من استخدام عرض جماعي بوساطة سبورة بيضاء أو إلكترونية، فقد يساعد عرض المعلومات على شاشة عرض مشتركة على ربط المعلومات بالحلول المحتملة في أثناء مناقشتها.
في مواجهة التعقيدات المتصاعدة التي تواجه المؤسسات يتزايد الاعتماد على الفرق لمعالجة القضايا الصعبة واتخاذ قرارات مؤسّسية حاسمة. ولتحقيق أقصى استفادة من ديناميات الفريق من الضروري التنبه للتحيّزات المحتملة التي قد تؤثر في هذه الديناميات وتوجيه عمليات الفريق وضبطها بفعالية.