ما الذي يميّز الشركات التي تنجح في سد الفجوة بين صياغة الاستراتيجية وتنفيذها؟

5 دقيقة
الترابط المرن
shutterstock.com/Raja GamerXTC

ملخص: أثبتت الأبحاث أن أنجح فرق القيادة العليا تحافظ على الترابط المرن بين رسالة المؤسسة وأنشطتها اليومية، إذ تتمتع بالمرونة اللازمة لتصحيح المسار عند تغيُّر احتياجات العمل، كما أنها أكثر استعداداً لإعادة هيكلة موارد المؤسسة لضمان تنفيذ الاستراتيجية. فالقدرة على تحديد الأولويات عنصرٌ أساسي لنجاح الفريق، إن الحرص على استثمار وقت الفريق على النحو الأمثل وبأفضل السُّبُل الممكنة هو أهم أدوات تحقيق النتائج المنشودة. بالمقارنة مع الفرق المتواضعة الأداء، نجد أن الفرق العالية الأداء تخصص وقتاً أطول بنسبة 54% لتحديد أهدافها واستراتيجياتها العامة منذ البداية وصياغة رؤية تسترشد بها القرارات المتعلقة بتوزيع الموارد، ما يعني أنها تخصِّص مزيداً من الوقت لوضع الاستراتيجيات وترجمتها إلى أهداف قابلة للتنفيذ، والتفاعل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين لتحديد العوائق والفرص وتوقُّعها.

تمثل الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ مشكلة مزمنة لا يمكن حلها بسهولة؛ ثمة مثل ياباني يقول: "رؤية دون تنفيذ ما هي إلا حلم من أحلام اليقظة، وتنفيذ دون رؤية ما هو إلا كابوس". وقد أوضح بول لاينواند وتشيزاري ميناردي وآرت كلاينر في مقالهم المؤثر على هارفارد بزنس ريفيو ما يجب على القيادات العليا فعله لسد الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ. وانطلاقاً من هذه الأبحاث، تناولنا الموضوع من منظور أوسع يتجاوز منظور القادة بصفتهم أفراداً، وذلك لدراسة المنهجية التي اتبعتها أنجح الفرق لسد هذه الفجوة. أردنا توضيح المنهجية المُتَّبَعة من خلال تحديد ما يميز هذه الفرق من حيث أسلوبها في توزيع وقتها وأهم سلوكياتها. ولتحقيق هذه الغاية، درسنا المنهجية التي يتبعها 49 فريقاً قيادياً للشركات في توزيع الوقت ومدى فعاليتها في تحديد السلوكيات الأساسية التي يجب أن تتحلى بها فرق القيادة العليا، كما أجاب أفراد هذه الفرق عن أسئلة تتعلق بإطار العمل الذي طرحه لاينواند وآخرون على النحو الموضَّح أدناه.

الالتزام بالهوية

يتجسّد المبدأ الأول لإطار عمل الفرق العالية الأداء في ضرورة التزام أفراد المؤسسة جميعهم بهوية محدَّدة من خلال توحيد فهمهم لعرض قيمتها وقدراتها المميزة. باختصار، يجب على المؤسسة أن تلتزم بالتركيز على ما تجيده ثم تسعى لتحقيقه. وقد وجدنا أن أهم العوامل المميزة للفرق العالية الأداء تتمثل فيما يلي:

  • تخصِّص وقتاً أطول بنحو 20% (مقارنة بالفرق المتواضعة الأداء) لتحديد الاستراتيجية (أي ترجمة رؤية رفيعة المستوى إلى أهداف واضحة قابلة للتنفيذ).
  • تخصِّص وقتاً أطول بنسبة 12% لتوحيد صفوف المؤسسة خلف هذه الاستراتيجية من خلال عمليات التواصل الداخلية المتكررة وتوجيه رسالة متسقة إلى عموم العاملين بالمؤسسة.

وثبتت لنا صحة هذه البيانات من واقع خبراتنا في العمل مع فرق القيادة العليا؛ إذ وجدنا أن الفرق التي تتفوق في هذا المجال هي تلك التي تقسِّم الاستراتيجية إلى منجزات واضحة وعملية، ومن ثم توضح هذه المنجزات لمختلف العاملين بالمؤسسة من خلال الرسائل المتكررة.

ترجمة الاستراتيجية إلى عمليات يومية

يوضح تحليلنا لمنهجية فرق القيادة العليا في توزيع وقتها ما يلي:

  • تخصِّص الفرق العالية الأداء وقتاً أطول بنسبة تتجاوز 25% للتركيز على مشاريع المؤسسة، مقارنة بالفرق المتواضعة الأداء. وتكرِّس هذا الوقت لوضع المقاييس المالية والتشغيلية، ومواءمة الأهداف مع الاستراتيجية العامة، وتخصيص الموارد، ومراجعة المقاييس الرئيسية.
  • تخصِّص الفرق العالية الأداء وقتاً أطول بنسبة 14% لمراجعة التقدُّم المُحرَز في تحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال مراجعة المقاييس الرئيسية وإعادة هيكلة الموارد وفقاً لذلك.

تحرص أنجح فرق القيادة العليا على الترابط المرن بين رسالة المؤسسة وأنشطتها اليومية، وتتمتع أيضاً بالمرونة اللازمة لتصحيح المسار عند تغيُّر احتياجات العمل، كما أنها أكثر استعداداً لإعادة هيكلة موارد المؤسسة لضمان تنفيذ الاستراتيجية.

التركيز على العوامل الثقافية الفريدة التي تدعم النجاح

ينطوي هذا الافتراض ضمنياً على مقاومة إغراء برامج التغيير التقليدية التي تستند إلى سد الثغرات أو علاج مواطن الضعف، وتقدم البيانات صورة أكثر تعقيداً في هذا الجانب.

  • تخصِّص الفرق العالية الأداء وقتاً أطول بنسبة 28% لإشراك المؤسسة في الحوار المستمر حول عوامل التمكين الثقافية والعراقيل التي تعترض التنفيذ. تتضمن هذه العملية تخصيص منتديات للموظفين يعبّرون فيها عن مخاوفهم من خلال الاستقصاءات (مثل استقصاء إدماج الموظفين) والحوارات الشخصية.
  • تستثمر هذه الفرق نفسها قرابة ثلث هذه النسبة من الوقت في تحسين قدرات أصحاب المواهب من خلال مراجعة خطط التطوير والتأكد من جودة خطط التعاقب الوظيفي وتقييم خطط التعويضات لضمان الحفاظ على قدرتها التنافسية.

تشير بياناتنا إلى كفاءة نهج الاستفادة من مواطن القوة الثقافية وجدارته بالثناء، لكن المؤسسات التي تواظب على مراقبة تحيزاتها الثقافية والقيادية ومواجهتها هي التي تتمتع بالأفضلية. ومثلما أشار باحثون آخرون، فإن الاكتفاء بالتركيز على مواطن القوة لا يكفي.

تشير الأدبيات الأكاديمية بالإضافة إلى خبراتنا الاستشارية إلى أن القدرة على تحديد الأولويات عنصرٌ أساسي لنجاح فرق قيادة الشركات، وهذه المهمة ليست بالهينة نظراً لعبء المسؤوليات الكبير والدائم الذي تحمله غالبية الفرق على عاتقها. ما الذي توصلت إليه بياناتنا حول منهجية تعامل الفرق مع هذا الأمر؟

  • بالمقارنة مع الفرق المتواضعة الأداء، نجد أن الفرق العالية الأداء تخصص وقتاً أطول بنسبة 54% لتحديد أهدافها واستراتيجياتها العامة منذ البداية وصياغة رؤية تسترشد بها القرارات المتعلقة بتوزيع الموارد،
  • فيما يخص التنفيذ، تخصِّص الفرق المتدنية الأداء وقتاً أطول بكثير بنسبة 83% لحل المشكلات الطارئة والتصدي للأزمات بإجراءات قصيرة الأمد بدلاً من مواجهتها باستراتيجيات طويلة الأمد.

صنَّفت فرقنا العالية الأداء نفسها في هذا الجانب أيضاً بأنها أكثر فعالية بنسبة 36% في تحديد الأولويات وترتيب تسلسل المبادرات، مقارنة بالفرق المتواضعة الأداء. يمكن القول بحكم خبراتنا إن ثمة جانباً مهماً بعملية تحديد الأولويات قد يكون في غاية البساطة، مثل تحديد مواعيد اجتماع الفريق والموضوعات المطروحة للنقاش. ويؤدي الحرص على نيل أفراد فريق القيادة العليا الدعم والموارد اللازمة للتركيز على الأولويات واتفاقهم عليها إلى منع تشتت تركيزهم وتعزيز ارتباط الاستراتيجية بجهود التنفيذ.

صناعة المستقبل

تتميز الفرق العالية الأداء بقدرتها على صناعة المستقبل بدلاً من الاكتفاء دائماً بالتفاعل مع الظروف الحالية، فكيف تفعل ذلك؟

  • تخصِّص وقتاً أطول بنسبة 25.3% للتأثير في أصحاب المصلحة الرفيعي المستوى من خلال تحديد احتياجاتهم وإدارة توقعاتهم.
  • من غير المستغرب أن الفرق العالية الأداء تخصِّص وقتاً أطول بنسبة 13.2% للتخطيط للمستقبل من خلال تحديد اتجاهها العام ووضع رؤية مشتركة وتحديد استراتيجيتها؛ قد يبدو ذلك سهلاً من الناحية النظرية، لكنه ليس كذلك على أرض الواقع.
  • وأخيراً، تنجح الفرق العالية الأداء في صناعة المستقبل من خلال الاستجابة للمتغيرات التي تواجهها في الحاضر (بفعالية تفوق الفرق المتواضعة الأداء بنسبة 20.7%)، ما يؤهِّل المؤسسة لتحقيق النجاح في المستقبل. وهذا يتوافق مع الكثير من الأدبيات الحالية حول أهمية المرونة في الفرق العالية الأداء.

كيف تسد الفجوة بين الاستراتيجية والتنفيذ في شركتك؟ نحن نؤمن بأن الحرص على استثمار وقت الفريق على النحو الأمثل وبأفضل السُّبُل الممكنة هو أهم أداة لتحقيق النتائج المنشودة.

إذاً، من أين تبدأ؟ ثبت لنا من خلال النتائج التي توصلنا إليها أن الفرق التي نجحت في سد الفجوة بين وضع الاستراتيجية وتنفيذها تميّزت بما يلي:

  • خصَّصت وقتاً أطول لوضع الاستراتيجيات وترجمتها إلى أهداف قابلة للتنفيذ.
  • خصَّصت وقتاً أطول لإشراك المؤسسة وتسليط الضوء على العوائق والاحتياجات غير الملباة وتوضيح الاتجاه العام والضوابط السلوكية.
  • خصَّصت وقتاً أطول للتفاعل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين لتحديد العراقيل والفرص وتوقعها.
  • خصَّصت وقتاً أقل لحل المشكلات الطارئة.

ألقِ نظرة سريعة على جداول أعمال اجتماعات فريقك خلال الفترة الماضية الممتدة بين 6 أشهر إلى عام، ثم اسأل نفسك الأسئلة الآتية:

  • ما هي النسبة المئوية للوقت الذي خصصه الفريق لحل المشكلات الطارئة أو التصدي للأزمات التي كان من الممكن التعامل معها في المستوى الأدنى؟ ما هو مقدار الوقت الذي استثمره الفريق للتعامل مع الجوانب الاستراتيجية الباهظة الثمن؟
  • ما هو مقدار الوقت الذي خصصه الفريق للتفكير الاستباقي في مستقبل قطاعنا ونموذج عملنا والسياق التنظيمي ومستهلكينا؟
  • ما هي النسبة المئوية للوقت الذي خصصه الفريق لإدماج المؤسسة والتوافق معها؟ ماذا عن أصحاب المصلحة الرئيسيين؟ هل أجرى الفريق استبياناً لائقاً لمعرفة احتياجاتهم الواضحة والكامنة؟

وربما الأهم من ذلك كله أن تسأل نفسك: "هل نجحنا في تنفيذ استراتيجيتنا؟".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .