ماذا تعلم عن إدارة فائض المعلومات تحديداً؟ إن عبء المعلومات الزائد يداهمنا دون توقف، فنحن نتلقى الأخبار باستمرار كما أننا لا نستطيع التهرب من رسائل البريد الإلكتروني الواردة. ويُعتبر الدماغ البشري المتلقي الأول لكل هذه المعلومات. ويمكن اعتباره مجازياً آلية لـ "شفط" المعلومات، ومخزناً للذاكرة قصيرة المدى، و"خلاطاً" من أجل دمج المعلومات، ومخزناً للذاكرة طويلة المدى، ومصرفاً للتخلص من معلومات أخرى، وهو بذلك أداة تدوير مذهلة. حيث يُعد عمل كل مهمة من هذه المهام بفعالية أمراً بالغ الأهمية إذا كان الشخص مهتماً بإدارة العبء الزائد من المعلومات، وذلك لأن مجرد استخدام الدماغ لشطب بعض المهام من القائمة عند إتمامها هو استخدام غير بالغ التعقيد لدماغ الإنسان. لكن يوجد عدد قليل من الناس لديهم القدرة على تنمية هذه العادات الذهنية التي تساعد على الاغتنام الأمثل لقدرات هذا الدماغ.
إن أحد أهم جوانب إدارة ضغط المعلومات هو القدرة على معرفة الوظيفة الذهنية التي يجب استخدامها وكيف ومتى يلزم ذلك. وفيما يلي 6 مبادئ تعتبر الدليل الإرشادي للإدارة الأسلم فيما يتعلق بتزايد المعلومات خلال يوم العمل المزدحم.
إدارة فائض المعلومات
إذا تركت الدماغ في الوضعية الافتراضية لتلقي كافة المعلومات وإدخالها، فهذا يعني أنك ستغذيه بكل المعلومات التي يتعرض لها، ولذا عليك ضبط استقبال المعلومات ومراجعتها والانتقال بردة فعلك من الوضع "الشامل" إلى "الجزئي".
ويعني رد الفعل الجزئي أن تنظر فيما يحدث معك لحظياً، أما رد الفعل الشامل، فيعني أن تنظر في كافة الأنشطة السابقة، حيث إن تدريب الذهن على رد الفعل الجزئي يعزز قدرتك على التعاطي مع المهام المتعددة بطريقة أفضل، ما يتيح للذهن القدرة على استيعاب المزيد من المعلومات وإنجاز المزيد من المهام أيضاً. لذلك حين يكون يومك مليئاً بالأمور التي يلزم إنجازها، عليك اللجوء إلى فسحة قصيرة من "عدم التركيز". خلال هذه الفترة، يجب أن تفكر بما أتممته مؤخراً بهدف التقييم، وكيف يمكن أن يرتبط ذلك بالمهمة القادمة. ثم تجنب التفكير فيها خلال بقية اليوم.
استخدام "الفلتر" في خزان الذاكرة
يمكن تشبيه الذاكرة قصيرة المدى بكأس مليئة بالأفكار، وهذا يعني أنه لها حداً، وقد يكون من المزعج جداً إيجاد أن المعلومات التي لا يلزمك تذكرها هي تلك التي تشغل مساحة في كأس ذاكرتك بطريقة تشتت انتباهك. لهذا السبب يلزمك فلترة (تصفية) المعلومات التي تتعرض لها خلال اليوم، ويمكن القول إن هناك طريقتين لفعل ذلك: الفلترة الاستباقية أو الفلترة كردة فعل.
عندما يكون محور الحديث هو "معلومات "زائدة" عن الحاجة"، فنحن نتحدث عن ذلك النوع من الكلام مع الذات وهو نوع من الفلترة يشبه ردة فعل، حيث يرسل رسالة إلى الدماغ تمنعه من التعامل مع المعلومات التي سمعها. أما الفلترة الاستباقية، فتعني أن يكون ذهنك على أهبة الاستعداد، بدلاً من الانتظار للحظة تتلقى فيها معلومات زائدة عن الحاجة وتفلترها، فإنك تكون قد وضعت ذهنك مسبقاً في وضعية لتجاهلها. على سبيل المثال، يمكنك أن تقرر تجاهل التنبيه الذي يردك من صحفتك على "فيسبوك"، أو يمكنك أن تعطل التنبيهات من الهاتف والكمبيوتر أيضاً.
تفعيل "الخلاط"
يمكنك خلق مساحة في ذهنك عبر الربط بين الأفكار. وعندما تفعل ذلك، تصبح تلك الأفكار مترابطة ويصبح الدماغ أكثر قدرة على التعامل معها. عندما تركز بأمر ما يكون دماغك بوضعية الجمع وليس الربط، وبالتالي، تحتاج إلى تطوير القدرة على الدخول في فترة من عدم التركيز لتفعيل دائرة الربط في الدماغ.
وعندما يُعرض لك قدر كبير من المعلومات قد تضطر إلى فعل أمر مخالف لما هو متوقع، على سبيل المثال، أضف مهمة أخرى على يومك. ولكن اجعلها أمراً ممتعاً تستطيع من خلاله تفعيل دائرة التربيط في الذهن. يمكنك مثلاً المشي قليلاً، لأن المشي يعزز القدرة على التربيط والإبداع. كما أن المشي في الخارج أفضل من المشي على جهاز السير في المنزل أو في المكتب.
عزز ذاكرتك
يمكن تعزيز الذاكرة طويلة المدى في غضون دقائق، وذلك عبر استخدام تقنية التعليم على مراحل. بدلاً من العمل دفعة واحدة بلا توقف، جرب استخدام بعض الأنشطة الجانبية خلال اليوم، وستجد المنفعة الكبيرة لذلك، لأنه يفرغ كأس الذاكرة قصيرة المدى بسرعة كبيرة. كما أنه يعزز حفظك لما تحتاج إلى تعلمه بسرعة أكبر مما لو تابعت العمل عليه دون توقف، تتحكم هذه الطريقة في تدفق المعلومات الواردة إلى الدماغ.
فعّل آلية طرح المعلومات
ما نخشاه عادة هو عدم القدرة على التذكر، ولكن هناك أشياء لا يمكننا نسيانها أيضاً. على سبيل المثال، تجد أن توبيخاً بسيطاً يستقر في ذاكرتك طوال اليوم، وحين ترتكب خطأ ما، حتى لو لم يلاحظه أحد، ستجد أن القلق سيطر عليك لفترة طويلة بسببه.
مع تقدمنا في السن، تصبح قدرتنا على النسيان المقصود أضعف، ولسوء الحظ، فإن الذكريات السيئة تعيش أطول (وهذا عائد في جزء منه إلى قلقنا العام بشأن ضياع ذكرياتنا، ولذلك، فإننا تلقائياً نجد صعوبة في التذكر). وهنالك استراتيجية للتعامل مع ذلك وهي استبدال ذكرياتنا بسرعة. فعندما تجد، على سبيل المثال، أمراً سلبياً بدأ يتكون في الذاكرة، شغّل موسيقاك المفضلة أو انظر إلى صورة محببة إليك. إن الاعتماد على النسيان الواعي أو المقصود كفيل بإزعاج الذكريات السيئة مبكراً بحيث لا يكون هناك مجال لتثبيتها في الذاكرة طويلة المدى.
فعّل آلية التدوير
يستهلك الدماغ حوالي 20% من طاقة الجسم على الرغم من أن حجمه يشغل 2% فقط من جسم الإنسان. وهذا يعني أنه حين ينخفض مستوى الطاقة في الجسم، فإن ذلك يؤثر على الدماغ أيضاً. ولعل هذا هو السر في أن اليوغا ترفع جودة الحياة والرياضة تساعد الجسد على استخدام طاقته بفعالية أكبر، وسواء اخترت اليوغا أو الرياضة، فإن ذلك سيعطي الذهن فرصة للاستراحة، كما أن تخصيص وقت خلال اليوم لإراحة الدماغ سيساعدك على استعادة نشاطه وكفاءته.
إذا نظمت يومك مع وضع هذه المبادئ في الاعتبار، فستحصل على يوم جديد محسّن وأكثر قدرة على إدارة فائض المعلومات الواردة. وهناك العديد من الطرق الأخرى التي تساعدك على تفعيل حالة نقص التركيز الاستراتيجي والاستفادة منها خلال اليوم. لكن يمكنك أن تبدأ بهذا التمرين، بحيث تقسم يومك إلى أجزاء، كل منها لفترة 45 دقيقة، تحصل بين كل فترة منها على استراحة ربع ساعة. ومارس الرياضة في بداية يومك أو مع نهايته، وحاول في الاستراحة الأولى التدرب على الفلترة المقصودة. وفي بقية فترات الاستراحة حاول ما إذا كان أمر ما يزعجك ويشتتك، ولا تتأخر في استخدام الفلترة للتجاوب مع معلومات غير مرغوب بها، ولا تنس عملية تبديل الأفكار (بحيث تركز على الإيجابية وتهمل السلبية). أما حين تشعر بأنك فقدت السيطرة، فاخرج للمشي قليلاً لتفعيل التربيط الذهني أو لزيادة كفاءة الذهن، وهكذا ستكون قادراً على تحسين جودة وقتك في المنزل أيضاً.
اقرأ أيضاً: