غالباً ما تكون التجارب المزعزعة المثيرة للتوتر والقلق فرصاً من أجل غرس عقلية النمو، حيث أظهرت البحوث أن الأزمات يمكن أن تساعد على التخلص من الشعار السائد في العديد من المؤسسات "لا تُصلح ما هو سليم"، ما يخلق فرصاً جديدة للموظفين ليطرحوا أفكارهم حول كيفية فعل الأشياء بشكل أفضل.
على سبيل المثال، عندما أجبرت الجائحة إحدى شركات التأمين التي نقدم لها المشورة على نقل أعمالها لتصبح عن بُعد بشكل كامل، دفع تحدي العمل عن بُعد العديد من الفِرق إلى استكشاف طرق أفضل لتتبع التقدم المحرز، حيث اقترح الموظفون الميدانيون مقاييس جديد لتعقب اتصالات المبيعات مع العملاء، وطرقاً جديدة لإدماج هذه المقاييس مع مؤشرات الأداء الرئيسية الحالية على منصة شركة "سيلز فورس" (Salesforce). وقد أحب القادة النظام الجديد للغاية لدرجة أنه يتم توسيع نطاقه على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحالي.
وبالمثل، غالباً ما تُظهر فِرق كرة السلة والهوكي تحسناً في الأداء بعد خسارة أحد اللاعبين بسبب تعرضه لإصابة، وهذا لأن بقية زملائه في الفريق يتمكنون من اكتشاف طرق جديدة للعمل معاً. ونظراً إلى أن الفِرق مجبرة على مواجهة تحديات وتقلبات جديدة، بالإضافة إلى التعافي من الأخطاء التي ارتُكبت في عصر "كوفيد-19"، فإنها تبدأ في إدراك أن قدراتها وقدرات نظرائها ليست ثابتة بل يمكن تنميتها.
ويمكن لعقلية النمو هذه أن تفيدنا وتفيد فِرقنا بشكل كبير أثناء هذه الأزمة. نعرض أدناه 5 اقتراحات للمدراء الذين يتطلعون إلى الاستفادة من الانتقال إلى العمل عن بُعد لغرس عقلية النمو في أنفسهم وفي فِرقهم.
كن صبوراً
لم يمر سوى بضعة أشهر على الانتقال واسع النطاق إلى العمل عن بُعد بشكل كامل، على الرغم من أنه يبدو وقتاً طويلاً، وما زلنا نتعلم. يعرف الجميع في الوقت الحالي كيفية مشاركة الشاشة أو عقد اجتماع مصغر عبر برنامج "زووم"، ولكن إعادة تشكيل ممارسات العمل المتأصلة بعمق للتكيف مع بيئة العمل عن بُعد هو أمر قد يستغرق وقتاً أطول. لذا كن صبوراً مع نفسك ومع موظفيك. ولا تنس تقدير الجهود حتى إذا كانت النتائج لم ترقَ بعد إلى مستوى توقعاتك.
في حين أنه من الجيد التحدث حول فوائد التحلي بعقلية النمو، إلا أن تعلم ممارسة جديدة أمر صعب، كما أن عدم إحراز تقدم فوري وملموس قد يكون مثبطاً للهمم. لذا، سامح نفسك وكن كريماً مع الآخرين، وحاول أن تركز على الجهد المبذول والأفكار القيمة التي تستقيها من هذا الجهد وليس على عدم إحراز نتائج فورية.
علِّم عقلية النمو للآخرين وعززها داخلك
قضى ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" أشهره الأولى في الوظيفة في تعليم الموظفين قيمة ثقافة "تعلَّم كل شيء" وليس ثقافة "اعرف كل شيء". وكان قدوة لهم في ذلك من خلال مشاركة فيديوهات شهرياً يستعرض فيها أهم ما تعلمه ويشجع الفِرق في مختلف أقسام الشركة على مناقشة ما تعلموه أيضاً. فكّر في فعل شيء مماثل مع فريقك، وإن كان على نطاق أصغر. على سبيل المثال، يمكنك تخصيص جزء من وقت الاجتماعات الأسبوعية أو الشهرية للفريق لمناقشة ما تعلمه أعضاء الفريق أثناء الأزمة حتى الآن.
أرسل الإشارات الصحيحة
أقوالك وأفعالك ترسل رسائل مهمة إلى الآخرين. على سبيل المثال، في دراسة حديثة طرح القادة على المسؤولين التنفيذيين الذين حصلوا على ترقية مؤخراً هذا السؤال "ما الذي فعلته منذ آخر مرة تحدثنا فيها وما الذي تعلمته من ذلك؟" كل أسبوعين. ولأن المسؤولين التنفيذيين كانوا يعرفون أن القادة سيطرحون عليهم هذا السؤال، بدؤوا بسرعة معقولة في إيلاء مزيد من الاهتمام لنموهم واندهشوا من كم الأشياء التي كانوا يتعلمونها.
يمكنك أنت أيضاً إرسال إشارات إلى فريقك، حيث يمكنك أن تسألهم عما تعلموه أو أن تكافئهم بطريقة غير رسمية على التقدم المحرز والدروس المستفادة والتعافي من الأخطاء مثلما تكافئ على الأداء المتميز. ولكي تكون نموذجاً لما تبدو عليه عقلية النمو في الواقع، يمكنك مشاركة ليس فقط خطة انتصاراتك الأخيرة ولكن أيضاً الإخفاقات والانتكاسات التي تعرضت لها على طول الطريق.
عدّل توقعاتك وأِعد النظر في الممارسات المتبعة
يُعد الانتقال إلى العمل عن بُعد عذراً جيداً لإعادة ضبط توقعات فريقك حول تقديم التقييمات البناءة وتلقيها. فإذا كنت قائد فريق يمكنك أن تسأل أعضاء فريقك "ما هي الأشياء الثلاثة التي ستحاول تغييرها إذا كنت تشغل منصبي؟". عندما تكون قدوة في الانفتاح على الملاحظات والتقييمات، سيكون من السهل على زملائك تقبُّلها.
تُعد هذه الأزمة أيضاً وقتاً مناسباً لتشجيع فريقك على تقييم الممارسات المتبعة وتحسينها. فالعمل عبر الإنترنت أقل تسامحاً بقدر كبير إزاء الإخفاق في التنسيق والقيادة، ولذلك هناك فرصة جيدة لإشراك الآخرين في إجراء تصحيحات فورية للمسار. وهذا قد يتضمن بدء الاجتماعات بمشاركة ما تعرفه، مع التأكيد على أنك لا تزال تجهل الكثير، ودعوة زملائك في الفريق إلى مشاركة ليس فقط معارفهم ولكن مخاوفهم وتساؤلاتهم أيضاً. وبطرح هذه الأشياء على الطاولة، يمكن معالجة المزيد من المسائل.
على سبيل المثال، أخبرتنا قائدة فريق ممن قدمنا لهم المشورة أنه بعد أسابيع قليلة من العمل عن بُعد، نشب نزاع محتدم بين اثنين من موظفيها. وقد اتضح أن حدة هذا التوتر كانت تتصاعد منذ أشهر. وعندما بدأت قائدة الفريق في حل الموقف، أدركت أن أصل المشكلة هو أن أحد الموظفين يتواصل بطريقة فظة ومباشرة، ما اعتبره الموظف الآخر إهانة. وعندما أصبح العمل يتم عن بُعد، أدى الالتباس في الألفاظ المستخدمة في رسائل البريد الإلكتروني بينهما، إلى جانب التوتر الموجود مسبقاً في علاقتهما، إلى تصعيد المشكلة بسرعة، ما أسفر عن نزاع كبير.
في محاولة للتعلم مما حدث وإعادة النظر في ممارسات الفريق، عقدت قائدة الفريق اجتماعاً مع الفريق بأكمله لتبادل الأفكار حول أفضل طرق التواصل في بيئة افتراضية. ومن الممارسات الجديدة التي وضعها الفريق "قاعدة رسالتيّ البريد الإلكتروني" التي تنص على: إذا تم إرسال رسالتيّ بريد إلكتروني إلى زميل ولم تكونا كافيتين لحل مشكلة أو التوصل إلى اتفاق، يلزم الاتصال هاتفياً أو عبر الفيديو بهذا الزميل. بعد تطبيق هذه القاعدة، انخفضت حالات سوء الفهم بين الموظفين وأصبح الفريق قادراً على حل مشكلات العمل المعقدة بسرعة أكبر.
تعرف على زملائك في الفريق بشكل أفضل
عند العمل عن بُعد، نبدأ في التعرف على زملائنا في الفريق من زاوية مختلفة، حيث إننا نرى أماكن عملهم وأطفالهم وحيواناتهم الأليفة. وقد قال مسؤول تنفيذي مازحاً أنه قبل "كوفيد-19" إذا قفزت قطة على الكمبيوتر المحمول لأحد الزملاء أثناء اجتماع افتراضي (نادر الحدوث)، كانت الاستجابة الطبيعية هي الشعور بالإحراج والاعتذار وإغلاق بث كاميرا الفيديو سريعاً. ولكن، كما يقول، يضحك الأشخاص الآن على مثل هذه المواقف. تشير الدراسات إلى أننا عندما نكون أقل قلقاً بشأن التقييم الاجتماعي والتعرض للإحراج، فإن ذلك يحفز التجريب والإبداع وكلاهما يُعد أساسياً للنمو. وتشير بحوث أخرى إلى أن التعبير عن الهوية الشخصية في العمل يمكن أيضاً أن يعزز الإبداع لدى الموظفين.
في حين أن أزمة "كوفيد-19" تطرح مجموعة متنوعة من التحديات الجديدة، إلا أنها أيضاً تخلق فرصاً جديدة للقادة لغرس عقلية النمو ذات الأفق المتسع في أنفسهم وفي فِرقهم. وعلى الرغم من أن ذلك لن يكون سهلاً، فإن غرس العقلية الصحيحة يمكن أن يساعد الفِرق على التنسيق والابتكار وبناء مستقبلهم، ما يجعل من الممكن ليس فقط النجاة من الأزمة ولكن أيضاً الخروج منها أقوى.