التغيير جانب ثابت ودائم في حياتنا المهنية ولا يمكن تجنبه. هناك أوقات يمكننا فيها التحكم في التغيير، ولكنه في أغلب الأحيان يكون خارجاً عن سيطرتنا. يمكن أن تتغير وظائفنا أو أدوارنا، ولكن ليس إلى الأفضل دائماً. قد تخضع المؤسسات التي نعمل فيها إلى إعادة التنظيم أو قد تجدد استراتيجيتها، ويجب علينا أن نتكيف مع هذه التغييرات.

لحسن الحظ، هناك طرق للتكيف مع التغيير، وحتى الاستفادة منه.

ابحث عن الفكاهة في الموقف

يمكن أن يكون العثور على جانب فكاهي في الموقف الجدي أو الصعب طريقة رائعة لإضفاء بعض المرح ورؤية قضية صعبة من منظور مختلف جديد، ويمكن لذلك تحسين الحالة المزاجية للمشاركين الآخرين في الموقف.

وجد الباحث الرائد في مجال الفكاهة، رود مارتن، الذي درس آثار أنماط مختلفة من الفكاهة، أن المفاكهة مع الآخرين يمكن أن تخفف حدة المزاج العام وتعزز التفاعل الاجتماعي. ولكن احرص على أن تراعي الفكاهة المستخدمة مشاعر الآخرين وتحترمها. القاعدة العامة هي تجنب السخرية من مشاكل الآخرين، لكن العثور على الفكاهة في تحدياتك الخاصة يمكن أن يكون ممتعاً ومفيداً.

تحدّث عن القضايا المطروحة بدلاً من التركيز على المشاعر التي تثيرها

يفيد أحد المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعاً حول التعامل مع التغييرات الصعبة أننا نستطيع التغلب على غضبنا ومخاوفنا وإحباطاتنا بمناقشتها، ولكن هذه الفكرة ليست صحيحة دائماً. في الواقع، تظهر الأبحاث أن التعبير المستمر عن المشاعر السلبية يمكن أن يعوق قدرتنا الطبيعية على التكيف مع التغييرات،

لكن ذلك لا يعني أن عليك كبت مشاعرك أو تجاهل الصعوبات التي تواجهك. بدلاً من ذلك، عبّر عن قلقك أو غضبك عندما تواجه تغييراً مربكاً، لأن ذلك يمكن أن يساعدك على فهم تأثير هذه المشاعر في تفكيرك وقدرتها على الإضرار بعلاقاتك. بعد ذلك، اطلب النصيحة حول ما يجب فعله. باتباع هذه الخطوات، سيكون بمقدورك التركيز على المشكلات التي يمكنك حلها بدلاً من الحسرة والأسف على التي لا تقع تحت سيطرتك.

تجنب القلق من التوتر

معتقداتنا حول التوتر مهمة. تقول عالمة النفس في جامعة ستانفورد، كيلي ماغونيغال، في كتابها “الجانب الإيجابي للتوتر” (The Upside of Stress): “إن استجابتك للتوتر تؤثر في صحتك ونجاحك أكثر من التوتر نفسه. إذا كنت تعتقد أن التوتر يقتلك، فسوف يفعل ذلك، ولكن إذا كنت تنظر إليه على أنه قوة تساعدك على اجتياز العقبات والمواقف الصعبة، فستزداد قدرتك على التحمل وقد تعيش فترة أطول”.

عندما تشعر بأنك بدأت تتوتر، فكر فيما يحاول توترك أن يساعدك على تحقيقه: هل يحفزك على تقديم أداء أفضل في المهام الضرورية مثل إلقاء عرض تقديمي للمبيعات أو مقابلة مهمة؟ هل يحاول مساعدتك على اجتياز فترة تصعب فيها ظروف السوق أو التحول المؤقت في البنية التنظيمية لمؤسستك؟ هل يحاول حملك على التعاطف مع زميلك أو عميلك؟ أو يقودك نحو الخروج من موقف سام بأمان؟

يمكن أن يكون التوتر مفيداً إذا قررت رؤيته بهذه الطريقة.

ركّز على قيمك بدلاً من مخاوفك

من خلال تذكير أنفسنا بالجوانب التي نقدّرها أو نوليها أهمية في الحياة، مثل العائلة والأصدقاء والمعتقدات الدينية والإنجازات العلمية والموسيقى والتعبير الإبداعي وهلمّ جرّاً، يمكننا إنشاء حاجز قوي ضد أي مشاكل أو صعوبات قد نواجهها.

في سلسلة من الدراسات امتدت أكثر من عقد من الزمن، أثبت الباحثون بقيادة جيوفري كوهين وديفيد شيرمان قدرة الإنسان بغض النظر عن سنه وفي مواقف مختلفة، مثل الانتقال إلى مدرسة جديدة أو الدخول في علاقات جديدة أو بدء وظيفة جديدة، تعزيز مرونته العقلية من خلال تمرين بسيط؛ تخصيص 10 دقائق للكتابة عن حالة أوقعت فيها قيمة معينة يحملها أثراً إيجابياً عليه.

أثبتت هذه الطريقة فعاليتها لأن التفكير في القيمة الشخصية يساعدنا على تجاوز التحديات المباشرة التي نواجهها وإدراك أن هويتنا الشخصية لن يهددها موقف واحد صعب.

تقبّل الماضي، ولكن يجب عليك الاستمرار في السعي من أجل مستقبل أفضل

على الرغم من أن التغيير حتمي، فنحن نتمتع دائماً بحرية اختيار كيفية الاستجابة له.

دافع الطبيب النفسي النمساوي الشهير، فيكتور فرانكل، عن هذه الفكرة بعد عودته إلى الوطن بعد قضائه 3 سنوات مرعبة في معسكرات الاعتقال النازية. إذ اكتشف عند عودته أن جميع أفراد عائلته؛ والدته وأخاه وزوجته وطفله الذي لم يولد، ماتوا جميعاً. تغيّر كل شيء في حياته، وفقد كل شيء كان عزيزاً عليه. ولكن مع مرور الوقت، اكتشف فرانكل أنه على الرغم من أنه لن يتمكن أبداً من استعادة حياته السابقة، كان لديه الخيار في مقابلة أصدقاء جدد والزواج والإنجاب مرة ثانية ومساعدة مرضى جدد والاستمتاع بالموسيقى وقراءة الكتب. أطلق فرانكل على وجهة نظره المفعمة بالأمل وسط اليأس “التفاؤل المأساوي”.

قصة فرانكل مثال استثنائي، وهذا ما يدفعنا للاستلهام منها. إذا كنا مهووسين بقيود تغيير معين، فمن المرجح أن نغرق في مشاعر سلبية مثل القلق والمرارة واليأس.

بدلاً من التركيز على السلبيات، يجب أن نتقبّل حقيقة أن التغيير جزء من الحياة، وأن نستخدم حريتنا في اختيار كيفية استجابتنا له.

لا تتوقع الاستقرار

في أواخر السبعينيات، بدأ باحث في جامعة شيكاغو يُدعى سلفاتوري مادي دراسة على الموظفين في شركة الهاتف، إلينوي بيل (Illinois Bell)، وبعد وقت قصير، خضع قطاع الهاتف إلى تخفيف الأنظمة، وكان على الشركة إلى إجراء الكثير من التغييرات. في حين واجه بعض المدراء صعوبة في التكيف مع التغييرات، تمكن آخرون من تجاوز هذه المحنة بنجاح، ما الفرق بين المجموعتين؟

قرر القادة الذين استطاعوا التكيف النظر إلى التغييرات جميعها، سواء كانت مزعجة أو مريحة، على أنها جزء طبيعي متوقع من التجربة الإنسانية، لا حالة شاذة مأساوية يقع الأفراد التعساء ضحايا لها. وبدلاً من الشعور بأن هذه التغييرات هجوم شخصي من القادة الجهلة أو المشرعين الحاقدين أو العالم الظالم، ظل هؤلاء القادة منخرطين في عملهم وحددوا الفرص المتاحة لتحسين خدمة العملاء وتعديل هياكل التسعير القديمة.

بالمقابل، اكتشف مادي أن القادة الذين واجهوا صعوبة في التكيف كانوا يركزون اهتمامهم على الماضي، واستنفدوا طاقتهم في محاولة فهم السبب الذي جعل ظروفهم فجأة تصبح غير مواتية، وحاولوا العودة إلى وضعٍ وظروفٍ سابقة لم تعد قائمة.

على الرغم من أن كل واحدة من هذه التقنيات الست تتطلب مهارات مختلفة لتنفيذها، وقد تفضل بعضها على بعض، فثمة إجراء حاسم يتعين عليك اتخاذه لتعزيز كفاءتك في إدارة التغيير، وهو تقبّله.