كيف يمكن مساعدة الأمهات غير العاملات على العودة إلى العمل؟

7 دقائق
الأمهات العاملات والعودة للعمل بعد انتهاء الإجازة

في عام 2008، تركت هاجيت كاتزينيلسون عملها في شركة تقنية ناشئة من أجل رعاية أطفالها الثلاثة الصغار. وبعد 4 سنوات، كانت متحمسة ومستعدة للعودة إلى العمل. واستناداً إلى شهادتها في الهندسة الإلكترونية، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، و14 سنة من الخبرة العملية السابقة، جدّدت مهاراتها مع مشاريع استشارية، وطوَّرت بنفسها تطبيقاً للهاتف الجوال خاصاً بتقديم الهدايا. ولكنها في كل مرة كانت تتقدم فيها لوظائف متعلقة بالمنتجات كانت تصل إلى طريق مسدود، وحدث ذلك مراراً وتكراراً، واستمر ذلك مدة 5 سنوات كاملة، فكيف هو حال الأمهات بعد انتهاء الإجازة؟

شكّك أرباب العمل المحتملون في مؤهلاتها والتزامها أو تجاهلوها تماماً. قالت لي: "أخبرني كثير من الأشخاص ذوي النوايا الحسنة أن أتوقف عن البحث". وكانوا يقولون لي: "توقفي، أنتِ تحاولين عبثاً فعل المستحيل".

كيفية مساعدة الأمهات العاملات إلى العودة للعمل بعد انتهاء الإجازة

يعمد أرباب العمل والسياسيون إلى التركيز على الأمهات والآباء الجدد عندما يتعلق الأمر بالأسر العاملة. ولكن الأمهات والآباء الذين يغادرون القوى العاملة عندما يكون أطفالهم صغاراً ويريدون العودة إلى العمل لاحقاً قد يشكلون أكبر مورد غير مستغل في عالم الشركات الأميركية. ومع معدلات بطالة متدنية غير مسبوقة تقريباً وشركات تتحسر على نقص الأيدي العاملة، حان الوقت للاستفادة من هذه المجموعة من المواهب. عملت في السنة الماضية مع مؤسسات تحاول تنفيذ ذلك تماماً. كما قابلت عشرات المسؤولين التنفيذيين للحديث حول الاستراتيجيات التي يستخدمونها في سبيل تذليل الصعوبات من أجل تحقيق هذا الأمر. وفيما يلي 5 من أهم الاستراتيجيات الواعدة:

وضع برنامج "تدريب العائدين"

تركت كارين هوبير، وهي مهندسة فضاء، وظيفتها بعد ولادة توأم في عام 1996. وبحلول الوقت الذين دخل فيها أولادها المدرسة الثانوية، كانت تتوق إلى العودة إلى العمل بدوام كامل. ولكنها لم تحصل على وظيفة حتى عام 2017، بعد مرور 10 أعوام على بدء عملية البحث. وما أحدث بالنسبة إليها تغييراً ملحوظاً هو برنامج "تدريب العائدين" مع شركة "يونايتد تكنولوجيز" (United Technologies). ووفقاً لقول كارين: "لم يكن تدريباً عادياً. بل كان بمثابة وظيفة حقيقية. بدأ تدريبي مباشرة في جانب من شأنه أن يؤدي إلى وظيفة دائمة".

كما أطلقت شركة "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) أحد أول برامج تدريب العائدين في عام 2008، ويوجد الآن 50 برنامجاً مشابهاً على الأقل في أرجاء الولايات المتحدة، أطلق 38 منها في العامين الماضيين، وفقاً لشركة إعادة التوظيف "آي ريلونش" (iRelaunch). ويعمل عديد من هذه البرامج في الخارج. وتنمو هذه البرامج، المصممة مثل البرامج التدريبية، بسرعة كبيرة. كما تستمر فترات تتراوح من 8 أسابيع إلى 6 أشهر، وهي متاحة للرجال والنساء الذين انقطعوا عن عملهم لسنتين على الأقل. يمكن للعائدين تجديد مهاراتهم، ويمكن للمؤسسات تقييمهم بوصفهم موظفين محتملين. ثم يمكن للجميع تحديد ما إذا كان ثمة شخص جيد مناسب للعمل على المدى البعيد. ويكون العائد، على الأقل، قد حصل على سيرة ذاتية محدّثة إن لم يكن مناسباً لتلك الوظيفة.

وإلى جانب يونايتد تكنولوجيز، وضعت 24 شركة من ضمنها شركات "آي بي إم" و"آبل" و"جونسون آند جونسون" برامج تدريب للعائدين متخصصة في الوظائف التقنية، بمساعدة من جمعية النساء المهندسات (Society of Women Engineers) وشركة آي ريلونش. تقول كارول فيشمان كوهين، الشريكة المؤسِّسة في آي ريلنتش، إن حوالي 400 من المهنيين شاركوا في هذه البرامج، وجرى تعيين 85% منهم في وظائف دائمة. وضمّت تلك المجموعة هوبير التي عُيِّنت في وظيفة دائمة بصفتها مهندسة مشروع في شركة يونايتد تكنولوجيز بعد انتهائها من برنامج تدريب العائدين. وهي تنسب الفضل إلى البرنامج الذي أعطاها المهارات والعلاقات المهنية لإعادة بناء مسارها المهني. وقد شبّهت العودة بركوب دراجة حديثة بدلاً من دراجة قديمة ركبتها قبل سنوات طويلة: "تغيّرت التروس وتغيّر الإطار، ولكنني ما زلت أعرف كيف أركب الدراجات".

توظيف العائدين في وظائف دائمة، مع تقديم الدعم لهم

تتغاضى بعض الشركات عن مرحلة تدريب العائدين وتتوجّه فوراً إلى التوظيف المباشر مع برامج جديدة تقدم التدريب والإرشاد اللذين أُعدا خصيصاً للعائدين. على سبيل المثال، غيَّر بنك "يو بي إس" (UBS) السويسري برنامج تدريب العائدين الذي أطلقه في الولايات المتحدة في عام 2016 إلى برنامج توظيف مباشر في عام 2018، وهي خطوة معقولة نظراً إلى أنه كان يوظّف بالفعل 92% من المشاركين في وظائف دائمة. ويشمل برنامج البنك تخصيص موظف "مرافق تأهيلي" وبرنامج توجيهي لإعداد الموظفين الجدد قبل اليوم الأول من العمل لتسهيل عملية العودة.

اقرأ أيضاً: هل ينبغي تشجيع الأمهات على إرضاع أطفالهن في أماكن العمل؟

كما بدأت شركة "فورد" مع برنامج تدريب للعائدين في عام 2017، ولكنها حوّلته إلى برنامج توظيف مباشر في هذا العام، ذلك أنها تخصص للمشاركين تدريباً على المهارات ومرشداً و"مرافقاً تأهيلياً" لمساعدتهم في التعرف على ثقافة العمل المكتبي. وقد خضع 12 فرداً للبرنامج، من بينهم أم غادرت القوة العاملة مدة 20 عاماً ورجل عسكري أخذ إجازة للالتحاق بالكلية. تقول جولي لودج جاريت، رئيسة المواهب في إحدى شركات صناعة السيارات: "لا يوجد سبب يمنع من أن يكون ذلك الرقم بالمئات". ففي نهاية الأمر، توظف الشركة 3 آلاف موظف كل عام، وقد أجبرتها سوق العمالة المحدودة على تجاوز عمليات التوظيف التقليدية.

استضافة فعاليات للترحيب بالمرشحين

نظَّمت كثير من الشركات ورش عمل لمقابلة العائدين المحتملين وتقييمهم. تعرض "بلومبرغ" (Bloomberg) برنامج "حلقة العائدين" (Returner Circle)، وهو مناسبة تستمر على مدار يوم واحد، وتستضيف 24 مقدّماً سبقت الموافقة عليهم، وتجمع بين المعلومات المهنية والتدريب والمقابلات التمهيدية. ومنذ عام 2016، استضافت ورش عمل في نيويورك وطوكيو ولندن، وعيَّنت موظفين من المستويات المتوسطة وحتى العليا في مجالات تشمل المبيعات وتحليل البيانات والبحوث. وعلى نحو مماثل، يستضيف "بنك أوف أميركا" (Bank of America) ورش عمل بعنوان "المواهب العائدة" (Returning Talent)، وهي مصمّمة للمهنيين الذين يرغبون في العودة إلى العمل، حيث تقدَّم لهم نصائح حول مهارات مقابلات العمل والبحث عن الوظائف، إلى جانب فرصة للقاء بعض المسؤولين عن التوظيف في البنك. تقول جانيس تيت، رئيسة المبادرات الاستراتيجية للمرأة في فريق استقطاب المواهب العالمية التابع لبنك أوف أميركا: "يمثل الأشخاص الذين انقطعوا عن العمل لأسباب مختلفة، بما فيها تنشئة طفل أو رعاية شخص عزيز أو دعم زوج عسكري أو غير ذلك، مجموعة هائلة من المواهب التي لم يُستفَد منها".

تقديم ما هو أكثر من المال

ما زال عديد من الأمهات والآباء العائدين إلى القوى العاملة يحاولون الموازنة بين التزاماتهم الأسرية والمهنية، مهتمين بالعمل بدوام جزئي أو بنظام عمل مرن. ويُمكن أن يُحدث تقديم تأمين صحي وحسابات تقاعد وغير ذلك من المزايا لهؤلاء الموظفين، تحولاً كبيراً في حياتهم. ووجد استطلاع أجراه موقع التوظيف "غلاسدور" (Glassdoor ) أنّ 4 من أصل كل 5 أشخاص يفضلون الحصول على مزايا أكثر من زيادة الراتب، ويكون التأمين الصحي على رأس هذه المزايا. ومع ذلك، يستفيد 25% من الموظفين بدوام جزئي فقط من التأمين الصحي الذي يعد الميزة الأهم بالنسبة إليهم في شركاتهم. تبدأ بعض جهات التوظيف بالعمل على هذه الجبهة. وتعتبر جونسون آند جونسون وشركة "كوستكو" (Costco) وشركة "جيه بي مورغان تشيس" (JP Morgan Chase) و"بوسطن كونسلتينغ جروب" (Boston Consulting Group)، من بين هذه الجهات التي تقدم الآن تأميناً صحياً ومزايا أخرى إلى بعض الموظفين بدوام جزئي. أو تأخذ بعين الاعتبار ترتيبات عمل مرنة لهم. كما تعمل "بوسطن كونسلتينغ جروب" مع مستشارين سابقين على أساس كل مشروع على حدة، ما يسمح للشركة بالاحتفاظ بعلاقتها مع الزملاء القدامى. يقول مات كرينتز، وهو مدير إداري وأحد كبار الشركاء: "غالباً ما يكون هؤلاء من النساء، على سبيل المثال لا الحصر، اللواتي قررن ترك القوى العاملة بدوام كامل، ولكن ما زالت لديهن رغبة في الحصول على فرصة للبقاء نشطات [فقط] بطريقة تلبي احتياجاتهن. وينتهي الأمر بعدد منهن بالعودة إلى وظائف بدوام كامل".

الربط مع برامج جامعية

في السنوات الأخيرة، وسَّعت مراكز التنسيب الوظيفي الجامعية، التي أنشئت فيما مضى لطلاب السنة الرابعة الذين على وشك التخرج والطلاب الباحثين على فرص تدريبية، نطاق جهودها لتصل إلى الخريجين. وتُعدّ جامعة ميشيغان (University of Michigan) وجامعة "بوكنل" (Bucknell) وجامعة كولورادو (Colorado State University) ضمن جامعات كثيرة تشجع الإرشاد المهني للخريجين في جميع مراحل حياتهم. كما حرصت بعض المعاهد التعليمية على إعادة تنظيم جهودها في التوظيف بعد الأزمة المالية لعام 2008، بهدف مساعدة الخريجين الذين اختفت وظائفهم. وعندما نظّمت كلية الحقوق بجامعة شيكاغو يوم إرشاد مهني في عام 2009، امتلأ البرنامج في غضون 24 ساعة.

اقرأ أيضاً: كيف تضمن الشركات عدم إضرار إجازة الأمومة بالمسار المهني للنساء؟

وفي الجامعة الأميركية (American University)، يوجد مستشار مخصص لشؤون الخريجين. وتقدم الجامعة 3 جلسات استشارة مجانية، ضمن خدمات أخرى، وتدعو خريجيها السابقين إلى معارض الوظائف التي تنظّمها. يشير ماثيو باسكوسيلو، الذي عمل لأكثر من 20 عاماً مديراً للتطوير المهني للخريجين في كلية واشنطن للحقوق بالجامعة الأميركية، إلى أن جهات التوظيف أكثر ميلاً للعائدين مما كانت عليه الحال في السابق. حيث يقول: "لم يعد عاراً، لا سمح الله، أخذ إجازة للاهتمام بالأسرة".

بينما تعتبر هذه البرامج بداية مشجعة، فإنها ليست حلاً للمشكلات كافة. ذلك أنها تعالج نسبة بسيطة فقط من ملايين الأشخاص الذين يحاولون إعادة الدخول إلى سوق العمل، ويمكن أن يجد الموظفون العائدون أنفسهم يتقاضون أجوراً أقل من زملائهم أو في مناصب أدنى بكثير من المناصب التي عملوا فيها في السابق. ولكن ثمة علامات على أن هذه البرامج ستتحسن بسرعة، لأن مجموعة جديدة وكبيرة من النساء والرجال سيأخذون إجازة من وظائفهم قريباً: يقول 84% من مواليد جيل الألفية من كلا الجنسين إنهم يتوقعون أخذ إجازة "عظمى" في مرحلة ما من وظيفتهم لرعاية الأطفال أو لأسباب أخرى. وستكون المؤسسات التي تجهز حالياً برامج للعائدين إلى العمل مهيأة جيداً للاستفادة من جميع القادمين في المستقبل.

وفي بعض الحالات، قد تجد هذه المؤسسات قادتها المستقبليين، كما فعل بنك "يو بي إس" (UBS) عندما وظَّف كارين سونديرام. كانت كارين، وهي أم لأربعة أولاد دون 9 سنوات، تسكن ولاية نيوجيرسي الأميركية، وقد انضمت إلى برنامج البنك المخصص لتدريب العائدين في خريف عام 2017، واستمرت في العمل في ذلك البنك مديرة تنفيذية، وهو منصب أعلى رتبة من الوظيفة التي تركتها في شركة "مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) في عام 2015. وهي تقول: "لم أتخيل أبداً أنني سأجلس في المنزل إلى الأبد"، ولكنها شعرت بالارتياح بأخذ إجازة مدة سنتين ونصف لأنها علمت عن برامج العودة إلى العمل.

وتواجدت هاجيت كاتزينيلسون ضمن الصفوف الأولى المتقدمين للعودة إلى العمل في شركة "وول مارت" (Walmart) وكان عددهم 32 في سبتمبر/ أيلول من عام 2018 بعد حضور مناسبة استضافتها "باث فوروارد" (Path Forward)، وهي مؤسسة غير ربحية تعمل مع شركات بما فيها "نتفليكس" (Netflix) و"ساب" (SAP) ووول مارت، لتطوير برامج تدريب للعائدين. وبالنسبة إلى هاجيت، فقد أنهت تلك المناسبة 5 سنوات من البحث عن عمل. وجرى توظيفها فيما بعد في منصب كبير مدراء المنتجات في مكتب الشركة في مدينة سانيفال في ولاية كاليفورنيا الأميركية.

تقول هاجيت: "لقد كانت فرصة للانطلاق وإثبات نفسي". وهي سعيدة بالعودة إلى العمل مرة أخرى. ولكنها تعلم أنه لا يزال هناك آخرون كثيرون يحاولون عبثاً فعل المستحيل. وتقول: "كان هناك 500 امرأة في هذه الجلسة، وكلهن يتطلعن إلى العودة بعد انقطاع عن العمل. وكان ذلك محزناً جداً. ها هنا قطاع أعمال يقول إنه لا يمتلك المواهب الكافية في العمل، وها هنا مواهب تنتظر دورها لتعود إلى العمل"، فإذا اتبع المدراء تلك الاستراتيجات سيتمكنون من استقبال الأمهات بعد انتهاء إجازة العمل.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي